الفنان الكردي الشهير الراحل محمد علي تجو يُذكر في مقدمة أحد أغانيه، أنه التقى صدفةً بالموسيقار نوري إسكندر الذي بادر للجلوس معه عندما شاهده يدندن بطنبوره، في مطعم دمشق بحي الميدان- حلب، أواخر سبعينيات القرن الماضي، فعزف مقطوعات كردية وتبادلا أطراف الحديث عن الموسيقا والإحساس العميق لدى المرأة المضطّهدة؛ أعجب إسكندر بتجو ودعاه لزيارة المركز الثقافي- رعاية الشباب، ليتعاونا في مجال الفن، ولكنه لم يلبي الدعوة.
رحل تجو مساء 16 شباط 2012م عن عمرٍ ناهز /82/ عاماً، بينما توفي إسكندر في 25 كانون الأول 2023م عن عمرٍ ناهز /85/ عاماً، لم يعملا سوياً في الغناء والموسيقا، ولكنهما تركا إرثين فنيين كبيرين لشعبيهما الكردي والسرياني والسوري عموماً.
قال إسكندر في حوارٍ مع موقع الكومبس https://alkompis.se/ – 22/9/2014م عن قرار الرحيل عن سوريا: «كان صعباً جداً أخذته بعد أن ذقت مرّ الأزمة وتجرعت غصتها وقاومت حتى ملّت المقاومة مني، فبعد أربع سنوات من بطالتي والاعتماد على راتبي التقاعدي لتأمين خبزنا كفاف يومنا، دفعتني ضيقتي إلى الرحيل… وللأسف برغم التكاليف القليلة التي احتجتها للاستمرار في البحث الموسيقي لم أجد دعماً في بلدي ولا حتى طلبي باستئجار غرفة تحوي حاسبين آليين وموظف يعينني بأبحاثي…».
ووفق كومبس: يعتبر اسكندر من أكثر الباحثين والمؤلفين الموسيقيين السوريين اهتماماً بتوثيق الموسيقى السورية القديمة ولاسيما السريانية (الكنسية و المدَنية) التي تعود لكل من مدرسة الرها «أورفا» ومدرسة دير الزعفران، حيث حولها من تراث شفهي معرّض للضياع إلى مدونات جمعها في كتابين وفق نظام الكتابة الموسيقية الحديثة «التنويط» برعاية المطران يوحنا ابراهيم، وله أعمال هامة بدا فيها شغوفاً بتحقيق تداخل الأجناس والعلاقة بين المقامات الشرقية والغربية، ومن أهم أعماله «كونشرتو التشيللو» مع أوركسترا الحُجرة، و«حوار المحبة» عام 1995، و«الآهات» 2003، و«يا واهب الحب»، و«مدخل إلى الصوفية» 2007م، بالإضافة إلى أعمال الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات.
كما كتب عنه الفنان والباحث العراقي باسم حنا بطرس في تشرين الأول 2004م قائلاً: «إنه جهدٌ دائم الحركة… إنه نبضٌ لا يهدأ له حال… إنه التكريس الأبدي للقضية الموسيقية… إنه مدرسة موسيقية بحدِّ ذاتها… لا يهدأ له بال، علاقاته صارت ذا حالٍ متميزة مع كل أقرانه من رجال الإكليروس والخدمة الليتورجية من مختلف الملل والحلل، والعَلمانيين ومراكز البحث لأصول الموسيقى السريانية».
وفي رثاء اسكندر كتب الموسيقار الكردي عبد الغني ميرزو- Gani Mirzo: الفنان الكبير بقلبه وفنه وإنسانيته وفكره وكل شيء بما يحمله القيم والإنسانية… ستظل دائماً في قلوبنا لأنك بنيت مكاناً في قلوبناً».
نزحت عائلته السريانية من الرها/اورفا- تركيا عام 1925م إلى مدينة دير الزور السورية، ليفتح إسكندر عيناه إلى الدينا عام 1938م ويعيش هناك أربع سنوات، ثم انتقلت العائلة إلى حلب، حيث درس في مدارسها إلى أن نال الشهادة الثانوية، وكانت بداياته الفنية عازف ترومبيت مع الفرقة الكشفية السريانية الأرثوذكسية في حلب ودرس آلة الكمان لمدة سنة واحدة، وحصل على ليسانس من المعهد العالي للتربية الموسيقية في القاهرة عام 1964م، وأسس في حلب ما عرف بـ»الكورال السرياني» عام 1965، وفرق أخرى، وقام بالتدريس في مدارس وزارة التربية والتعليم بحلب، بالإضافة إلى دار المعلمين حتى عام 1989م، وشغل منصب مدير المعهد العربي في حلب بين عام 1994 ولغاية 2003م.
* جريدة الوحـدة – العدد /345/- 04 نيسان 2024م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).