الإعلان الدستوري: تكريس للهيمنة السلطوية وتقويضٌ لمنظومة التحوّل الديمقراطي
أثار الإعلان الدستوري الصادر مؤخرًا في سوريا موجة استنكار واسعة النطاق، عبّرت عنها مختلف الأطياف المجتمعية والسياسية والحقوقية، بوصفه نصًا ينطوي على انتكاسة قانونية وسياسية خطيرة تمسّ جوهر مشروع الانتقال نحو دولة مدنية ديمقراطية. فبدلًا من أن يشكل هذا الإعلان الإطار الناظم للمرحلة الانتقالية، جاء بصيغة تعيد إنتاج منظومة الحكم الاستبدادي التي ثار عليها الشعب السوري.
تركيز السلطات بيد السلطة التنفيذية وتغييب مبدأ التعددية
لقد منح الإعلان الدستوري لرئيس الجمهورية صلاحيات استثنائية تُخرج النظام السياسي عن مبدأ الفصل بين السلطات، وهو أحد الركائز الدستورية المعترف بها دوليًا، فقد نصّ على حق الرئيس في تعيين ثلث أعضاء مجلس نواب الشعب، وتسمية أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وقيادة القوات المسلحة؛ مما يرسّخ حالة من احتكار السلطة تتنافى مع المعايير الديمقراطية والمبادئ الدستورية الراسخة.
ويُعدّ هذا التركيز غير المبرر للسلطات التنفيذية إهدارًا للضوابط الدستورية، ويكرّس مبدأ «الحكم الفردي» الذي يُعد من أبرز مظاهر الأنظمة السلطوية، بما يهدد استقلال القضاء، ويقوّض فعالية الرقابة البرلمانية، ويغلق المجال العام أمام التعددية السياسية.
وبإقصاء منهجي للهويات غير العربية وتهميش للعدالة الدستورية
يتجاهل الإعلان البنية التعددية للمجتمع السوري عبر تركيزه الحصري على الهوية القومية العربية واعتبار الفقه الإسلامي المصدر الأساسي للتشريع، في تغييب صريح لمبدأ المواطنة والمساواة. هذا النهج الإقصائي يتعارض مع مبادئ القانون الدستوري المقارن الذي يُقرّ بضرورة الاعتراف بالتعدد الثقافي واللغوي كضمان للاستقرار المجتمعي.
ويُعد تهميش المكونات غير العربية – من كُـرد وسريان وآشوريين وتركمان وغيرهم – انتهاكًا لمبدأ تكافؤ الحقوق السياسية والثقافية، ويقوّض أسس التعايش السلمي والعدالة الدستورية، فضلًا عن كونه يفرّغ الدولة من أي التزام حقيقي بمبادئ العقد الاجتماعي الحديث.
وفي غياب واضح لرؤية ديمقراطية وآليات العدالة الانتقالية
يفتقر النص الدستوري المعني لأي رؤية مؤسسية تضمن لا مركزية الحكم أو تنص على آليات تكفل حرية العمل السياسي وتداول السلطة. كما يتجاهل تمامًا الإشارة إلى قضايا العدالة الانتقالية، بما في ذلك محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهو أمر جوهري في أي انتقال ديمقراطي حقيقي.
هذا الغياب يشكل إخلالًا جسيمًا بالالتزامات الدستورية والمعايير الدولية المتعلقة بالمرحلة الانتقالية، ويؤجج مناخ انعدام الثقة بين الدولة والمجتمع، ويحوّل دون تحقيق مصالحة وطنية مستدامة.
وتأكيداً لهذا، ظهرت ردود فعل حقوقية وسياسية رافضة ودعوات لصياغة جديدة؛ في هذا السياق، أعربت قوى سياسية وحقوقية بارزة – من ضمنها مجلس سوريا الديمقراطية، والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، – عن رفضها القاطع لمضامين الإعلان، مطالبة بإعادة صياغته صياغة جذرية ترتكز على أسس تمثيلية وتوافقية.
كما أنّ الإعلان بصيغته الراهنة يشكل خرقًا واضحًا للمعايير الدستورية العالمية، ويستلزم تشكيل لجنة تأسيسية جديدة تتمتع بتمثيل حقيقي لكافة المكونات السورية لصياغة دستور يؤسس لدولة المواطنة والقانون.
إن الإعلان الدستوري الراهن يمثل حالة نموذجية من الانحراف التشريعي، ويجسد تقويضًا صارخًا للحقوق والحريات، وهو غير مؤهل لأن يشكل الإطار الدستوري للمرحلة الانتقالية في سوريا. إن استمراره بصيغته الحالية يهدد بإعادة إنتاج منظومة الحكم السلطوي التي فشلت في بناء الدولة، ويعيق المسار نحو دولة ديمقراطية تعترف بحقوق جميع المواطنين دون تمييز. وعليه، فإن الخروج من هذا المأزق يتطلب إرادة سياسية جامعة، تبدأ بتشكيل لجنة دستورية تمثيلية، وتنتهي بوثيقة تأسيسية تستجيب لتطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة والديمقراطية.
——————
* جريدة “الوحـدة” – العدد /348/ – 15 أيار 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).