مجازر بحق المدنيين في السّاحل السوري… إدانات واسعة ودعوات لوقف العنف
جريدة الوحـدة*
ألم يكفي هدر دماء السوريين على مدار أربعة عشر عاماً، حتى يرتوي عشّاق القتل من نزيفٍ جديد بُعيدَ ذاك الفرح العارم الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد، ولم يكتمل بَعد؟! خلال أيام قُتل واختطف الآلاف من أبناء السّاحل السوري، محافظتي اللاذقية وطرطوس وريف حماه الغربي، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، جلّهم من أبناء الطائفة العلوية؛ مجازر ارتكبت بحق المدنيين العزّل، وأغلب سكّان الأرياف هجّت إلى الجبال والوديان للاختباء في أحضان الطبيعة وعشرات الآلاف نزحت إلى لبنان؛ صور ومشاهد مروعة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، معظمها منشورة من قبل المجرمين الذين يظهرون رضاهم عن أفعالهم الشنيعة.
خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الإدارة الجديدة في البلاد، كان هناك هدوء وأمان نسبي ومقبول في تلك المناطق، وتمّ تسوية أوضاع الآلاف من عناصر النظام البائد، عسكريين وأمنيين، ولكنّ قسمٌ منهم آثر البقاء في الجبال وحمل السّلاح، وبتحريضٍ خارجي، في 6 شباط 2025م، قاموا بالهجوم على المراكز الأمنية وقتل المئات من عناصر الأمن العام والسيطرة على بعض المؤسسات وإشاعة الفوضى وقطع الطرقات، فاستدعت الإدارة العسكرية والأمنية في دمشق قوات إضافية من محافظتي إدلب وحلب وأعلنت النفير العام، فيما دعا أئمة الكثير من المساجد إلى الجهاد، وشاركت في الحملة بقايا الميليشيات الموالية لتركيا (العمشات، الحمزات، وغيرهما) والجماعات الجهادية التركستانية والإيغورية والأوزبكية وغيرها الرديفة لـ»هيئة تحرير الشّام»، لمواجهة ما سمي بـ»فلول النظام» واستعادة السيطرة على السّاحل السوري، رافقتها عمليات مداهمة المنازل وسرقات واسعة لممتلكات الأهالي وحرق المنازل والسيارات والضرب والتعذيب والمعاملة المهينة والتهجير القسري والقتل والخطف والاعتقال على أساس الهوية الطائفية.
انتهاكات وجرائم
من حيث النتيجة، توصف تلك الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق جماعة بشرية متمايزة وعلى نحوٍ واسع، بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فلم تكن حالات فردية، وجرت تحت غطاء وزراتي الدفاع والداخلية لدى حكومة الرئيس أحمد الشرع، وإن لم تبنى المؤسسات العسكرية والأمنية بشكلٍ نهائي، حيث تحركت تلك الميليشيات بناءً على طلبها وانفلتت في تلك المناطق، سيّما وأن السلطة ارتكبت خطأً جسيماً في الدعوة للنفير العام الذي يجري عادةً إذا كان هناك خطر خارجي داهم وكبير، ولم تصدر ضوابط عسكرية واضحة وتعليمات صارمة لتلك العمليات، تراعي أوضاع المدنيين وحقوق الإنسان بشكلٍ عام.
ما قبل الأحداث
استغّلت تلك المجموعات المسلّحة الهاربة (فلول النظام) البيئة السائدة في السّاحل السوري، من تصاعد الخطاب الطائفي والتضييق والإساءة إلى «العلويين» وإقصائهم من العملية السياسية في البلاد وفصل الآلاف منهم من الوظائف وبقاء الآلاف من العسكريين في السجون، بالإضافة إلى الانتهاكات الأخرى ضدهم، حيث وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان /500/ انتهاكاً غالبيتها القتل، وقعت قبل الأحداث المذكورة.
كما أكّد المرصد بتاريخ 14 نيسان/أبريل 2025– الجهة الأكثر متابعةً وموثوقية – أنّه وثّق مقتل /2161/ شخصاً قتلوا وتمت تصفيتهم وإعدامهم ميدانيا في الساحل السوري وقرى من الأقلية الطائفية في سورية منذ سقوط النظام السابق في 8/12/2024م، منهم /486/ ضحية منذ سقوط النظام وحتى يوم 14 نيسان، تم قتلهم وتصفيتهم على أساس طائفي وانتماء سياسي. أما العدد الإجمالي للموثقين بالأسماء من ضحايا مجازر الساحل (62 مجزرة) التي ارتكبت يوم الخميس 6 آذار وحتى 14 نيسان فوصل إلى /1675/ ضحيةً من المدنيين.
واتهم المرصد السلطات المحلية بتحريف الحقائق وبعمليات إزالة الأدلة عبر غسل الشوارع والمباني ونقل الجثث ودفنها في مقابر جماعية أو رميها في البحر أو إلباس بعضها الزي العسكري.
الرئيس الشرع
فى خطاب تلفزيوني، مساء 8/3/2025م، أشاد بالحشود التي استجابت لدعوة النفير العام، وقال «إذا مست محافظة سورية بشوكة تداعت لها جميع المحافظات لنصرتها وعزتها»، وأكّد الشرع على ملاحقة فلول النظام الساقط ومحاكمتهم وعلى أنّ كل من يتجاوز على المدنيين سيحاسب حساباً شديداً.
وفي اليوم التالي شكّل «لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري» مؤلفة من سبعة أعضاء، تمّ تمديد فترة عملها بعد مضي شهر مدة ثلاثة أشهر أخرى، و»لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي» للتواصل مع الأهالي.
إدانات
شكّلت تلك الأحداث ولازال مخاطر كبيرة على البلاد ومستقبلها، وكانت موضع استنكار معظم السوريين؛ جهات محلية ودولية عديدة دانت تلك الانتهاكات والجرائم، إذ أبدى مجلس سوريا الديمقراطية في بيان له بتاريخ 7/3/2025م رفضه القاطع للمواجهات العسكرية، ودعا إلى معالجة أسباب التوتر عبر حوارٍ جاد ومسؤول، بعيدًا عن العسكرة والشحن الطائفي، مع تغليب المصلحة الوطنية لتجنب تكرار التجارب المؤلمة في تاريخ سوريا ودول الجوار. وشدّد على أنّ استهداف المدنيين وعناصر الشرطة المحلية يُعد انتهاكًا صارخًا للسلم الأهلي، وهو عمل مدان يجب وقفه فورًا.
كما قال الحزبان «الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا» في تصريح مشترك بتاريخ 9/3/2025م: «في الوقت الذي ندين فيه ونستنكر جملة الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق أهلنا المدنيين في الساحل السوري وعموم المناطق السورية، نناشد الجميع نبذَ العنف جملةً وتفصيلاً، والاحتكام إلى لغة السّلم والحوار والتصالح، بعيداً عن نزعات الاستعلاء وخطاب الكراهية، أو التنمر والتمييز، وذلك من أجل حقن دماء السوريين، وحماية وإرساء أسس المواطنة الحقيقية، من أجل التآلف والعيش المشترك على قاعدة العدل والمساواة».
وكذلك:
أمريكا
قال وزير الخارجية ألأمريكية ماركو روبيو، في 9/3/2025م: «تدين الولايات المتحدة قيام إرهابيين إسلاميين متطرفين، وبما فيهم جهاديين أجانب، بعمليات قتل في غرب سوريا في الأيام الأخيرة. تقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك الأقليات المسيحية والدرزية والعلوية والكردية، كما تعرب عن أحرّ التعازي للضحايا وأسرهم. وينبغي أن تحاسب السلطات السورية المؤقتة مرتكبي هذه المجازر بحق الأقليات في البلاد».
ألمانيا
في 9/2/2025م، صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية: «ندين اندلاع أعمال العنف في مناطق طرطوس واللاذقية وحمص السورية. إنّ التقارير عن مقتل مدنيين وسجناء صادمة. تقع على عاتق الحكومة الانتقالية مسؤولية منع وقوع مزيد من الهجمات، والتحقيق في تلك الأحداث، ومحاسبة المسؤولين عنها. كما نُطالِب كافة الأطراف إنهاء العنف».
وأضافت: «هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الاجتماعي بعد عقود من حكم نظام الأسد الإرهابي، والشروع في عملية سياسية شاملة تُشكل أهمية بالغة لتحقيق السلام والاستقرار المستدام في سوريا. يجب أن يكون مستقبل البلاد في أيدي جميع السوريين، بغض النظر عن العرق، أو الدين، أو الجنس، بعيدًا عن أي محاولات أجنبية لزعزعة الاستقرار».
بريطانيا
في 9/3/2025م، قال وزير الخارجية ديفيد لامي: «أنباء مروعة حول قتل عدد كبير من المدنيين في مناطق سورية الساحلية… يجب على السلطات في دمشق ضمان حماية جميع السوريين، ووضع مسار واضح تجاه العدالة الانتقالية».
فرنسا
في 8/3/2025م، نددت فرنسا، «بأكبر قدر من الحزم بالتجاوزات التي طاولت مدنيين على خلفية طائفية وسجناء» في سوريا، ودعت الخارجية الفرنسية في بيان «السلطات السورية الانتقالية إلى ضمان إجراء تحقيقات مستقلة تكشف كامل (ملابسات) هذه الجرائم، وإدانة مرتكبيها».
وكررت الخارجية الفرنسية «تمسكها بانتقال سياسي سلمي وجامع بمعزل عن التدخلات الخارجية، يكفل حماية التعددية الإثنية والطائفية في سوريا»، وأنّ هذا الأمر هو «السبيل الوحيد لتجنب إغراق البلاد في التفكك والعنف، وعدم توفير أي جهد لتحقيق هذه الغاية».
الاتحاد الأوروبي
قال في بيان له بتاريخ 8/3/2025م: «إنّ الاتحاد الأوروبي يدين بشدة الهجمات الأخيرة في المناطق الساحلية في سوريا، فضلاً عن أي عنف ضد المدنيين، كما يجب حماية المدنيين في جميع الظروف وفقاً للقانون الإنساني الدولي».
روسيا
قالت وزارة الخارجية الروسية، في 7/3/2025م، إنها تشعر بالقلق إزاء التدهور الحاد في الوضع الأمني في سوريا، ودعت جميع القادة في البلاد إلى محاولة وقف إراقة الدماء في أقرب وقت ممكن.
وأضافت: «في هذه الظروف الصعبة للفترة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا، يعدّ الحفاظ على الوفاق الوطني وتعزيز أمن المواطنين وضمان حقوقهم القانونية بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني، أمرًا ذا أهمية قصوى».
منظمة العفو الدولية
في 3 نيسان/أبريل 2025م، قالت: «يجب التحقيق في المجازر المرتكبة في الساحل السوري بحق المدنيين العلويين باعتبارها جرائم حرب» و «ميليشيات تابعة للحكومة قتلت عمدًا مدنيين من الأقلية العلوية» و «يجب على الحكومة السورية ضمان إجراء تحقيقات مستقلة وفعالة في عمليات القتل غير المشروع وغيرها من جرائم الحرب ومحاسبة الجناة» و «كشف الحقيقة وتحقيق العدالة وتقديم التعويض شروط حاسمة لإنهاء دوامات الفظائع».
الأمم المتحدة
في 7/3/2025م، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء الاشتباكات في المناطق الساحلية في سوريا، بما في ذلك التقارير التي تحدثت عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء وسقوط ضحايا من المدنيين.
وفي مؤتمر صحفي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: إنّ الأمين العام يدين بشدة كل أعمال العنف في سوريا داعيا الأطراف إلى حماية المدنيين ووقف الأعمال العدائية.
بدوره، أعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون عن بالغ قلقه إزاء التقارير الواردة بشأن اشتباكات عنيفة وحالات قتل في المناطق الساحلية، بما في ذلك بين قوات سلطات تصريف الاعمال وعناصر موالية للنظام السابق، مع ورود تقارير مقلقة للغاية عن وقوع ضحايا مدنيين.
وفي 9/3/2025م، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك: «إنّ تقارير مقلقة للغاية ترد عن مقتل عائلات بأكملها، بمن في ذلك نساء وأطفال ومسلحون غير مشتركين في الأعمال العدائية، في أعقاب سلسلة من الهجمات المنسقة التي تفيد تقارير بأن عناصر من الحكومة السابقة ومسلّحين محليين آخرين شنوها على المدنيين في المناطق الساحلية في شمال غرب سوريا». وشدد على أنه يجب أن تكون هناك تحقيقات فورية وشفافة ونزيهة في جميع عمليات القتل والانتهاكات الأخرى، وتجب محاسبة المسؤولين عنها بما يتماشى مع قواعد ومعايير القانون الدولي، مضيفا أنه يجب محاسبة الجماعات التي تروع المدنيين.
وقال آدم عبد المولى المنسق المقیم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا: «أسفرت الأعمال العدائية المتصاعدة في محافظات طرطوس واللاذقية وحمص وحماة عن سقوط ضحايا مدنيين، وحركة نزوح، إضافةً إلى أضرار في البنية التحتية المدنية، في وقت ما زال فيه الوصول إلى المناطق المتضررة مقيدًا بشدة».
وحثّ جميع الأطراف على «وقف الأعمال العدائية فورًا، وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية وعمليات الإغاثة، وذلك وفقًا للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان». وأكّد على ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وآمن ودون عوائق إلى المحتاجين.
ختاماً
وفق الحزبين «التقدمي، الوحـدة»: «باتت قضية السّلم الأهلي تتبوأ صدارة الأولويات، وضرورة وقف العنف والأعمال العدائية والهجمات من أين أتت وأينما كانت في عموم المناطق السورية واجباً ملحاً لا بديل له، وبدا واضحاً أنّ انتهاج الخيار الأمني ـ العسكري من جانب سلطات الدولة في حلّ قضايا الداخل السوري، أمرٌ عبثي له مخاطر جمّة، كما أثبتته التجربة. وإنّ اللجوء إلى حمل السّلاح في وجه قوى الأمن العام الداخلي وإعاقة مهامها الرسمية، يشكل خطيئة لها تبعاتها وعواقبها القانونية».
————–
* جريدة “الوحـدة” – العدد /348/ – 15 أيار 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).