القسم العاممختارات

جرمانا وصحنايا والسويداء… تحريض طائفي، انتهاكات وجرائم

جريدة الوحـدة*

مساء 28 نيسان 2025م، شهدت بعض الجامعات والمدن السورية تجمعات تطلق شعارات طائفية وتحريضية ضد الدروز في سوريا، على خلفية تداول تسجيل صوتي مفبرك مسيئ للنبي محمد (ص) على وسائل التواصل الاجتماعي، نسب إلى أحد شيوخ الطائفة الدرزية، فبدأت حشود المسلّحين المنفلتين بالهجوم على مدينة جرمانا بريف دمشق الجنوبي، التي تسكنها أغلبية درزية، ووقعت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين الجانبين، أدت إلى وقوع أضرار كبيرة وعشرات القتلى والجرحى، وامتدت في مساء 29/4/2025م إلى مدينة أشرفية صحنايا بريف دمشق الجنوب غربي، ليطال الهجوم الأحياء السكنية وتحتدم الاشتباكات وتقع المزيد من الأضرار البشرية والمادية، وكذلك وقعت اشتباكات على طريق دمشق السويداء، وفي اليوم التالي وصلت إلى بعض قرى محافظة السويداء (الثعلة، الدور، كناكر، الصورة، حران)، ليتم الاعتداء على المدنيين ومنازلهم وعلى مزارات دينية، واُرتكبت جرائم حرب وعمليات تصفية، وسط احتقان طائفي مقيت، وحصار مدن جرمانا وصحنايا والسويداء وقراها، حيث سيطرت الجماعات المسلّحة المهاجمة على جرمانا وصحنايا، وتدخل جهاز الأمن العام مدعومةً من وحدات لوزارة الدفاع لضبط الأوضاع وإخراج المجموعات المنفلتة دون إلقاء القبض على أي عنصر منها، سوى اعتقال بعض رجال المدينتين. ويشار إلى أنّ الجماعات المسلّحة كانت تبث وتنشر مقاطع فيديو وصور متتالية عن هجماتها، مترافقة بأصوات معادية وحقد وكراهية ضد الدروز.

فيما قالت وزارة الداخلية لدى حكومة دمشق، في تصريحٍ لها بتاريخ 29/4/2025م، إنّ الشخص الذي وجهت إليه أصابع الاتهام لم تثبت نسبة الصوتية المتداولة إليه، وشددت على أهمية الالتزام بالنظام العام، وأنها ستقوم بدورها الكامل في حماية المقدسات ومحاسبة المسيئين إليها، محذرةً من أن أي تجاوز للقانون سيقابل بإجراءات صارمة لضمان حفظ الأمن والاستقرار، دون أن تشير الوزارة صراحةً إلى مخاطر الشعارات الطائفية المسيئة للغير وضرورة وقفها تحت طائلة المسؤولية وإلى وقف العنف ضد الدروز.

كما شهدت بعض الجامعات حالات اعتداء على طلاب من أبناء الطائفة الدرزية، مما اضطّر معظمهم إلى ترك جامعاتهم والتوجه إلى أهاليهم، لا سيّما إجلاء مئات الطلاب الجامعيين من جرمانا ونقلهم إلى السويداء بالحافلات تحت حماية مشددة.

وقد صدر بيان عن «الهيئة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في جرمانا»، يوم 29/4/2025م، استنكرت فيه الإساءة إلى النبي محمد، وأكّدت على أنّ ما تمَّ تلفيقه من مقطع صوتي بهذا الخصوص مشروعَ فتنةٍ وزرعاً للانقسام بين أبناء الوطن الواحد، ودانت «الهجوم المسلّح غير المبرر على مدينة جرمانا، الذي استُخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة، واستهدف المدنيين الأبرياء، وروّع السكان الآمنين بغير وجه حق». وطالبت الدولة بالتحرك فوراً لوقف الاعتداء وضمان عدم تكراره، ودعت الجهات الرسمية إلى الخروج للرأي العام، وتوضيح ملابسات ما جرى، وكشف الحقائق كاملةً، وإيقاف حملات التحريض والتخوين، وختمت قائلةً: «إننا نحمِّل السلطات المسؤولية الكاملة عما حدث، وعن أي تطورات لاحقة أو تفاقمٍ للأزمة».

وبعد أيام من الاشتباكات التي أودت بحياة أكثر من /120/ شخصاً حسب وسائل إعلام محلية، وتدخل الوسطاء، أبرزهم الشخصية السياسية اللبنانية المعروفة وليد جنبلاط، وإجراء مفاوضات مباشرة بين مسؤولي الدولة من جهة، وشيوخ وأمراء وشخصيات درزية، توقفت الاشتباكات وتم الاتفاق على فتح الطرقات وحفظ الأمن في مدينتي جرمانا وأشرفية صحنايا من قبل وزارتي الداخلية والدفاع الحكومية وضمان إعادة الحقوق وجبر الضرر لذوي الشبان الذين ارتقوا خلال الأحداث والتعهد بمحاسبة المتورطين وتقديمهم للقضاء أصولاً.

وفي 3/5/2025م، أعلنت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز في صفحتها الفيس بوك، أنها «تؤكد على مخرجات الاجتماع الذي عُقد قبل يومين، بحضور سماحة الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحّدين، وسماحة شيخي العقل الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، والأمير حسن الأطرش، والأمير يحيى عامر، والسيد عاطف هنيدي، والسيد وسيم عز الدين، وممثلين عن الفصائل العسكرية».

وتم التأكيد على البنود التالية:

  1. تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقاً، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصراً، وبشكل فوري.
  2. رفع الحصار عن مناطق السويداء، جرمانا، صحنايا، وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها فوراً.
  3. تأمين طريق دمشق – السويداء وضمان سلامته وأمنه، تحت مسؤولية السلطة، وبشكل فوري.
  4. وقف إطلاق النار في جميع المناطق.
  5. يُعتبر أي إعلان يخالف هذه البنود أو يتجاوزها، إعلاناً أحادي الجانب.

هذا، وقد عاد الهدوء إلى تلك المناطق، ولكن هناك تساؤلات مشروعة، لماذا هذا التجييش والشحن الطائفي الغير مبرر؟. متى تنحل فعلياً الميليشيات التي تدعي ولائها للإدارة الجديدة، ويتشكل جهاز أمن داخلي وجيش حقيقي يلبسان رداء الدولة ويعملان وفق القانون لحماية الوطن والشعب بكافة مكوناته؟. متى يتم محاسبة أولئك المسلحين والجماعات التي ارتكبت ولا تزال جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية، رغم أنهم معروفون بالصوت والصورة؟. هل جهاز الأمن العام ووحدات الجيش الجديد، فرادى أم جماعات، متورطة في تلك الجرائم؟. متى تمنح الحكومة الثقة بها للجماهير وتكون حيادية في التعامل مع كافة المواطنين؟… الخ.

———–

* جريدة “الوحـدة” – العدد /348/ – 15 أيار 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى