القسم العاممختارات

“كل شيء بقوة السلاح”: الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا

فيما يلي النص الكامل لتقرير منظمة “هيومن رايتش ووتش” حول انتهاكات وجرائم مرتكبة في الأراضي السورية التي تحتلها تركيا:

أحد عناصر “فرقة السلطان سليمان شاه”، إحدى فصائل “الجيش الوطني السوري”، يحمل العلم التركي أثناء مشاركته في تدريب عسكري بعفرين، سوريا، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021. © 2021 رويترز/خليل عشاوي

فبراير/شباط 29, 2024

خريطة سوريا

إخلاء مسؤولية: يتضمن هذا التقرير توصيفات مؤلمة للعنف وتفاصيل عنيفة وصادمة قد تكون مزعجة للقراء.

الملخص

تعتبر تركيا قوة احتلال في مساحات واسعة من شمال سوريا.

فهي تمارس السيطرة الإدارية والعسكرية على الجانب السوري من حدودها الجنوبية بشكل مباشر أو من خلال وكيل فعلي ساعدت في إنشائه، “الجيش الوطني السوري”، وهو ائتلاف فضفاض من جماعات المعارضة المسلحة التي تتكوّن إلى حد كبير من مقاتلين سابقين في “الجيش السوري الحرّ”.

صرّحت الحكومة التركية بأنها تهدف إلى تحويل المناطق التي تحتلها إلى “مناطق آمنة”، وذلك لإنشاء منطقة أمنية عازلة على حدودها الجنوبية واستيعاب عودة اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا. لكن هذه المناطق ليست آمنة؛ فهي تزخر بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في المقام الأول فصائل من الجيش الوطني السوري، وتتسم حياة سكان المنطقة البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة بالفوضى القانونية وانعدام الأمن. قال أحد السكان السابقين الذي عاش تحت حكم الجيش الوطني السوري لمدة تقل قليلا عن ثلاث سنوات: “كل شيء بقوة السلاح”.

استنادا إلى مقابلات مع 58 من الضحايا والناجين وأقارب وشهود على الانتهاكات، فضلا عن مختلف ممثلي المنظمات غير الحكومية والصحفيين والنشطاء والباحثين، يوثّق هذا التقرير عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني، بما في ذلك تلك الواقعة على الأطفال، والعنف الجنسي، والتعذيب من قبل الفصائل المختلفة في الجيش الوطني السوري، والشرطة العسكرية، وهي قوة أنشِئت للحد من مثل هذه الانتهاكات، وأعضاء القوات المسلحة التركية ووكالات الاستخبارات التركية، بما في ذلك “جهاز الاستخبارات الوطنية” (إم آي تي) وعدد من مديريات المخابرات العسكرية. يوثّق التقرير أيضا انتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية، بما في ذلك عمليات النهب والسلب على نطاق واسع، فضلا عن الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، ويكشف الفشل الذريع لمعظم تدابير المساءلة التي طُرِحت في السنوات الأخيرة من أجل الحد من الانتهاكات أو تقديم التعويضات للضحايا. طالما أن الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة سائد، فإن آمال العودة لمئات الآلاف من النازحين والمحرومين السوريين الذين فروا من منازلهم أثناء وبعد العمليات العسكرية التركية المتعاقبة في المنطقة تستمر في التضاؤل. يعيش الكثيرون في مخيمات وملاجئ جماعية مكتظة تعاني من نقص الخدمات في جميع أنحاء شمال شرق سوريا اليوم.

طفلة سورية تنظر من نافذة تضررت بسبب إلقاء أشياء عليها خلال إخلاء بلدة الضمير شرق العاصمة دمشق، لدى وصول حافلتها إلى مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي في 20 أبريل/نيسان 2018. © 2018 سمير الدومي/أ ف ب عبر غيتي إمجز

منذ 2016، نفذت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في شمال سوريا بهدف إضعاف الوجود الكردي على طول حدودها. في عمليتها الأولى في 2016، احتلت المنطقة ذات الأغلبية العربية شمال حلب، والتي شملت أعزاز والباب وجرابلس، والتي كانت في السابق تحت سيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ”داعش”). في توغلها الثاني في 2018، استولت على عفرين، وهي منطقة ذات أغلبية كردية تقع غرب أعزاز مباشرة والتي كانت تحت سيطرة القوات التي يقودها الأكراد منذ 2012. في توغلها الثالث في 2019، انتزعت القوات المسلحة التركية السيطرة على شريط ضيق بطول 150 كيلومتر وعمق 30 كيلومتر بين تل أبيض ورأس العين (الاسم الكردي: سري كانيه) في شمال شرق سوريا من القوات التي يقودها الأكراد. نفذت تركيا العمليات الثلاث بمساعدة جماعات مسلحة محلية مختلفة، بما في ذلك الجماعات التركمانية، وجماعات الجيش السوري الحر السابقة، وغيرها من الجماعات الإسلامية التي أصبحت تُعرف مجتمعة في 2017 باسم الجيش الوطني السوري. أدت التوغلات العسكرية إلى نزوح جماعي وكانت محفوفة بانتهاكات خطيرة لكل من قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني، بما في ذلك القصف العشوائي، والقتل دون محاكمات، والاعتقالات غير القانونية، والتعذيب والاختفاء القسري، والنهب المنهجي والاستيلاء غير القانوني على الممتلكات.

اليوم، بعد عدة سنوات، تحتفظ تركيا بالسيطرة على الأراضي التي احتلتها من خلال قواتها المسلحة ووكالاتها الاستخباراتية، مع وجود أكثر من 100 موقع عسكري وقاعدة ونقطة مراقبة في جميع أنحاء شمال سوريا، وكذلك من خلال سيطرتها المباشرة على الجيش الوطني السوري، الذي تمده بالسلاح والرواتب والتدريب والدعم اللوجستي. تمارس تركيا أيضا السيطرة الإدارية على المناطق المحتلة عبر السلطات المحلية في المناطق المجاورة لتركيا. مثلا، يشرف مكتب حاكم ولاية هاتاي التركية بشكل مباشر على توفير التعليم والصحة والخدمات المالية والمساعدات الإنسانية في عفرين. في سبتمبر/أيلول 2023، أفادت وسائل إعلام تركية أن تركيا لديها خطط لتعيين حاكم واحد للإشراف على جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها، لكن حتى يناير/كانون الثاني 2024، لم تحدث أي تطورات من هذا النوع.

مع أن الجيش الوطني السوري يتبع رسميا لوزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، وهي هيئة حاكمة معلنة ذاتيا ومعترف بها دوليا تمثل المعارضة السورية ومقرها أعزاز، تخضع فصائلها في نهاية المطاف للقوات العسكرية ووكالات الاستخبارات التركية. قال مصدران مطلعان لهما معرفة مباشرة بالأعمال الداخلية للجيش الوطني السوري لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الشرطة العسكرية والمدنية التي أنشِأت تحت إشراف الحكومة المؤقتة لفرض سيادة القانون في أعقاب مزاعم عن تفشي الانتهاكات تخضع أيضا للقوات العسكرية ووكالات المخابرات التركية. قال أحدهما: “لا شيء يحدث دون علمهم”. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من العثور على توجيهات منشورة تحدد دور السلطات التركية في هيكل القيادة في الأراضي السورية التي تحتلها تركيا.

لأن السلطات التركية تساوي بين “وحدات حماية الشعب” و”وحدة حماية المرأة”، وهما أكبر مكونات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة، مع “حزب العمال الكردستاني”، الذي تعتبره منظمة إرهابية وتهديدا وجوديا لتركيا، فإن السكان الأكراد الذين يعيشون في منازلهم ويعتنون بأراضيهم تحت حكم قسد، والذين يعتبرون بالتالي موالين لها أو لأي من قواتها، قد عانوا بأغلبية ساحقة من وطأة الانتهاكات الموثقة. استُهدِف العرب وغيرهم ممن يُعتقد أن لهم علاقات مع قسد و”الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا”، وهي هيئة الحكم المدنية في المناطق التي تسيطر عليها قسد.

يوضح هذا التقرير أن السلطات التركية لا تتجاهل فقط الواقع البائس على الأرض في شمال سوريا، لكنها تتحمل المسؤولية المباشرة عن العديد من الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز وانتهاكات حقوق الملكية. غالبا ما تكون هذه الانتهاكات موجهة ضد المدنيين الأكراد وأي شخص آخر يُنظر إليه على أنه مرتبط بالقوات التي يقودها الأكراد، وهي تتماشى إلى حد كبير مع أهداف تركيا المعلنة المتمثلة في إضعاف الوجود الكردي في شمال سوريا وإنشاء حزام أمني “متكامل” أو منطقة عازلة بين حدودها الجنوبية والمناطق التي تسيطر عليها قسد في شمال سوريا. مع فرار عشرات الآلاف من الأشخاص إلى أجزاء أخرى من سوريا، وخارجها، أثناء التوغل التركي في عفرين، سارعت السلطات التركية إلى تنسيق إعادة توطين مئات العائلات العربية السنية النازحة من الغوطة الشرقية في منازل السكان الأكراد في المنطقة. وصل العديد من العائلات النازحة من الغوطة وريف دمشق وشمال حماة وإدلب، بما في ذلك عائلات المقاتلين المنتشرين في المنطقة، إلى عفرين في السنوات التي تلت ذلك. تم توثيق اتجاه مماثل في القطاع الواقع بين تل أبيض ورأس العين بعد العملية العسكرية التركية عام 2019.

الهدف الثاني المعلن للتوغلات العسكرية التركية، والذي أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان، هو إنشاء ما يسمى بـ “المناطق الآمنة” في الأراضي التي تحتلها من أجل إعادة توطين أكثر من مليون لاجئ سوري موجودين حاليا في تركيا، ويعيش الكثير منهم في تركيا منذ سنوات وهم بالأصل من مناطق أخرى من سوريا. لكن كما يوضح هذا التقرير، فإن المناطق الخاضعة للاحتلال التركي ليست آمنة على الإطلاق. بالإضافة إلى غياب سيادة القانون، تعاني المناطق التي تحتلها تركيا، مثل أجزاء أخرى من سوريا، من ظروف اقتصادية وإنسانية سيئة. طرد أعداد كبيرة من الأشخاص إلى مناطق لديهم خوف حقيقي من تعرضهم فيها للاضطهاد أو التعذيب ينتهك التزامات تركيا بموجب القانون الدولي. عمليات الطرد وإعادة التوطين على نطاق واسع من شأنها أيضا أن تغيّر بشكل جذري التركيبة العرقية لشمال سوريا، وهي منطقة ألفت التحولات الديموغرافية القسرية.

نفّذت تركيا بالفعل عمليات إعادة قسرية للاجئين السوريين. منذ 2017 على الأقل، اعتقلت القوات التركية واحتجزت ورحلت آلاف اللاجئين السوريين بإجراءات موجزة، وكثيرا ما أجبرتهم على التوقيع على استمارات العودة “الطوعية” وأجبرتهم على العبور إلى شمال سوريا عبر معابر حدودية مختلفة. في يوليو/تموز 2023 وحده، أعادت تركيا أكثر من 1,700 سوري إلى منطقة تل أبيض.

لا تزال المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة التي يرتكبها قادة وأعضاء الفصائل المختلفة، وكذلك الشرطة العسكرية في الأراضي التي تحتلها تركيا، بعيدة المنال. رغم بعض المحاكمات الداخلية المحدودة التي أجراها الجيش الوطني السوري، تفتقر المحاكم العسكرية التي تتمتع بسلطة قضائية على مثل هذه القضايا إلى الاستقلالية والنزاهة، ونادرا ما تكون المحاكمات علنية، ولا يتوفر سوى القليل من المعلومات حول الإجراءات. لم تتخذ تركيا خطوات حقيقية لمحاسبة مكونات الجيش الوطني السوري أو مسؤوليها أو السماح لمراقبي حقوق الإنسان المستقلين بالوصول [إلى المنطقة].

في 2023، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثلاثة فصائل من الجيش الوطني السوري وقادتها بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المدنيين. في يناير/كانون الثاني 2024، قدمت منظمتان حقوقيتان شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني، تطالبانه فيها بالتحقيق في انتهاكات القانون الدولي التي ترتكبها فصائل الجيش الوطني السوري في عفرين منذ 2018. بموجب مبدأ “الولاية القضائية العالمية”، يمكن للمسؤولين القضائيين الوطنيين النظر في القضايا المرفوعة ضد أفراد متورطين بشكل موثوق في بعض الجرائم الدولية الخطيرة حتى لو ارتُكبت في مكان آخر، ولا يكون الجناة المزعومون ولا الضحايا من مواطني البلد.

باعتبارها قوة احتلال وحكومة الأمر الواقع في هذه المنطقة، تعتبر تركيا ملزمة بضمان مراعاة قواتها بشكل صارم للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وإعادة النظام العام والسلامة والحفاظ عليهما في الأراضي التي تسيطر عليها، وحماية السكان من العنف، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتوفير تعويضات لجميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على أيدي قواتها والقوات المحلية التي تسيطر عليها، وضمان حقوق أصحاب الممتلكات والعائدين، بما في ذلك عن طريق تعويضهم عن مصادرة واستخدام ممتلكاتهم بشكل غير قانوني، وأي ضرر حدث. يتعين على تركيا والحكومة السورية المؤقتة منح هيئات التحقيق المستقلة إمكانية الوصول الفوري ودون عوائق إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

التوصيات

إلى الحكومة التركية

  • اتخاذ خطوات فورية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة التي ترتكبها قواتها العسكرية وأفراد المخابرات، جنبا إلى جنب مع الميليشيات المحلية التابعة لها، وضمان التزام جميع الأفراد الخاضعين لسيطرتها، بما في ذلك الأفراد العسكريون والجماعات المسلحة، بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني؛
  • الوقف الفوري لجميع عمليات الإعادة القسرية السريعة لطالبي اللجوء من الأراضي التركية وعلى الحدود التركية؛
  • إجراء تحقيق شفاف وشامل ونزيه في الادعاءات القائلة بأن القوات المسلحة ووكالات الاستخبارات التركية العاملة في الأراضي المحتلة متورطة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم حرب محتملة، ضد المدنيين، بما يشمل التعذيب والاحتجاز التعسفي والاغتصاب والنهب وعمليات القتل خارج نطاق القانون؛
  • التعاون الكامل مع التحقيقات المستقلة والمحايدة التي تجريها الهيئات الدولية، مثل “لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة” ومنظمات حقوق الإنسان، في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب؛
  • ضمان الوصول الكامل ودون عوائق للمراقبين الدوليين والمستقلين إلى الأراضي التي تحتلها تركيا، بما في ذلك السجون ومراكز الاحتجاز التي تديرها الشرطة العسكرية وتلك التابعة للفصائل المختلفة، والمحاكم العسكرية؛
  • إنشاء آليات رقابية قوية لمراقبة سلوك جميع القوات التركية والقوات الموالية لتركيا والتعامل الفوري مع أي انتهاكات يتم الإبلاغ عنها؛
  • محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، بما في ذلك من خلال محاكمات عادلة وشفافة؛
  • تطوير وتنفيذ برنامج تعويضات لجميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات التركية والقوات المحلية التي تسيطر عليها تركيا منذ اجتياحها واحتلالها للأراضي في شمال سوريا، وذلك من خلال عملية شفافة وتشاركية، ووفقا للمعايير الدولية. ينبغي أن تشمل التعويضات الاعتراف العلني بمعاناة الضحايا، والتعويض، وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي والجسدي، والوصول إلى الممتلكات واستعادتها؛
  • توفير التعويضات عن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، بما في ذلك رد الحقوق والتعويض وإعادة التأهيل وضمانات عدم التكرار. ينبغي أن تتعامل التعويضات أيضا بشكل عاجل مع الضرر المباشر الذي يلحق بضحايا العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، وذلك مثلا من خلال توفير إمكانية الحصول على المساعدة الطبية والدعم النفسي والاجتماعي. ينبغي ألا يكون برنامج التعويضات مشروطا بنجاح الملاحقات القضائية، بل ينبغي أن يقدم تعويضات وخدمات أخرى للأفراد الذين يبلغون عن تجاربهم مع العنف الجنسي. ينبغي أيضا تصميم البرنامج وتنفيذه بالتشاور مع الضحايا، بما في ذلك ضحايا الاعتداء الجنسي، ويجب أن يحترم حقوق الضحايا وكرامتهم، ويتجنب المزيد من الأذى أو الصدمة لهم؛
  • توفير التعويضات محددة الهدف والمساعدة الحكومية للأشخاص الذين أصبح لديهم إعاقة، بما في ذلك الإعاقة النفسية والاجتماعية، وضمان حصولهم على خدمات الرعاية الصحية المجانية الجيدة والتي تحترم حقوقهم، والوصول إلى الأجهزة المساعدة، وخدمات الصحة النفسية الاجتماعية والعقلية؛
  • ضمان حقوق أصحاب الممتلكات والعائدين، بما في ذلك عبر تعويضهم عن مصادرة ممتلكاتهم واستخدامها بشكل غير قانوني وأي ضرر ناتج عن ذلك.

إلى الحكومة السورية المؤقتة والجيش الوطني السوري

  • إلغاء جميع السجون ومراكز الاحتجاز المؤقتة وغير الرسمية التابعة لمختلف الفصائل؛
  • تشكيل لجنة مستقلة وغير متحيزة لمراجعة احتجاز الأفراد. إطلاق سراح المحتجزين الذين يُعتقد أنهم اعتقلوا تعسفيا، بما في ذلك أولئك المحتجزين فقط بسبب نشاطهم السياسي السلمي؛
  • السماح لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بتفحص مرافق الاحتجاز، بما في ذلك السجون المؤقتة ومراكز الاحتجاز التابعة للشرطة العسكرية؛
  • وقف جميع المحاكمات العسكرية للمدنيين والتأكد من أن جميع الإجراءات القانونية تلتزم بمبادئ المحاكمة العادلة؛
  • السماح لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بمراقبة المحاكمات؛
  • الامتناع عن إقامة المقرات ومراكز الاحتجاز والمنشآت العسكرية داخل أماكن العمل أو المساكن المدنية؛
  • إجراء تحقيق فوري ومستقل في جميع حالات الاختفاء والقتل.

إلى “الاتحاد الأوروبي”

  • التوضيح علنا أن تركيا ليست دولة ثالثة آمنة يمكن إعادة طالبي اللجوء إليها بموجب المعايير المنصوص عليها في المادة 38 من “توجيهات إجراءات اللجوء الخاصة بالاتحاد الأوروبي”؛
  • دعوة تركيا علنا إلى وقف عمليات الترحيل بإجراءات موجزة والسماح لـ”مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” بمراقبة ما إذا كان السوريون المحتجزون يرغبون في البقاء في تركيا أو العودة طوعا إلى سوريا؛
  • تعليق تمويل مراكز احتجاز المهاجرين ومراقبة الحدود حتى تتوقف عمليات الترحيل القسري.

إلى الدول الأعضاء في “الأمم المتحدة”

  • بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وبما يتماشى مع القوانين الوطنية، التحقيق مع المتورطين بشكل موثوق في جرائم خطيرة في شمال سوريا الذي تحتله تركيا بموجب القانون الدولي ومحاكمتهم.

المنهجية

أجرت هيومن رايتس ووتش أبحاث هذا التقرير بين نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وسبتمبر/أيلول 2023. شمل البحث 58 مقابلة مع ضحايا وناجين وأقارب وشهود على الانتهاكات، منها 19 مقابلة مع محتجزين سابقين، و21 مقابلة مع أقارب محتجزين سابقين وحاليين. تعرض ستة وثلاثون شخصا، بعضهم عانى أيضا انتهاكات مرتبطة بالاحتجاز، لانتهاكات حقوق السكن والأراضي والممتلكات. تحدث الباحثون أيضا إلى ممثلي منظمات غير حكومية وصحفيين وباحثين. في وقت إجراء الأبحاث، كان 10 ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش يقيمون في عفرين ورأس العين التين تحتلهما تركيا، و27 في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا، و15 في “إقليم كردستان العراق”، واثنان في أوروبا، وشخص في لبنان، وآخر في تركيا.

تحدث الباحثون مع مصدر مطلع في عفرين يتعامل مباشرة مع الشرطة العسكرية، ومصدر سوري كان مقربا سابقا من مسؤولي المخابرات التركية الذين كان لديهم إمكانية الوصول والإشراف على سلوك الفصائل المختلفة في عفرين بين يوليو/تموز 2019 ويونيو/حزيران 2020، والذي غادر سوريا منذ ذلك الحين.

أُجرِيت المقابلات بالعربية والكردية عبر تطبيقات المراسلة الآمنة، وكذلك شخصيا في إقليم كردستان العراق وفي عامودا والحسكة والقامشلي في شمال شرق سوريا. أُجريت المقابلات الشخصية في أماكن اعتبرها الباحثون والأشخاص الذين قابلناهم خاصة وآمنة. أوضح الباحثون لكل من قابلوهم الغرض من المقابلة، وطبيعتها التطوعية، وطريقة استخدام المعلومات، وأنه لن يُقدّم لهم أي تعويض.

اختارت هيومن رايتس ووتش إخفاء هويات جميع من قابلتهم وإزالة التفاصيل التعريفية من شهاداتهم لحمايتهم وحماية الآخرين الذين لديهم أقارب في عفرين ورأس العين من الانتقام. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا فيديوهات وصور ومنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي ووثائق على الإنترنت، بالإضافة إلى وثائق قدمها محتجزون سابقون ونشطاء وأقارب تؤكد هذه الانتهاكات.

كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارتي الخارجية والدفاع التركيتين، ووزارتي الدفاع والعدل في الحكومة السورية المؤقتة في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، وإلى أربعة من قادة الفصائل الحاليين والسابقين رفيعي المستوى، ومسؤولين أمنيين، وأعضاء الشرطة العسكرية المذكورين في التقرير في 8 و15 يناير/كانون الثاني 2024. لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي ردود حتى وقت النشر.

I. الخلفية

“المدينة فقدت ألوانها”.

— رجل مُهجَّر من مسقط رأسه، رأس العين، في معرض إشارته إلى نزوح الأقليات الكردية وغيرها.

تصميم تركيا على إضعاف الوجود الكردي على طول الحدود

خلال ثلاث عمليات عسكرية في شمال سوريا منذ أغسطس/ب 2016، استولت القوات المسلحة التركية وفصائل سورية محلية تدعمها تركيا على منطقتين من الأراضي على طول الحدود الجنوبية لتركيا، في محاولة لإضعاف الوجود الكردي في تلك المناطق الحدودية.

في العملية الأولى، المعروفة بـ “درع الفرات”، استولت القوات التركية وحلفاؤها المحليون بين أبريل/نيسان 2016 ومارس/آذار 2017 على مدينة جرابلس الواقعة على نهر الفرات والممتدة غربا إلى أعزاز وجنوبا إلى الباب. خلال هذه العملية، أنهت تركيا وجود قوات داعش في المنطقة ومنعت جماعة قسد المسلحة التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة وتسيطر عسكريا على معظم شمال شرق سوريا من إحراز مزيد من التقدم على طول حدودها الجنوبية. شهد تقدم القوات التركية في هذه المنطقة ذات الأغلبية العربية السنية عنفا أقل من العمليات المتعاقبة في شمال سوريا، لكن تركيا رحّلت منذ ذلك الحين عشرات آلاف السوريين من تركيا إلى المنطقة المحتلة.[1]

تعتبر الحكومة التركية وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وهما أكبر مكونات قسد، مجموعتين إرهابيتين مرتبطتين بـ “حزب العمال الكردستاني” الذي تتنازع معه تركيا منذ عشرات السنين، وتعتبر التجربة الكردية في الحكم الذاتي داخل سوريا تهديدا مباشرا لأمنها القومي.[2]

مدنيون سوريون يستقلون سياراتهم ويعبرون عين دارة في منطقة عفرين في شمال سوريا أثناء فرارهم من مدينة عفرين في 12 مارس/آذار 2018 وسط معارك بين القوات المدعومة من تركيا والمقاتلين الأكراد. © 2018 سترينغر/أ ف ب عبر غيتي إمجز

في يناير/انون الثاني 2018، أطلقت تركيا عملية “غصن الزيتون” للاستيلاء على منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية شمال غرب حلب من قسد. بدأت بحملة جوية مكثفة، ثم تقدمت عبر المناطق الريفية في شمال عفرين، وأخيرا استولت على مدينة عفرين في مارس/آذار 2018. أدى هجومها العسكري إلى مقتل عشرات المدنيين وتشريد عشرات الآلاف، بحسب الأمم المتحدة.[3] انتهكت قسد أيضا القانون الإنساني الدولي عبر عرقلة عمليات إجلاء المدنيين، بينما منعت قوات الحكومة السورية المدنيين الفارين من دخول المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.[4]

في السنوات التالية، ارتكبت القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا اعتقالات تعسفية واحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي واختطاف وتعذيب، واستهدفت بشكل رئيسي السكان الأكراد في عفرين. تعرضت منازل وأعمال وأراضي ومحاصيل سكان عفرين للنهب والاستيلاء من قبل مقاتلي الجيش الوطني السوري وعائلاتهم، وهي أفعال محظورة بموجب قوانين الحرب ويمكن أن تشكل جرائم حرب.[5] شهدوا أيضا تدمير مواقعهم الثقافية والدينية والتاريخية.[6] بعد ذلك، وجدوا أن تركيا كانت تبيع منتجات الزيتون الشهيرة في عفرين، المصنوعة من الزيتون المسروق، في أسواقها وعلى المستوى الدولي، وهو الفعل الذي دافع عنه وزير الزراعة التركي حينها، بكر باك ديميرلي، بحجة أن الإيرادات كانت ستقع في أيدي حزب العمال الكردستاني.[7]

وصف أبو سالم (63 عاما)، وهو رجل كردي وُلد ونشأ في عفرين ورفض مغادرة المنطقة حتى خلال أعنف أيام العملية العسكرية، سلوك الفصائل المختلفة التابعة للجيش الوطني السوري بعد فترة وجيزة من استيلائهم والقوات التركية على مدينة عفرين:

لم يسبق لي أن رأيت مثيلا لذلك من قبل. أولا، جاؤوا من أجل المال والسيارات والذهب والمجوهرات، وأخذوا كل ما استطاعوا أخذه. بعد ذلك أفرغوا المحلات التجارية ثم المنازل. كتبوا على جدران بيوتنا أي فصيل يملك أي منزل. قسّموا المنطقة إلى مناطق سيطرة شارعا بعد شارع، ومبنى بعد مبنى. أخذوا كل شيء”.[8]

فرّ أكثر من نصف سكان عفرين الأصليين، ومعظمهم من الأكراد، وعائلات أخرى نزحت إلى المنطقة في السنوات السابقة، أثناء التوغل التركي، معظمهم إلى منطقة الشهباء المحاصرة في ريف حلب الشمالي، على بعد 20 كيلومتر فقط، حيث يعيشون الآن في ظروف بائسة.[9] تحاصر قوات الحكومة السورية منذ آب/أغسطس 2022 منطقة الشهباء، الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بقيادة الأكراد، مما يحد بشدة من وصول السكان إلى الوقود والإمدادات الأساسية الأخرى.[10]

اغتنمت تركيا الفرصة، وسارعت إلى تنسيق إعادة توطين مئات العائلات العربية السنية النازحة من الغوطة الشرقية في منازل سكان عفرين الأكراد الذين فروا.[11] كان هذا مثالا واضحا على جهود تركيا الرامية إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة من أجل إضعاف الوجود الكردي هناك. لاحقا، وصلت إلى عفرين مزيد من العائلات النازحة من الغوطة الشرقية وريف دمشق وشمال حماة وإدلب، من بينهم مقاتلون منتشرون في المنطقة. وصل ما مجموعه 13 ألف شخص في ديسمبر/كانون الأول 2020 وحده.[12] تشير تقديرات مجموعة “أكابس” في الشهر نفسه إلى أن عدد سكان منطقة عفرين كان أكثر بقليل من 442 ألف نسمة، من بينهم 157,278 مقيما وعائدا، معظمهم من الأكراد، و285,550 نازحا سوريا، معظمهم من العرب السنة.[13]

بدأ التوغل الثالث لتركيا في أكتوبر/تشرين الأول 2019. خلال 10 أيام فقط، وفي عملية عُرِفت بـ “نبع السلام”، تحركت القوات التركية والجيش الوطني السوري إلى أراضٍ في شمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا بين بلدة تل أبيض ومدينة رأس العين، مما دفع القوات الكردية إلى الخروج من منطقة يبلغ طولها حوالي 120 كيلومتر وعمقها 32 كيلومتر. أعلنت الولايات المتحدة سحب قواتها من المنطقة قبل الغزو التركي.[14] نتيجة لذلك، فرّ أكثر من 200 ألف من سكان المنطقة.[15] قبل التوغل التركي، كانت المنطقة موطنا لأغلبية عربية، وأقلية كردية كبيرة، ومجتمعات صغيرة من الإيزيديين والمسيحيين الأرمن والسريان، وأقليات عرقية ودينية أخرى.[16] أثناء التوغل وبعده، كما كان الحال في عملية غصن الزيتون، قصف الجنود الأتراك والفصائل التي يدعمونها المناطق المدنية عشوائيا، ونفذوا عمليات قتل بإجراءات موجزة، واحتلوا بشكل غير قانوني منازل ومتاجر مدنية خاصة ونهبو ممتلكات أصحابها.[17]

بحسب “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا)، شهدت المنطقة المتنوعة عرقيا التي تشمل تل أبيض ورأس العين، منذ أكتوبر 2019، “تغيّرات ديموغرافية كبيرة” مع نزوح معظم سكانها الأصليين إلى مناطق أخرى في شمال شرق سوريا أو أجبِروا على مغادرة البلاد.[18] وهم يشكلون تقريبا جميع السكان الأكراد في المنطقة، وبعض الأيزيديين والمسيحيين الأرمن، والعرب الذين لديهم علاقات متصورة مع الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد أو الحكومة السورية، وفقاً لمنظمة “إماب” غير الربحية التي تركز على البيانات.[19] قال ناشط وباحث نازح من رأس العين، مسقط رأسه، في معرض إشارته إلى نزوح الأقليات الكردية والأقليات الأخرى: “فقدت المدينة ألوانها”.[20] بعد هذه العملية، سمحت تركيا لمقاتلي الجيش الوطني السوري الذين انتشروا في المنطقة بإعادة توطين عائلاتهم هناك.[21]

منذ مايو/أيار 2022، يهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتوغل عسكري آخر في شمال شرق سوريا، يستهدف هذه المرة مدينتي تل رفعت ومنبج في محافظة حلب، غرب نهر الفرات، الخاضعتين حاليا لسيطرة قسد.[22] لم يبدأ التوغل حتى وقت كتابة هذا التقرير، لكن هجمات الطائرات المسيّرة التركية والقصف من قِبل القوات السورية المدعومة من تركيا على المدن والبلدات في شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها القوات الكردية السورية كان مستمرا بلا هوادة، مما أسفر عن مقتل وإصابة المدنيين، والإضرار بالمناطق المكتظة بالسكان والبنية التحتية الحيوية، والتسبب بمزيد من النزوح.[23]

استضافت تركيا حوالي 3.7 مليون سوري، وذلك أكثر من أي دولة أخرى، منذ بداية النزاع السوري، إلا أنها صدّت أيضا السوريين الذين حاولوا دخول أراضيها ورحّلت آلاف السوريين بشكل غير قانوني إلى شمال سوريا، وأجبرت كثيرا منهم على التوقيع على استمارات العودة “الطوعية”.[24] منذ 2019، أعلن أردوغان عن نيته إعادة توطين مليون لاجئ في شمال سوريا، في مناطق لا تسيطر عليها الحكومة، رغم أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وغالبا لا يكون العائدون في الأصل من تلك المناطق.[25] في يوليو/تموز 2023 وحده، أعادت تركيا أكثر من 1,700 سوري.[26] تصر تركيا على أن جميع عمليات العودة طوعية، وتقدم أرقاما متفاوتة لدعم هذا التأكيد. في مايو/أيار 2023، صرّح أردوغان أن 600 ألف عادوا بالفعل إلى سوريا طوعا.[27]

القوة العسكرية والسلطة الإدارية: الاحتلال التركي

عسكريا، تمارس تركيا سيطرتها على الأراضي السورية التي تحتلها من خلال قواتها المسلحة ووكالاتها الاستخباراتية.

تمتلك تركيا أكثر من 100 موقع عسكري، بما فيها قواعد ومراكز مراقبة، في المناطق التي تحتلها في شمال سوريا وكذلك في إدلب، حيث تتمركز وتسيطر “هيئة تحرير الشام”، وهي أكبر تحالف لجماعات المعارضة المسلحة المعروفة سابقا باسم “جبهة النصرة”، وحيث حال وجود تركيا حتى الآن دون التدخل العسكري من قبل الحكومة السورية وحلفائها الروس.[28]

تُشرف الوكالات العسكرية والاستخباراتية التركية على سلوك الفصائل في هذه المناطق، ولديها غرف عمليات في الباب وجرابلس ورأس العين وعفرين توجّه فصائل الجيش الوطني السوري، وفقا لإحاطة استخباراتية من “معهد نيو لاينز” في ديسمبر/كانون الأول 2022. جاء في الإحاطة أن “ضباط الجيش والمخابرات الأتراك الذين يرأسون هذه المراكز ينسّقون توزيع المسؤوليات العسكرية المستمرة، ويتخذون جميع القرارات، ويُبلغون القادة السوريين الذين ينفّذون بعد ذلك الأوامر”.[29] تعتقل السلطات التركية والجيش الوطني السوري في كثير من الأحيان المواطنين السوريين وتنقلهم بشكل غير قانوني إلى تركيا لمحاكمتهم، وهو عمل محظور بموجب قانون الاحتلال “بغضّ النظر عن دوافعه”. [30] حسبما ذكرت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الصادر في سبتمبر/أيلول 2020، “توفر عمليات النقل هذه مؤشرا إضافيا على التعاون والعمليات المشتركة بين تركيا والجيش الوطني السوري بغرض الاحتجاز وجمع المعلومات الاستخبارية”.[31]

بموجب القانون الدولي، تعتبر الأراضي “خاضعة للاحتلال” عندما تخضع للسيطرة أو السلطة الفعلية لقوات مسلحة أجنبية، سواء جزئيا أو كليا، دون موافقة الحكومة المحلية. هذا تحديد يستند إلى الوقائع، وبمجرد أن تصبح الأرض تحت السيطرة الفعلية للقوات المسلحة الأجنبية، يصبح القانون الدولي بشأن الاحتلال ساريا.

من الناحية الإدارية، تتعامل تركيا مع المناطق التي تحتلها كجزء من تركيا، حيث تشرف سلطات ولايات كيليس وغازي عنتاب وهاتاي وشانلي أورفا بشكل مباشر على توفير التعليم والصحة والخدمات المالية والمصرفية والمساعدات الإنسانية في المناطق السورية المتاخمة الخاضعة للسيطرة التركية إلى جانب المجالس المحلية التي أنشأتها تركيا والتي غالبا تتم الموافقة على ممثليها أو تعيينهم من قبل تركيا.

حلّت الليرة التركية محل العملة السورية في هذه المناطق.[32] تُقدِّم البنوك التركية ومكتب البريد التركي حصريا الخدمات المالية. توفر الشركات التركية الكهرباء ومن خلال شبكة الكهرباء في تركيا، وتشرف مديريات الصحة التركية على مرافق الرعاية الصحية.[33] تُدرَّس اللغة التركية كلغة ثانية في المدارس، وتظهر اللغة التركية إلى جانب اللغة العربية على لافتات الشوارع والمعالم البارزة.[34] في عفرين، أعيدت تسمية المعالم ذات الأسماء الكردية، واستُبدلت أحيانا بأسماء مرتبطة غالبا بتركيا. مثلا، أصبح دوار نوروز في مدينة عفرين يعرف منذ ذلك الحين بـ دوار صلاح الدين الأيوبي، ودوار كاوا الحداد بـ دوار غصن الزيتون، وأُعيد تسمية إحدى الساحات إلى ساحة رجب طيب أردوغان.[35]

بطاقات الهوية الصادرة عن الحكومة السورية لم تعد أيضا مقبولة في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي. بدلا من ذلك، يُطلب من السكان الأصليين والمجتمعات النازحة المعاد توطينها على حد سواء الحصول على بطاقات هوية صادرة عن المجلس المحلي تحتوي على معلومات باللغتين التركية والعربية.[36]

في المناطق التي تحتلها تركيا، كما هو الحال في أجزاء أخرى من سوريا، يواجه السكان والعائدون والنازحون ظروفا اقتصادية متدهورة ويواصلون الاعتماد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية.[37] في العامين الماضيين، خرجت احتجاجات واسعة النطاق طالب فيها السكان بتحسين الظروف المعيشية والخدمات، خاصة بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء وغلاء المواد المعيشية الأساسية، وبعد مزاعم الفساد في المجالس المحلية وشركات الكهرباء.[38]

الجيش الوطني السوري: موحّد بالاسم فقط

في مناسبات عديدة منذ 2019، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبته في إعادة توطين أكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون حاليا في تركيا في شمال سوريا،[39] كما بَنت منظمات غير حكومية ووكالات تنمية تركية عشرات آلاف المنازل المصنوعة من قوالب البناء (الطابوق) في إدلب وعفرين جرابلس لهذا الغرض.[40] كان الهدف الثانوي المعلن لكل من عملية غصن الزيتون وعملية نبع السلام هو العثور على مواقع محتملة أخرى لمثل هذه المشاريع السكنية، وتواصل السلطات التركية الكشف عن خطط لبناء وحدات سكنية إضافية في الباب وتل أبيض ورأس العين.[41] عند تنفيذ كلتا العمليتين، قالت تركيا إن مشاريعها العسكرية ستنشئ “مناطق آمنة” تُقلص حاجة السوريين إلى الفرار عبر الحدود والتي قد يرغب اللاجئون السوريون في تركيا في العودة إليها. لكن الواقع اليوم أبعد ما يمكن عن الحقيقة.[42]

الجيش الوطني السوري، الذي يتكون من جماعات تركمانية مسلحة، وجماعات كانت تتبع في السابق للجيش السوري الحر، وجماعات إسلامية أخرى، هو ثاني أكبر تحالف لجماعات المعارضة المسلحة في المنطقة بعد هيئة تحرير الشام. يسيطر الجيش الوطني السوري على معظم محافظة إدلب. يتألف هذا الجيش من عديد من الفصائل المسلحة من اللاذقية وإدلب وحماة والغوطة ودمشق ودير الزور ومحافظات أخرى في جميع أنحاء سوريا، لكن ليس لديه هيكلية قيادة موحدة. تحت الإشراف التركي، تمارس الفصائل سيطرتها عشوائيا على الأراضي التي تحتلها تركيا، حيث تقتسم القرى والبلدات وحتى الأحياء فيما بينها. غالبا ما تندمج الفصائل المختلفة في فيالق وكتل ووحدات، ثم تنقسم أو تنشق وتندمج في هيكليات مختلفة.[43] تشير التقديرات إلى أن العدد الإجمالي لمقاتلي الجيش الوطني السوري يتراوح بين 70 و90 ألف.[44] مع ذلك، كل فصيل من الفصائل التي يزيد عددها بقليل عن 35 والتي يتكون منها الجيش الوطني السوري لديه قائده الخاص وشعاره وعلمه الخاص، ورغم محاولات دمجها في تحالف متماسك، لا يزال الكثير منها يعمل كوحدات منفصلة، تتنافس فيما بينها للسيطرة على القرى والأحياء والأراضي الزراعية ونقاط التفتيش وطرق التجارة. نتيجة لذلك، شاع الاقتتال الداخلي العنيف.[45]

مقابل مشاركتهم كمجموعات بالوكالة في العمليات العسكرية التركية عبر شمال سوريا وكمرتزقة في عملياتها العسكرية الدولية، تزود تركيا فصائل الجيش الوطني السوري بالأسلحة والرواتب والتدريب والدعم اللوجستي.[46]

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحمل خريطة توضح خططه لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتر وعرض 480 كيلومتر على الحدود التركية مع سوريا أثناء إلقائه خطاب أمام الدورة الـ 47 لـ “الجمعية العامة للأمم المتحدة” في مقر “الأمم المتحدة” بمدينة نيويورك، الولايات المتحدة، 24 سبتمبر/أيلول 2019. © 2019 رويترز/بريندان ماكدرمد

رسميا، يتبع الجيش الوطني السوري لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، وهي هيئة حاكمة معلنة من طرف واحد ومعترف بها دوليا وتمثل المعارضة السورية. تتكون الحكومة المؤقتة من ثماني وزارات بما فيها وزارات الداخلية والعدل والدفاع والمالية والصحة والتعليم.[47] تُنسق كل وزارة بشكل وثيق مع نظيرتها في الحكومة التركية. في 2018، وتحت إشراف الحكومة المؤقتة والسلطات التركية، ومع وصول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على أيدي الفصائل المختلفة إلى ذروتها بعد غزو عفرين، أنشأت الحكومة المؤقتة قوة شرطة عسكرية جديدة تهدف إلى منع الجرائم التي يرتكبها جماعات الجيش الوطني السوري والتحقيق فيها.[48] كما أنها تخضع مباشرة لمسؤولي الجيش والاستخبارات الأتراك، وفقا لمصدر مطلع يتعامل مباشرة مع عناصر من قوة الشرطة العسكرية. [49]

تتكون قوة الشرطة العسكرية من أعضاء وقادة سابقين من مختلف الفصائل، وكان نجاحها في كبح الانتهاكات محدودا.[50] كما أن الشرطة العسكرية نفسها متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.[51] تشمل مسؤولياتها أيضا الحفاظ على القانون والنظام، بما فيه من خلال ملاحقة خلايا داعش والجماعات المسلحة الكردية، غالبا بالتنسيق الوثيق مع مختلف الفصائل.[52]

قوة الشرطة العسكرية هي السلطة التنفيذية للمحاكم العسكرية، التي تُستخدم لمحاكمة عناصر فصائل الجيش الوطني السوري والمتمردين المتصورين على حد سواء. يتكون قسم الشرطة العسكرية من مقر رئيسي وفروع في مختلف المناطق وشُعَب في مختلف المدن الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري.[53] وهي تدير سجونا، بما فيه في مدن الباب وعفرين ورأس العين، وعشرات مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء الأراضي التي تحتلها تركيا. العديد من فصائل الجيش الوطني السوري تدير أيضا مراكز احتجاز غير رسمية خاصة بها في البلدات والقرى الصغيرة الخاضعة لسيطرتها رغم محاولات الحكومة السورية المؤقتة لوقف هذه الممارسة.[54]

تدير الحكومة المؤقتة أيضا شرطة مدنية تابعة لوزارة الداخلية ومكلفة بضمان أمن وسلامة السكان المحليين. لكن هذه الشرطة لم تتمكن من إنهاء الإفلات من العقاب الذي تتمتع به فصائل الجيش الوطني السوري التي تعمل في الأراضي التي تحتلها تركيا. مثلا، في سبتمبر/أيلول 2021، أعلنت الشرطة المدنية في رأس العين بجميع أقسامها عن إضراب عام ردا على “التجاوزات المتكررة” بما فيها الاعتداءات ومداهمات المنازل من قبل عناصر من الجيش الوطني السوري، بما يشمل ضد عناصرها.[55] تورطت الشرطة المدنية أيضا في انتهاكات حقوقية، بحسب “رابطة تآزر للضحايا”، وهي منظمة سورية غير حكومية توثق انتهاكات حقوق الإنسان في شمال سوريا.[56]

الاقتتال الداخلي والإجرام وتحقيق أرباح من الحرب

غالبا، تكون الاشتباكات بين فصائل الجيش الوطني السوري، وأحيانا حتى المقاتلين داخل نفس الفصيل، مسلحة وعنيفة، ويحدث كثير منها في مدن وقرى مأهولة بالسكان حيث أقامت الفصائل مقرات أو مراكز احتجاز مؤقتة في منازل مهجورة أو تم الاستيلاء عليها. يجد المدنيون في كثير من الأحيان أنفسهم وسط أعمال العنف، وكثيرا ما يصبح أفراد الشرطة العسكرية، المكلفون بالحفاظ على الانضباط داخل الفصائل، منخرطين في القتال، فينحازون إلى أحد الجانبين، مما يُفاقم الوضع. بين مارس/آذار 2020 وديسمبر/كانون الأول 2021، سجل تقرير أصدره “مركز كارتر” 184 اشتباكا موثقا بين فصائل الجيش الوطني السوري في الأراضي التي تحتلها تركيا.[57]

عام 2022، في القطاع الواقع بين رأس العين وتل أبيض وحده، سجلت رابطة تآزر للضحايا 33 حادثة اقتتال بين الفصائل أدت إلى مقتل 22 مقاتلا ومدنيين اثنين وإصابة 20 آخرين.[58] في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2022، اندلعت اشتباكات عسكرية مكثفة بين فصائل الجيش الوطني السوري في المناطق التي تحتلها تركيا في محافظة حلب، بما فيه في الباب وعفرين، مع دخول هيئة تحرير الشام المعركة، مما أدى إلى عدم الاستقرار وتحولات في تلك المناطق، مما تتطلب تدخلا تركيا.[59]

يبدو أن سبب العديد من الاشتباكات بين الفصائل المختلفة هو التنافس على الموارد الاقتصادية والأنشطة المدرة للربح في المناطق التي تسيطر عليها.[60] يشمل ذلك السيطرة على نقاط التفتيش وفرض ضرائب غير مصرح بها، والانخراط في عمليات سطو وابتزاز مقابل الحماية، وتنفيذ عمليات اختطاف للحصول على فدية، والسيطرة على طرق التهريب داخل سوريا وعبر الحدود إلى تركيا، والاستيلاء وتحقيق أرباح من ممتلكات السكان المدنيين وأراضيهم الزراعية ومؤسساتهم.[61] وصف أبو سالم، وهو كردي من سكان عفرين، الممارسة السائدة في الابتزاز مقابل الحماية: “إن كان بائع خضار أو حلاق أو موظف بنك، يُشترط على الجميع أن يكون لديه شريكا ينتمي إلى فصائل الجيش الوطني السوري، وإلا ليس لديه حماية من الفصائل الأخرى”.[62]

وثقت منظمات حقوق الإنسان، بما فيها هيومن رايتس ووتش، ووسائل إعلام ومعاهد بحوث ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، منذ 2018، انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في الأراضي التي تحتلها تركيا.

يبدو أن دوافع هذه الانتهاكات هي إضعاف النفوذ الكردي في أجزاء شمال سوريا المتاخمة لتركيا، والتي تعتبرها تركيا تهديدا للأمن القومي، والسعي لتحقيق الربح، الذي يسعى إليه قادة ومقاتلو مختلف فصائل الجيش الوطني السوري لدعم رواتبهم الضئيلة التي يُقال إنهم يتلقونها، في خضم فترة تواجه فيها المنطقة والبلاد مصاعب اقتصادية.[63]

في يوليو/تموز 2023، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على “أحرار الشرقية”، أحد فصائل الجيش الوطني السوري، وعلى اثنين من قادته، بسبب انتهاكات ضد المدنيين، وخاصة الأكراد السوريين، بما فيه القتل غير القانوني والاختطاف والتعذيب والاستيلاء على الممتلكات الخاصة.[64] في أغسطس/آب 2023، فرضت عقوبات على مجموعتين أخريين من الجيش الوطني السوري، هما “فرقة الحمزات” و “لواء سليمان شاه”، بالإضافة إلى قادتهما، بسبب ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المدنيين في عفرين.[65] في 2021، أضافت الولايات المتحدة أيضا تركيا إلى قائمتها للدول المتورطة في استخدام الجنود الأطفال على أساس دعمها لفصائل الجيش الوطني السوري التي أبلغت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان عن تجنيدها الأطفال في قواتها المسلحة.[66] أضافت الولايات المتحدة تركيا إلى القائمة مرة أخرى في 2023، بعد غياب لعام.[67] تحجب الولايات المتحدة أنواعا معينة من المساعدة العسكرية عن الحكومات المدرجة في القائمة لاستخدام الأطفال في قواتها أو دعم الميليشيات التي تُجند الأطفال. مع ذلك، أصدرت الحكومة الأمريكية إعفاءات جزئية من القيود المفروضة على المساعدات العسكرية لتركيا، بحجة الأمن القومي.[68]

انخرطت الحكومة السورية وقسد وأطراف أخرى في النزاع في ممارسات مشابهة، لا سيما المتعلقة منها بالاحتجاز والتهجير القسري والإسكان وحقوق الأراضي والملكية والتلاعب بالتركيبة السكانية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.[69] ذكر سبعة ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير أنهم تعرضوا لانتهاكات على يد قسد أو مكوناتها خلال الفترة التي سيطرت فيها على مدنهم وبلداتهم.

ردا على الانتقادات الدولية المتزايدة للانتهاكات والأعمال الإجرامية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، أشرفت السلطات التركية على عدد من محاولات الإصلاح على مدى السنوات القليلة الماضية والتي تقاعست إلى حد كبير عن كبح الانتهاكات المتفشية من قبل أعضاء الفصائل. تضمنت هذه التدابير إنشاء شرطة مدنية تهدف إلى إبعاد المقاتلين عن المراكز المأهولة بالسكان، وشرطة عسكرية تهدف إلى مراقبة سلوكهم، ولجان تظلم محلية تهدف إلى مساعدة الأفراد المحرومين من ممتلكاتهم على استعادة هذه الممتلكات، بما فيه في عفرين. لكن كلتا القوتين، وبخاصة الشرطة العسكرية، متورطتان في الانتهاكات، وتواصل الفصائل العمل من المراكز المأهولة بالسكان حيث تحقق كثيرا من أرباحها غير المشروعة، وأثبتت لجان التظلم عدم فعاليتها في ردع الانتهاكات ومعالجتها في مواجهة قادة الفصائل ذوي النفوذ.[70]

قال مصدر مطلع لديه إمكانية الوصول المباشر إلى سجن تديره الشرطة العسكرية لـ هيومن رايتس ووتش في فبراير/شباط 2023، إنه رأى بعض التحسن في ظروف الاحتجاز وانخفاضا متواضعا في عدد مراكز الاحتجاز غير الرسمية أو أماكن الاحتجاز السرية التي تديرها فصائل مختلفة. قال المصدر: “حتى العام الماضي، كان السجناء [في السجن الذي تديره الشرطة العسكرية] ينامون على الأرض، وكان وضع معيشتهم مروعا. الآن، لديهم أسرّة، وتم توسيع الزنزانات أيضا قليلا”. [71] قال أيضا بشأن السجون المؤقتة التي تديرها الفصائل: “انخفض عددها الآن بالتأكيد، لكنها لا تزال موجودة، ولا تزال عمليات القتل خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري تحدث فيها”.[72]

أنكرت تركيا، في مناسبة واحدة على الأقل، بالكامل مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من قبل قواتها والجماعات المحلية التي تدعمها، إلا أنها لم تطلق أي تحقيقات محايدة وشفافة ومستقلة في الحوادث المُبلغ عنها، ولم تمنح المراقبين الدوليين المستقلين لحقوق الإنسان حق الوصول إلى الأراضي المحتلة.[73] في الواقع، نادرا ما تتمتع أي منظمة إنسانية دولية بإمكانية الوصول الحر والمنتظم إلى الأراضي التي تحتلها تركيا.

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وصلت أول مهمة إنسانية للأمم المتحدة إلى المنطقة بين رأس العين وتل أبيض بعد ما يزيد قليلا عن عامين منذ الغزو التركي للمنطقة في أكتوبر/تشرين الأول 2019. [74] شهدت المهمة التي استغرقت يوما واحدا تسليم الإمدادات الطبية عبر الحدود من القامشلي إلى مشفى رأس العين الوطني. حدثت زيارتان أخريان منذ ذلك الحين، وكانت آخرهما في مايو/أيار 2023.[75]

II.الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز

إخلاء مسؤولية: يتضمن هذا التقرير توصيفات مؤلمة للعنف وتفاصيل عنيفة وصادمة قد تكون مزعجة للقراء.

تحت إشراف قوّات الجيش والمخابرات التركيّة، التي لا تتسامح مع هذه الممارسات فحسب بل توافق عليها ضمنيا وتشارك فيها بشكل مباشر، ارتكبت فصائل من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وقسم الشرطة العسكريّة الذي أنشئ للحدّ من انتهاكاتها، منذ سيطرتهم على عفرين في 2018 ورأس العين في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعمال اعتقال واحتجاز تعسفي، وإخفاء قسري، وتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأخضعوا عشرات الناس لمحاكمات جائرة في ظلّ إفلات من العقاب.[76] أفادت نساء كرديّات محتجزات بأنّهنّ تعرّضن لعنف جنسي، بما في ذلك الاغتصاب. احتُجز أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر مع أمهاتهم.[77]

في الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوقيّة أخرى، تحمّل الأكراد الجزء الأكبر من هذه الانتهاكات، غالبا للاشتباه في صلاتهم بـ قسد أو الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا أو حزب العمّال الكردستاني. استُهدِف أيضا العرب وغيرهم ممن يخضعون لحكم قسد الذين لديهم علاقات وثيقة متصورة مع قسد والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. قال 14 محتجزا سابقا وأقارب محتجزين سابقين وحاليين إنّ المحققين استجوبوهم بشأن صلاتهم المزعومة بمختلف الجماعات الكرديّة المسلّحة.

تحدّثت هيومن رايتس ووتش إلى 40 محتجزا سابقا وأقارب لمحتجزين سابقين وحاليين في عفرين ورأس العين في أعقاب التوغلات التركيّة. جميع حالات الاحتجاز التي وثقتها هيومن رايتس ووتش حصلت بين يناير/كانون الثاني 2018 وأغسطس/آب 2023، مع وجود شخصين رهن الاحتجاز وآخر مفقود حتى كتابة هذا التقرير. قال أربعة محتجزين سابقين إنّ عناصر من فصائل الجيش الوطني السوري أو الشرطة العسكريّة احتجزوا أيضا واحد أو أكثر من أقاربهم معهم.

رغم أنّ معظم الانتهاكات الموثقة ارتكبتها فصائل من الجيش الوطني السوري والشرطة العسكريّة وحصلت في مراكز احتجاز تابعة لهم، إلا أنّ محتجزين سابقين أفادوا أنّ مسؤولين في الجيش والمخابرات التركية كانوا أحيانا حاضرين أثناء اعتقالهم واستجوابهم، وفي بعض الحالات تورّطوا بشكل مباشر في التعذيب وسوء المعاملة التي تعرّضوا لها. قال بعضهم إنّهم شاهدوا مسؤولين في الجيش أو المخابرات التركيّة يزورون بشكل منتظم مراكز الاحتجاز التي احتُجزوا فيها، لكن لم يتواصلوا معهم بشكل مباشر. أكّد مصدران مطّلعان ولهما دراية مباشرة بتفاصيل عمل الجيش الوطني السوري أنّ الفصائل والشرطة العسكريّة يخضعون مباشرة لأجهزة المخابرات التركيّة. قال أحدهم: “لا شيء يحدث دون علمهم”.[78]

قال محتجز سابق إنّ خلال فترة احتجازه لمدّة 45 يوما في قسم الشرطة العسكريّة في رأس العين، شاهد مسؤولا عسكريّا تركيا يتردّد على مركز الاحتجاز عدّة مرات: “كان يطرح أسئلة عن أوضاعنا، ويسألنا ما إذا كنا نحتاج إلى أيّ شيء. كان هو نفس الرجل في كلّ مرة، وكان دائما معه مترجم فوري”.[79]

من بين الفصائل التي اتهمها الأشخاص الذين قابلناهم بارتكاب انتهاكات خطيرة فرقة الحمزات وكتيبة الوقاص وفرقة السلطان سليمان شاه، وفرقة السلطان مراد و”جماعة أحرار الشرقية”، بالإضافة إلى قسمي الشرطة العسكريّة في عفرين ورأس العين. حددت تقارير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة المتعاقبة بشأن حقوق الإنسان في سوريا انتهاكات ارتكبها فيلق الشام وأحرار الشام.[80] على وجه التحديد، ذكرت اللجنة في تقرير أصدرته في فبراير/شباط 2022 أنّ العديد من الادعاءات التي وثقتها تشمل اتهامات موجهة إلى فرقة الحمزات وفرقة السلطان مراد.[81]

خريطة حديثة تحدد مناطق سيطرة مختلف فصائل “الجيش الوطني السوري” في منطقة عفرين. وضعت الخريطة “رابطة تآزر للضحايا”، وهي منظمة سورية غير حكومية توثق انتهاكات حقوق الإنسان في شمال سوريا. الخريطة، التي نُشرت في أغسطس/آب 2022، ما تزال تظهر مناطق السيطرة الحالية، وفقا للمنظمة. © 2022 رابطة تآزر للضحايا

خريطة حديثة تحدد مناطق سيطرة مختلف فصائل “الجيش الوطني السوري” في منطقة رأس العين-تل أبيض. وضعت الخريطة “رابطة تآزر للضحايا”، وهي منظمة سورية غير حكومية توثق انتهاكات حقوق الإنسان في شمال سوريا. الخريطة، التي نُشرت في أغسطس/آب 2022، ما تزال تظهر مناطق السيطرة الحالية، وفقا للمنظمة. © 2022 رابطة تآزر للضحايا

قال مصدر مطّلع له علاقات وثيقة بالشرطة العسكرية لـ هيومن رايتس ووتش إنّ مجرّد العيش في منطقة سيطرت عليها قسد لفترة ما قد يتسبب لك في اتهامات بالتواطؤ أو التخابر.[82] قال سكّان حاليون وسابقون إنّ التواصل مع أقارب نزحوا إلى مناطق تسيطر عليها قسد قد يكون أيضا سببا للاعتقال. قالت امرأة تعيش حاليا في مخيّم للنازحين في مدينة الحسكة الخاضعة لـ قسد: “يخشى الناس من كلا الجانبين [الحدود بين مناطق سيطرة قسد والجيش الوطني السوري] التواصل مع عائلاتهم على الجانب الآخر. إذا تواصلت مع أقاربي هناك، أخشى أن يتهمونا بالتجسس لصالح فصائل [الجيش الوطني السوري]”.[83]

شاركت فصائل من الجيش الوطني السوري والشرطة العسكريّة في أيضا عمليات اختطاف واحتجاز كان هدفها الوحيد ابتزاز الأموال من أشخاص تعتبرهم أثرياء. قال المصدر المطلع: “هذه هي الطريقة التي يعملون بها. يسألون، هذا الرجل الذي اعتقلناه من لديه في الخارج وما هي الأصول التي يملكها؟ إنها بمثابة مهنة بالنسبة إليهم، وهي طريقة أخرى لكسب المال”.[84]

في معظم الحالات الموثقة، ورغم أنّ الفصائل والشرطة العسكرية اتهموا المحتجزين لديهما بارتكاب جرائم خطيرة تنفيذا لطلبات الجماعات المسلّحة الكرديّة، إلا أنّهم أطلقوا سراحهم مقابل المال. في 23 حالة موثقة، قال أشخاص إنّهم أو أقارب لهم محتجزون دفعوا مبالغ تتراوح بين مئة دولار و30 ألف دولار أمريكي لمختلف الفصائل وعناصر الشرطة العسكريّة لضمان إطلاق سراحهم أو سراح أقاربهم. في أواخر 2021، أفرج أحد الفصائل، بالتنسيق مع الشرطة العسكريّة، عن رجل كرديّ ووالدته في عفرين بعد أن دفع لهم أحد أقاربهم في الخارج ما يُعادل 70 ألف دولار. قال: “بعد 11 شهرا من احتجازي، أخبروني أنهم سيطلقون سراحي إذا دفعت المال. قالوا لي ‘عائلتك لديها الكثير من الممتلكات في محيط عفرين، لديكم شقق ومبان وأراض زراعيّة، ويُمكنكم تحمّل دفع المال”.[85]

قال نازح كرديّ لـ هيومن رايتس ووتش إنّ والده (70 عاما) رفض مغادرة عفرين بعد الغزو فاعتُقل في أربع مناسبات منفصلة بين يونيو/حزيران 2018 ويناير/كانون الثاني 2020 على يد عناصر من فرقة السلطان سليمان شاه، المعروفة أيضا بـ”الأمشاط”، فأمضى فترات تراوحت بين 14 و22 يوما في الاحتجاز ودفع كلّ مرة مبلغا تراوح بين ألفين و3,500 دولار مقابل إطلاق سراحه.[86] في أبريل/نيسان 2023، قالت امرأة للباحثين إنّ شقيقها واثنين من أصدقائه احتجزهم فصيل يحرس أحد الحواجز في ناحية راجو في عفرين، ثم نُقِلوا إلى قسم الشرطة العسكريّة في عفرين، ولم يُفرج عنهم إلا في اليوم التالي بعد أن دفع كل واحد منهم 250 دولار. قالت: “ليست هذه المرة الأولى التي يحتجزون فيها أشخاصا من القرية ثم يُطلقون سراحهم بعد أن يدفعوا المال”.[87] في مايو/أيار 2023، قال أحد سكان إحدى قرى منطقة عفرين لباحثي هيومن رايتس ووتش إنّ قسم الشرطة العسكريّة في القرية اعتقل ستّة رجال أكراد وامرأة كردية ليُطلق سراحهم في اليوم التالي بعد أن دفع كلّ واحد منهم حوالي مئتي دولار.[88]

في الجزء الحدودي الخاضع لسيطرة الجيش الوطني السوري بين رأس العين وتلّ أبيض، تحصل أعمال تهريب بشر من مناطق قسد إلى تركيا تشارك فيها بشكل كبير مختلف الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري.[89] وثق الباحثون حالات تعرّض فيها أكراد من مناطق خاضعة لسيطرة قسد ودفعوا أموالا لمهرّبين للالتحاق بالمجموعات التي تحاول الدخول إلى تركيا بطريقة غير شرعيّة، إلى الاستهداف من قبل الفصائل التي تسهّل لهم الرحلة واحتُجزوا بتهم تتعلق بالانتماء إلى جماعات كرديّة مسلّحة. وفي هذه الحالات أيضا أفرِج عنهم مقابل المال.

باستثناء الحالات التي تُكشف فيها الشهادات بخصوص الانتهاكات للعلن وتحظى باهتمام إعلامي كبير، يبدو أنّ أجهزة المخابرات التركيّة التي تسيطر على الأراضي المحتلّة تتجاهل الممارسات الابتزازيّة التي تعتمدها الفصائل.

الاحتجاز التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي

أفاد جميع المحتجزين السابقين أنّ قوات الجيش الوطني السوري اعتقلتهم واحتجزتهم بمعزل عن العالم الخارجي ودون تهم سواء في مرافق احتجاز مؤقتة تابعة لمختلف الفصائل أو في مراكز احتجاز تابعة للشرطة العسكريّة في عفرين ورأس العين – أو في كليهما في كثير من الأحيان – لفترات تراوحت بين ثلاثة أسابيع وأكثر من عامين.

قالت ألين (60 عاما)، وهي امرأة كرديّة أمضت أكثر من عام بقليل رهن الاحتجاز التعسفي لدى قسم الشرطة العسكريّة في ناحية راجو في عفرين: “لم تكن الزيارات مسموحة. علمت لاحقا أن شقيقي حاول زيارتي عدّة مرات، لكنهم كانوا دائما يقولون له إنني لست هناك، وطلبوا منه أن ينساني”.[90]

قال أشخاص ممن قابلناهم إنّ المحتجزين لا يُنقلون إلى السجون المركزيّة التي تُديرها الشرطة العسكريّة أيضا في عفرين والباب وعزاز وتل أبيض، إلا بعد أن ينتزع المحققون اعترافات قسرية منهم، وأحيانا يمثلون أمام محاكم عسكريّة. هناك فقط يُسمح لهم بالاتصال بعائلاتهم. قال جودي (20 عاما)، وهو طالب استُهدف ومعه ابن عمّه ورجل كردي آخر وشخص منشق عن الجيش السوري، فاعتقلهم عناصر من فرقة الحمزات في يوليو/تموز 2022 بينما كانوا يحاولون مع مجموعة تتكون من 18 شخصا آخر دخول تركيا بطريقة غير شرعيّة من منطقة يسيطر عليها الجيش الوطني السوري: “فُرض على الآخرين الذين كانوا معنا مئة دولار لكل منهم وسمحوا لهم بالعبور”.[91]

قال شاب فرّ من تركيا في أغسطس/آب 2022 وعاد إلى مسقط رأسه في رأس العين بعد أن احتجزت السلطات التركيّة ثلاثة من إخوته للاشتباه في انتمائهم إلى حزب العمّال الكردستاني إنّ عناصر من الشرطة العسكريّة اقتحموا بعد شهر منزله بحثا عنه وعندما لم يجدوه اعتقلوا شقيقه الأصغر، وفي وقت لاحق والده، للاستفسار عن احتجازه. قال إنّهم لم يُفرجوا عنهما إلا بعد سبعة أشهر وإنّ والدته سُمح لها بزيارتهما مرة واحدة فقط. قال: “ما زلت خائفا على أخي الأصغر، وأتمنى أن يخرج”.[92]

تحديدا في عفرين، في الأشهر التالية للغزو، قال محتجزون أكراد إنّهم أمضوا سنوات محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي. قالت امرأة (26 عاما) احتُجزت لفترة تقلّ عن عامين ونصف بقليل: “لم يعرف والداي مكاني إلا قبل إطلاق سراحي بشهرين أو ثلاثة”.[93] قالت محتجزة أخرى لم يُسمح لها بالاتصال بوالديها عبر الهاتف لمدة عامين من أصل ثلاثة أعوام أمضتها محتجزة، ولم يُسمح لعائلتها بزيارتها إلا في السجن المركزي، بعد حوالي عامين ونصف من الاحتجاز تقريبا: “لم أتعرّف على أشقائي عندما رأيتهم، كانوا مراهقين عندما اعتُقلت أوّل مرة”.[94]

التعذيب وسوء المعاملة

قابلت هيومن رايتس ووتش 16 محتجزا سابقا أفادوا بأنهم شهدوا أو تعرّضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة العسكريّة ومختلف فصائل الجيش الوطني السوري في عفرين ورأس العين.

شملت أنواع التعذيب التي تحدّثوا عنها الضرب المبرح والمطوّل – غالبا باستخدام الكابلات والأسلاك الكهربائيّة والأنابيب المعدنيّة – وخلع الأسنان والأظافر، والتعليق في السقف أو بالدواليب بالحبال، والحرق بالسجائر. غالبا ما أفاد محتجزون سابقون أنّهم كانوا معصوبي الأعين ومقيّدي الأيدي أثناء الاستجواب.

قال رجل كرديّ (30 عاما) من مدينة الحسكة إنّه اعتُرض من قبل رجال يرتدون أزياء عسكريّة أثناء محاولته العبور بشكل غير نظامي إلى تركيا مع مجموعة تتكوّن من 15 سوريا آخرين بمساعدة مهرّبين في أغسطس/آب 2022. اقتادوهم إلى مبنى لا يحمل أيّ علامة، وحبسوهم في غرفة لساعات، وبعد ذلك تعرّف عليه الخاطفون مع رجلين كرديين آخرين، وفصلوهم عن المجموعة. أرسلوهم بعد ذلك إلى قسم الشرطة العسكريّة في رأس العين، فظلّوا هناك 45 يوما، حيث قال إن محققين تابعين لقسم الشرطة العسكريّة استجوبوه بشكل متكرّر عن صلات مزعومة بجماعات كرديّة مسلّحة واستخدموا التعذيب.

طول فترة استجوابنا، كنت معصوب العينين ومقيّد اليدين. مدير المكان اسمه أبو صدّام، كان يضربنا بيديه على وجوهنا وبطوننا وأجسادنا ليُجبرنا على الاعتراف. عندما كنت هناك، تعرّضت للتعليق في السقف أربع مرات. وتمّ وضعي في داخل إطار في وضع مجهد جدّا خمس أو ستّ مرات. كنت أقول لهم باستمرار إنني لست جنديا، لكن المحققين ظلوا يضغطون علي للاعتراف. وفي الأخير وافقت وقلت لهما اكتبوا ما شئتم، ماذا كان بوسعي فعله؟ أن أستمر في التعرض للضرب؟[95]

نقلته السلطات في نهاية المطاف إلى مركز احتجاز تابع للشرطة المدنيّة لمدّة 15 يوما، ثم نقلته بعد ذلك إلى السجن المركزي في رأس العين، حيث أمضى شهرين آخرين قبل أن تُطلق محكمة عسكريّة في تلّ أبيض سراحه.

علاء (34 عاما)، وهو كرديّ من بلدة خاضعة لسيطرة قسد، فقد ساقه أثناء محاولة لعبور الحدود نحو تركيا بشكل غير نظامي في يوليو/تموز 2022 بحثا عن حياة أكثر أمانا خارج سوريا. بعد أن كسر كاحله أثناء محاولة تسلّق الجدار الحدودي الفاصل بين سوريا وتركيا بارتفاع ثلاثة أمتار، واعتقله حرس الحدود الأتراك، تعرّض علاء إلى الضرب على يد هؤلاء، حيث صفعوه وداسوا على رأسه وأجبروه على الوقوف والمشي على رجله المكسورة لساعات طويلة. بعد إعادته إلى سوريا، تعرّض لمزيد من التعذيب على يد مسؤولي المخابرات التركيّة وعناصر قسم الشرطة العسكريّة في الجيش الوطني السوري في رأس العين.

عصبت الشرطة العسكريّة عينيّ [و] وقيّدت يديّ بالأصفاد. استجوبني [المحقق التركي] وضربني بلا رحمة. سألني ما إذا كنت عربيا أو تركيا، فأجبته بأنني سوري. قال لي إنّ تركيا ستقطع ساقي. كان معه مترجم فوري. استمرّ في ضربي على ساقي المكسورة. كنت معصوب العينين، واستمر في ضربي ساعة ونصف تقريبا. كنت أعمل معلما لدى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فقلت له إنني الذكر الوحيد في بين إخوتي وإنّ التجنيد العسكري ليس إلزاميا بالنسبة لي. لكنه لم يتوقف، وضربني بكابل نحاسي على وجهي ورأسي.[96]

قال علاء إنّه أمضى ثمانية أيام في قسم الشرطة العسكريّة، ووجهت له تهمة عبور الحدود بطريقة غير قانونية في المحكمة العسكرية في رأس العين، قبل أن تأمر الشرطة بإطلاق سراحه. ثم أمضى ستة أيام أخرى في السجن المركزي دون رعاية طبيّة لكاحله المكسور، الذي التهب. عند عودته إلى بلدته الواقعة تحت سيطرة قسد عبر طرق التهريب، استشار طبيبا فنصحه ببتر رجله. قال علاء، وهو رياضي سابق، إنّ القرار سبب له الكرب والمعاناة. قال: “كنت ألعب كرة القدم، وكنت أرفع الأثقال. والآن أنا مبتور الأطراف”.[97] الحرمان من المساعدة الطبية والتسبب في إصابة خطيرة بشكل متعمد، ما أدّى في حالة علاء إلى إعاقة، قد يُشكل جريمة بموجب القانون الدولي.

قالت امرأة كرديّة (30 عاما) أمضت أكثر من عامين رهن الاحتجاز التعسفي بين 2018 و2020 في أربعة مواقع احتجاز مختلفة قبل أن تُنقل إلى سجن مركزي، إنّ الجزء الأكبر من التعذيب الذي تعرّضت له على يد المحققين حصل في سجن في عفرين. قالت إنّ واحدا من المحققين، كان يتحدث التركية والعربيّة الفصحى (وليس العاميّة المحلية)، قال لها إنّ مسؤولين في المخابرات التركيّة هم الذين يديرون السجن. قالت: “صفعوني على وجهي كثيرا، وضربوني على ظهري وخنقوني، وركلوني على بطني بينما كنت ممددة على الأرض. سحبوني من شعري وجرّوني على الأرض. كنت في كثير من الأحيان لا أعرف من أين ستأتيني الضربة، وفقدت الوعي عدّة مرات. ذات مرة صعقوني بالكهرباء، وفي مرة أخرى علقوني على عمود”.[98]

قال رجل (48 عاما) إنّه أمضى أربعة أشهر رهن الاحتجاز في عفرين في مطلع 2018، حيث استجوبه مسؤولون أتراك بشكل متكرر بحضور مترجم فوري سوري. قال: “واحد من المحققين الأتراك استخدم كماشة واقتلع أكثر من 11 من أسناني، كدت أفقد الوعي من الألم. بعدها سكب الماء على وجهي كي أستيقظ، وركلني على صدري، وسكب البترول على جسدي. كان يريد مني الاعتراف بالعمل مع حزب العمال الكردستاني، فوضع ولاعة على ساقي وأشعلها”.[99]

هناك امرأة أخرى (26 عاما) استدرجها أفراد من الشرطة العسكريّة إلى مركز احتجاز في مدينة عفرين في أغسطس/آب 2018 عبر إخبارها أنّ زوجها المحتجز طلب رؤيتها. ثم احتُجزت تعسفيا لأكثر من عامين ونصف في أربعة سجون ومراكز احتجاز على الأقل. تحدثت عن تعرضها للتعليق على أعمدة والضرب بالكابلات والحرق بالسجائر. قالت: “كنت مكبّلة اليدين والقدمين لمدّة أسبوع بأكمله باستثناء عندما كانوا يجلبون لي الطعام. ذات مرّة تقيأت الدم بسبب الضرب الذي تعرضت له. كان وجهي مليئا بالكدمات”.[100]

في إحدى الحالات، خضع رجل كردي من عفرين لاحتجاز تعسفي مطوّل وتعذيب شديد على يد فصيل تابع للجيش الوطني السوري في انتهاك مباشر لأوامر مسؤولين أتراك بالإفراج عنه. قال فاروق إنّه غادر عفرين إلى حلب قبل الغزو التركي عام 2018 خوفا من اعتقال قسد له بسبب دعمه العلني لجماعات المعارضة الكرديّة، لكنه عاد في 2020 لمساعدة عائلته على استرجاع المنازل والأراضي التي فقدتها أمام فصائل الجيش الوطني السوري في أعقاب الغزو. ردّ فصيل الجيش الوطني السوري الذي يسيطر على بستان الزيتون الخاص بعائلته على مطالبه باتهامه بأن صلات تربطه مع قسد. قال: “لم أكن من المطلوبين إلى أن طلبت استعادة ممتلكاتنا”. بعد عودته بأيام، قال إنّ عناصر من الفصيل اعتقلوه، وبعد ذلك احتُجِز لأكثر من عام في مراكز احتجاز مختلفة في أنحاء عفرين تابعة للشرطة العسكريّة وفصيل الجيش الوطني السوري المعني والشرطة المدنيّة. قال فاروق إنّ مسؤولين أتراك استجوبوه مباشرة بعد اعتقاله ثم أمروا بإطلاق سراحه، لكن الفصيل التابع للجيش الوطني الذي استحوذ على ممتلكاته لم ينفذ الأوامر.

وصف فاروق التعذيب الذي تعرّض له على يد الفصيل والشرطة العسكريّة:

لإجباري على الاعتراف، أغرقوني في الماء، وصعقوني بالكهرباء، وضربوني بالكابلات، ونزعوا جميع أظافري، ثم غرسوا فيها الإبر. أنا مندهش لأنني ما زلت حيا. في فصل الشتاء، كانوا يُجرّدوني من ملابسي، ويصبّون الماء البارد عليّ ويضربونني بالكابلات.[101]

وصف رجل كردي (20 عاما) التعذيب وسوء المعاملة الذي تعرّض لهما مع أربعة أشخاص آخرين على يد عناصر الفصيل في مركزي احتجاز مؤقتين في رأس العين، قال إنهما تابعان لفرقة الحمزات:

أحضروا كابل كهرباء، فلفّه أحدهم خمس مرات تقريبا ثم بدأ يضربنا به على أجسادنا. ضربنا في كل مكان، لم يكن مهما إذا كان الضرب على وجوهنا أو رؤوسنا أو أجسادنا. [أثناء الاستجواب]، أجبروني على الركوع وعصبوا عينيّ بسروال رُبط بإحكام حول رأسي حتى شعرت وكأنّ عينيّ ستخرجان من مكانهما.[102]

إضافة إلى التعذيب الجسدي وسوء المعاملة، تحدّث العديد من الضحايا عن التعرّض إلى انتهاكات نفسيّة، مثل الحبس الانفرادي لفترات مطوّلة، والتهديد بسوء المعاملة والتعذيب والقتل، والإجبار على رؤية التعذيب الذي يُمارس على سجناء آخرين، وغالبا ما يكونون من الأقارب.

قال 15 محتجزا سابقا إنّهم شهدوا أو سمعوا آخرين يتعرّضون للتعذيب على يد المحققين. قال أربعة منهم إن المحققين، أتراكا وسوريين، أجبروهم بشكل مباشر على مشاهدة تعذيب أقارب لهم أو أفرادا من مجتمعهم، أو العكس.

قالت امرأة متحدثة عن إحضار المحققين لسجناء آخرين وتعذيبهم أمامها، ومنهم والدها: “كان يؤلمني سماع الآخرين يتعرّضون للضرب أكثر من تعرّضي أنا للتعذيب”. تحدّثت أيضا عن إجبارها على مشاهدة تعذيب محتجزين آخرين. قالت: “في إحدى المرات، أحضروني إلى غرفة التحقيق، وكانت الدماء في كل مكان. ثم أحضروا الرجل الذي عذبوه قبلي، وعرّوا ظهره وسكبوا الليمون والملح على جراحه”.[103]

قال رجل احتُجِز مع والدته: “أسوأ ما حصل هو إحضار والدتي لتشاهد تعذيبي”.[104] وأضاف: “ذات مرّة، سمعت صوتها يقترب. كنت معصوب العينين ومقيّد اليدين والدم يقطر من وجهي. كنت أشعر بألم شديد جدا، لكنني ظللت أحاول مسح الدم بسرعة قبل أن تراني بهذا الشكل”.

قالت امرأة إنّ ابنها الذي يعيش في الخارج أخبرها أنّ عناصر من الجيش الوطني السوري كانوا يتصلون به بتقنية الفيديو في كلّ مرة يعذبون فيها شقيقه المحتجز. قالت: “كانوا يبتزونه، ويطلبون منه إرسال المال إذا كان يريدهم أن يتوقفوا عن تعذيب أخيه”.[105]

الوفاة رهن الاحتجاز

قال ستة محتجزين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم علموا أو شاهدوا حالات وفاة لرجال ونساء في الاحتجاز. قالت امرأة (26 عاما) احتُجزت في 2018 لمدة عامين دون تهم: “هناك جثة تركوها في الزنزانة لعدّة أيام، حتى بدأت تنبعث منها روائح”.[106]

في إحدى الحالات البارزة التي تورّط فيها مسؤولون أتراك، تلقت عائلة المحامي الكردي البارز لقمان حنان، الذي بقي في عفرين بعد الغزو التركي في 2018، اتصالا من المستشفى العسكري في عفرين في 22 ديسمبر/كانون الأول 2022 يُعلمهم بوفاته بعد خمسة أيام فقط من اعتقاله من قبل مسؤولين في الشرطة المدنية بالإضافة إلى الجيش والمخابرات التركيّة قرب منزله بحضور ابنته (9 سنوات)، بحسب ما قاله أحد أقاربه في الخارج لـ هيومن رايتس ووتش. قال قريبه أيضا: “لما ذهب أقاربي لاستلام الجثة من المستشفى، وجدوا علامات تعذيب على وجهه وساقيه وبطنه وظهره”.[107]

ذكرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في تقرير أصدرته في مارس/آذار 2023 أنّ فصائل الجيش الوطني السوري استمرّت في احتجاز المدنيين بشكل تعسفي وأخضعت بعضهم للتعذيب، ما أدّى في بعض الحالات إلى وفاتهم.  قالت إنّ اللجنة ما تزال توثّق حالات “وجود مسؤولين أتراك أثناء الاستجوابات، التي ينطوي بعضها على تعذيب المعتقلين أو إساء معاملتهم”.

الاغتصاب والعنف الجنسي

قالت أربع نساء لـ هيومن رايتس ووتش إنّهنّ تعرّضن مع نساء أخريات محتجزات معهنّ إلى عنف جنسي في مواقع الاحتجاز التابعة لفصائل الجيش الوطني السوري وقسم الشرطة العسكريّة في عفرين. قالت امرأتان إنهما لم تتعرّضا لعنف جنسي لكنهما شاهدتاه يحصل لنساء أخريات أو سمعتا بحصوله من محتجزات أخريات. قال رجل إن سجّانيه أجبروه على مشاهدة عمليّة اغتصاب جماعيّة لامرأتين كرديتين. جميع الحالات الموثقة حصلت في عفرين بين يناير/كانون الثاني 2018 ويوليو/تموز 2022، وارتُكبت ضدّ أكراد.

وصفت النساء كيف كان المحققون يطرحون عليهنّ أسئلة جنسيّة ويلمسوهنّ بشكل غير لائق، وكيف كان سجانوهنّ يراقبوهنّ عندما يستخدمن الحمّام أو أثناء الاستحمام. قالت امرأة، وكان زوجها مفقودا واعتقلت الشرطة العسكريّة والدتها معها، إنّه لم يكن لديها من يعتني بابنتها البالغة من العمر ستة أشهر، ولذلك توسلت إليهم والدتها للسماح لها بالبقاء معهما أثناء فترة الاحتجاز التي دامت 11 شهرا. قالت: “كانوا [السجانون] يجرّدوني من ملابسي ليلتقطوا صورا لي. ظلّ واحد يطلب مني إرضاع ابنتي أمامه، وأثناء التحقيق كانوا يهدّدون بإبعادها عني”.[108]

قالت امرأتان إنّ رجلا يتحدّث التركيّة والعربيّة الفصحى، وقدّم نفسه لهما على أنّه ضابط في جهاز المخابرات العسكريّة التركيّة، تحرّش بهما جنسيا، جسديا ولفظيا، عديد المرات، ووعد كل منهما بشكل منفصل بأنه سيطلق سراحهما إذا وافقتا على الزواج منه. كما تلقت كلتا المرأتين عروض زواج من سجانين آخرين أثناء الاحتجاز.

وصفت إحدى النساء كيف اغتصبها رئيس أحد السجون التابعة لقسم الشرطة العسكريّة والمخابرات العسكريّة التركيّة بشكل متكرر:

في إحدى الليالي، عند الساعة 2 فجرا، عمد الرجل [السوري] الذي كان يُشرف على السجن في ذلك الوقت إلى عصب عينيّ، وقيّد يديّ، وأخذني إلى غرفة أخرى. لم أكن أعرف إلى أين أخذني، فقد كان المكان مظلما جدا، حتى بدون عصابة. لمس ثديي وأجزاء أخرى من جسدي، ولم تكن لديّ القوة على الردّ. ثم عرّى الجزء السفلي من جسدي واغتصبني. وبعد ذلك بدأ يأتي مرتين أو ثلاثة في الأسبوع. وذات مرّة، صوّرني وهو يغتصبني. لم أصرخ بصوت عال لأنني لم أرغب في أن يسمعني والدي الذي كان موجودا في زنزانة قريبة وأنا أبكي.[109]

قالت المرأة إنّ رجالا آخرين في السجن اغتصبوها، وإنّ مدير السجن اغتصب امرأة أخرى (19 عاما) أمامها. قالت محتجزة سابقة إنها اغتُصبت أيضا من قبل أحد حراس السجن لم تكن تعرفه. قالت: “شعرت بالكثير من العار والاشمئزاز لدرجة أني حاولت قتل نفسي ذات مرّة في السجن”.[110]

قال رجل احتُجز لمدة أربعة أشهر في 2018 إنّ المحققين الأتراك جلبوا شابتين كرديتين وقالوا له إنّه إن لم يعترف بالعمل مع حزب العمال الكردستاني فإنهم سيغتصبونهما أمامه. قال: “نفذوا ما قالوا. لم أكن أعرف المرأتين، لكني كنت أعرف أنهما كرديتين لأنهما بدأتا تصرخان طلبا للمساعدة بالكرديّة. كنت مقيّد اليدين، وأحد المسؤولين شدّ رأسي إلى فوق لإجباري على المشاهدة”. قال الرجل إنّه يعرف أنهم كانوا أتراك لأنه رأى علم تركيا على أزيائهم العسكريّة ولأنهم كانوا يتحدثون التركية فيما بينهم وكان معهم مترجم فوري”.[111]

منذ يناير/كانون الثاني 2020 على الأقل وحتى ديسمبر/كانون الأول 2022، وثقت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا حالات اغتصاب وعنف جنسي في حق المحتجزات الكرديات على يد عناصر مختلفة من الجيش الوطني السوري، ما يوحي بأنّ الفصائل المسلحة التابعة للجيش الوطني السوري تستخدم العنف الجنسي كسلاح حرب. وثقت اللجنة أيضا أعمال عنف جنسي ضدّ أطفال ورجال أكراد ونساء أيزيديات. في حالة واحدة على الأقلّ، وثقت اللجنة اغتصاب امرأة كرديّة على يد “أفراد يحملون أزياء تركية ويتحدثون اللغة التركية”.[112]

ظروف احتجاز مزرية

في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة العسكرية ومرافق الاحتجاز المؤقتة التابعة لمختلف فصائل الجيش الوطني السوري خاصّة، تحدّث محتجزون سابقون عن ظروف احتجاز مروّعة، حيث غالبا ما يقضون أشهرا في زنازين انفرادية صغيرة مليئة بالحشرات أو في غرف مكتظة لا توجد بها مساحة للاستلقاء والنوم، ودون أفرشة أو أغطية. بعض السجون، التي قال محتجزون سابقون إنهم وصلوا إليها عبر طرق تحت الأرض، كانت في كثير من الأحيان في ظلام دامس. قال بعض المحتجزين السابقين إنهم كانوا يُحبسون في بعض الأحيان في منازل تم تحويلها إلى مراكز احتجاز. قال رجل متحدثا عن مكان احتجاز قال إنه تابع لفرقة الحمزات في رأس العين: “كان مجرد منزل فقسّموه إلى زنازين”.[113]

قال محتجز سابق: “كانوا يعاملوننا كالكلاب”.[114] قالت أخرى: “كان المكان مظلما ورطبا وقذرا، وفيه الكثير من الحشرات، وأذكر ظهور بثور مؤلمة. ولمّا أطلق سراحنا نحن النساء، كان لدينا قمّل في شعرنا. خلال سبعة أشهر من الاحتجاز [قضيتها في أحد السجون المؤقتة]، لم أستحمّ إلا مرة أو مرتين بالماء البارد”.[115] قال المحتجزان السابقان إنّهما ظلا طيلة فترة الاحتجاز يرتديان نفس الملابس التي كانا يلبسانها عند الاعتقال، ولما أفرج عنها، خرجا حافيين.

جميع المحتجزين السابقين تحدثوا عن تعرضهم للتجويع أو لطعام فاسد. قالت محتجزة سابقة: “كانوا يعطونني رغيف خبز وحبتي زيتون كل يوم، كان هذا كل شيء”. وقالت أخرى: “في سجن تابع لفرقة الحمزات كنت محتجزة فيه لأكثر من عام، كنا دائما جائعين. ذات مرة، جلبوا لنا جبنا بدا فاسدا، حيث أصيبت ثلاث نساء معي بمرض شديد بسبب تسمم الأكل”.[116] قالت ثالثة: “كانوا يفرغون الأكل المعلّب في كيس بلاستيكي ونحن نختار أن نأكل أو لا نأكل، ونقرر كيف نوزعه”.[117]

رغم التعذيب الذي تعرّضن له، لم تتحدث أيّ من المحتجزات عن الحصول على أي رعاية طبية لازمة. قالت احدى النساء إنّ سجّانا وجّه لها ذات مرة ضربة قوية على رأسها لدرجة أنّ مدير السجن اعترف بأنّ أعراضها تتفق مع حصول ارتجاج. قالت: “لم يُحضروا طبيبا لرؤيتي، وجلبوا سجينات أخريات وطلبوا منهنّ إبقائي مستيقظة”.[118] قالت امرأة أخرى إنّ مسؤولي السجن يكتفون بجلب ممرضة عندما يكون الشخص على وشك الموت.[119]

جميع المحتجزين السابقين الذي نُقلوا في نهاية المطاف إلى سجون مركزيّة قبل محاكمتهم في محاكم عسكريّة أكدوا أنّ ظروف الاحتجاز كانت أفضل بكثير هناك. رغم أنّ الاكتظاظ ونقص الغذاء والماء والظروف غير الصحيّة تمثل مشكلة في السجون المركزيّة أيضا، إلا أنّ لا أحد من المحتجزين تحدّث عن التعرض للضرب أو التعذيب هناك، وجميعهم قالوا إنّ مسؤولي السجن سمحوا لهم في الأخير بالاتصال بأسرهم. قال محتجز سابق: “هنا طمأنوني، أنا والسجناء الآخرين، بأن الموت لن يكون مصيري على الأقل”.[120]

محاكمات معيبة

في فبراير/شباط 2018، أنشأت وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة نظاما للقضاء العسكري. كان الهدف الرئيسي هو التحقيق في الانتهاكات التي ارتكبها عناصر مختلف الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري، والفصل في النزاعات العنيفة التي تحدث بينهم في كثير من الأحيان. تمثلت المبادرة في إنشاء محاكم عسكريّة وقوّة للشرطة العسكريّة في المناطق التي احتلتها تركيا أثناء عمليّة درع الفرات. تمّ توسيع اختصاص هذا الجهاز ليشمل عفرين ورأس العين وتل أبيض مع سيطرة تركيا على مزيد من الأراضي.[121] يتكوّن جهاز القضاء العسكري في جزء كبير منه من مسؤولين سابقين في الجيش الوطني السوري، مع تعيين قضاة بالتنسيق مع أجهزة المخابرات التركيّة، بحسب مصادر مطلعة. يعمل الجهاز تحت إشراف تركيا بصفتها قوّة احتلال. رغم إنشاء محاكم مدنيّة أيضا، إلا أنّ المحاكم العسكريّة هي التي تحاكم في كثير من الأحيان المحتجزين والمعتقلين تعسفيا من قبل مختلف الفصائل، بتنسيق مع الشرطة العسكريّة، بتهم الانتماء أو وجود صلات بجماعات كرديّة مسلّحة أو الحكومة السوريّة أو “داعش”.

تفتقر هذه المحاكم العسكريّة إلى الاستقلاليّة والحياد والالتزام بالإجراءات القانونيّة الواجبة، حيث يخضع القضاة للقيادة العسكريّة والأوامر العليا. يُحرم المحتجزون من المشورة القانونيّة طوال فترة الاحتجاز، وتُستخدم الاعترافات المنتزعة بالإكراه كدليل، وغالبا ما تكون الدليل الوحيد. كثيرا ما تتمكن العائلات من ضمان إطلاق سراح أقاربها خارج إطار نظام القضاء من خلال دفع رشاوى إلى عناصر الفصائل أو الشرطة العسكريّة.[122]

من بين المحتجزين السابقين الذين وثقت هيومن رايتس ووتش حالاتهم، عُرض تسعة منهم على قاض عسكري بعد فترة تتراوح بين ثلاثة أسابيع وعامين من اعتقالهم، ولم يتمكن أيّ منهم من الاتصال بمحام طيلة فترة الاحتجاز. قال ثمانية منهم إنهم أجبِروا على الاعتراف بجرائم كانوا يُنكرون ارتكابها، بينما قال اثنان إنهما أجبرا على حفظ وقراءة أقوال أمام كاميرا فيها اعتراف بارتكاب جرائم، وقالا إنهما لقيا معاملة عادلة طيلة فترة الاحتجاز.

قال محتجز سابق: “ذات يوم، أحضروا ورقة فيها عدّة اتهامات وطلبوا مني توقيعها. قالوا إنني أنتمي إلى حزب العمال الكردستاني، وإني أعمل في وحدة الاستخبارات التابعة له… في القامشلو [القامشلي]، لكني لم أذهب إلى القامشلو أبدا. أرادوا مني أيضا أن أعترف بهذه التهم أمام الكاميرا، فحفظت النص وقلته أمام الكاميرا. كان عليّ تكراره عدة مرات لأقوله بشكل صحيح، وكانوا يصرخون عليّ ويهددونني بالتعذيب كلما ارتكبت خطأ”.[123]

قال أربعة محتجزين سابقين إنهم مثلوا في نهاية المطاف أمام قضاة في المحكمة العسكريّة، وقالوا لهم إنهم تعرضوا للتعذيب، لكن القضاة لم يفعلوا شيئا حيال ذلك.

قالت امرأة إنها أخبرت القاضي العسكري بأنّ عناصر الجيش الوطني السوري اغتصبوها في واحد من مراكز الاحتجاز، وقالت لـ هيومن رايتس ووتش إنه ردّ بالقول إنّه من العار عليها أن تتحدث عن مثل هذه الأشياء، وعليها أن تسكت عن ذلك حفاظا على سمعتها.[124]

قالت محتجزة سابقة أخرى: ” أطلعت القاضي على الكدمات على جسدي فقال إنه يستطيع سجن الرجل الذي فعل ذلك، لكن إن فعلت، فسينتقمون مني”.[125]

قال محتجز سابق إنّ المحكمة العسكريّة في تل أبيض برّأته فقط بعد أن دفعت عائلته حوالي خمسة آلاف دولار رشاوى.

جاءنا محام في وقت ما، وقال إذا كنتم ترغبون في الإفراج، عليكم دفع المال. وافقت عائلتي على أن تدفع له 1,500 دولار. [وفي يوم الإفراج]، اقتادنا [أنا ومحتجز آخر] إلى غرفة منفصلة وقال إنّه بمجرّد انتهاء عمليّة التحويل واستلام الأموال، سيتم الإفراج عنكما.[126]

في حالتين فقط من الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، قضى المحتجزون فعلا أحكاما بالسجن على أساس الجرائم الخطيرة التي اتُهِموا بارتكابها، وفي كلتا الحالتين، لم يحصلا على محاكمات عادلة.

في إحدى الحالتين، عادت امرأة عربيّة إلى رأس العين من مدينة الحسكة الخاضعة لسيطرة قسد مع والدتها المسنّة، بعد 15 يوما من انتهاء العمليّة العسكريّة التركيّة، لحماية منزلهما من النهب والمصادرة. قال شقيقها النازح لـ هيومن رايتس ووتش إنّ عناصر من المخابرات العسكريّة التركية اعتقلوها في أبريل/نيسان 2020 بالتنسيق مع الشرطة العسكريّة التابعة للجيش الوطني السوري.[127] قال إنّ خالتهم، التي ظلّت في رأس العين وتمكنت من زيارتها، شاهدت علامات تعذيب على وجهها وجسدها، وقالت إنّ شقيقته قالت لها إنّ المحققين الأتراك ضربوها وأساؤوا معاملتها.

كشف شقيقها أنهم وكّلوا محاميا مقابل حوالي ألف دولار، فأكّد أنها مسجونة لدى المخابرات التركيّة وأنها أجبِرت على الاعتراف بزرع قنبلة وبالتجسس. قال: “قالت أختي لخالتي إنها ستقول أيّ شيء بعد كل الضرب الذي تعرضت له، مستعدة لتقول إنها قتلت والدتها حتى”. اتصلوا يائسين بمعارف فأخبروهم بأنّ الصفقات المالية قد تحلّ مثل هذه المسائل. دفعوا مليوني ليرة سورية (حوالي 1,400 دولار)[128] لوسيط لكن دون جدوى. تمكّن المحامي من إسقاط التهم، لكن في الأخير حُكم عليها بالسجن سبع سنوات بتهم أخرى لم يُكشف عنها. قال شقيقها متحسرا: “لم ترتكب أختي أي خطأ. كل ما فعلته هو أنها اعتنت بالمنزل. طلبت من المحامي أن يخبرنا ماذا فعلت: هل فجّرت أي شيء؟ هل قتلت شخصا ما؟ فقالا إنه لا يعلم. فقلت له: أنت محام، كيف لا تعلم؟”.

في تقريرها الصادر في مارس/آذار 2023، وثقت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أيضا استمرار حرمان المحتجزين في المناطق التي تحتلها تركيا من المساعدة القانونيّة والمثول أمام محاكم عسكريّة. رغم أنّه تمت تبرئة بعضهم في وقت لاحق، إلا أنّه لم يتم إطلاق سراحهم إلا بعد دفع أموال لعناصر الشرطة العسكريّة التابعة للجيش الوطني السوري.[129]

III.انتهاكات حقوق السكن والأرض والملكيّة

“أخذوا كلّ شيء، كما لو كان ملكا لهم في الأصل”

ـــ خليل، طبيب كردي من عفرين يعيش في إقليم كردستان العراق.

“أصعب شيء بالنسبة لي هو الوقوف أمام منزلي دون أن أستطيع الدخول إليه”

ـــ نازح أيزيدي من مدينة رأس العين.

قابلت هيومن رايتس ووتش 36 شخصا، 20 منهم من عفرين، وجميعهم أكراد، و15 من رأس العين، أربعة منهم أكراد وثمانية عرب وأيزيديين اثنين وعضو واحد في إحدى الأقليات الدينية ، فتحدثوا عن تجاربهم مع الانتهاكات المتعلقة بحقوق السكن والأرض والملكيّة، أو تجارب أقارب لهم.

في أعقاب عمليّة غصن الزيتون التركيّة في عفرين في 2018، وعمليّة نبع السلام في الشريط الواقع بين تلّ أبيض ورأس العين في 2019، مع فرار مئات الآلاف من منازلهم، انخرطت فصائل الجيش الوطني السوري في أعمال نهب وسلب واستيلاء على المنازل والأراضي والممتلكات.[130]

بحلول أغسطس/آب 2023، بعد أكثر من ست سنوات من احتلال عفرين وحوالي خمس سنوات من احتلال رأس العين وتل أبيض، لم يحصل غالبيّة السكان والعائدين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، ممن انتُهكت حقوقهم في السكن والأرض والملكيّة، على جبر أو تعويض مناسب. تستمرّ أنماط النهب والسلب ومصادرة الممتلكات، ويظلّ السكان والعائدون الذين يجرؤون على الوقوف في وجه الفصائل معرّضين لخطر الاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب وسوء المعاملة والخطف والاختفاء القسري. إدراكا منها بشدة لهذا الواقع، ظلّت آلاف العائلات المحرومة نازحة في أجزاء أخرى من سوريا وفي الخارج، مترددة في خوض رحلة محفوفة بالمخاطر ومكلفة من أجل العودة إلى الديار. قال رجل كردي مقيم في محافظة الحسكة وتمتلك عائلته منازل وأعمال تجاريّة وأراض زراعيّة في عفرين: “أريد العودة. لكن إذا استمرّ هؤلاء الناس في احتلال ممتلكاتي، فلن أفكّر في العودة ولو لثانية واحدة”.[131]

مشاركة تركيا في إعادة التوطين في الأراضي الكرديّة

في الأيام الأولى بعد غزو عفرين، وفقا لتقرير صادر عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، ذكر شهود أنّ القوات التركيّة كانت أحيانا تتواجد في جوار الأماكن التي تحدث فيها عمليات نهب من قبل الجماعات المسلّحة، إلا أنها لم تتدخل ولم تتخذ أي خطوات لمنعها.[132]

في بعض الحالات، لم تتجاهل تركيا الانتهاكات فحسب، بل تواطأت فيها بشكل مباشر. في عفرين سنة 2018، أشرفت تركيا على إعادة توطين مئات العائلات العربيّة السنيّة النازحة من الغوطة الشرقيّة في منازل النازحين الأكراد، وتلتها موجات أخرى من العرب السوريين النازحين من مناطق أخرى في سوريا. في رأس العين، في الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 ومايو/أيار 2020، شهدت قرية الداوديّة هدم منازل واستخدام أخرى لأغراض عسكريّة من قبل القوات البريّة التركيّة، ما حوّل القرية بأكملها إلى قاعدة عسكريّة تركيّة ومنع الأهالي من العودة إلى ديارهم.[133] في يوليو/تموز 2023،  قال واحد من سكّان الداوديّة سابقا، واليوم صار نازحا: “تمّ منع الدخول إلى القرية منذ ذلك الحين”.[134] في أغسطس/آب 2020، كشف تحقيق أجرته منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة أنّ “منظمة الإغاثة الإنسانيّة التركيّة” أعادت ترتيب منزلين لعائلات كرديّة في رأس العين ليصبحا معهدين للدراسات القرآنيّة.[135] في يونيو/حزيران العام الماضي، حضر حاكم محافظة شانلي أورفا التركية، الذي يُشرف على الشريط المحتل بين تل أبيض ورأس العين، حفل تدشينهما.[136]

النهب والسلب

أبلغ 22 شخصا هيومن رايتس ووتش بتعرّض منازلهم ومتاجرهم وأراضيهم، وكذلك ممتلكات أقاربهم وجيرانهم، إلى النهب في أعقاب عمليات الغزو التركيّة في 2018 و2019.[137]

مقاتل عربي سوري مدعوم من تركيا يقود جرارا بمقطورة محملة بأشياء منهوبة بعد انتزاع السيطرة على مدينة عفرين شمال غرب سوريا من “وحدات حماية الشعب” الكردية في 18 مارس/آذار 2018. © 2018 بولنت كيليتش/أ ف ب عبر غيتي إمجز

قال رجل إنّ والدته وشقيقته عادتا إلى منزلهم فوجدتاه خاليا بعد شهرين من غزو عفرين، وتعرّضت معدّاتهم الزراعيّة بقيمة تصل إلى 20 ألف دولار إلى السرقة من بستانهم. قال: “اضطرّت أمي إلى استعارة فراش لتنام عليه من أحد الجيران عندما عادت [إلى منزلها].[138]

قال رجل عاد إلى رأس العين في مايو/أيار 2020 لأنّه لم يجد عملا لإعالة أسرته في القامشلي الواقعة تحت سيطرة قسد بعد أن فرّوا إليها: “عندما عدتُ، لم أجد منزلي ومتجري كما تركتهما. المتجر تعرّض للقصف وسُرق بالكامل، والمنزل أيضا كُسرت أبوابه وسُرق منه كل شيء، حتى الملابس الداخلية في الخزانة أخذوها”.

في رأس العين، تحدث الناس أيضا عن نهب الممتلكات العامّة، بما في ذلك كابلات وأبراج الكهرباء. قال رجل واصفا كيف غرقت قرى رأس العين في ظلام دامس في مرحلة ما: “كانوا يبيعون الحديد [الذي نهبوه]، وكابلات الكهرباء وكل شيء”.

الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز

ردّا على تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة الصادر في سبتمبر/أيلول 2018، الذي وثق انتهاكات تتعلق بحقوق السكن والأرض والملكيّة من قبل القوات التركيّة والفصائل المدعومة من تركيا، قالت تركيا إنّ “عفرين ملك لأهل عفرين”، وزعمت أنها ملتزمة بعودة النازحين واللاجئين إليها.[139]

لكن مع تعزيز الفصائل المختلفة لسيطرتها على القرى والبلدات والمدن، وتقسيم بعض المناطق في ما بينها على مستوى الأحياء والشوارع، صارت عمليات الاستيلاء مصدر دخل رئيسي للفصائل.[140] لم يتمكّن أصحاب المنازل التي حوّلها المقاتلون إلى مقرّات أو سجون سرية أو مساكن لأسرهم من استعادتها، بينما أجبِر آخرون على دفع المال لاستعادتها أو دفع الإيجار للفصائل للبقاء فيها.[141] كما اضطر الذين سُرقت ممتلكاتهم المنقولة، مثل السيارات والمولّدات والأدوات والأجهزة الكهربائيّة ومعدّات المصانع، إلى دفع مبالغ كبيرة للمقاتلين، في حدود آلاف الدولارات، لاستعادتها. أفاد المزارعون، خاصة في موسم الحصاد، أنهم اضطرّوا إلى التنازل عن نسبة من محصولهم للفصيل المسيطر على القرية كـ”ضريبة”.[142] رغم أنّه سُمح لهم بالاحتفاظ بأرضهم، إلا أنّ بعضهم أفادوا بأنهم اضطرّوا لدفع ضرائب لزراعتها. لوحظت الأنماط نفسها في الشريط الواقع بين رأس العين وتل أبيض بعد أكثر من عام.[143]

بحلول أغسطس/آب 2023، لم يبقَ سوى عدد قليل من السكان الأكراد في عفرين ورأس العين، وظلوا يعيشون في خوف من الاعتقال وإعادة الاعتقال والاختطاف للحصول على فدية والمضايقة والابتزاز.[144] هؤلاء ومعهم العرب الذين لهم علاقات مفترضة بـ قسد، وكذلك الأيزيديين والمسيحيين وغيرهم من الأقليات، لا يستطيعون في كثير من الأحيان استعادة ممتلكاتهم إلا بتكلفة باهظة، وقبل ذلك يضطرّون إلى البقاء مع أقاربهم وجيرانهم. كما استمرّ طردهم من ممتلكاتهم، خاصة مع استمرار قتال الفصائل من أجل السيطرة على البلدات والقرى والأحياء. قال رجل كردي من رأس العين ويعيش في الدرباسية، وهي بلدة على الحدود السورية التركية خاضعة لسيطرة قسد: “دفع عمّي أموالا لأحد الفصائل [لاستعادة منزله] وعندما غادروا، جاء فصيل آخر في اليوم التالي وطرده منه”.[145]

قال أشخاص قابلناهم، كانوا قد فرّوا من عمليات التوغلات وظلّوا نازحين إلى اليوم، لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لا يستطيعون العودة لأنهم يخشون الاعتقال والاضطهاد على أسس تمييزيّة لدى عودتهم، وبسبب انتشار الجريمة التي يعتقدون أنها ستمنعهم من استرجاع ملكية منازلهم ومتاجرهم وأراضيهم. قال رجل ممن فرّوا عام 2018: “لا أستطيع العودة، هذه الجماعات تستهدف كلّ ما هو كرديّ. حتى لو كان هناك صخرة مكتوب عليها كلمة كردي، سيستهدفونها”.[146]

من خلال الأقارب والجيران الذي بقوا هناك أو عادوا، تمكّن العديد من النازحين بسبب الاحتلال من تحديد مصير الممتلكات التي تركوها وراءهم، سواء تمت سرقة المنازل والمتاجر والأراضي الزراعية أو هجرها أو الاستيلاء عليها واحتلالها أو تأجيرها لآخرين.

قال صالح (52 عاما)، الذي فرّ من عفرين مع زوجته وطفليه أثناء غزو 2018، تاركا وراءه منزلا ومتجرا ومستودعا ومعصرة زيتون: “منزلي محتل من قبل [عناصر من فرقة] السلطان مراد”. قال أيضا إنّ الفصيل أجّر منزله ومتجره إلى سوريين آخرين نازحين من عفرين ومناطق أخرى، بينما استولى أحرار الشرقيّة على المعصرة، وطلبوا من العائلة دفع 50 ألف دولار إذا رغبوا في استرجاعها.[147]

قالت امرأة كرديّة كانت نازحة في محافظة الحسكة أثناء الغزو: “في بداية الأحداث، تم تحويل منزلي في رأس العين إلى موقع عسكريّ. ثم استولى عليه أحد قادة الجيش الوطني السوري من دير الزور، فأخذته عائلته وبدأت تؤجره إلى عائلات أخرى. على حدّ علمي، عاشت أربع عائلات في المنزل منذ ذلك الحين”.[148]

قال 19 من الذين قابلناهم إنهم أو أفرادا من أسرهم تعرضوا لانتهاكات مرتبطة بالاحتجاز لما بذلوا جهودا لاسترجاع ممتلكاتهم، إضافة إلى انتهاك حقوقهم في السكن والأرض والملكيّة.

قال خليل، وهو طبيب كردي من عفرين يعيش في إقليم كردستان العراق، وله أخ عاد إلى عفرين بعد الغزو، ورغم أنه استعاد منزلهم، إلا أنه تعرّض للاحتجاز التعسفي والابتزاز ومضايقات استمرت لسنوات على يد عناصر الفصيل المسيطر على القرية: “لما عاد أخي، وجد أشخاصا يعيشون في منزله، فاضطرّ لدفع حوالي 500 ألف ليرة سورية (حوالي 1,128 دولار)[149] ليُخرجهم منه”.[150] وأضاف: “بعد أسبوع من عودة أخي إلى قريتنا في عفرين مع الوالدة، اعتقلته الفصائل لمدّة 25 يوما، واتهموه بالتورط مع وحدات حماية الشعب، وضربوه وأجبروه على دفع حوالي ألف دولار ليُفرجوا عنه”. قال إنّ التهديدات والمضايقات التي تعرّض لها في السنوات التالية تمحورت حول أفراد عائلته النازحين إلى مناطق أخرى من سوريا، حيث استجوبه المحققون بانتظام بشأنهم. إضافة إلى ذلك، عند عودتهم إلى منزلهم في قرية أخرى، وجدته والدتهم، التي يزيد عمرها عن 80 عاما، محتلا من قبل عائلة أحد مقاتلي الجيش الوطني السوري. قالت كنّتها: “قال لها الأشخاص الذين احتلوا المنزل ‘غرفة واحدة تكفيك، لا تحتاجين إلى مساحة أكبر'”.[151]

قال رجل كرديّ عادت أمه وأخته إلى عفرين بعد شهرين من الغزو إنّهما أجبرتا على الانتقال إلى منزلهم في القرية لأنّ فصائل الجيش الوطني السوري كانوا يحتلون منزلهم في المدينة ورفضوا الخروج منه. قالتا إنهما دفعتا ما يعادل ثلاثة آلاف دولار لأحد الفصائل لاستعادة بيتهما في القرية وبستان الزيتون.[152] وفي السنوات التالية، قال إنّه عاد ليُساعد عائلته على استعادة ممتلكاتهم، لكن نفس الفصيل، بالتنسيق مع الشرطة العسكريّة، أخضعه والعديد من أفراد عائلته للاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة والابتزاز. قالت والدته: “كلما اضطر [ابني] للذهاب إلى مكان بعيد للعمل، أظلّ قلقة حتى يعود. كل طرقة على الباب تُرعبنا”.

في مناطق عفرين الخصبة، والمعروفة ببساتين الزيتون وأشجار الفاكهة وحقول القمح والشعير الممتدة بين رأس العين وتل أبيض، حيث تشكّل الزراعة مصدر دخل رئيس لمعظم السكّان، شاهد المزارعون كيف استحوذت الفصائل على أراضيهم وباعت محاصيلهم كما لو كانت ملكا لها. ولمواصلة العمل في أراضيهم، أجبِر الكثير منهم على التنازل عن جزء من محاصيلهم كـ”ضريبة”.[153]

قالت امرأة نازحة: “في السنوات الأولى [منذ الغزو] لم يُسمح لعائلتي حتى بزيارة أراضيهم [في عفرين]”.[154] قالت: “الآن صار يُسمح لهم بزراعتها، لكن الفصيل المسيطر على المنطقة يأخذ ضريبة على المحصول”. قال رجل تمتلك عائلته 600 شجرة زيتون في عفرين: “لم يستولوا على الأشجار، لكن يتعيّن علينا إعطاء 50% من أرباح المحصول كل عام لفرقة الأمشاط (المعروفة أكثر بفرقة السلطان سليمان شاه)”.[155]

في أعمال قال مزارعون لـ هيومن رايتس ووتش إنّها أكثر ما آلمهم، لم تكتف الفصائل المسيطرة على قراهم وبلداتهم بالاستيلاء على أراضيهم، وإنما قطعت أشجار الزيتون والفاكهة لبيع حطبها للتدفئة وأغراض أخرى.

قال رجل من عفرين وهو يتذكر كيف قطعت الفصائل ما لا يقلّ عن 20 شجرة زيتون لعائلته: “أشجار الزيتون هذه هي بمثابة الأطفال بالنسبة لأبي، وعمرها 50 أو 60 أو مئة عام أحيانا. يقطعون هذه الأشجار في كل أنحاء عفرين، ويأخذون الحطب ليبيعوه في إدلب، ولا أحد يستطيع أن يحتج ولو بكلمة”.

دفع رجل ثمنا باهظا في سعيه لاسترجاع ممتلكاته. قال مازن، وهو عربي من إحدى قرى رأس العين والذي فرّت عائلته الموسّعة إلى مناطق تحت سيطرة قسد أثناء الغزو بينما قرّر هو البقاء “بسبب المنزل”.[156] بعد فترة وجيزة تعرّض للاحتجاز وسوء المعاملة لمدّة أسبوع على يد أحد الفصائل التي سيطرت على القرية. بعد الإفراج عنه، ولمدّة سنة كاملة، قال مازن، الذي كان موظفا مدنيا لدى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إنّ فصائل مختلفة ضايقته وابتزّته، واستولى فصيل أحرار الشرقيّة على 125 دونم (حوالي 30 هكتار) من أصل 150 دونم (37 هكتار) من أرضهم لنفسه، وباع محصول الشعير الخاص بهم. قال إنّ “كتيبة الغاب”، التابعة لفرقة الحمزات هددته بالاحتجاز على أساس علاقات عائلته المفترضة بالإدارة الذاتية في حال لم يدفع. قال: “في إحدى المرات، دفعت 400 ألف ليرة، حوالي ألف دولار”.[157]

في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد أن هدّد أحد عناصر فصيل أحرار الشرقيّة بقتله إذا لم يدفع له مبلغا كبيرا في غضون ثلاثة أيام، قال إنّ عناصر من الشرطة المدنيّة والشرطة العسكريّة وفصيلا آخر داهموا منزله واعتقلوه وقيّدوا يديه أمام طفليه الصغيرين واقتادوه إلى وسط القرية. لما انشغلوا باعتقال شخص آخر، حاول مازن الهروب.

قال: “بدأوا يطلقون الرصاص على الأرض قرب قدميّ، فانطلقت فارا منهم ويداي مقيدتان إلى الخلف. كنت أترنّح، فاستمروا في إطلاق الرصاص”. أصيب مازن برصاصة في وجهه، فنُقل إلى تركيا للعلاج، أمضى هناك أكثر من شهر، وقال إنّ المخابرات التركيّة استجوبته بشأن علاقته بـ قسد في المستشفى. لما عاد إلى رأس العين، حاول مرة أخرى استرجاع مختلف ممتلكاته وممتلكات عائلته، لكن دون جدوى. خوفا من الانتقام، قال مازن للباحثين إنّه اختار عدم رفع دعوى ضدّ الجيش الوطني السوري بسبب الإصابة، وشرح لماذا قرّر أخيرا المغادرة بعد عام:

كل يوم أمضيته هناك تعرضت فيه للابتزاز والمضايقة والتهديد. لم أتمكن من التحمل أكثر، ولم أستطع الاستمرار في دفع المال. أخذوا أرضنا، وأخذوا منازلنا. يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، غادرت القرية وتركت كلّ شيء ورائي.

جهود استرداد غير فعّالة

من أكبر العقبات التي قال أصحاب الممتلكات إنها تمنعهم من العودة والبدء في استرجاع ممتلكاتهم: استمرار انعدام الأمن والخوف والفوضى في هذه المناطق، والمضايقات والترهيب والتهديد والابتزاز الذي قد يواجهونه في سعيهم للحصول على حقوقهم، وضرورة تقديم وثائق وأدلّة لإثبات الملكيّة، خاصة وأنّ الكثير منهم فقدوا وثائقهم الرسميّة أثناء النزاع أو لم يتمكنوا من استعادتها، وعدم وجود إطار قانوني شامل وشفاف لاسترجاع الممتلكات. بشكل عام، يتسبب هذا الخليط من المخاوف الأمنيّة وسيطرة الفصائل والوثائق المطلوبة والترهيب والعبء المالي وانعدام الوضوح القانوني في عقبات جمّة أمام الأفراد الذين يسعون إلى استعادة ممتلكاتهم في المناطق السورية التي تحتلها تركيا.

إنشاء قوّات شرطة عسكريّة ومدنيّة يستطيع المدنيون إبلاغها بالانتهاكات، وكذلك لجان تظلّم محليّة لمختلف الفصائل، لم يُحقق تقدّما يُذكر في استرجاع المنازل والأراضي والممتلكات التي نُهبت أو سرقت أو تضرّرت من قبل مكوّنات متنوعة من الجيش الوطني السوري، لأسباب ليس أقلّها أنّ التشكيلات المذكورة أعلاه تتكوّن من عناصر حاليين وسابقين من نفس الفصائل المسيئة بهدف معالجة أفعالها السيئة. [158] وفقا لمصدرين مطّلعين، فإنّ هؤلاء الأعضاء السابقين كثيرا ما يحافظون على ولائهم للفصائل، ويستمرّون في التعاون والتنسيق معها مع توفير الحماية لها حسب الحاجة.[159]

سجّلت هيومن رايتس ووتش ولجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا ومنظمات محليّة، ووثّقت حدوث أعمال انتقامية ارتكبها عناصر من مختلف الفصائل ضدّ أشخاص تقدّموا بشكاوى بمختلف سبل الانتصاف المتاحة. حتى الذين نجحوا في استعادة الممتلكات لم يتمكّنوا من استرجاع كلّ ما فقدوه لصالح الفصائل، ومعظمهم تمكنوا من ذلك خارج طرق التعويض المذكورة أعلاه، من خلال دفع رشاوى كبيرة لعناصر الفصائل أو الشرطة العسكرية المكلّفة بقراهم وأحيائهم، أو الموافقة على دفع إيجار أو رسوم أو “ضرائب” للعيش في منازلهم، وتشغيل متاجرهم، والاعتناء بأراضيهم.

في عفرين في سبتمبر/أيلول 2020، بعد تقرير لاذع للجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا حول انتهاكات الجيش الوطني السوري، اجتمعت عدّة فصائل، منها السلطان أحمد والحمزات وأحرار الشرقيّة وجيش الشرقيّة، وأنشأت ما أسمته “لجنة ردّ الحقوق”، وهي لجنة تظلّمات محليّة يُديرها أعضاء الفصائل أنفسهم.[160]

في تعميم أصدرته بعد شهر، منعت اللجنة جميع الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري من فرض ضرائب على محاصيل الزيتون والفواكه، وطلبت منها إعادة الأموال التي جمعتها من المزارعين لموسم 2020 تحت ما أسمته “ضريبة حماية الأشجار” في أجل أقصاه عشرة أيام.[161]

غير أنّ فعاليّة اللجنة في معالجة القضايا كانت محدودة، وما زالت الانتهاكات مستمرّة. بعد عامين، أعلنت اللجنة عن انتهاء أعمالها، رغم أنّ تقارير أشارت إلا أنها توقفت عن العمل فبل ذلك بأشهر، عندما انسحبت بعض الفصائل.[162] وفقا للمصدر المطلع الذي يتعامل بشكل مباشر مع مختلف مكوّنات الشرطة العسكريّة، تمّ حتى فبراير/شباط 2023 إرسال أكثر من 3,750 نزاعا حول الملكيّة من اللجنة إلى المحاكم المدنيّة بعد حلّ اللجنة، حيث ظلّت دون معالجة. قال: “كانت نجاحات اللجنة محدودة للغاية. إذا كان عضو الفصيل المعني قويّ أو له نفوذ، لن يكون لهم أي تأثير عليه. إذا لم يكن كذلك، فسيؤثرون عليه، من خلال دفعه إلى فرض مبلغ إيجار رمزي على الضحية مثلا”.[163]

قال جابر، وهو كرديّ سوريّ أصله من عفرين، وكان في البداية متحمسا للمشاركة في إعادة بناء عفرين، فعاد للعمل في أحد المجالس المحليّة للمنطقة، عن عدم كفاءة اللجنة:

لم تعمل اللجنة بشكل جيّد لأنها كانت تطلب من الناس تقديم أدلّة مستحيلة، مثل سندات الملكيّة وغيرها من الوثائق التي فُقدت أثناء الحرب. وحتى لو قدّم شخص دليلا على أنه يملك منزله، فمن الصعب استرجاعه، خاصة إذا كان المنزل محتلا من قبل شخص يتمتع بسلطة داخل الجيش الوطني السوري.

كان جابر، الذي قال إنّه تلقى عدّة تهديدات من الجماعات المسلّحة التي لم تكن راضية عن عمله في المجلس، قد استُهدف هو نفسه في صيف 2022 لمّا اختطفه رجال مسلّحون وملثمون من منزله. عصب الخاطفون، الذين قال إنهم اتهموه بأن له صلات مع جماعات كرديّة، عينيه وضربوه بأسلحتهم حتى أغمي عليه، ثم رحلوا. قال: “اعتقدوا أنهم قتلوني”. أبلغ جابر عن الحادثة لدى المجلس المحلي، والشرطة المدنيّة، والحاكم التركي المسؤول عن عفرين. لمّا تقاعسوا عن التحرّك، استقال من عمله وغادر البلاد.[164]

فقدت أصبهار (52 عاما)، وهي امرأة كرديّة من عفرين اتصلت باللجنة في أبريل/نيسان 2021، ثقتها في قدرتها على استعادة ممتلكاتها المسروقة بعد فترة وجيزة. قالت: “منزلي يحتلّه شخص من أحرار الشرقيّة، ومنزل والدتي يحتله شخص من الجبهة الشامية، ومنزل والد زوجي يحتله شخص من كتيبة المنتصر بالله”. قالت إنها كلما زارت اللجنة كانوا يطلبون منها العودة الأسبوع التالي، ويقدّمون لها رقم الشكوى فقط، دون أي وثائق لازمة أخرى. تحدثت أصبهار عن لقاء جمعها بالشخص الذي يحتل منزلها، الذي قالت إنه وعدها بدفع الإيجار، وأعطاها دفعة بقيمة 500 ليرة تركية (36 دولار) في 2021 زاعما أنّه حمى المنزل من النهب والأضرار. قالت: “لم يدفع أي شيء بعدها”. قالت أصبهار إنها اكتشفت في 18 يوليو/تموز 2023 أنّ العنصر التابع للفصيل غادر المكان وأنّ منزلها معروض للبيع.[165]

في يوليو/تمّوز 2023، صدر تقرير للموقع الإخباري المستقل “سوريا على طول” سلّط الضوء على تفشي ظاهرة نشر إعلانات بيع العقارات المملوكة لسكان عفرين الأصليين – والنازحين في كثير من الأحيان – على “فيسبوك” و”واتساب”، وبيعها بشكل غير قانوني بأسعار أقلّ بكثير من سعرها الأصلي من قبل مختلف الفصائل العسكريّة الموجودة، أو من قبل مدنيين استولوا عليها أو اشتروها من هذه الفصائل.[166]

في السنوات اللاحقة للتوغل التركي في 2019، أشادت وسائل إعلام تركيّة بما وصفته بالتأثير الإيجابي للتدخل التركي على الأقليات الموجودة في المنطقة، وبخاصة المسيحيين والأيزيديين، حيث شجعتهم تصريحات المسؤولين الأتراك والمجلس المحلي في رأس العين المدعوم من تركيا على العودة، بما في ذلك وزارة الدفاع التركيّة، التي نشرت صورا على حسابها الرسمي على موقع “إكس” (“تويتر” سابقا) لعناصر من القوات المسلّحة يُرمّمون الكنائس المسيحيّة في المنطقة.[167]

قال رجل أيزيدي يملك مع إخوته أراض زراعيّة في مناطق مختلفة من رأس العين وعدّة منازل في إحدى قرى الناحية إنّه قرّر العودة في سبتمبر/أيلول 2021 بعد أن قال كبار السن في المجتمع الأيزيدي إنهم تلقوا ضمانات من تركيا بأنهم لن يتعرضوا للأذى إذا عادوا، وسيتمكنون من استعادة ممتلكاتهم.[168] عند عودته، بقي مراد (40 عاما)، الذي ترك زوجته وأطفاله الثلاثة في مدينة الحسكة، مع جيرانه العرب حتى حصل على بطاقة هويّة صادرة عن المجلس المحلّي، وهي ضروريّة لعبور عدد لا يُحصى من نقاط التفتيش غير الرسميّة المنتشرة في المنطقة. قال: “أملك قطع أرض في حوالي أربع أو خمس قرى. وكلّ قرية تخضع لسيطرة فصيل مختلف، وكل فصيل له إجراءاته. لم أكن أعرف كيف كان يُفترض أن أطلب استعادة ممتلكاتي”. تحدّث مراد عن تفاعلاته مع الفصائل المختلفة، حيث وافق فصيلان شفهيا على إعادة الأراضي التي كان يملكها في ثلاث قرى منفصلة دون مشاكل تُذكر. قال عن تعامله مع واحد من الفصائل:

ذهبت إلى مقرّهم الرئيسي، وهو منزل مهجور. قلت لهم إنّي أملك أرضا هنا، وأطلعتهم على الأوراق. اصطحبت معي عربيين من المنطقة كشهود. جلست مع رئيس الفصيل هناك، فسألني من أكون وسألني عن وضعي، ثم قال بما أنك مالك هذه الأراضي، فهي لك، وأنت حرّ في أن تفعل بها ما تريد.

لكن عندما اتصل في نهاية المطاف بالفصيل المسيطر على قريته للمطالبة باستعادة منزله ومنازل أشقائه و700 دونم (173 هكتار) من الأرض، قال إنّه خضع لاستجواب، واتُهم بالانتماء إلى أحزاب سياسيّة كرديّة، وتم ابتزازه في مبالغ مالية كبيرة مقابل إعادة ممتلكاته له. قال مراد إنّ الفصيل حوّل منزله إلى مقرّ رئيسي له، وكان يحصد المحاصيل ويبيعها. كما تحدّث عن حالات ترهيب ومضايقة وتمييز ديني تعرّض لها، ومنها محاولات الفصيل تحويله إلى الإسلام. في أغسطس/آب 2022، بعد اعتقاله لفترة وجيزة من قبل الشرطة العسكريّة انتقاما منه بسبب نشره تعليقات عن عدم تمكّنه من استرجاع منزله على مواقع التواصل الاجتماعي، فرّ مجددا إلى مدينة الحسكة.

طوال الوقت الذي أمضيته هناك، كنت أقيم في منازل أشخاص آخرين بينما هم يستحوذون على أرضي وممتلكاتي. قلت هذا للشرطة [العسكريّة]، فقالوا ليس لنا سلطة عليهم… ما زلنا نأمل في أن تتحسّن الأوضاع، وأن تغادر الفصائل فنتمكّن من استرجاع أرضنا.

في مايو/أيار 2020، عاد عضو في إحدى الأقليات الدينية ، وهو أب لطفلين، إلى رأس العين لإعادة فتح متجره والمطالبة باسترجاع منزله، تاركا عائلته وراءه في القامشلي بسبب مخاوف تتعلق بسلامتهم. عند عودته، وجد منزله ومتجره في حالة خراب، ووجد منزله ومنزل أخيه تحت سيطرة أحد عناصر قسم الشرطة العسكريّة في المدينة. بعد 15 يوما من عودته وخضوعه للاستجواب، قال إنّه تمكّن من استرجاع منزله، قائلا إنّ ذلك لم يكن ممكنا لو لم يكن عضو في إحدى الأقليات الدينية. اقترض أموالا من جيرانه لإصلاح متجره وتشغيله، ما مكّنه من إعالة أسرته في القامشلي لمدة عامين تقريبا. لكن في ديسمبر/كانون الأول 2022، وهو في طريقه إلى العمل، اختطفه رجال ملثمون ومسلحون، واعتدوا عليه جسديا ونفسيا، وأبقوه في الأسر دون طعام أو ماء أو مرافق حمّام لثلاثة أيام. في نهاية المطاف، أنقذته الشرطة العسكريّة، وهو تدخل قال إنه لم يكن ليحصل لولا وصول أخبار اختطافه إلى السلطات التركيّة. بعد يوم من إطلاق سراحه، فرّ مجددا للالتحاق بعائلته في القامشلي الخاضعة لسيطرة قسد. حتى كتابة هذا التقرير، كان ما يزال عاطلا عن العمل. رغم محنته، أعرب عن عدم رغبته في العيش نازحا وهو يفكّر في العودة: “أنا يائس جدا، وأفكّر في [العودة] وفتح متجري مجددا. ماذا عساي أفعل غير ذلك”.

لم يحصل أيّ من الأشخاص الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش، حتى كتابة هذا التقرير، على تعويضات مناسبة أو كاملة عن الانتهاكات المتعلّقة بالاحتجاز أو السكن أو الملكيّة على يد مختلف الفصائل والشرطة العسكريّة.

واجه المالكون الذين يعيشون في الخارج أو النازحين صعوبات كبيرة في إدارة ممتلكاتهم. قال الذين أعربوا عن عدم رغبتهم في العودة خوفا من التعرّض للأذى أو لعدم توفر سبل العودة إنّه يستحيل عليهم المطالبة باسترداد الممتلكات المفقودة أو المتضررة. قال رجل كرديّ يعيش في إقليم كردستان العراق: “إذا لم تعد بنفسك، لن يعطوك أيّ شيء. وإذا عدت، ربّما تستعيد ما هو لك، لكن ثمن ذلك ضرب وإهانة وأموال”.[169] في تقريرها الصادر في سبتمبر/أيلول 2022، ذكرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا أنّ الجماعات المسلّحة لم تعد تعترف بالتوكيلات الرسميّة أو غير الرسميّة التي كانت تسمح لأصحاب الأرض الغائبين بالحفاظ على ممتلكاتهم.

قالت امرأة تعرّضت لانتهاكات جسيمة، منها الاحتجاز التعسفي والتعذيب والعنف الجنسي، من قبل فصيلين مختلفين تابعين للجيش الوطني السوري في عفرين، إنّها لمّا أطلق سراح من فترة الاحتجاز الثانية في يوليو/تموز 2022، قرّرت الفرار إلى أوروبا، لكنها قبل ذلك سجّلت كل الممتلكات التي تحمل اسمها باسم قريب لها ظلّ هناك، لمنع الفصائل من الاستيلاء عليها. قالت: “يستولون على ممتلكات الغائبين عن عفرين طبعا. مؤخرا، قال [قريبها] لنا إنّ الجماعات صارت تعود إلى السجلات العقارية، وتحقق في أسباب نقل الملكيّة من شخص إلى آخر، وتهدد بانتزاعها”.[170]

قال بعض النازحين إنهم تلقوا مكالمات من أشخاص داخل المناطق التي تحتلها تركيا يعرضون عليهم إعادة ممتلكاتهم لهم مقابل المال. قال رجل عربي، وكان قد فرّ من رأس العين إلى مناطق تحت سيطرة قسد أثناء الغزو في 2019: “في البداية، اتصلوا بي عبر معارف لي هناك. قيل لي إنّ عناصر الفصائل استولوا على ممتلكاتي، وإذا كنت أرغب في استرجاعها فعليّ دفع المال لهم”.[171]

هناك بعض الحالات التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة أعادت خلالها الفصائل ممتلكات استولت عليها. في أبريل/نيسان 2023، أعلن فاروق أبو بكر، عضو مجس القيادة في إحدى التشكيلات العسكريّة داخل الجيش الوطني السوري، عن إعادة ممتلكات تمّ الاستيلاء عليها، منها مزارع وشقق ومتاجر، إلى ستّة مالكين في مدينة الباب ذات الأغلبيّة العربيّة في ريف حلب الشرقي.[172] كان تسليم وردّ هذه الممتلكات جزء من اتفاق سابق تم التوصل إليه في سبتمبر/أيلول 2022 منح مهلة ستّة أشهر لإخلاء الممتلكات التي استولت عليها فرقة السلطان ملك شاه على امتداد خمس سنوات. أعيدت الممتلكات إلى أصحابها بعد احتجاجات ومطالبات واسعة لاستعادتها من قبل المجتمع المحلّي ونشطاء. في نفس الشهر، نشر الفيلق الثاني التابع للجيش الوطني السوري، والذي يشمل فصائل السلطان مراد والحمزات وجيش الإسلام وفيلق الرحمان، فيديو على الإنترنت يُظهر عناصره يُرجعون آليّة ثقيلة وقطعة أرض ومصنع إلى ثلاثة مالكين قدّموا “كل الوثائق اللازمة”، وصوّروا المالكين وهم يقبلون أملاكهم المسترجعة.[173]

لكن قالت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا في تقريرها الصادر في مارس/آذار 2023 إنّها قابلت أشخاصا من المناطق التي تحتلها تركيا أكدوا استمرار منعهم من الوصول إلى ممتلكاتهم.[174]

في تقاريرها الصادرة في فبراير/شباط وفي سبتمبر/أيلول 2022، وثقت اللجنة أعمالا انتقاميّة ارتكبها عناصر من الجيش الوطني السوري ضدّ مالكين رفعوا دعاوى عبر لجان التظلّم المحليّة، شملت التهديد والضرب والخطف، وفي إحدى الحالات المأساويّة قتل مزارع نجح في استعادة أملاكه.[175]

IV.غياب المحاسبة

“كلّ ما أريده هو العدالة على ما مررت به”

ـــ ألين (60 عاما)، محتجزة كرديّة سابقة من عفرين

رغم كثرة انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الحرب المحتملة، التي يُتهم قادة وعناصر مختلف فصائل الجيش الوطني السوري والشرطة العسكريّة بارتكابها في عفرين ورأس العين وغيرها من الأماكن في المناطق التي تحتلها تركيا منذ 2018 على الأقلّ، إلّا أنّه نادرا ما يخضع هؤلاء لأي محاسبة، سواء من قبل المحاكم العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري، التي تفتقر للاستقلالية والحياد، أو من قبل تركيا بصقتها قوّة احتلال في المناطق المعنيّة والداعم الأساسي للجيش الوطني السوري. لا توجد معلومات علنية حول ما إذا كانت تركيا قد حققت مع أو حاسبت أيّا من مسؤوليها على مشاركتهم في الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز والمتعلقة بحقوق السكن والأرض والملكيّة في المناطق التي تحتلّها. لم تردّ تركيا على رسائل بعثتها هيومن رايتس ووتش يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى وزارتي الدفاع والخارجية وفصّلت فيها النتائج والتمست منهما الردّ على عدّة أسئلة حول أعمال تركيا وردودها في المناطق التي تحتلها.

لا تعالج فصائل الجيش الوطني السوري الانتهاكات إلا في الحوادث التي تكون شنيعة وتصل إلى الإعلام وتثير جدلا. من الأحداث البارزة مقتل مدني عربي من حماه تحت التعذيب في أحد مراكز الاحتجاز التابعة لفيلق الشام في عفرين في فبراير/شباط 2022، واغتيال ناشط عربي وزوجته الحامل من قبل عناصر من فرقة الحمزات في الباب في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أو القتل البشع لأربعة أكراد من نفس العائلة أثناء احتفالات النيروز في عفرين في مارس/آذار 2023 من قبل جيش الشرقيّة.[176] في أعقاب هذه الأحداث، أصدرت مكونات مختلفة من الجيش الوطني السوري بيانات إدانة أو تبرّأت من الجرائم، وقدّمت الفصائل المشاركة فيها الجناة إلى الشرطة العسكريّة متعهدة بالتعاون من التحقيقات والمحاكمات.[177] لكن هذه الحالات أثبتت أيضا أنّ المحاكمات العسكريّة ليست مفتوحة للعموم، ما يتسبب في عدم نشر أي معلومات عن الإجراءات، فتتلاشى الضغوط من أجل المحاسبة. حتى كتابة هذا التقرير، وبخلاف قضيّة القتل في احتفالات النيروز، التي أسفرت عن الحكم على ثلاثة من الجناة بالإعدام أو بالسجن لفترات تتراوح بين سنة وثلاث سنوات في يناير/كانون الثاني 2024، لا توجد معلومات محددة حول تفاصيل الإجراءات المتعلّقة بالحوادث الأخرى المذكورة أعلاه، ومصير الجناة ظلّ مجهولا. في الحالات الثلاث، ظلّ قادة الفصائل الذين حصلت الجرائم تحت إمرتهم في مناصبهم. وفقا لـ سوريا على طول، تعرض أفراد عائلات الرجال الأربعة الذين قتلوا أثناء احتفالات النيروز في مارس/آذار لتهديدات واعتداءات جسديّة للضغط عليهم لإسقاط القضيّة أو مغادرة عفرين.[178]

في تقاريرها المتعاقبة، تحدثت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا عن بعض الجهود المحدودة التي بذلها الجيش الوطني السوري من أجل المحاسبة. قالت في تقريرها في يوليو/تموز 2023 إنّ الجيش الوطني السوري أعلمها بأربع حالات على الأقل تمت فيها محاكمة أعضاء داخليا بتهم التعذيب وسوء المعاملة والاختطاف بين 2019 و2021.[179] قالت اللجنة أيضا إنّ تقارير أفادت أن أعضاء آخرين في الجيش الوطني السوري حُكم عليهم من قبل محاكم عسكريّة أو تمّ التحقيق معهم بتهم تشمل التعذيب والقتل والاغتصاب والاستيلاء على الممتلكات بين 2018 و2022. ذكرت اللجنة أنها لا تمتلك معلومات محدّدة عن تفاصيل الإجراءات أو ما إذا كانت تستوفي المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة.

سجل المحاكم العسكرية التابعة للحكومة السورية المؤقتة حتى اليوم يترك مجالا للشكّ في أنّ هذا النظام يُمكن أن يكون بمثابة أداة فعّالة للتحقيق والملاحقة القضائيّة في الجرائم الخطيرة التي يرتكبها أعضاء وقادة الفصائل أنفسهم، ناهيك عن أفراد الشرطة العسكريّة.

قال مصدر عليم أطلع هيومن رايتس ووتش على قرار صادر عن وزارة الدفاع في مايو/أيار 2023 بإعادة تشكيل دائرة القضاء العسكري يتضمّن أسماء القضاة والمدعين العامين المعيّنين حديثا في وحدات التحقيق في المناطق التي تحتلها تركيا:” القضاة هم نفسهم السجانون”.[180] قال المصدر لـ هيومن رايتس ووتش إنّ معظم الأشخاص المعيّنين كانوا أعضاء سابقين في الفصائل التي تشكّل الجيش الوطني السوري.

أطلع مصدر آخر الباحثين على مذكّرتين صادرتين في 2019 عن دائرة القضاء العسكري في الحكومة السورية المؤقتة إلى فرقة الحمزات تستدعي ستة من أعضائها للتحقيق معهم بسبب سوء السلوك، وردود فرقة الحمزات الرسمية التي تنفي انتماء الرجال إليها. أوضح المصدر أن هذه الاستدعاءات الموجهة إلى عناصر دنيا في الفصائل غالبا ما يتم تجاهلها من قبل مختلف الفصائل، وأنّ دائرة القضاء العسكري نادرا ما تتابعها.[181]

الإفلات من المحاكمة

حققت هيومن رايتس ووتش في حالات أربعة من كبار القادة ومسؤولين أمنيين وأعضاء في الشرطة العسكريّة زُعم تورطهم في انتهاكات جسيمة، منها الاحتجاز التعسفي والتعذيب والعنف الجنسي، التي تحدث عنها الأشخاص الذين قابلناهم، واتُهموا بشكل منفصل وعلني بارتكاب جرائم أخرى. لم تتم محاكمة أيّ منهم، ويشغل ثلاثة منهم حاليا مناصب عليا في الجيش الوطني السوري، بحسب مصادر مطلعة. وهم:

أحمد زكريا ناقو، المعروف أيضا بأحمد زكور

واجه أحمد زكور، الذي ترأس قسم الأمن في فرقة الحمزات في عفرين حتى مايو/أيار 2020 على الأقل تحت إشراف قائد الفرقة سيف أبوبكر، اتهامات علنيّة بالتعذيب والعنف الجنسي ضدّ محتجزات كرديّات في العام نفسه. وفقا لمصدر مطّلع زودنا بما قال إنها صور لزكور ولقطات شاشة لمحادثات على واتساب اعترف فيها زكور باحتجاز النساء، فُصِل زكور من منصبه في فرقة الحمزات بعد انتشار فيديو يُظهر العثور على ثماني محتجزات على الأقل في مقرّ عسكري تابع لفرقة الحمزات بعد اقتحامه من فصيل آخر.[182] قال المصدر المطلع إنّ زكور أمضى ما يصل إلى ثلاثة أشهر في مركز احتجاز تابع للفرقة ثم أطلق سراحه ونُقل إلى مدينة الباب، حيث شغل منصبا رفيعا نسبيا لدى فرقة السلطان مراد. أكّد مصدر مطّلع ثان هذا الخبر وفي يناير/كانون الثاني 2024 أفاد بأنّ زكور عاد إلى فرقة الحمزات.[183] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مستقل من المعلومات المقدّمة عن زكور بعد طرده في 2020.

معتز العبد الله

العبد الله قائد عسكري سابق في فرقة الحمزات، زعم محتجزان سابقان أنه تورط في انتهاكات تعرضا لها لما احتُجزا في 2020، وهو متهم علنا بانتهاكات أخرى.

في 24 يوليو/تموز 2021، أعفت فرقة الحمزات العبد الله، الذي كان حينها قائد كتيبة الغاب، من مهامه لعدم التزامه “بالقواعد الداخليّة”، وأحالته إلى لجنة عسكريّة داخليّة تابعة للفرقة.[184] منذ ذلك الحين، وجهت اتهامات علنية أخرى له. بحسب مصدرين مطلعين، أعفي العبد الله من مهامه، لكنّه أفلت من الملاحقة القضائية، وهو يعيش حاليا في تركيا. رغم أنّ آخر منشور له يعود إلى 28 أبريل/نيسان، إلا أنّ حسابه على إكس (تويتر سابقا) لا يزال مفتوحا.[185]

محمد حمادين، المعروف أيضا بـ أبو رياض

في أبريل/نيسان 2022، استقال حمادين من منصبه كرئيس للشرطة العسكريّة في عفرين.[186] كان يشغل قبل ذلك منصب القائد العسكري لفصيل الجبهة الشاميّة، وحتى سبتمبر/أيلول 2018 كان المتحدث باسم الجيش الوطني السوري. وُجهت له اتهامات علنيّة متعدّدة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. قال تسعة ممن قابلهم الباحثون إنّهم تعرّضوا لانتهاكات مرتبطة بالاحتجاز على يد الشرطة العسكريّة في عفرين، وأشار محتجزان سابقان إلى حمادين شخصيا في شهادتيهما. قال محتجز سابق للباحثين متحدثا عن احتجازه في مركز تديره الشرطة العسكريّة في عفرين أواخر 2020: “تعرّضت للضرب على وجهي وساقي وكلّ جزء آخر من جسدي على يد المقدّم أبو رياض ورجاله”. وصف كيف فقد وعيه أثناء إحدى جلسات التعذيب التي قال إنّ حمادين هو الذي أشرف عليها. وفقا لتقارير إعلاميّة، لم يكن فصل حمادين إجراءً لمحاسبته وإنما محاولة من السلطات التركيّة للحدّ من صلاحيات فصيل الجبهة الشاميّة، الذي كان ينتمي إليه سابقا.[187] يعمل حمادين الآن في كقائد عسكري في الفيلق الثالث، واحد من التحالفات الفرعيّة القليلة للفصائل داخل الجيش الوطني السوري. يُشير حسابه على إكس (تويتر سابقا) إلى أنه مقيم في تركيا.[188]

محمّد الجاسم، المعروف أيضا بـ أبو عمشة

محمّد الجاسم هو قائد فرقة السلطان سليمان شاه. ذكرت “غرفة القيادة الموحّدة” التابعة للجيش الوطني السوري، المعروفة أيضا بـ “عزم”، بعد تحقيق بدأ في ديسمبر/كانون الأول 2021 ودام أشهر، أنه متورط في جرائم ضدّ المدنيين، منها التهديد والترهيب والاعتداءات والسرقة.[189] عزم هو اندماج لفصائل تمّ تأسيسها في يوليو/تموز 2021 بهدف معلن هو تعزيز الجهود العسكريّة للجيش الوطني السوري وسط توترات وخصومات بين مختلف الفصائل. حتى أغسطس/آب 2021، كان فصيل أبو عمشة واحدا من الفصائل التي تُشكّل التحالف. لم يُعرض أبو عمشة على قسم القضاء العسكري التابع لوزارة الدفاع، المؤسسة الرسمية التي تُعنى بالتحقيق في جرائم عناصر الفصائل ومحاكمتهم. رغم أنّ اللجنة المكلّفة بالتحقيق مع أبو عمشة أوصت بإعفائه مع خمسة قادة فصائل آخرين يعملون تحت إمرته، إلا أنه استمرّ حتى كتابة هذا التقرير في قيادة فصيله دون إزعاج.[190]

حالات وفاة رهن الاحتجاز ظلّت غامضة

في رسالة وجهتها إلى وزارة الدفاع في الحكومة السوريّة المؤقتة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استفسرت هيومن رايتس ووتش عن الإجراءات القضائيّة، إن وجدت، المتعلقة بأربع حالات وفاة رهن الاحتجاز حصلت بين يناير/كانون الثاني 2022 ومايو/أيار 2023، وهي لكل من:

ريزان خليل – يناير/كانون الثاني 2022

في أواخر يناير/كانون الثاني 2022، أبلغت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة عن وفاة مدنيّ يُدعى ريزان خليل، وتوصّلت وفقا لمقابلات أجرتها مع عنصرين من فصيل أحرار الشرقيّة، وعنصرين من الشرطة العسكريّة في عفرين، وموظف طبّي محلّي، فضلا عن مصادر محليّة أخرى في عفرين، إلى أنّه توفي تحت التعذيب في مركز احتجاز يُديره أحرار الشرقيّة في مدينة عفرين.[191] في 3 فبراير/شباط، أصدر أحرار الشرقيّة بيانا نفى فيه مسؤوليته عن وفاته، زاعما أنّ الفصيل لم يكن له أيّ تواجد في منطقة إقامته، وأكّد أن عناصر الفصيل حضروا بالفعل مراسم العزاء وقدّموا واجب العزاء إلى العائلة.[192]

لكن وفقا لـ سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، ذهب خليل إلى مركز احتجاز تابع لأحرار الشرقيّة في مدينة عفرين للتفاوض حول إطلاق سراح ابن أخيه بعد أن اعتقلوه بتهمة الانتماء لحزب العمّال الكردستاني. لكن الفصيل احتجز خليل خمسة أيام في المركز وأخضعه للتعذيب وسوء المعاملة. في 24 يناير/كانون الثاني، نُقل خليل إلى المستشفى العسكري في عفرين الذي نقله بدوره إلى مستشفى في الريحانيّة (ريهانلي) في تركيا، حيث توفي في وقت لاحق.

لم تنشر الشرطة العسكريّة أو المستشفى العسكري في عفرين أو المستشفى التابع لوزارة الصحة التركية في الريحانية أي وثائق أو بيانات، مثل شهادات الوفاة أو تقارير الطب الشرعي. في 4 فبراير/شباط، أصدر أحرار الشرقية مجددا بيانا بعنوان “شكر وامتنان” أشاد فيه بالشرطة العسكرية في عفرين على “كشف حقيقة وفاة ريزان”. تعهدت الجماعة أيضا بمواجهة انتشار ما أسمته “الأكاذيب” التي تهدف إلى النيل من التماسك الاجتماعي لمكونات الشعب السوري. لم يُفتح تحقيق في ملابسات وفاة ريزان.

في يوليو/تموز 2021، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أحرار الشرقية واثنين من قادته بسبب “جرائم ضدّ المدنيين، وخاصة الأكراد السوريين، منها القتل غير القانوني والخطف والتعذيب والاستيلاء على الممتلكات الخاصة”، وضمّ أعضاء سابقين في داعش في صفوفه.[193]

عبد الرزاق النعيمي – فبراير/شباط 2022

في 25 فبراير/شباط 2022، نشر نشطاء صورا مروّعة على وسائل التواصل الاجتماعي لجثة تحمل علامات تعذيب وحشيّة. تمّ تحديد الضحية على أنه عبد الرزاق طراد العبيد النعيمي، وهو مدني نازح من محافظة حماه وتعرّض للاحتجاز والتعذيب حتى الموت في مركز أمني تابع لفيلق الشام في منطقة عفرين. اعترف هذا الفصيل لاحقا بتعذيب ووفاة النعيمي في مركز الاحتجاز التابع له، واعتقل الجناة وسلّمهم إلى القضاء العسكري لتحقيق العدالة.[194] لكن لم تُنشر أي معلومات عن الإجراءات المتخذة منذ ذلك الحين.

لقمان حنّان – ديسمبر/كانون الأول 2022

في 22 ديسمبر/كانون الأول 2022، تلقت عائلة المحامي والناشط الكردي لقمان حنّان مكالمة من المستشفى العسكري في عفرين تعلمهم بوفاته. قبل ذلك بثلاثة أيام فقط، وفقا لأحد أقاربه، حاصر مسؤولين  من المخابرات التركيّة وعناصر من الشرطة المدنية منزل حنّان واعتقلوه لما كان هو وابنته (9 سنوات) عائدين إلى المنزل. قال قريبه إنّ القوات التركيّة داهمت المنزل وفتشته بعد فترة وجيزة، وكانت معها مترجمة فورية ناطقة بالكرديّة. قال: “لما ذهب أقاربي لاستلام جثته من المستشفى العسكري في عفرين، وجدوا علامات تعذيب على وجهه وساقيه وبطنه وظهره”. في ذلك الوقت، ظهرت صور يُزعم أنها لتقرير من طبيب شرعي وقاض يُرجع سبب الوفاة إلى توقف القلب والجهاز التنفسي بسبب احتشاء عضلة القلب، وذكر أنه ليست هناك حاجة لتشريح الجثة. لم تصدر أيّ بيانات رسميّة عن الحكومة السوريّة المؤقتة بخصوص وفاته.[195]

باسل جاكيش– مايو/أيار 2023

بعد أيام من اعتقاله من قبل قسم الشرطة العسكريّة في أعزاز في مايو/أيار 2023، توفي رجل كردي من ريف حماه الشمالي، حاول بحسب تقارير العبور إلى تركيا بشكل غير نظامي، أثناء احتجازه.[196] ظهر باسل جاكيش، وكذلك طفل محتجز، في فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي يوم 23 مايو/أيار، وهو محاط بعناصر الشرطة العسكريّة، أكد فيه أنه محتجز منذ 19 مايو/أيار في قسم الشرطة العسكرية في أعزاز.[197] في 30 مايو/أيار، أصدرت الشرطة العسكريّة بيانا أعلنت فيه وفاة جاكيش يوم 27 مايو/أيار في مستشفى في أعزاز، نُقل إليه بسبب “تدهور حالته الصحية”. قال البيان إن تحقيقا فُتِح في الحادث، وإن  المشتبه فيهم أوقف عن العمل، وأن كل من ستثبت مسؤوليته أو إهماله سيُقدَّم إلى “العدالة لينال جزاءه العادل”.[198] في هذه الحالة أيضا، لم تخرج أي معلومات بشأن أي إجراءات جنائية أو محاسبة.

رغم وفرة الأدلّة التي قدّمتها منظمات حقوق الإنسان، ولجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا، ووسائل الإعلام، والباحثين المستقلين، لا يوجد سجلّ علني يُثبت أنّ أيّا من كبار القادة تعرّض للملاحقة بسبب جرائم خطيرة اتُهموا هم وعناصر فصائلهم بارتكابها.

بموجب مسؤوليّة القيادة عن الجرائم الدوليّة مثل جرائم الحرب، فإنّ القادة الذين كانوا على علم أو كان يتعيّن عليهم أن يكونوا على علم بالجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم دون أن يتخذوا أي إجراء لمنعها أو معاقبتهم، يُمكن – بل ينبغي – أن يتحملوا مسؤولية جنائيّة.

في يناير/كانون الثاني 2024، قدّمت منظمتان حقوقيتان هما “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة دعوى جنائيّة لدى “مكتب المدّعي العام الاتحادي الألماني” يطالبانه فيها بالتحقيق في انتهاكات القانون الدولي التي ارتكبتها فصائل الجيش الوطني السوري في عفرين منذ 2018.[199] أتاحت الجهود التي بذلتها مختلف السلطات القضائيّة في أوروبا للتحقيق في الجرائم الدوليّة الخطيرة المرتكبة في سوريا، وحاكمتها كلما أمكن، قدرا محدودا من العدالة، بينما ظلّت السبل الأخرى مغلقة.[200] يسمح مبدأ “الولاية القضائية العالميّة” للسلطات القضائية الوطنيّة بفتح قضايا جنائيّة ضدّ الأفراد المتورطين بشكل موثوق في بعض الجرائم الدوليّة الخطيرة، حتى لو ارتُكبت في مكان آخر، ولم يكن الجاني المزعوم ولا الضحايا من مواطني الدولة.

التزامات تركيا كقوّة احتلال

باعتبارها قوّة احتلال، تركيا ملزمة باحترام القانون الإنساني الدولي، كما هو منصوص عليه في المقام الأول في اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكول الأول الملحق بها، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يشمل المعاهدات التي صادقت عليها، مثل “الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، و”اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”.[201] أوضحت “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” أنّ الدول الأطراف في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان مُلزمة بتطبيق الاتفاقية خارج إقليمها الوطني لحماية الأفراد الأجانب الخاضعين لولايتها أو سلطتها، وعندما تمارس سيطرة فعليّة على إقليم غير أقاليمها.[202]

تركيا مُلزمة بضمان عدم ارتكاب مسؤوليها والأشخاص الخاضعين لقيادتهم انتهاكات للقانون الإنساني الدولي أو قانون حقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلّق بمعاملتهم للمدنيين وغيرهم ممن لا يشاركون فعليا في القتال، مثل المحتجزين. بعض الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير تشمل الاحتجاز التعسفي والمعاملة السيئة، مثل التعذيب والعنف الجنسي، وقتل المدنيين بشكل غير قانوني أثناء الاحتجاز، والتدخل التعسفي في حقوق الملكيّة. قد تُشكل أعمال التعذيب والاغتصاب وغيرها من الاعتداءات على الكرامة الشخصيّة جرائم حرب.[203]

السلطات التركيّة ملزمة بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مع ضمان معاقبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات بالشكل المناسب. بموجب القانون الدولي، يُمكن تحميل القادة الذين كانوا يعلمون أو يُفترض أنهم كانوا يعلمون بالجرائم التي ارتكبها مرؤوسوهم ولكن لم يتخذوا أي إجراءات لمنعها أو معاقبتها، مسؤولية جنائيّة في إطار مسؤوليّة القيادة.

حقوق السكن والأرض والملكيّة

تركيا ملزمة بعدم حدوث أي نهب أو استيلاء قسري على الممتلكات الخاصة للاستخدام الشخصي. بموجب قوانين الحرب، هذا أمر محظور وقد يُشكّل جريمة حرب.[204] لا يُسمح للمقاتلين بالاستيلاء على الممتلكات للاستخدام الشخصي، بما في ذلك لإيواء عائلاتهم. تحظر قوانين الحرب أيضا تدمير الممتلكات غير المبرّر بالضرورة العسكريّة.[205]

يقع على السلطات الحاكمة بحكم الأمر الواقع واجب فوري يتمثل في توفير مأوى للعائلات النازحة وغيرها من الأشخاص المستضعفين الذين ليس لديهم مأوى مناسب في المناطق التي تسيطر عليها، لكن عليها القيام بذلك دون انتهاك حقوق ملكيّة الآخرين.[206] يجب أن يكون استخدام الممتلكات الشاغرة لإيواء العائلات النازحة وغيرها من الأشخاص المستضعفين الذين ليس لهم مأوى مؤقتا. يجب تعويض المالكين عن استخدام ممتلكاتهم وعن أي ضرر يصيبها، ويجب ضمان حقوق المالكين والعائدين.[207]

تنصّ “مبادئ بينيرو” للأمم المتحدة، التي تعكس القانون الدولي المنطبق على نطاق واسع بشأن ردّ المساكن والممتلكات في سياق عودة اللاجئين والمشرّدين داخليا، على أنّه “يحق لجميع اللاجئين والمشرّدين أن يستعيدوا أي مساكن أو أراضي و/أو ممتلكات حُرموا منها، بصورة تعسفيّة أو غير قانونيّة، أو أن يحصلوا على تعويض عن أي مساكن أو أراضي و/أو ممتلكات يتعذّر عمليّا إعادتها إليهم، حسبما تخلص إليه محكمة مستقلّة محايدة”.[208]

كما تحمي المادة 1 من “البروتوكول الأوّل” لـ “الاتفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان “ممتلكات الناس من التدخل التعسفي، بما في ذلك الأعمال التي تؤدي إلى تشريد أصحاب الأملاك ثم منعهم من الوصول إليها. يتعين على تركيا، باعتبارها قوة احتلال، أن تحترم حقوق الملكيّة للذين يعيشون في مناطق شمال سوريا التي تحتلّها ودفع تعويضات للذين انتُهكت حقوقهم.[209]

قد تُشكّل إزالة الممتلكات الشخصية والخاصة للأشخاص النازحين أو احتلالها أو تدميرها عقبة خطيرة أمام عودتهم.

معاملة المحتجزين وحفظ النظام العام والسلامة في المناطق المحتلّة

وضع تركيا كقوة احتلال يفرض عليها التزاما بحفظ القانون والنظام والحياة العامة في المناطق التي تحتلها. تفرض المادة 43 من لوائح ” الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907″ المعروفة بـ”اتفاقية لاهاي”، مسؤولية على سلطة الاحتلال لاستعادة وحفظ النظام العام والسلامة، ولذلك تركيا ملزمة بحماية السكّان في المناطق التي تحتلها في شمال سوريا من العنف، بصرف النظر عن مصدره.[210] يُحظر على تركيا أيضا في جميع الأوقات، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، أي القانون العرفي وقانون المعاهدات، الانخراط في أو التسامح مع أعمال سوء المعاملة المحظورة، مثل التعذيب والعنف الجنسي، داخل المناطق التي تسيطر عليها.[211] تتحمل تركيا المسؤولة عن الأفعال التي يرتكبها وكلاؤها أو الخاضعين لسيطرتها، وعن عدم منع و/أو محاسبة أفعال الآخرين التي كانت تعلم بها أو كان عليها أن تعلم بها.

نقل المواطنين السوريين إلى تركيا للاحتجاز أو المحاكمة

تسمح قوانين الحرب للسلطات التركيّة باحتجاز أو اعتقال المدنيين في الأراضي المحتلة مؤقتا لأسباب أمنيّة، لكن يُحظر عليها نقل مواطنين سوريين من منطقة محتلّة إلى تركيا لأسباب تتعلق باحتجازهم أو محاكمتهم.[212]

شُكر وتنويه

أجرت أبحاث هذا التقرير وكتبته هبة زيادين، باحثة أولى في هيومن رايتس ووتش، مع أبحاث مكثفة أجراها مساعدا أبحاث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

راجع التقرير كل من آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتوم بورتيوس، نائب مدير البرامج. قدّم كلايف بالداوين، مستشار قانوني أوّل، وأيسلنغ ريدي، مراجعة قانونيّة. قدّم مراجعة متخصصة كلّ من بيل فريليك، مدير مشارك في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش، وبيل فان إنسفلد، مدير مشارك في قسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش، وأمينة سيريموفيتش، باحثة أولى في حقوق المعاقين، وسحر فترات، باحثة في حقوق المرأة، وسوزي برغستن بارك، منسقة أولى في قسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش. ساعد كل من شربل سلوم، مسؤول أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وترافيس كار، مسؤول المطبوعات الرقمية في هيومن رايتس ووتش على إعداد التقرير للنشر.

تتقدّم هيومن رايتس ووتش بالشكر الجزيل لجميع الأشخاص الذين شاركوا بمعرفتهم وخبرتهم في إعداد هذا التقرير، مع وجود خطر على شخصهم أحيانا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى