مِن “تفاهمات الموصل” إلى مَقتَل الخَليفَتَيْن: “داعش” و”الجهاد السوري” في رعاية الاستثمار التركيّ
بدرخان علي
أعادَ مقتل خليفة الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة بـ “داعش”، عبدالله قرداش، المعروف بـ” أبو إبراهيم القرشي”، في عملية أمريكية خاصّة على مخبئِه السرّي على الحدود التركية-السورية، قريباً من مكان مقتل سَلَفِه أبو بكر البغدادي، تسليطَ الأضواء على استراتيجية القيادة التركية حيال تنظيم “داعش” وماهيّة العلاقة بين الجانبين.
ثمّة سؤال يخطر للمرء في أعقاب الحادثتين المختلفتين في التوقيت:
لماذا لم تَأسِر (أو تقتل) الحكومة التركية بنفسها الخليفة قرداش، وقبله البغدادي، وبينهما سامي جاسم الجبوري، المشرف المالي لـ”داعش” ونائب أبو بكر البغدادي الذي ساهمت الاستخبارات التركية في اعتقاله وتسليمه للحكومة العراقية من نفس المنطقة التي كان يختبئ فيها البغدادي وقرداش وغيرهم من كبار المجاهدين، وهم يقطنون في أماكن تحت احتلالها في شمال سوريا، وبالقرب من مواقعها العسكرية تماماً و أمام أنظارها و في متناول أياديها وأيادي عملائها السورييّن. ولماذا تترك أنقرة هؤلاء القادة الكبار صيداً ثميناً لواشنطن، ولا تقوم هي باصطيادهم لتكسب سمعة ” محاربة داعش” خصوصاً أنها معروفة بتعاونها مع داعش وتمتلك سمعة سيئة في هذا المجال عالمياً؟
بالطبع، يأتي طرح مثل هذا التساؤل يأتي من منطلق عمليّ بحت وهو استحالة عدم معرفة الجانب التركي بحيثيّات الغارة الأمريكية زمكانياً؛ فالمنطقة المُستهدَفة هي تحت احتلال تركيا ولها تواجد عسكريٌّ واستخباراتيٌّ وإداريٌّ هناك من جهة، وهي على مرمى حجر من الحدود التركية، وفي الجو هناك طائرات تركية، وأحياناً روسية، من جهة أخرى. فمن البديهي أن تُعلِمَ الولايات المتحدة حليفتها تركيا (وغريمتها روسيا كذلك عن طريق قنوات التواصل العسكرية بين الجانبين في سوريا) بالجوانب العملياتيّة للغارة الأمريكية تفادياً لأيّة حوادث تصادم في الجو أو على الأرض.
المنطلق الثاني هو: رغم الاستثمار التركي الهائل في هذا “الغول” الذي اجتاح العراق وسوريا، لا يَعتَبِرُ كاتب هذه الأسطر الدولةَ الإسلامية في العراق والشام (داعش)، صَنيعةَ تركيا، ولا صنيعة جهةٍ أخرى.
فالدولة الإسلامية، التي يُطلق عليها خصومها تسمية باتت شائعة و حَملت دلالات تحقيريّة مع الوقت،(داعش)، هي قبل كلِّ شيء حركة اجتماعية تغييرية بالِغة الثوريّة والجذريّة (الراديكالية) والتطرّف، وإحدى التنظيمات المستقلّة و “ذات السيادة” النادرة جداً في المنطقة، و خصوصاً في سورياً، وثمرة كفاح مرير وصبر مديد وتضحيات باهظة تكبّدها مجاهدون من بلدان إسلامية شتّى في ساحات رباط عديدة قبل الظفر بدولة إسلامية، ذاك الحلم الذي راودَ أجيالاً من الجهادية الإسلامية في العقود الأربعة الأخيرة، بمشاربهم وتجاربهم العملية متعددة الساحات، امتزجت كلّها في ميدان الجهاد العالمي في أفغانستان ثم تحوّل إلى العراق المُنهار بعد محطاتٍ عديدة حيث أُضيف تيارٌ محلّي غزير ممتلئ بالعنف الطائفي الدمويَ رافداً لموجة الجهاد الأممي الذي صار العراق أرضاً له بعد إسقاط نظام الطاغية صدام حسين و انهيار الدولة العراقية و الاحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني بوجهه المذهبيّ الفاقع، فتطبّعت الجهادية الإسلاميّة بملامح عراقية، كان من علاماتها المستجدّة “وحدة حال” جمعت بين جهاديين سلفييّن مع متدينيين مُحافظين غير جهاديين مع ضباط قوميين من نظام صدام حسين ذي الخلفية غير الدينيّة، وإن كان غير علمانيّ وانتهازياً في هذا المجال خصوصاً في سنواته الأخيرة. إذ كانت الطائفيّة ومعاداة الشيعة وإيران والنظام العراقي الجديد بعد 2003 بالدرجة الأولى، وكذلك الكرد والأقليات الدينيّة، هي الأرضية والقُطبَة التي جمعت كلّ هؤلاء في تنظيم واحد. حتّى في إلحاح القيادة العراقية على إعلان الدولة كان ثمّة بعدٌ عراقيٌّ محلّي قوي، ورد اعتبار للسنّة العرب (والتركمان) بالضد من الهيمنة الشيعية الإيرانيّة على” العراق العربي” ودولة الأمر الواقع في كردستان، الأمر الذي كان محلّ خلاف كبير بين القيادة المحليّة للجهاد العراقي والقيادة المركزية للقاعدة، إذ أنّ الأخيرة لم تستطع استيعاب التطلّب على الدولة من قبل الفرع العراقي الذي توسّع باتجاه الأراضي السورية المجاورة مستغلاً الفوضى وضعف السلطة فيها بعد الحرب السورية و ضمّها لدولة الخلافة لتشكيل (إقليم قاعدة) أي دولة للسنّة في الدولتين (يطابق تاريخياً القسمين السوري و العراقي من إقليم الجزيرة الفراتية) لمجابهة (العدو القريب) أولاً أي الشيعة في العراق والعلويين في سوريا، فيما كان طموح واستراتيجية القاعدة الأم لا يتعدّيان كيانات صغيرة منعزلة وفق نموذج الإمارة/ أمير المؤمنين/ الإمارات (لا الدولة- الخلافة/ الخليفة / الولايات) في أفغانستان أساساً، وباقي الفروع في المنطقة العربية. ولا يمكن لمراقبٍ يتحلّى بأدنى قدر من الواقعيّة أن يُنكر جدوى تكتيكات الدولة الإسلامية العسكرية- الإرهابية الدمويّة- من حيث القدرة على ترويع الخصوم والأعداء والمنافسين وترهيبهم، ونموذجها العنيف الصارخ في ” بناء الدولة” وإخلاص أعضائها وأنصارها وتضحياتهم الباهظة وسط مجموعة كبيرة من الأعداء. يستغرب المرء بالفعل حين سماع تسمية” مرتزقة داعش”، في بعض الإعلام الكردي على سبيل المثال، وإعلام “قسد” الرسمي خصوصاً. “الدواعش” ليسوا مرتزقة، لا لأردوغان ولا لسواه.
استثمارٌ ومهادنة وجيرة طيّبة!
إنّ الوقوف على أوجه التعاون بين أجهزة الدولة التركية والدولة الإسلامية بالتفصيل يحتاجُ إلى استعادة أرشيف ضخم من الوثائق المُسرّبة والتقارير المؤكدة فضلاً عن سلسلة الوقائع والمجريات المترابطة والقرائن الدالّة، وسنكتفي هنا ببعض أبرز العناوين:
من سياسة “الباب المفتوح” مع الجهاديين من حول العالم الذين التحقوا بداعش و غيرها من التنظيمات الجهادية عبر المطارات التركية ثم إلى سوريا، ومعالجة جرحى “داعش” في المشافي التركية، والإفراج عن أخطر الجهاديين المُدانيين في السجون التركية، و السماح لهم بحرية التحرّك داخل تركيا وإلى سوريا، إلى وثائق “ويكليكس” حول تجارة النفط بين داعش وتركيا، عبر صهر الرئيس التركي و وزير طاقة دولته، بيرات ألبيرق، إلى الوثائق التي عثرت عليها القوات الأمريكية في منزل” وزير نفط داعش” أبو سياف في “دير الزور” السورية، إلى الوثائق التي سرّبها موقع “نورديك مونيتور” Nordic Monitor السويدي من أروقة الاستخبارات والمحاكم التركية، والتي تثبت علم أجهزة المخابرات التركية بتحرّكات مقاتلي داعش، بما فيها علمها بالتفجير الإرهابي الكبير الذي ضرب مدينة “قامشلي” السورية 2016 قبل وقوعه، وتحرّكات مقاتلي داعش داخل وخارج تركيا، وحصول مقاتلي داعش والقاعدة في سوريا على مكونات غاز السارين من الاستخبارات التركية، و تمرير الأسلحة إلى الجهاديين في سوريا تحت ستار المساعدات الإنسانية ودور المنظمات ” الخيرية” التركية في ذلك، واستخدام البنوك التركية في تحويل الأموال لمقاتلي داعش والقاعدة. وبينما كانت الدولة الإسلامية تحتلّ مساحات واسعة من الأراضي السورية على الحدود التركية مباشرة، التزمت الحكومة التركية بمبدأ حسن الجوار التام معها، وسمحت بمرور قوافل المقاتلين الجهاديين أمام أنظارها إلى شمال سوريا من رأس العين (سري كانيه) إلى كوباني وتل أبيض والرقة، ومنبج وجرابلس وإعزاز والباب.
الموصل: داعش وتركيا و” أزمة الرهائن” الأتراك
هناك حادثتان تأسيسيّتان ذات دلالةً خاصةً في سياق “العلاقة التخادمية” بين الحكومة التركية و”داعش” تستحقان الإضاءة عليهما.
اقترح أن نقطة البداية في هندسة العلاقة بين أجهزة الاستخبارات التركية والدولة الإسلامية تعود إلى لحظة سقوط مدينة الموصل العراقية في قبضة الدولة الإسلامية حزيران 2014، من دون أن نُغفِلَ علاقات أجهزة الدولة التركية الطويلة مع الجماعات الطائفية السنيّة أو القوميّة التركمانيّة في العراق. تلك اللحظة التي لم تكن انطلاقة جديدة وحسب في مسيرة دولة الخلافة الإسلامية واشتداد عودها وتوسّعها الجغرافي (مرحلة ” شوكة التمكين- قيام الدولة ” بعد مرحلة” شوكة النكاية والإنهاك” أولاً ومرحلة” إدارة التوحش” ثانياً، بلغة كتاب” إدارة التوحش” لمنظّر جهادي كبير نُشِر باسم وهمي” أبي بكر الناجي”)، بل كذلك لحظة صياغة تفاهمات بين الدولة الإسلامية والمسؤولين الأتراك في خضم “أزمة الرهائن” الأتراك المحتجزين لدى داعش، الغامضة، أو ما نسميها بـ” تفاهمات الموصل”.
ففي تقرير لجنة التحقيق النيابية العراقية المكلّفة بالتحقيق في سقوط الموصل (لجنة الموصل)، والتي وجّهت اتهامات لعدد من كبار المسؤولين العراقيين بينهم رئيس الوزراء العراقي – نوري المالكي- بصفته القائد العام للقوات المسلّحة بالمسؤولية التقصيرية، يردُ عن دور القنصل التركي في الموصل مايلي :(( الدور الدولي: دور القنصل التركي في محافظة نينوى وعلاقته مع عصابات داعش الارهابية، وقيام المحافظ (اثيل النجيفي) ومدير مكتب جهاز المخابرات في المحافظة (ناجي حميد)، بالتستر على دور القنصل هناك، وعلى جهاز المخابرات الوطني العراقي التحقق من المعلومات الواردة في هذا الملف واتخاذ اجراءاتهم المناسبة وفقا للقانون وخططهم المخابراتية وكذلك الامر بالنسبة لوزارة الخارجية العراقية)). وأضاف رئيس لجنة التحقيق في تصريحات إعلامية: دور القنصل التركي في الموصل كان مشبوها وحركته كانت غير طبيعية بعد تجاوزه الأطر الدبلوماسية لأنه أدار الكثير من الأمور وكأنه محافظ نينوى”.
وبيّن أنه “بعد سقوط الموصل جاء مسؤول الحماية على القنصلية التركية وأبلغهم بدخول داعش فكان رد القنصل (اذهب وشأنك نحن نعرف كيف نتصرف)”، مشيراً إلى أن “القنصلية رفضت الخروج من الموصل وأبقت على موظفيها طيلة 11 يوما بعد دخول داعش”. ويشدد رئيس لجنة الموصل أن “كل هذه الخروقات مثبتة في تقرير اللجنة الامر الذي دفعنا لادراج اسم القنصل ضمن قائمة المقصرين”. [1]
فور سقوط الموصل في قبضة دولة الخلافة في حزيران/يونيو 2014، احتجز المقاتلون رهائن أتراك بلغ عددهم /49/ رهينة، من بينهم القنصل العام التركي في الموصل وعائلته وعناصر من القوات الخاصة التركية، وعدداً من سائقي شاحنات أتراك كانوا قد احتجزوا في الموصل أيضاً. أُفرج عن جميع هؤلاء، وهم بصحة جيّدة، في الوقت الذي لم يحظى أيُّ أسير من أية جنسية أو قومية أو دين أو مذهب بهذه المعاملة من جانب “داعش”، التي غالباً ما كانت تقطع رؤوس الأسرى وتنشر تلك المشاهد المفزِعة على الملأ لبثّ الرعب في قلوب الناس، إن لم يحصل المقاتلون على الفديات المالية المطلوبة، وغالباً ما تكون مبالغ مالية باهظة، وخصوصاً إذا ما كانوا رعايا دول أجنبية، إذ كانت تشكل مدخولاً للتنظيم وبنداً أساسياً في ميزانيته. نفى المسؤولون الأتراك دفع أية فدية مقابل الإفراج عن الأسرى، واكتفوا بالقول إنها كانت عملية ناجحة للاستخبارات التركية. إلا أن الشكوك كانت كبيرة منذ البداية وتوقع عددٌ من المراقبين حينها أنّ صفقة ما قد عقدت بين الجانبين، التركي والداعشي، وهذا ما رجّحته الأيام التالية.
تكرّر هذا التعامل الداعشي الخاص مع ما يتّصل بمصالح تركيا في عدم المساس بضريحٍ يُنسب لـ”سليمان شاه”، جدّ عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية ، يقع داخل الأراضي السورية قرب مدينة منبج على نهر الفرات ويخضع للسيادة التركية، رغم أن الضريح “يستوفي ” كافة موجبات الهدم وفق عقيدة “داعش” التي لم توفّر ضريحاً أو مزاراً دينياً في أية منطقة سيطرت عليها في العراق وسوريا إلاّ وهدمته؛ فالقبور البارزة عن الأرض (أكثر من شبر) والمقامات والأضرحة والمزارات ، بدعةٌ محرّمة و مِن وسائل الشرك بالله عند جمهور علماء السلفيّة، وهدمها مسألة مبدئية غير قابلة للنقاش وتحوز أهمية خاصّة في الخطابات والسجالات لديهم. وعلى جري عادتهم وتعاليمهم وممارستهم و”عفويتهم” هدّد مقاتلو داعش في الأيام الأولى بتدمير الضريح الكبير المزيّن بالأعلام التركية والكتابات، لكن لم يفعلوا طيلة أكثر من ثمانية شهراً حتى قيام الحكومة التركية بتسيير عملية عسكرية خاصة لنقل الضريح من هناك بتاريخ 22 شباط /فبراير 2015، وبتعاون كامل مع مقاتلي “داعش”. ولا تفسير لهذا السلوك سوى براغماتية الخلية الأمنية في قيادة” داعش” إزاء كلّ ما يخصّ تركيا، بناء على التفاهمات المعقودة بين الجانبين.
ووفقاً للباحث والمحلل الأمني العراقي هشام الهاشمي الذي درس “عالم داعش” من الداخل بدقة ومسيرة التنظيم وقياداته وخلفياتهم، فإن الخليفة البغدادي كان” منزعجاً من التفاهم مع الترك”[2] ، ما يرجح لدينا أن يكون وراء هذا التفاهم رؤوس كبار في التنظيم غير البغدادي الذي لم يكن له دراية بمدينة الموصل أو تجربة فيها، فهو ابن سامراء وقضى شبابه وتعليمه و”جهاده” في بغداد.
وبحسب مصادر عديدة فإن البغدادي كان يعتمد على” حلقة تلعفر التركمانية”[3] في إدارة الشؤون الأمنية(وتعرف كذلك بالقرادشة. وهي جمع لكلمة” قرداش” التي تعني بالتركية “الأخ”). فالموصل وريفها منطقة نشاط المجموعة و”جهادها”، و “عبدالله قرداش” من تلك المجموعة المعروفة بشراستها وعنفها، كان رجل “الدولة الإسلامية” الأول في الموصل قبل إعلان الخلافة وبعدها والمسؤول الأمني والشرعي ومسؤول دواوين الخلافة كافة، بل هو الذي رحّب بالبغدادي في الموصل، وربما هو الذي اختار البغدادي لمنصب الخلافة. وأصبح لاحقاً مسؤولاً عن المناطق السورية المحتلّة من قبل داعش، وثمة تقارير تقول إنه كان المفاوض مع الحكومة التركية في ملّفِ الأسرى الأتراك ورافقهم من الموصل وحتى تسليمهم للمسؤولين الأتراك عبر الأراضي السورية. وهناك تقديرات تفيد بأن” حلقة تلعفر التركمانية” كانت وراء الهجوم على بلدة كوباني الكردية السورية.
عبد الله قرداش أو حجي عبد الله أو أبو عمر التركماني واسمه الحقيقي” أمير محمد سعيد عبد الرحمن السلبي المولى”، الذي سيصبح -بعد مقتل البغدادي- خليفةً باسم” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي”، ينحدرُ من عائلة تركمانيّة من تلعفر. أدّعى النَسَب القُرَشي العربي متأخراً وإبان خلافة البغدادي، تحضيراً ربما لتبوؤ منصب الخليفة لاحقاً الذي يُفترَض أن يكون من “قريش”، قبيلة النبي محمد، وفق أحاديث منسوبة له. كما أن سَلَفه البغدادي، تلحّف بالانتساب إلى “قريش” للغرض نفسه، وهو عربيُّ من عشائر (السّادة) الذين يزعمون التحدّر من “آل البيت”، وهو زعم شائع لدى العديد من الأسر والعشائر في العديد من البلدان الإسلامية (للمفارقة دَرَجَ هذا الإدعاء خارج موطن قريش الأصلي (الجزيرة العربية)، في سوريا والعراق، وعند بعض غير العرب أيضاً؛ كُرد على سبيل المثال!). ولعبدالله قرداش شقيقٌ شَغَلَ منصب رئيس اتحاد الطلبة التركمان في جامعة الموصل أتهم بصلات مع “القاعدة” و قُتِل بطريقة غامضة، بينما شقيقه الآخر كان ناشطاً معروفاً في الجبهة التركمانية العراقية، و كان له صلات مشبوهة بتنظيم” القاعدة” وبعد صدور أمر اعتقاله من قِبَل أجهزة الأمن العراقية هربَ إلى تركيا وتوارى عن الأنظار هناك منذ ذلك الوقت .[4] بينما كان “قرداش” على اتصال مع شقيقه المقيم في تركيا لغاية تعيينه خليفة.[5] معلومٌ أيضاً دور “قرداش” الأبرز في ارتكاب الفظائع بحقّ الإيزديين في شنكال( سنجار)، وخصوصاً إصرارهُ على سبي الإيزيديات، وهو القرار الذي لم يكن محلّ إجماع داخل قيادة” الدولة”. وبحسب مصادر عديدة فإن “حلقة تلعفر التركمانية” كان لها الدور القيادي في مذبحة الإيزديين في شنكال في آب/ أغسطس 2014م؛ ف” في قضاء تلعفر الذي كان يضم مصفى الكسك النفطي (تم تفكيكه ونقل أجزائه إلى سورية) حصل التنظيم على عماده من المقاتلين من عشائر تركمانية، وأوكلت لهم مهمة قيادة “غزوة سنجار” في آب (أغسطس) 2014، بحسب تأكيدات الرائد في الشرطة المحلية هاشم أحمد.” [6] ويقول الباحث العراقي الراحل (د.فالح عبدالجبار) أنه كان للأعافرة (نسبة الى تلعفر/غرب الموصل) ” الدور الأبرز في الهجوم على قضاء سنجار ، معقل الإيزديين الأبرز ، في آب/ أغسطس 2014، وعاثوا فيه قتلاً و سلباً و سبياً ” [7]. يبدو أنّ الباحث يقصد هنا “حلقة تلعفر التركمانية” التي خططت وقادت الهجوم، إذ أنّ الكثير من الشهادات والتقارير تؤكّد ضلوع العديد من أبناء العشائر العربية في سنجار في مذبحة جيرانهم الإيزيديين..
ومنعاً للالتباس وكي لا يجري تصوّر الأمر بصيغة مخطط قوميّ تركمانيّ في قيادة الدولة الإسلامية ضد الكرد تحديداً أو بوجد عداء متأصل عند التركمان ضدّ الكرد، نستدرك بالقول إنّ الدولة الإسلامية، وكما تطرّقنا من قبل، هي أساساً حصيلة نضالات السلفيّة الجهاديّة بخبراتها المتعددة، ومفرزات الوضع العراقي وتعقيداته، وتعبير اجتماعي عن أقصى حالات التمرّد السنّي في العراق. ونضيف هنا أنّ الجهاديين التركمان،”حلقة تلعفر التركمانية”، الذين تولوا القيادة الأمنية التنفيذية في الدولة الإسلامية، ارتكبوا الفظائع بالتركمان الشيعة أيضاً، وفي” تلعفر” تحديداً، قبل مذبحة الإيزديين بنحو شهرين، وهجّروهم من ديارهم مع سائر من هُجّر، بلغ عددهم نحو /250/ ألف نسمة، وأسكنوا “جهاديين” وعائلاتهم من الناطقين بالتركية من خارج العراق (من تركيا وأذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان) في منازل التركمان الشيعة وغيرهم من سكان المدينة، ودمّروا المزارات الشيعية و معالم المدينة بحيث تحوّلت “تلعفر” إبّان سيطرة “داعش” إلى (“ولاية المهاجرين القوقاز” ومصنع قادة التنظيم )[8]. إنّما نقول، ربطاً بموضوعنا الأساسي، إنّ تدفق المئات من الجهاديين الأتراك مع عوائلهم من “العالم التركي” نحو العراق (وسوريا) عبر تركيا لم يكن ليتم لولا التعاون بين أجهزة الحكومة التركية والدولة الإسلامية في صعودها الصارخ ومابعد استيلائها على الموصل كحدث مفصليّ، وكذلك مع الجماعات الجهادية السنيّة قبل إعلان الدولة الإسلامية. ومنها حلقة تلعفر، بالنظر للأهمية التي توليها الدولة التركية للعلاقة مع الجماعة التركمانية في العراق، وأطماعها التاريخية في كركوك والموصل وغيرها بناء على السردية التركية القومية ذاتها:(تركمانية) هذه المناطق (بالنسبة لكركوك وتلعفر تحديداً)، أو تبعيتها لتركيا (بالنسبة للموصل) أو الاثنين معاً. وكذلك محاولات تركيا الحثيثة لتشكيل نفوذ لها داخل العراق لمجابهة النفوذ الإيراني، فضلاً عن الهاجس التكويني فيما خصّ كرد العراق وتطورات المسألة الكردية.
عَدَميّة و … براغماتية عند اللزوم!
وبخلاف ما يروّج الإسلاميون- بمن فيهم السلفيّون المتزمّتون- عن أنفسهم، وكذلك خصومهم عنهم، من ثبات وتصلّبٍ في الأحكام والممارسات التي تبدو وكأنها ترجمة أمينة لنصوص محفوظة وثابتة وقارّة لا تقبل التزمين والنقاش والتفاوض والانزياحات؛ فإن الممارسة في الواقع والحياة العملية لا يمكن أن تكون استنطاقاً للنصوص أو ترجمة عملية لها وحسب. العكس هو الصحيح: ممارسات عملية لأسباب راهنة تُشَرعَن دينياً عبر استحضار نصوص من الماضي السحيق. سيّما وأن مدوّنة الفقه الإسلامي شاسعة وكبيرة وكذلك تاريخ الإسلام الواقعي المُعاش في غزواته وتوسّعِهِ واضطرابات الصراع على السلطة تاريخٌ مديد ومتنوع الصفحات، كأيّة إمبراطورية، ولا يختزل بتأويل واحد موّحد، ولا بسبب أوحد، خصوصاً الدافع الديني.
وفي حالة (داعش)، كسائر الحركات الجهادية، رأينا أنّ حججهم وبراهينهم تستند إلى نصوص من المدوّنة التي لا يمكن لخصوصهم – الإسلاميين تحديداً- الطعن فيها بسهولة. وقد استندت تنظيمات (الإخوان المسلمين) و (القاعدة) و(داعش) في العديد من الممارسات الدموية إلى اختيارات من المنظومة الفقهية والنصيّة ذاتها التي ينهل منها الإسلاميون المعتدلون، وجرى توليفها وفق أغراض التنظيم راهناً، تبعاً سياسة عملية وبراغماتية واضحة. حتى في جريمة إحراق الطيار الأردني الكساسبة من قبل “داعش” التي صدمت العالم لوحشيّتها، وبَدَت نافرةً حقاً ومُستَهجَنة للغاية لدى عموم المسلمين ومستحيلة التبرير شرعاً، إلّا أن شرعيّو (داعش) قدّموا مبرراتهم الفقهية في جواز الإحراق، مستندين في ذلك على تأويلات انتقائية (كما يفعل غيرهم من الإسلاميين، لكنها تأويلاتٌ ممكنةٌ لا يمكنُ ردّها ببساطة) لنصوص دينية وممارسات سابقة ومبدأ المعاملة بالمثل (ردّاً على القنابل والقذائف الحارقة!) وتخريجاتٍ فقهيةٍ، لا يمكن دحضها بسهولة. أما رمي الدواعش بتهمة (خوارج العصر) من قبل إسلاميين آخرين، فهذه مهاترة فارغة لا طائل منها ولا تقدّم ولا تؤخّر شيئاً.
وللأسباب ذاتها يمكن لأي مشرّعٍ أو أميرٍ أو قائدٍ مجاهدٍ كان، استحضار نصوص من المدوّنة الفقهية الإسلامية تؤيّد وجهة نظره وممارسته. فهناك سلفيّون وادعون يوالون حكام بلدانهم العلمانيين وبإمكانهم إبراز حجهم الفقهية، في الوقت الذي يعمل سلفيّون حركيّون محاربون على تكفير الحكام عينهم في البلد عينه، أو سلفيّون يعادون نظام حكم محافظ ومنغلق ومُؤسَّس في جانب أساسي على شرعيّة دينيّة ويطبق” الشريعة” في الكثير من جوانب الحياة، وبإمكانهم أيضاً إبراز مبرراتهم الشرعيّة بسهولة.
وكما كما في كل حادثة وموقف، يمتلكُ شرعيّو” داعش” تبريراتهم الفقهية وفتاواهم لأنصارهم وخصومهم، تبرّر مواقفهم وممارساتهم. ومن خلال قاعدة (فقه الموازنات) أي الاختيار بين المصالح والمفاسد، يتمكّن المُكلَّف أو الحاكم أو المشرِّع من تمرير بعض “المفاسد” أو ما ينهي عنه الفقه والشريعة في غالب الحالات. وهو ما يمثِّلُ تكتيك وممارسة سياسية تعني فقه الأولويات بلغة السياسة، وتتيح للحركات الإسلامية الجهادية مرونة في التكتيكات.
في الواقع انتهجت ” داعش” منهجاً عَدَميّاً بالمطلق على سائر الجهات والجبهات ولم تركن للسياسة والتكتيك والبراغماتية والحلول الوسط أو التفاوض مع أية جهة، سوى مع الدولة التركية ومصالحها.
فالمهادنة الداعشيّة هذه تجاه تركيا، كدولة “كافرة ومرتدة” بأبسط مقاييس الجهاديين، لها أصولٌ فقهيةٌ اجتهد في تخريجها أحد أبرز شرعيّي “داعش”، وهو أنس النشوان (أبو مالك التميمي النجدي). ففي الوقت الذي شرّع فيه استباحة دماء كلّ موظف، وخصوصاً العسكر، في حكومات الدول الإسلامية المعاصرة (“الطاغوتية، المرتدّة، الطائفة الممتنعة”) وكذلك مدنييّن عزّل، عقوبة على “الرّدة” وشرَّعّ ذبحهم بالسكاكين، وظهر بنفسه في فيديوات إعدام مدنيين ” مُشركين ” في ليبيا، قبل أن يستقر به المقام في سوريا ويُقتَل فيها، بعد ساحات جهادٍ عديدة.
بعد استعراض لآراء مشايخ السلفيّة عبر عصورٍ مختلفة و ” تحديثها” وفق الظروف السياسية والدولية المعاصرة، توصّلَ القاضي الشرعي، النشوان، ومن غير أن يشير لتركيا أو لغيرها بالاسم، إلى خلاصة ما أسماه “بعض الصور والحالات قد يحتاج فيها المجاهدون مهادنة بعض دول الردة على ترك القتال:” وهي 1- بغرض التفرغ لقتال عدو آخر .2- مقابل فتح طرق تموين طبية، أو غذائية، أو عسكرية لجبهة الصراع. 3- مقابل فتح طرق آمنة لمرور المصابين والجرحى لتطببيهم .4- مقابل فتح طرق آمنة لمرور مدد المقاتلين إلى جبهة الصراع”. مُضيفاً أنه” تجوز المهادنة في وقت ولا تجوز في وقت آخر وتجوز مع عدو ولا تجوز مع آخر. وفي مسألة حكم “أسرى الطائفة الممتنعة”، مع تشديده أن الأسير المرتد لا يعمل معاملة الأسير الكافر الأصلي، يفتي بجواز “مفاداة أسرى مرتدين بأسرى مسلمين”[9] وفق شروط معيّنة.
فشل هجوم “داعش” على “كوباني” والقضاء على “عملية السلام” التركية- الكردية
في اليوم الثالث لهجوم عناصر داعش على مدينة كوباني (عين العرب) الكردية السورية المتاخمة للحدود التركية، أفرَج تنظيم الدولة الإسلامية عن الأسرى الأتراك من الموصل ووصلوا من هناك، عبر الأراضي السورية الخاضعة لداعش، إلى بلدة” تل أبيض” السورية المجاورة لكوباني على الحدود التركية وتم استلامهم هناك من قبل المسؤولين الأتراك، على رأسهم رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو. أدّى ذلك إلى استثارة الغضب الكردي المُشتعل داخل تركيا أكثر فأكثر وعَنَى للأكراد قرائن إضافية على تواطؤ تركي رسمي مع داعش في الهجوم على الأكراد.
في السياق ذاته كانت تركيا قد امتنعت عن مساعدة ” حلفائها” الأكراد في إقليم كردستان العراق أيضاً، فبعد احتلال الموصل وهجوم داعش على شنكال(سنجار) مع ما ارتكبه من فظائع بحق الإيزديين الكرد و هجومه على مناطق أخرى في إقليم كردستان، أفاد رئيس إقليم كردستان العراق آنذاك، مسعود بارزاني ، أن ثمّة أطراف خارجية وجّهَت(داعش) نحو محاربة كردستان، و شَكَر إيران على إرسالها المساعدة العسكرية على وجه السرعة، وأبدى استغرابه من عدم قيام( حليفته) تركيا( دون أن يسميها بالاسم) بأية مساعدة للإقليم الكردستاني في تلك المحنة حين وصل تهديد داعش لعاصمة الإقليم، أربيل.
وفي حمأة معركة “كوباني” وافقت الحكومة التركية على تمرير عدد محدود من البيشمركه من إقليم كردستان العراق إلى كوباني عبر تركيا، بلغ عددهم نحو (150) مقاتلاً، وعدد رمزي من مقاتلي” الجيش الحر” المدعوم من تركيا. استهدفت هذه الموافقة التركية تخفيف الضغط الدولي الهائل عليها جرّاء امتناعها عن محاربة عناصر” داعش” أمام أنظارها على حدودها الجنوبية مباشرة ومجمل سياساتها المهادنة لـ”داعش”، فاستجابت لضغوط الإدارة الأمريكية (إدارة أوباما) التي كانت في ذروة تحشيدها للمواقف والقدرات الدولية لمحاربة “داعش”. وفي نفس سياق الجهود العالمية الهادفة لثني تركيا عن موقفها المتفرج على هجوم “داعش” على “كوباني” ناشد المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا السلطات التركية بـ “السماح على الأقل لتدفق المتطوعين، ومعداتهم، ليتمكنوا من دخول المدينة والمساهمة في عملية الدفاع عن النفس”[10]. وكان دي مستورا قبلها بعدة أيام قد ” دعا المجتمع الدولي إلى منع سقوط كوباني في أيادي داعش” [11]
وبحسب متابعتي، لم يحصل أن دعا مسؤول أممي رفيع المستوى بصفة رسمية من مقرِّ الأمم المتحدة إلى تدفق متطوعين من خارج سوريا إليها، طيلة سنوات الحرب السورية.
ابتغت تركيا من وراء ذلك أيضاً أن يذهب السلاح المقدّم في الدفاع عن “كوباني” ليد البيشمركه و”الجيش الحر” لا وحدات حماية الشعب YPG. وأن تكون علاقة التحالف الدولي مع الكرد عبر البيشمركه حصراً، الذين اقتصر دورهم في “كوباني” على توفير الإسناد المدفعي للمدافعين، دون المشاركة في القتال مباشرة ضد عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، وفق تصريح الناطق باسم حكومة اقليم كردستان العراق، سفين دزه ئي، ووفق شهادات عديدة من الميدان أيضاً.
إضافة إلى الضغط الدولي، كان هناك غضبٌ كرديُّ عارم داخل تركيا أيضاً جرّاء صمت الحكومة التركية تجاه ممارسات داعش ضد كرد سوريا والكرد الإيزديين في شنكال واتهامها بالتواطؤ مع “داعش”، سيما وأن الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، المسجون في تركيا، أوصلَ رسالة إلى المسؤولين الأتراك في وقت كانت “عملية السلام” مازلت قائمة- في آخر أنفاسها- و ” هدّد بنسف عملية السلام بين حزبه وأنقرة، في حال حصول مجزرة في كوباني, وأمهل أوجلان الحكومة حتى/ 15/ من الشهر الجاري( تشرين الأول/أوكتوبر) لاتخاذ موقف واضح وصريح ضد تنظيم الدولة وحربه على الشعب الكردي”[12] . كذلك لعبَ أوجلان من محبسه دوراً في تهدئة الصدامات في الشارع الكردي الذي كان يغلي على وقع الأحداث في “كوباني” بين مناصرين لحزب العمال الكردستاني والشعوب الديمقراطي من جهة، وإسلاميين كرد موالين لأردوغان من جهة أخرى، أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى.
رغم تدمير المدينة بفعل المعارك والضربات الجويّة للتحالف، ونزوح كامل سكان المدينة والريف المحيط بها، والمأساة الإنسانية، إلّا أن حنق أردوغان ازداد على وحدات حماية الشعب بعد فشل هجمة داعش على كوباني، وأصيب بخيبة أمل عميقة وهو صاحب مقولة “كوباني على وشك السقوط”، وراح يُلّقب مقاتلي وحدات حماية الشعب بـ” إرهابيي كوباني”، إثر انتصارهم على (داعش).
غير أن الانتصار الذي تحقّق في “كوباني” لجهة إفشال احتلال داعش وتقوية علاقة التحالف الدولي مع وحدات حماية الشعب وبروز القضية الكردية في سوريا عبر تبلور الإدارة الذاتية، وانتعاش آمال كرد تركيا، أتى بمفعول عكسي تماماً على عملية السلام التركية- الكردية المتعثّرة بالأصل داخل تركيا، وكان بداية التملّص الفعلي للحكومة التركية من مفاوضات السلام، مع انعكاسات فشلها الوخيمة على كرد سوريا والوضع المتوتر في شمال سوريا عموماً، ووقعت سلسلة أعمال دموية كبيرة (ارتكبتها داعش أو نُسِبَت إليها) ضد أنصار السلام ونشطاء حزب الشعوب الديمقراطي المناصر للكُرد، متزامنةً مع حملة حكومية سافرة من قمع معمم، وأستأنفت الدولة التركية عنفها المعهود ضد الكرد داخل تركيا، وخارجها.
معركة اضطرارية مع “داعش” لقطع الطريق على… أعداء داعش
اتخذت الحكومة التركية من وجود رهائن أتراك بيد تنظيم الدولة الإسلامية، والحرص على حياتهم، ذريعةً لعدم الانضمام للتحالف الدولي ضدَّ داعش. لكنّ المهادنة استَمرّت حتّى ما بعد الإفراج عن الأسرى الأتراك.
الصدام الوحيد الذي حصل بين تركيا و “داعش” داخل الأراضي السورية، كان في مدينة الباب، وكان اضطرارياً للغاية، واسُتهدِفَ به، للمفارقة، أعداء النظام التركي وأعداء “داعش”، وليس “داعش” بذاتها.
حدثَ كلُّ ذلك بُغية قطع الطريق أمام وحدات حماية الشعب الكردية(YPG) وحلفائها في تحالف قوات سوريا الديمقراطية(قسد) التي تضمُّ تشكيلات سورية متعددة القوميات والأديان، التي كانت تخوضُ حينها حملة واسعة لتحرير الشمال السوري بأكمله من الدولة الإسلامية، بعد تحرير مدينة” كوباني” الكردية ثم تل أبيض- منفذ رئيسي لداعش على الحدود التركية- بدعمٍ التحالف الدولي لمحاربة داعش، الذي رفضت تركيا الانضمام إليه لمدة أكثر من عام. لربّما كانت ذريعة وجود أسرى أتراك بقبضة “داعش” في الموصل مبرّرة بعض الشيء لعدم محاربة تركيا لداعش في ذلك الحين، إلاّ أنها كانت ذريعة وحسب؛ فلقد امتنعت تركيا عن الانضمام للتحالف الدولي ضدّ داعش وعن فتح قاعدة إنجرليك أمام طائرات التحالف الدولي، وأرادته تحالفاً دولياً لدعم سياسة تركيا بعيدة المدى في سوريا؛ ضدَّ الكرد ولاحتلال شمالي سوريا وتمكين الجماعات المسلّحة العاملة بإمرتها، وإسقاط النظام الحاكم في دمشق- كان ذلك قبل التدخل الروسي العسكري الميداني لصالح النظام في 2015. وانضمّت تركيا إلى التحالف بعد محاولات أمريكية حثيثة مع أنقرة في زخم الهجوم العالمي على داعش وحَزم إدارة “أوباما” في هذا المجال، للاستفادة اللوجتسية من موقع تركيا (قاعدة إنجرليك الجوية في جنوبي تركيا) المتاخم للمناطق المحتلّة من قبل “داعش”، بدل إقلاع الطائرات الأمريكية من قطر أو الإمارات أو الكويت، ووقف تعاون الحكومة التركية مع” داعش” وضرورة مراقبة نشاطات داعش وحركة عناصره، و وقوع أعمال إرهابية كبيرة داخل تركيا( استهدفت في معظمها أعداء النظام الحاكم!)، واشتراطات تركيّة تتعلق، بالطبع، بالقوات الكردية في سوريا.
في هذا السياق جاء انضمام تركيا اسمياً إلى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، واقتصر دورها على استضافة قوات التحالف في قاعدة إنجرليك الجوية العائدة لحلف الناتو، والتي ترابض فيها قوات جوية أمريكية- أطلسيّة وتركيّة منذ الخمسينات. وبعد تحرير مدينة منبج وريفها عام 2016، أعلنت “قسد” تشكيل مجلس عسكري لمدينة الباب بغية تحريرها من “داعش”. هنا تخلّت القيادة التركية عن ” حيادها” ومهادنتها تجاه “داعش” إثر نجاحات” قسد” على حدودها الجنوبية، بعدما تأكد لها بأن التحالف الدولي مصمم على تحطيم الدولة الإسلامية –داعش وإزالتها من سوريا والعراق، وتَيّقن القيادة التركية من أنّ الولايات المتحدة وحلفائها ودول المنطقة والمجتمعات المحليّة ماضون في عملية هزيمة” داعش” دون تردد فالأفضل لها أن تشارك في مراسيم دفن” داعش” وتضع اليد على تركتها. فقررت التدخّل العسكري الميداني وأطلقت عملية “درع الفرات”، أواخر 2016 انطلاقاً من مدينة جرابلس. و كانت تركيا واضحة في أهدافها من ” درع الفرات” ، عبّرَ عنها وزير دفاعها، فكري إيشيق، بالقول “إن الأولوية الإستراتيجية لتركيا هي منع الأكراد من الربط بين ضفتيْ نهر الفرات”!.[13]
ومعركة “جرابلس” صارت مثالاً للتندّر على وسائل التواصل الاجتماعي لبعض الوقت، حين قامت القوات التركية والمعارضة السورية ببثّ فيديوات لـ”معركة جرابلس” /المسرحيّة، إذ كانت من أنظف المعارك في التاريخ: “صفر ” إصابات في صفوف المهاجمين و المدافعين معاً! وحينما تمَّ حَشرُ مقاتلي “داعش” في مدينة الباب، معقلهم الأخير في غربي الفرات/شرقي حلب، ووجدوا أنفسهم مُحاطين بالأعداء، قرّرت “داعش” مقاومة التدخّل التركي الذي تمكّن بصعوبة من هزيمة “داعش” في مدينة الباب وريفها، في أوائل 2017م.
في تركيا.. داعش تضرب أعداءَ أردوغان!
كانت الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها “الدولة الإسلامية”، أو نُسبَت لها، داخل الأراضي التركية، موجَّهةً ضد خصوم النظام الحاكم؛ أنصار حزب الشعوب الديمقراطي ((HDP، الداعي للحقوق الكردية والسلام والديمقراطية في تركيا، ونشطاء حقوقيين ودعاة سلام، بالإضافة إلى مرافق عامة كالهجوم على مطار أتاتورك في اسطنبول. وهذا ليس تهويناً من خطر” داعش” الكبير على الداخل التركي، كما سنتطرّق لاحقاً.
ففي مجزرة سروج في “شانلي أورفا” يوم 20 يوليو / تموز 2015، تمَّ استهداف تجمّع لمناصري القضية الكردية وأنصار حزب الشعوب الديمقراطي تضامناً مع بلدة “كوباني” الكردية السورية ودعوة لإعادة إعمارها بعد تحريرها من “داعش”، وأسفرَ الهجوم الانتحاري حينها عن عشرات القتلى والجرحى من الضحايا.
أعقبه تفجير أنقرة في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2015، استهدفَ مسيرة سلمية لأنصار حزب الشعوب الديمقراطي وأسفرَ عن مقتل نحو /100/ شخص وجرح العشرات، وصُنّف على أنه أسوء الهجمات الإرهابية في تاريخ تركيا المعاصر. جديرٌ بالذكر أنّ “داعش” لم يتبنَ هجوم أنقرة. وذكرت وسائل إعلام تركية أن تقريراً سريّاً لـ(وحدة الاستخبارات) التابعة للاتحاد الأوروبي، اتهم حزب العدالة والتنمية الحاكم بتكليف تنظيم (داعش) الإرهابي تنفيذ الحادث الذي وقع في 10 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015. [14]
عملية “درع الفرات” واحتلال تركيا لمدينة الباب السورية، وفتح أنقرة قاعدة أنجرليك أمام عمليات التحالف الدولي ومحاولات تركيا إقحام نفسها في عملية تحرير الموصل من “داعش”، لمجابهة النفوذ الإيراني المتزايد وكذلك النفوذ الكردي ولاسيما ترسّخ نفوذ حزب العمال الكردستاني (PKK) في شنكال( سنجار) وجوارها، التي قوبلت برفض شديد من بغداد رداً على مواقف تركيّة رسميّة من أعلى المستويات ذكّرت العراقيين ب” حقّ” تركيا التاريخي في الموصل!، مثّلت هذه التطورات معاً انزياحاً عن ” تفاهمات الموصل” بين الدولة التركية والدولة الإسلامية- داعش؛ فبالتزامن مع عمليات الجيش العراقي والحشد الشعبي والبيشمركه الكردية والتحالف الدولي لتحرير الموصل، و “درع الفرات” في سوريا، أعلنَ البغدادي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أن تركيا دخلت “اليوم” في دائرة الحرب و دعا أنصاره لغزو تركيا والحرب ضدّها.
ورغم نداء الخليفة البغدادي وتوتر العلاقة، ووقوع أعمال إرهابية ضدَّ تجمعات سائحين أجانب في تركيا وأماكن لهوٍ عامة، بقي نمط عمليات “داعش” داخل تركيا مثيراً للشكوك: لماذا لا تستهدف “داعش” مقرّات وقيادات الحزب الحاكم وتجمّعاته ومراكز الجيش والأمن التركي، وتركّز على المعارضة- الكردية والمناصرة للسلام والديمقراطية خصوصاً- التي لا تملك شيئاً من قرار الحكم والسياسة العامة والخارجية في البلاد؟ وذلك بعكس المنهج العام لعمليات “داعش” في سوريا والعراق وغيرهما، والمتجسّد باستهداف قوات الأمن والسلطات المحلّية وكوادرها والوجهاء الاجتماعيين الموالين للسلطات بغية خلق الفوضى وبثِّ الخوف في صفوف الموالين وردعهم عن التعاون مع السلطات وانفضاضهم عنها، جنباً إلى جنب مع أنماط عمليات الإرهاب الأخرى لزعزعة الأوضاع العامة.
وكان لافتاً أن يُعلن البغدادي عن “ولاية تركيا” التابعة لدولته مع عددٍ من ولاياتٍ أخرى في العالم الإسلامي، بعد أسابيعٍ وحسب من انهيار دولة الخلافة في آخر معاقلها السوريّة (الباغوز) في آذار/مارس 2019. ومن المرجّح أنّه أعلنها بعيد وصوله إلى مخبئِه على الحدود التركية وفي مناطق نفوذ تركيا ووكلائِها السوريين وقبل مقتله بزمنٍ قصير في المكان نفسه الذي أعلنَ فيه عن ولايته التركيّة!
مَنْ يجرؤ على قتل الخليفة؟
بالعودة إلى سؤالنا في المقدّمة: لماذا لا تقوم السلطات التركية بنفسها بتصفية أو اعتقال قيادات “داعش” وتتركهم صيداً لواشنطن؟
نقول، رغم أنَ الإجابة على هذا السؤال، كما غيره فيما يتّصل بالجوانب “الغامضة” والمُلتَبَسة في مسيرة العلاقة بين تركيا و “داعش”، تحتاج إلى معلومات موثوقة من عالم الاستخبارات الغامض والبخيل بإفشاء المعلومات، من المستبعد جداً أن لا يعلم المسؤولون الأتراك والاستخبارات خصوصاً بهويّات القتلى الحقيقيين، قبل مَقتلهم. هل من المحتمل أن تركيا تستضيفهم، أو تجدهم، في مناطق نفوذها وإداراتها بصفتهم “مجاهدين”، وربّما ثواراً لـ”نصرة المسلمين في سوريا والشام”، كالآلاف من عناصر شبكات القاعدة الذين ترعاهم تركيا، وليس بالضرورة ” دواعش ” أو كزعماء وقادة صف أول في ” داعش”؟
وإذا صحّ الاحتمال السابق أعلاه، ألا يقوم المسؤولون الأمريكيون بكشف هويات المستهدفين الحقيقية لنظرائهم الأتراك- وخصوصاً أجهزة الاستخبارات فيما بينها- ؟ أي تعلم الأجهزة التركية بزمان ومكان العملية العسكرية، لكن دون معرفة هويات المُستهدفين الحقيقية؟ أم أن الولايات المتحدة لا تعطي الفرصة لتركيا وتمنعها من” التصرّف” لوحدها بهؤلاء المُستهدَفين، وتصرُّ الولايات المتحدة أن يكون النصر مُسجّلاً باسمها. وهذا مستبعدٌ بالنظر إلى علاقة الولايات المتحدة مع الدولة التركية؛ إذ أنّ علاقة تركيا مع أمريكا على قدرٍ كبير من النديّة، وفي هذا المضمار تركيا ليست قطر أو الأردن أو العراق أو البحرين…
أم أنّ الحكومة التركية على علم بكل ما يتعلّق بهؤلاء “الدواعش” الخطيرين في مناطق نفوذها منذ اللحظة الأولى، وتراقبهم عن كثب وبدقّة تامة، وربما تستدرجهم إلى “ديارها” السورية- وليس التركية تجنّباً لتبعات القضية وحساسيتها- وتتعاونُ مع الولايات المتحدة عند اللحظة المناسبة وبذلك تكون قد حققت أمرين معاً:
1- عقد صفقة مع واشنطن في موضوع ما (يُفضَّل أن يكن متعلّقاً بممارسة “حقّ” تركيا التاريخي في قتل الكرد) مقابل بيع رؤوس هؤلاء للولايات المتحدة في توقيتٍ مناسب.
2- رغم الهزائم التي لحقت بالدولة الإسلامية، تتجنّبُ تركيا إثارة ” المجتمع الجهادي العالمي ” بأكملِه (وليس الدواعش فقط) ضدّها فيما إذا أقدمت هي بنفسها- أو لوحدها خصوصاً- على قتل (أو اعتقال) قادة” الدولة الإسلامية”، وسُجّلت عمليات القتل (أو الاعتقال) باسم تركيا. وبذلك تحافظ تركيا على تعاونها مع الولايات المتحدة، دون أن تبدو كمن يقتل” خليفة” المسلمين أو مجاهداً مسلِماً في أعين الإسلاميين داخل تركيا أو في سوريا والعراق والشرق الأوسط عموماً، وحول العالم. وبالتالي يُسجّل” العدوان على المسلمين والدولة الإسلامية” باسم” الصليبيين والكفار والملاحدة والمرتدين”، وليس باسم الحكومة التركية ورئيسها” المسلم”.
مخاطر الرهان التركي في سوريا على.. تركيا
بيدَ أنه ورغم كلِّ ما سبق، لا ينبغي التقليل من مخاطر “داعش” على تركيا نفسها. فتركيا دولة مدنيّة ونظامها علماني ونمط الحياة الاجتماعية في المدن التركية غربيٌّ متحرّر، والملاهي الليلية ونوادي التعرّي وبيوت المتعة الجنسية مرخّصة وعلنيّة، والتيار الديني المحافظ في مجمله ليس سلفيّاً جهاديّاً في تركيا. وهناك على سبيل المثال إشارة للبنوك “الرّبَويّة” في تركيا في كتاب (إدارة التوحش) الذي يُعتَبرُ بمثابة برنامج عمل أو (دستور) لداعش. ويبقى جيشها “كافراً” وعضواً في التحالف” الصليبي” وحكومتها “مرتدّة” و”طائفة مُمتنِعَة” في نظر “داعش” والجهاديين عموماً، مهما عقدت أجهزة الدولة العميقة صلاتٍ مع التيارات الجهادية، لمحاربة الكرد أو لتحقيق مآرب أخرى في سوريا وغيرها، ومهما كانت كوادر شبكة “داعش” داخل تركيا تحت المراقبة والسيطرة الأمنيّة، سيّما وأنّ الدولة الإسلامية فقدت سلسلة القيادة ومركزيتها، بمقابل رضوخ تركيا للضغط الدولي في سياق محاربة “داعش” ولو على طريقتها الخاصّة المتضمنة أجنداتها السلطوية وبوصلتها التي لا تخطىء.
من جانبٍ آخر، ومهما كانت أجهزة الدولة التركية عسكريًا و أمنياً واستخباراتيًاً متماسكة و فعّالة و نشطة، يصعب أن ينجو المجتمع التركي من تداعيات أجواء التطرّف الديني والطائفي التي غذّتها حكومة أرودغان في سوريا والعراق، وكذلك آثار الاستثمار الأمني التركي في الحركات الجهادية في شمالي سوريا على مقربة من الحدود التركية، لتصبح المناطق السوريّة المحتلّة من قبل تركيا ملاعب للتدريب على التطرّف والتشدد الدينيّ و المذهبيّ و كراهية الفنِّ والموسيقا، سيّما وأن هناك جيش آخر كبير من شبكة الجهاد العالمي، غير “داعش”، تحت رعاية تركيا وقطر، يجري العمل منذ بضع سنوات على “تعديله”(من الاعتدال) بإشراف (أو تلزيم، في حالة قطر) أمريكي مباشر، لاستخدامهم في حروب تركيا وأمريكا في سوريا عند اللزوم ( ضدّ الجيش السوري والروس والإيرانيين) وضدّ الكرد بالنسبة لتركيا، إضافةً.
وكان المبعوث الأمريكي السابق لسوريا، جيمس جيفري، المعروف بصلاته القوية مع أنقرة وتقديره الكبير للمصالح التركية وكراهيته الشديدة لروسيا وإيران، أدلى بتصريحات للشبكة الأمريكية الشهيرة PBSاعتبر فيها “هيئة تحرير الشام”، فرع تنظيم القاعدة الرئيسي في سوريا الذي غيّر اسمه عدّة مرات، أحد رهانات واشنطن في سوريا، بل و أحد “أصول” الاستراتيجية الأمريكية في سوريا[15]. وها هي “هيئة تحرير الشام” بزعامة الجولاني تنفِّذُ تعليمات الجانب التركي والأمريكي باستهداف الشخصيات والجماعات الجهادية المُنسجمة مع نفسها ونهجها والتي لا تقبلُ الانضواء تحت أجندات ” الكفار والصليبيين والعلمانيين”، بل وتساعد في تعقّب قادة “داعش” الفارين من مناطق أخرى. في السياق ذاته أزالت الإدارة الأمريكية “الحزب الإسلامي التركستاني” من قائمة التنظيمات الإرهابية لديها قبل نحو عامين، وهؤلاء جهاديّون من إثنية الإيغور الأتراك جلبتهم المخابرات التركية من الصين إلى شمال غرب سوريا و أقطعتهم أراضٍ ومنازل على حساب السوريين المُهجّرين قسراً غير المرغوب فيهم تركياً، يشهدُ لهم المتمرّدون السوريّون بشدّة بأسهم وكفاءتهم القتالية، حيث تعمل واشنطن على جعل سوريا مستنقعاً لروسيا، بتعبير “جيفري” نفسه في تصريحات أخرى[16]. ناهيك عن “الدواعش” الذين فرّوا من شمال سوريا إثر هزيمتهم وجرى توليفهم بمسمياتٍ أخرى في إطار الميليشيات التي ترعاها تركيا في الشمال السوري المحتلّ تحت عنوان” الجيش الوطني السوري”. بوجود كلِّ هذه التنظيمات المؤتمرة بالأجندات التركية داخل الأراضي السورية،” المعتدلة” أو التي في طريقها لتصبح” معتدلة”، واحتلال الجيش التركي لمناطق واسعة في شمال سوريا، تركيا مطمئنة إلى أن انهيار “داعش” في سوريا ليس كارثة كبيرة!
فالعلاقة التركيّة –الداعشيّة، والحال هذه، ليست علاقة عقائدية ولا فكرية ولا علاقة لميول أردوغان الإسلامية بها، بل مبنيّة على تجنّب الصدام -حيثما أمكن- بين “دولتين” على أساسٍ من المصلحة المشتركة والهدنة المتبادلة والاستثمار المتبادل والجيرة الطيبة و” المُتارَكَة”. وها نحن في مشهد قتل الخَليفَتَين أمام صفحة مختلفة من الاستثمارِ التركيّ في ” داعش”: استثمارٌ ماكرٌ قضى بتسليم رأس خَليفَتَين للولايات المتحدة، ونائباً للخليفة الأول إلى العراق، من دون الإخلال ظاهراً بـ” تفاهمات الموصل”، رغم هزيمة الدولة الإسلامية وتراجعها من دولة إلى خلايا.. غير نائمة!
(نُشرَت المادة على ثلاث حلقات في منصة “مساحة” almasaha.net)
——————————————–
[1] – وفي السياق ذاته، يقول النائب إن “التقرير تمت احالته الى القضاء وسيتم اتخاذ القرارات المناسبة لمساءلة المقصرين في الفترات المقبلة بعد دراسته من قبل القضاء بشكل مستفيض”.
وأضاف الشمري، في تصريح لـ(المدى)، أن “القضايا التي سيفتح القضاء التحقيق بشأنها تشمل سقوط مدينة الموصل والمتسببين بذلك فضلا عن مشاكل الفساد التي سبقت دخول داعش الى المدينة”.
وعن أسباب ادراج اسم القنصل التركي ضمن قائمة المتهمين، يقول النائب عن نينوى، عبد الرحيم الشمري، عضو اللجنة التحقيقية، أن “رئيس جهاز المخابرات في محافظة نينوى أدلى بشهادته أمام اللجنة مؤكداً أن القنصل التركي هو محافظ نينوى وليس أثيل النجيفي وأن القنصل التركي كان يقوم بزيارة بعض الشخصيات المشبوهة وصاحبة القرار الاساس”.
لكن الشمري يستدرك بالقول “كان من الصعب استدعاء القنصل التركي الى اللجنة التحقيقية لان ذلك يتطلب تدخل وزارتي الخارجية التركية والعراقية وموافقة الدولة التركية”، في إشارة إلى الاعتبارات الدبلوماسية فضلاً عن توتر العلاقة بين بغداد وانقرة. (التقرير والتصريحات أعلاه متوفرة على شبكة الانترنت).
المصدر: لجنة الموصل: القنصل التركي كان بمثابة المحافظ الفعلي لنينوى.. والاعتبارات الدبلوماسية منعت استجوابه. صحيفة المدى (العراقية)، العدد 3435، تاريخ 2015/08/20
[2] – هشام الهاشمي، عالم داعش، دار الحكمة، لندن-بغداد، الطبعة الأولى 2015. ص: 271
[3] – حول “حلقة تلعفر التركمانية” ينظر:
– حسن أبو هنية، البناء الهيكلي لتنظيم “الدولة الإسلامية”. مركز الجزيرة للدراسات. 23 نوفمبر 2014
الرابط التالي:
https://studies.aljazeera.net/ar/files/isil/2014/11/2014112363816513973.html
– د. آزاد أحمد علي، داعش كحلقة رئيسية في النهج المعادي للكـورد.
* جريدة الوحـدة – العدد 311 – آب 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).
الرابط التالي:
https://yek-dem.net/ar/?p=10228
[4] – بين صدوع الطائفية والتطرف تنظيم الدولة “باقٍ” بقيادة خليفة بلا خلافة. فراس كيلاني – بي بي سي عربي
على الرابط:
https://www.bbc.com/arabic/extra/gqw96i63hs/new-is-leader-arabic
ونختلف مع ما ورد في التحقيق عن أصول عبدالله قرداش العربية. ويبدو أنه زعم متأخر من “أمير المولى”. حيث يعرف بأنه من تلعفر ذات الغالبية التركمانية، وله شقيقان ناشطان في تيارات قومية تركمانية. وأحد ألقاب أمير كان لفترة” أبو عمر التركماني”. (هناك قيادي آخر في داعش بنفس اللقب)
[5] – انظر: تقرير الغارديان
Isis founding member confirmed by spies as group’s new leader
ترجمة عربية مختصرة للتقرير في ” روسيا اليوم”: تركماني من تلعفر.. زعيم “داعش” الجديد قاد مجازر بحق الإيزيديين
تاريخ النشر:21.01.2020
على الرابط التالي:
[6] – عشائر نينوى و”دولة الخلافة” .. شبكات مصالح وأذرع عنف رسمت خريطة بناء الدولة واستمرارها. نوزت شمدين . شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج). 3/11/2015
الرابط:
[7] – فالح عبدالجبار، دولة الخلافة: التقدم إلى الماضي (“داعش” والمجتمع المحلي في العراق)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017، الدوحة-بيروت. الطبعة الأولى. ص 262(نسخة رقمية – ديجيتالية -)Top of Form
[8] – تلعفر.. من مدينة للتعايش الى «ولاية المهاجرين القوقاز» ومصنع قادة التنظيم. صور وأصوات من تلعفر التركمانية التي احتلها «داعش» وأسكن فيها «أتراكها»:
عباس عبد الكريم. شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج). 2015/11/03
الرابط:
[9] – في كتابه المنشور في أواخر عام 2012م بعنوان (دليل المجاهدين إلى أحكام المرتد عن الدين). متوفر على شبكة الانترنت.
[10] – ستيفان دي ميستورا يدعو تركيا إلى السماح لمتطوعين بعبور أراضيها لمساعدة سكان كوباني. 10 تشرين الأول/أكتوبر 2014
موقع الأمم المتحدة، على الرابط التالي:
https://news.un.org/ar/story/2014/10/210452
[11] – ستيفان دي ميستورا يدعو المجتمع الدولي إلى منع سقوط كوباني في أيادي داعش. 7 تشرين الأول/أكتوبر 2014، موقع الأمم المتحدة، على الرابط التالي:
https://news.un.org/ar/audio/2014/10/316772
[12]– التحالف ضد “تنظيم الدولة”: معطيات وشروط تركيا
محمود سمير الرنتيسي، مركز الجزيرة للدراسات، 20 أوكتوبر 2014
https://studies.aljazeera.net/en/node/3762
[13] – وتكتسي جرابلس أهمية إستراتيجية لأنقرة؛ فقد قال وزير دفاعها فكري إيشيق “إن الأولوية الإستراتيجية لتركيا هي منع الأكراد من الربط بين ضفتيْ نهر الفرات”.
“درع الفرات.. عملية عسكرية متعددة الأهداف والجبهات” الجزيرة نت، بتاريخ 5/9/2016
الرابط التالي:
14- (الشرق الأوسط، 13 أكتوبر 2021 مـ رقم العدد [15660]
[15] – في فلم عرضته الشبكة الامريكية الشهيرة PBSعن الجولاني قائد هيئة تحرير الشام، يدافع جيمس جيفري عن الهيئة من منطلق أنها لا تشن هجمات على الغرب ويكيل لها المديح. ويقول حرفياً لمعدّ الفلم (في تصريحات على هامش الفلم لم تنقل كلها في الوثائقي المُذاع) أن هيئة تحرير الشام ” أحد أصول الاستراتيجية الأمريكية في إدلب”.
هنا تصريحات جيفري كما ورد في النص الانكليزي:
James Jeffrey, who served as a U.S. ambassador under both Republican and Democrat administrations and most recently as special representative for Syria engagement and special envoy to the global coalition to defeat ISIS during the Trump administration, told Smith that Jolani’s organization was “an asset” to America’s strategy in Idlib.
“They are the least bad option of the various options on Idlib, and Idlib is one of the most important places in Syria, which is one of the most important places right now in the Middle East,” Jeffrey said in an interview on March 8.
[16] – لجيمس جيفري عدة تصريحات بهذا المعنى.
انظر مثلا في مقابلته مع” الشرق الأوسط”: (روسيا في مستنقع سوريا. نحن نجحنا)- الشرق الأوسط، 22 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [15730]
الرابط: