القسم العاممختارات

داعش كحلقة رئيسية في النهج المعادي للكـورد*

د. آزاد أحمد علي**

–  تبلور النهج المعادي للكورد

في البدء لم تتقصد القيادات السلفية وقيادات داعش لاحقاً معاداة الكورد وكوردستان بشكل حصري، إنما تبلور هذا العداء وتزايد في سياق تحول النهج السلفي الجهادي نفسه، واتضح العداء في طبعة التنظيم الأخيرة الأكثر تطرفاً بقيادة أبو بكر البغدادي، فلقد جاءت هذه السياسة المعادية للكورد وتطلعاتهم استكمالاً لسياسة الاستهداف على أساس الهوية المعتقدية والأيديولوجية، قبل أن تكون ضد هوية قومية معادية. إلى أن باتت ملامح هذا النهج يتضح في سياق الممارسة العملية، بل يتراكم نظرياً، إلى أن فاضت من التفسير الشرعي ذات الصلة، فبرزت إعلامياً كنتيجة لتطور في سياقي التنظير والسياسات البراغماتية للتنظيم معاً، وضمن الخط التعبوي لأنصارها. ففي كلمة صوتية للزرقاوي بَيّنَ: «مازالت جروحنا تنزف، فمازال جزار أطفال السنة باقر صولاغ في قلب هذه الحكومة، وعلى رأسها مجرم حزب الدعوة الرافضي المعتقد المجوسي الحاقد، وعلى جناحيها فيلق بدر بكل منظماته وهيئاته الإجرامية وعملاء الأكراد وجزاري الآسايش، هؤلاء من تريد أن تقوي دولتهم وتثبت أركانهم…»، وتبلور أكثر بعد بيان محارب الجبوري في إعلان «الدولة الاسلامية» عام 2006: «بعد أن انحاز الأكراد في دولة الشمال، وأقرت للروافض فدرالية الوسط والجنوب وبدعم من اليهود في الشمال ومن الصفويين في الجنوب…» ( حسن محمود أبوهنية ود. محمد سليمان أبو رمان، تنظيم «الدولة الإسلامية»، الأزمنة السنية والصراع على الجهادية العالمية. ص 46- 54).

“ظهور أبو بكر البغدادي في مقطع فيديو، في 29 نيسان 2019، بعد سقوط تنظيم داعش في باغوز”

وربما ليست من بوابة الصدف أن تم استقطاب قادة عسكريين من الأوساط المعادية للكورد سابقاً، كقيادة البعث العراقي، وخاصةً ضباط الاستخبارات، ومجموعة من (حلقة تلعفر التركمانية)، الذين كان هدفهم الهجوم على المكاسب الكوردية، وتحطيم تجربة إقليم كوردستان العراق النوعية، ومواجهة صعود القوة الكردية في كردستان سوريا متمثلة بقوات (Y.P.G)، خاصةً بعد مطلع عام 2014، إذ كان رئيس المجلس العسكري لداعش هو أبو مسلم التركماني، إضافةً إلى علي قرداش التركماني. لقد شكل ما سبق ذكره مع جملة من العوامل الأخرى الأرضية وهيأ المناخ للزحف نحو إقليم كوردستان العراق، وكذلك المناطق الكوردية في سوريا، خاصةً بعد سيطرة التنظيم على مدينة الموصل وريفها الشمالي والشرقي.

– تلاقح الفكر التكفيري مع العنف البعثي

لم يكن تلاقح وتلاقي الفكر التكفيري الجهادي مع الفكر والسياسات البعثية نتاج كراهية الكورد أو التنظيمات الشيعية في العراق وحسب، وإنما يعود بشكل رئيس إلى الجذور المتقاربة للفكر العنفي وللأصولية القومية والمرجعية النمطية لكل من الخطين السياسيين. فحزب البعث الذي تأسس عام 1947 في سوريا وتزعمه ميشيل عفلق المسيحي، وعلى الرغم من علمانيته السطحية الاستعراضية فقد استمد فكرة (البعث) من الإسلام نفسه. هذا وقد زاود ميشيل عفلق كثيراً في هذا السياق، ومؤلفاته تؤكد على حرصه على ربط البعث بالإسلام والعروبة، هذا ما يبرزه الكاتب صباح كنجي: «استند إلى جملة أفكار وشعارات حاولت الدمج بين المفاهيم الدينية الإسلامية والتوجهات العنصرية العروبية واستندت إلى العنف والقسوة… تجسدت من خلال اطروحات إنشائية سطحية عبرت عنها كتابات وردت في صفحات من كتاب ميشيل عفلق بعنوان «في سبيل البعث»، التي تُمجد القوة وجعلت من محمد نموذجاً تاريخياً للبعثيين كما ورد في هذا المقتبس: «لقد كان محمد كل العرب ليكن كل العرب محمداً» ( صباح كنجي. دور حزب البعث في الإرهاب الداعشي . الحوار المتمدن. على الرابط:  http://www.ahewar.org).

تبدو العلاقة الجدلية صريحة بين الممارسات العنفية للإسلاميين والبعثيين، خاصةً بعد الصراع مع نظام الحكم في دمشق مطلع سبعينات القرن العشرين، لكن الإنعطافة الحادة والعلاقة الصافية تحققت في أواخر مرحلة صدام حسين وإطلاقه ما سمي بالحملة الإيمانية وكان من أولى نتائجها التوجه الحثيث للكشف عن الوجه الإسلامي للبعث والسعي لخلق مجموعة كبيرة من الأئمة ورجال الدين من البعثيين تجاوز عددهم وفقاً للمعلومات والوثائق التي جرى تداولها بعد سقوط النظام أكثر من /4/ آلاف مؤذن وفقيه .. جُمعت لأول مرّة ودُمجت عناصر الأمن والمخابرات وأعضاء في حزب البعث في قوام مؤسسة دينية خاضعة لمشيئة الدولة والحزب… وأصبحت جزء لا يستهان به من مؤسسات الدولة الفاشية المبرمجة. كما تم الانتقال عملياً للاستعانة والاستقواء بالإسلاميين الجهاديين بعد أحداث 11 سبتمبر 2011، كما احتضن نظام البعث في بغداد المقاتلين العرب والأجانب وتم تدريبهم على العمليات الانتحارية بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، حتى بلغت أعدادهم بين 5 إلى 8 آلاف مقاتل بحسب وسائل الإعلام العراقية. وبعد سقوط بغداد تسرب جزء كبير من هؤلاء الانتحاريين وضباط المخابرات وفدائيي صدام إلى التنظيمات الإسلامية وصولاً إلى داعش، حتى بلغ عدد هؤلاء البعثيين في قيادة داعش 60%. ودون الخوض في التفاصيل فبالإضافة إلى العلاقات التنسيقية التي أعلن عنها نظام البعث في بغداد مع منظمات إسلامية متطرفة جرى إعدادها وتشكيلها من خلال عناصر بعثية وضباط مخابرات وأمن؛ شغلت قيادات بعثية دفة توجيه مسار داعش لاحقا، فالعناصر السابقة في مواقع قيادية في تشكيلات أجهزة القمع البعثية في بغداد، اندمجوا في هيكلية عدة منظمات إرهابية، بالأخص ما له علاقة بهيكلية تنظيم دولة الخلافة الإسلامية الإجرامية «داعش»، التي شكل البعثيون أكثر من 60 % من قوام عناصرها القيادية، بمن فيهم أبو بكر البغدادي نفسه.  في حين كان الانخراط بدرجات أقل وآلية مختلفة لعناصر بعثية وأمنية سورية في صفوف داعش. في المحصلة ساهمت العناصر البعثية والمخابراتية لحكومتي بغداد ودمشق في تزايد كراهية داعش للكورد، وتُرجم ذلك في الهجوم على مدينة كوباني كخطوة أولية لحرب داعش الطويلة الجديدة والطويلة الأمد على الكورد.

وكنتيجة أولية يمكن التأكيد على أن عنف داعش لم يولد فجأة، وإنما ورثت داعش في البدء ما يمكن تسميته بالشرعنة الفقهية للقتل على أساس الهويات، بدءاً من «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، وعلى اعتبار أن القادة أجازوا القتل على أساس تصنيف واسع، سواءً من حيث الهوية أو الموقف السياسي أيضاً، كالموقف المؤيد للدمقراطية وقبول النظم البرلمانية، المشاركة في العلمية السياسية والانتخابات… الخ، فإن المقاتلين وصغار القادة قد وسعوا حتى من تلك الدائرة «المشرعنة» الواسعة أصلاً لتطال هوامش بعيدة أيضاً، إلى أن تم القتل علناً بحسب الهوية المجردة عن أية فعالية مخالفة لمعتقدات داعش، كالانتماء الطائفي المتوارث فقط، فضلاً عن القتل المزاجي والخاضع لمعادلات المصالح المادية والشخصية.

إن بروز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وارتكابه المجازر والقيام بأعمال التخريب ونسف مؤسسات الدولة تُعدّ أحد الأدلة على انتهاء صلاحية حكومتي دمشق وبغداد بصيغتهما السابقة من جهة، وتُترجم أزمة المجتمعات العربية السنية فيها من جهةٍ أخرى، وبالتالي فقد عبَّرَ بروز التنظيم في أحد أوجهه عن اكتمال الظروف الموضوعية لإعادة تشكيل وتأسيس دولتي سوريا والعراق على أسس دستورية وسياسية جديدة، بما فيه تعديل الحدود، وتأمين حق تقرير المصير السياسي لشعب كوردستان، وإن لم تكن بصيغة تامة وإنما في ظل إتحاد كونفدرالي. لذلك وفي ظل الإستراتيجية المتغيرة، يمكن فتح أوسع أبواب الحوار مع كافة الأطراف والمكونات، وخاصةً العرب، للوصول إلى توافقات لأشكال وحدود الدولة الاتحادية الممكن إعادة إعلانها وصياغتها، وسد الطريق أمام عودة الإرهاب والعنف وكذلك سلطات ومؤسسات الدولة الاستبدادية الصلبة.

* جزء من دراسة بعنوان «مقدمات ظهور داعش كقوة عسكرية وأيديولوجية، وقابلية تكرارها»، قدّمها الكاتب إلى «المنتدى الدولي حول داعش»، الذي انعقد في الفترة 6-8 تموز 2019، في صالة بيلسان – مدينة عامودا بإقليم الجزيرة.

** جريدة الوحـدة – العدد 311 – آب 2019 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى