بعد عودة الرئيس التركي أردوغان من أمريكا بخفي حُنين، دون أن يتمكن من لقاء الرئيس جو بايدن، غيّر وجهته إلى روسيا ملتقياً الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي، دون عقد مؤتمرٍ صحافي مشترك، مطلقاً تصريحاته على متن طائرته في رحلة العودة، معلناً استمرار بلاده في الحصول على منظومة إس 400 الروسية، ومركزاً جلَّ حديثه عن الكُـرد ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، مكرراً اسطوانته المشروخة بإلصاق تهمة الإرهاب بهم، مبدياً امتعاضه من زيارة بريت ماكغورك منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى مناطق الإدارة الذاتية واصفاً بأنه «بمثابة مدير الإرهابيين»، ومن دعم إدارة بايدن لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مطالباً الولايات المتحدة بمغادرة سوريا عاجلاً أم آجلاً! متناسياً أن التحالف الدولي بقيادتها متواجد وفق إرادة دولية لمحاربة داعش ووفق أحد مضامين قرار مجلس الأمن /2254/ لمكافحة الإرهاب على الساحة السورية، وأن تركيا ترعى الإرهابيين من نصرة وتركستاني وميليشيات مسلّحة مرتزقة في إدلب ومناطق في شمال سوريا ترزح تحت احتلالها الموصوف المكتمل الأركان؛ دون أن يتعظ من حجم الخسائر التي لحقت ببلاده جراء تدخله السافر في الشأن السوري منذ عام 2011م ودعمه لتنظيم الإخوان المسلمين وباقي تيارات وحركات الإسلام السياسي والمسلح المتطرفة، علاوةً على المساهمة الكبيرة في دمار سوريا دولةً وشعباً؛ ودون أن يبدي أية مرونة في التعامل مع الشأن الكردي وقبول وجود الكُـرد وحقوقهم ودورهم المحوري في سوريا.
بينما صرّح الكرملين أن الرئيسين بوتين وأردوغان أكدا التزامهما بالاتفاقات المبرمة بشأن ضرورة إخلاء محافظة إدلب من الإرهابيين، دون الخوض في التفاصيل.
وكان لقاء وفدٍ من مجلس سوريا الديمقراطية «مسد» برئاسة إلهام أحمد في موسكو مع ممثلين عن وزارة الخارجية الروسية برئاسة ميخائيل بوغدانوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا إيجابياً، حيث تم التأكيد فيه على الحلّ السياسي للأزمة السورية وفق القرار الأممي /٢٢٥٤/ وضرورة مشاركة «مسد» في العملية السياسية، ونُوقشت الانتهاكات التركية المستمرّة للسيادة السورية؛ تلاه مباشرة لقاءات إيجابية ومثمرة أيضاً لوفدٍ آخر من «مسد» برئاسة أحمد في واشنطن مع مسؤولين في البيت الأبيض وأعضاء بارزين في الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وأطلقت أحمد تصريحات سياسية بلغةٍ دبلوماسية مرنة، مؤكدةً على الاستعداد للحوار مع تركيا وحلّ كافة الخلافات معها بالطرق السلمية ودعت المجتمع الدولي لضمان حوار منفتح وشامل بين الكُـرد في تركيا والحكومة التركية، والوصول لتفاهمات من شأنها إرساء استقرار وأمان بعيدي المدى في المنطقة؛ وركزّت على ضرورة تعاونٍ أميركي روسي يمكن أن يثمر عن نتائج ملموسة ويدفع النظام للقبول بإشراك أطراف سياسية أخرى، ويتخلى عن مركزية الدولة والعقلية الاستبدادية التي باتت تشكل عبئاً في مسار الحل السياسي عموماً؛ وقالت إن مناطق شمال وشرق سوريا ستشهد عملية انتخابية قريبة، ستكون مفتوحة لكل مكوّنات المنطقة للمشاركة فيها؛ مشيرةً إلى أنّ التواجد الأميركي في سوريا من شأنه أن يضفي التوازن «الإيجابي» في الملف السوري.
وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، كانت لقاءات وفد الحكومة السورية برئاسة وزير الخارجية فيصل المقداد على مستوى وحجم أكبر من السابق، فقد التقى المقداد مع وزراء خارجية روسيا وإيران والهند وأذربيجان وبيلاروسيا وأرمينيا وفنزويلا وكوبا وكازاخستان وسبع دولٍ عربية (مصر، الأردن، الجزائر، العراق، تونس، عمان، موريتانيا) وغيرها.
وبالتزامن كانت لقاءات وفد الائتلاف السوري- الإخواني متواضعة، ويحمل أجندات متناغمة مع توجيهات الاستخبارات التركية، إذ تركّزت في محورٍ رئيسي على عداء «قسد» والإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا وتشويه سمعتيهما ومحاولة إبعادهما عن أية عملية سياسية، وذلك بالاعتماد على تصريحات ومقولات عضويه- ممثلي «المجلس الوطني الكردي» الخصم اللدود لـ»قسد» والإدارة، والمتعاون مع الاحتلال التركي؛ حيث حاول الوفد استغلال ما جرى في مناطق الإدارة مؤخراً من ارتفاع أسعار المحروقات ومواد مختلفة والرفض الشعبي للقرار وخروج تظاهرات منددة في قامشلي وغيرها وإقدام مجموعات مؤيدة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD على التصدي لها.
إنّ أسباب الفتنة وإثارة البلبلة والفوضى وإحداث المزيد من الشروخ بين المجتمعات المحلية- خاصةً بين الكُـرد- متوفرة وقائمة، وهناك جهات تعمل على خلقها وتأجيجها، يتوجب على الإدارة الذاتية بكافة مؤسساتها المدنية والأمنية والعسكرية تداركها والتعاطي معها بحكمةٍ وعقلانية، فضلاً عن دورٍ كبير منوطٌ بالأحزاب والفعاليات المدنية والاجتماعية والشخصيات الوطنية والثقافية في تفاديها.
* جريدة الوحـدة – العدد /333/- 30 أيلول 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).