تجاوزاتٌ ومخالفاتٌ جسيمة للقوانين الدولية… تراجع الاهتمام الدولي بأزمة سوريا وملف داعش
الافتتاحية*
يعيش شرقنا المتوسط المعذّب تراجيديا مركّبة معقّدة، يعاني فيه الإنسان المُرَّ بأوجهٍ عديدة، حروبٌ وتدخلاتٌ إقليمية ودولية، تجاوزاتٌ ومخالفاتٌ جسيمة للقوانين الدولية وتلك المعتمدة لدى الأمم المتحدة بخصوص حقوق الإنسان والحريات والجانب القيمي والثقافي الحضاري لدى البشرية، وسط تنامي نزعات التطرّف والإرهاب وغلو خطاب الكراهية ودعوات الفتنة لغايات سياسية لا تمت إلى مصالح الشعوب وكرامتها بصلة، بل خدمةّ لأجندات فئوية بغيضة، علاوةً على انتشار الفقر والمجاعة وتزايد معدلات الجريمة وتدهور المجتمعات المحلية، إلى ما هنالك من مآسي وأزمات عديدة، تحت حكم أنظمةٍ استبدادية لا تتوانى وإن بدرجات مختلفة عن قمع الشعوب والفتك بها.
لعلّ بلدنا سوريا يمثل المشهد الأكثر فظاعة من هذه الحالة، فبعد ثلاثة عشر عاماً من تفجُّر أزمته وتكبّد الدولة بكلّ مكوناتها ومقدراتها خسائر هائلة، في الاقتصاد والعمران والبنى التحتية والبيئة والثروات الباطنية والسطحية وغيرها الكثير، ناهيك عن أكثر من مليون نسمة ضحايا قتلى ومفقودين وملايين المعاقين جسدياً ونفسياً ونزوح وهجرة أكثر من نصف سكّان البلاد، وبقاء الأراضي السورية مقسّمة بين أربع حوكمات مختلفة وانعدام الأمن في معظمها… الخ. وكذلك انسداد الأفق السياسي وعجز الأمم المتحدة عن السير في خطوات الحلّ السياسي أمام تصارع الدول الرئيسية المتدخلة في الشأن السوري وتعنّت النظام السوري وتمسكه بخياره الأمني- العسكري وارتهان المعارضة إلى الخارج ووجود التيارات الإسلامية الإرهابية والميليشيات المرتزقة.
بعد حرب روسيا- أوكرانيا، جاءت حرب إسرائيل- حماس في غزة لتلقي بأثقال إضافية على الوضع السوري المتأزم أصلاً، فإلى جانب تداعياتها السياسية والأمنية وتأثيراتها السلبية الكبيرة على الوضع الإقليمي، شكّل الوجود الإيراني وميليشيات عراقية ولبنانية موالية له في سوريا سبباً إضافياً للهجمات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية، التي تلحق أضرار كبيرة بسوريا بغض النظر عن أهدافها الأساسية المعلنة، لا سيّما أن توسّع الحرب باتجاه لبنان أو علي صعيدٍ إقليمي سيجعل الوضع أكثر قتامةً.
تركيا التي لم تحظَ بدورٍ أساسي في مداولات حرب غزة وتُوَجّه إلى حكومتها انتقادات لاذعة حول علاقاتها الواسعة بإسرائيل بينما تدعي دعم الفلسطينيين، تستمر في احتلالها لجزءٍ من الأراضي السورية وتدوم في مسعاها التوسعي ودعمها لتيارات إسلامية متشددة ورعايتها لميليشيات مرتزقة، وفي سياساتها وممارساتها العدائية ضد الكُـرد ودورهم ومناطقهم، بل وتخطط لشنّ المزيد من الهجمات والعمليات العسكرية على مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية وفي إقليم كردستان العراق، حيث إنّ الرئيس أردوغان يمضي في هذا المنحى العدائي الممنهج بإصرار على خلفيةٍ إيديولوجية عنصرية وللتغطية على أزمات بلاده الداخلية وسوء إدارته وفي المرحلة المقبلة على خسائر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية الأخيرة أمام أحزاب المعارضة.
إنّ احتدام الصراع بين أمريكا وروسيا على الصعيد الدولي وفي المنطقة، والوجود التركي والإيراني على الأراضي السورية، وتضاد وتداخل مصالح وأدوار الدول الأربعة على الساحة السورية وجوارها، وبروز ملفات ساخنة كحربي «أوكرانيا» و «غزة»، أدى إلى تراجع الاهتمام الدولي وإضعاف دور الأمم المتحدة في إيجاد حلٍّ سياسي للأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن المجمع عليه /2254/، وحتى في ملف محاربة الإرهاب وتنظيم داعش وآلاف عناصره المسجونين لدى الإدارة الذاتية وأكثر من سبعين ألف نسمة أفراد عائلات داعش في مخيم الهول- الحسكة.
فضلاً عن المسببات الخارجية، مع تفاقم الأزمات الحياتية والمعيشية في سوريا، واستمرار نشاط خلايا داعش، وتحريك مجموعات مسلّحة باسم «العشائر» ضد قوات سوريا الديمقراطية ومحاولات بث الفتنة بين مكونات مناطق سيطرتها، ومواصلة تركيا وأعوانها للهجمات والاعتداءات على مناطق الإدارة الذاتية، وتبادل إطلاق النار بين قوات الجيش السوري وحلفائه من جهة وقوات المعارضة المسلّحة من جهة أخرى وإغلاق كافة المعابر بين الجانبين… تزداد مخاطر الانزلاق نحو كوارث جديدة.
* جريدة الوحـدة – العدد /345/- 04 نيسان 2024م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).