بأريحية مطلقة المسيّرات التركية تطير فوق مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تستطلع وترصد وتقصف أي هدفٍ تختار، دون أيّ عائق، وتقتل عناصرها ومسؤوليها وكوادرها وأحياناً مدنيين، بينهم نساء؛ بالتأكيد بمساعدة عملاء وجواسيس على الأرض، وبعد إبلاغ قوات التحالف الدولي والقوات الروسية كلّاً في قطاعها مسبقاً بطلعات الطيران التركي.
تركيا تنتهج سياسة عدائية، ولكن ألهذه الدرجة دمنا رخيص لدى ما يُسمون بالحلفاء من الغرب، الذين نشاركهم مواجهة أخطر إرهابٍ عالمي متمثل بتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإسلامية المتطرّفة، ولا زال تواجدها وأنشطتها قائمة، بل ونحن نقدّم تضحيات جسام على الأرض في سبيل دحرها؟!
نسير في المقدمة، من قرية لقرية، من جُحرٍ إلى جحر، نطارد أولئك القتلة الوحوش الآدمية، وفي الدرب الآخر نواجه الجهل والتخلف والإرهاب، بالفكر الحرّ النيّر، بالثقافة الإنسانية والمدنية، التي تؤمن بالتعددية وبالآخر المختلف وبتحرر المرأة، وتنشد السّلم الأهلي والعيش المشترك… نتقدّم بصدقٍ وإخلاص، ولكن! نُطعن من الظهر بضربات قاتلة وموجعة على يدّ أحد أعضاء الناتو- الغرب الديمقراطي الحرّ، تركيا الطورانية- الإسلامية التي ترعى الإرهابيين والمتشددين الإسلاميين وتدعم تنظيم الإخوان المسلمين العالمي الحضن الأم للجهاديين، ولا يتخلى عنها الغرب أو يضع لها حداً، بل يسعى لمراضاته في كسب معادلات صراع دولي مقيت.
على مدار أحد عشر عاماً، لم تعتدي وحدات حماية الشعب والمرأة (YPG-YPJ) و «قسد» على الأراضي التركية، فقط لأنها تدافع عن الكُـرد في سوريا وعن إدارة ذاتية لا يروق وجودهما لحكومة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان بتاتاً، لأنهما جزءان من قضايا كردية وكردستانية في المنطقة، مساحتها الأكبر تقع ضمن تركيا جمهوريت التي غدرت الكُـرد وقمعتهم وقتلتهم وهضمت حقوقهم منذ توقيع معاهدة لوزان قبل مائة عام، بموافقة الغرب الذي ما زال يغض الطرف عن قضية الكُـرد في تركيا وسوريا أيضاً، ويناقشها وفق رغبة أنقرة من زوايا أمنية – عسكرية.
في أحلك أيام المعارك مع داعش في 2018م، بقيت أمريكا متفرجة وتركيا تقضم وتحتل عفرين أحد أهم مرتكزات «قسد»، وبعد دحر داعش في آخر معاقله ببلدة الباغوز بشهور عام 2019م، سمحت لتركيا أن تحتل منطقتي «كري سبي/تل أبيض، سري كانيه/رأس العين» وتقوّض قدرات «قسد» وتستمر في استهداف مواقعها وعناصرها إلى الآن دون أي رادع، وتستخدم المسيّرات ضدها، فهل يُصدق أنّ أمريكا لا تقدر على منعها!
لا تزال مواقف الغرب وأمريكا على وجه الخصوص غير واضحة سياسياً حيال قضية الكُـرد في سوريا والإدارة الذاتية، ناهيك عن أنّ المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قد كحّل موقفها المريب بنفي التغيير الديموغرافي في عفرين عن خطة تركيا بإعادة مليون لاجئ سوري إلى شمالي سوريا.
نتفهّم أن الدنيا مصالح، ولكلّ دولةٍ أجنداتها، ولكن أليس ضرب وجود الكُـرد في سوريا وإضعاف قواهم السياسية والعسكرية وتقويض إدارتهم الذاتية تهديدٌ وخطرٌ على سوريا والمنطقة، وإتاحة فرصةٍ لداعش للانتعاش من جديد وللإسلام السياسي بالانتشار، وبالتالي تهديد مصالح وأمن المنطقة والعالم؟!
ونسأل السوريين، من الموالاة والمعارضة، الذين يتهمون «الإدارة و قسد» بالإرهاب تارةً والانفصال تارةً أخرى، أنسيتم فرار «الجيش السوري» و «الجيش الحرّ» من منبج ومحافظة الرقة وريف دير الزور وريف الحسكة الجنوبي أمام مسلحي داعش ليعلنوا دولتهم المزعومة في العراق والشام، بينما دشّنت الوحـدات الكردية بدء انهيار أسطورتها في كوباني وأعلنت «قسد» سقوطها في الباغوز؛ أنسيتم عندما حوّلت داعش دوار النعيم في الرقة إلى دوار الجحيم- ساحةً للذبح والإعدامات وتعليق رؤوس الضحايا على سياجه الحديدي؟!
* جريدة الوحـدة – العدد /343/- 14 آب 2023م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).