صفحاتٌ مشرقة من تاريخ الحركة الوطنية الكردية في سوريا (الموقفُ من الحزام العربي نموذجاً)
نشر في 6-5 – 2006
إعداد: نواف بشار عبد الله
مجلة الحوار – العدد /80/ – السنة 29- 2022م
قراءة في الكتب والمطبوعات والوثائق
يكثرً الجدلُ والنقاش في أوساط الشباب الكردي هذه الأيام حول ماهية الدور الذي لعبتْه الحركة السياسية الكردية في حياة مجتمعنا الكردي، فيقيّمها البعضُ بالسلبية ويتنكرُ لدورها، بينما يصفُها آخرون بالإيجابية، وقد يبالغون فيها أحياناً. ولكي تكونَ الأحكام دقيقةً ومنصفة، لا بدّ من العودة إلى الوراء قليلاً، لدراسة أنشطة وفعاليات وأفكار هذه الحركة، للحصول على أدلةٍ وقرائنَ في التقييم الموضوعي البعيد عن الانفعال والتشنج والأحكام المسبقة. هذا من جهة، من جهةٍ أخرى-ولشديد الأسف- تحاولُ بعضُ الأقلام العربية لاهثة أن تقوم بتشويه حقيقة أهداف الحركة السياسية للحركة ماضياً وحاضراً عبر الإدعاء بارتباطها بجهات خارجية للتشكيك بانتمائها الوطني السوري، وصولاً إلى الشطب النهائي على الوجود الكردي على هذه الرقعة من أرضه.
في هذا السياق، عدت إلى الأعداد القديمة من الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) قبل أن تتفرع عنه هذا الكم الهائل من الأحزاب- بصرف النظر عن الظروف والأجواء التي رافقت تلك الانقسامات- والتي تعمل الآن تحت مسمياتٍ مختلفة، لقراءة مواقفه من الأحداث الهامة في تلك المرحلة، والتي كان يأتي مشروعا الإحصاء والحزام في مقدمتها.
فبعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا(البارتي) عام 1970م وانبثاق القيادة المرحلية عنه، صدر العدد الأول من جريدة (دنكي كرد- صوت الأكراد) لسان حال اللجنة المركزية للحزب بتاريخ أوائل تشرين الثاني 1970، حملت على صدر صفحتها الأولى الشعارات التالية:
يا جماهير شعبنا ناضلي من أجل:
– إزالة الاضطهاد القومي وإلغاء المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية بحق الشعب الكردي.
– تأمين الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية للشعب الكردي في سوريا.
– تمتين أواصر الأخوة التاريخية بين الشعبين العربي والكردي.
– إقامة جبهة وطنية تقدمية في البلاد.
لم يمضِ وقتٌ طويل على انعقاد المؤتمر الوطني، حتى بدأت الأوساط الشوفينية في السلطة بمرحلة تنفيذ مشروع الحزام العربي العنصري في الجزيرة، ذلك المشروع سيء الصيت الذي طالما كانت السلطات الحاكمة في البلاد تتحدث عن تنفيذه. هنا، كان موقف الحزب حاسماً، واضحاً وجريئاً في العدد (15) من الجريدة المركزية الصادر بتاريخ أواخر تموز 1973، حيث جاء في المقال الافتتاحي المعنون بـ (الحزام يدخل مرحلة التنفيذ النهائية) ما يلي:
{نشرت جريدة البعث في العدد 3170 الصادر يوم الأحد الموافق للثامن من الشهر الحالي نبأ تشكيل لجنة من بعض المسؤولين، ووضع تحت تصرفهم مبلغ عشرة ملايين ليرة سورية لبناء مسكن وقرى في محافظة الجزيرة وضمن منطقة الحزام (مزارع الدولة) لإسكان ممن ستغمر مياه سد الفرات أراضيهم وقراهم. وباتخاذ هذه الخطوة، يدخل مشروع الحزام مرحلة التنفيذ النهائية، حيث لم يبقَ منه سوى تهجير الفلاحين الأكراد من قراهم التي شيدوها بعرق جباههم، وعاشوا فيها منذ مئات السنين مطمئنين.
إن الأكراد لم يكونوا وخلال تاريخهم الطويل حجر عثرة في وجه أية هجرة جماعية كانت أم فردية حينما تكون حركة طوعية وعملية طبيعية لتفاعل السكان داخل القطر أياً كانت صفة القادمين وهوية المهاجرين. ولكن الإسكان الجماعي تمهيداً لهجرة جماعية قسراً ولدوافع عنصرية، لا يرفضه الأكراد فحسب، بل جاءت كافة الشرائع السماوية وميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان وجميع الدساتير الدولية تستنكر وتحرّم مشاريع التهجير والتشريد الجماعية القسرية، لأنها تتنافى وروح المنطق والعصر والكرامة الإنسانية وحقوق المواطنة، لأن التاريخ أثبت عفونة وفشل هذه المشاريع والأساليب، فأية فوائد اقتصادية سيجلبها مشروع يقضي بنقل آلاف العوائل من منطقة الغمر ومنحهم الأراضي والامتيازات في منطقة مأهولة سابقاً وتشريد فلاحيه الأصليين وتهجيرهم إلى جهة أخرى بعد أن ظلوا محرومين من حق الانتفاع بالأراضي المستولى عليها بموجب قانون الإصلاح الزراعي بعد تطبيق مشروع الحزام تحت ستار إنشاء مزارع الدولة؟!… فأي منطق إنساني أو اشتراكي يقبل بتفضيل فلاح على آخر بسبب العرق أو اللغة أو الدين دون اعتبار الكفاءة؟ إن مشروع السد الذي سيروي أكثر من 600 ألف هكتار في مراحله النهائية يحتاج إلى عشرات الألوف من العائلات لاستثمار هذا المشروع الحيوي بشكل يحقق المصلحة والغاية المتوخاة من هذا السد العظيم.
فمشروع الإسكان هذا والتهجير الذي سيليه عدا عن خلوه من أية مصلحة اقتصادية، لن يجلب على المنطقة وسكانها بكافة فئاته بشكل عام، والطبقة الفلاحية على وجه الخصوص سوى الخسائر المادية الجسيمة ويثير الأحقاد والنعرات العنصرية بين الطبقات الكادحة بسبب التمييز المقصود بينهم، فهم أحوجُ إلى التكاتف والتعاون منها إلى الفرقة والتنافر. إن الأكراد الذين عاشوا مع أشقائهم العرب منذ مئات السنين ولم يبخلوا يوماً بتقديم كل غال ونفيس للدفاع عن تراب هذا الوطن ضد كل مغامر طامع أو معتدٍ أثيم في التاريخين القديم والحديث، بدءاً بالعهد الإسلامي ومروراً بصلاح الدين وثورات الاستقلال وحروب فلسطين المستمرة، يرفضون اليوم بكبرياء أن يُنظر إليهم نظرة المشكوك في وطنيتهم ووفائهم لهذا البلد إنْ كان القصد من هذا المشروع سد الثغرات بوجه الطامعين بثروات هذا القطر، فقد أثبتوا خلال تاريخهم ونضالهم المشترك مع الشعب العربي أنهم ليسوا أقلّ جدارة من غيرهم لتحمل هذه المسؤوليات. إن الأكراد وحزبَهم الديمقراطي الكردي (البارتي) يناشدون كافة الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية ويخصون منها حزب البعث العربي الاشتراكي وقائد مسيرته الفريق الأسد للعدول عن هذا المشروع العنصري البعيد عن روح العصر والنزعة الإنسانية والنهج الإشتراكي. إن الفلاحين الأكراد يناشدون أشقاءهم الفلاحين العرب ممن ستغمر مياهُ السد أراضيهم برفض الإسكان في قرى وبيوت إخوانهم الأكراد البؤساء ومطالبة المسؤولين بأراضي مشروع الرائد أو التعويض العادل، لأن السكن في أكواخ حقيرة مجبولة بالعرق والدموع لم ولن تجلب أي خير وسعادة. والجماهير الكردية… مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التكاتف ونسيان الخلافات ونبذ الأحقاد والالتفاف حول الحزب وقيادته وعدم المشاركة في بناء الدور وترميمها وعدم النزوح عن بيوتهم وقراهم تحت تأثير التهديد والوعيد أو بدافع الفقر والحاجة. وإننا إذ نهيب بالطبقة الكادحة عمالاً وفلاحين، عرباً وأكراداً وجميع القوى والأحزاب التقدمية لمشاركتنا والمساهمة معنا في أبعاد وخطورة هذا المشروع حاضراً ومستقبلاً على القطر من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، والوحدة الوطنية التي يجب أن تكون هدف الجميع في المرحلة الحساسة من تاريخ البلد لمواجهة التحديات المستمرة، ويحدونا الأمل بأن نضالنا المشترك سيحول دون تنفيذ هذا المشروع العنصري البغيض.}
بعيد صدور هذا العدد بأيام قليلة، وبالضبط في 1 آب 1973، شنّ جهاز أمن الدولة حملة اعتقالاتٍ شاملة ضد قيادة الحزب، تلك التي لم ترضخ لإرهاب الدولة والقبول بتنفيذ مشروع الحزام العربي، فاعتقلت كلاً من (دهام ميرو- سكرتير الحزب، كنعان عكيد-مكتب سياسي، نذير مصطفى –مكتب سياسي، أمين شيخ عبدي-لجنة مركزية، محمد فخري، خالد مشايخ، عبد الله ملا علي*.
——————————————————
* أخذت هذه الأسماء من مقابلة مع الأستاذ محمد نذير مصطفى سكرتير البارتي مع مجلة نوروز باللغة الكردية بتاريخ نيسان 2006م.
×××××××××
صدر العدد (16) من الجريدة المركزية للحزب بتاريخ أواخر آب 1973، حمل عدة عناوين رئيسية، منها، الأكراد والوحدة الوطنية، وبياناً بمناسبة حملة الاعتقالات التي تعرضت لها قيادة الحزب بعنوان: من وراء عمليات الإرهاب؟!! ومقالات أخرى.
جاء في البيان المعنون بـ(من وراء عمليات الإرهاب؟!) ما يلي:
{فوجئ المواطنون في الجزيرة في مطلع شهر آب الجاري بحملة اعتقالاتٍ جرتْ بحق بعض قياديي حزبنا المناضل وبعض المواطنين الأكراد، لأول مرة في تاريخ القطر يرافق اعتقال أحد رفاقنا قيام جلاوزة مخابرات أمن الدولة بإطلاق النار على المواطنين في قرية موزلان وإرهاب النساء والأطفال والشيوخ، مما أدّى إلى سقوط أحد المواطنين جريحاً، ولاذَ جميعُ سكان القرية بالفرار هائمين على وجوههم في البراري. لقد سبق أن تعرضَ مناضلو حزبنا في ظل الحكومات الرجعية السابقة للاعتقال والإرهاب والتعذيب، ولكن لم يفتْ ذلك في عضيد جماهير حزبنا ولم يؤثر على نضالها الدؤوب في سبيل رفع نير الاضطهاد عن كاهل شعبنا الكردي ونيل حقوقه الديمقراطية المشروعة. ويبدو أن بعض التيارات الرجعية والشوفينية في القطر كانت تعدّ العدة لهذه الاعتقالات منذ الإعلان عن النية بوضع مشروع الحزام العنصري موضع التنفيذ، هذا المشروع الذي أجمعت كل القوى والفئات الوطنية والتقدمية العربية في القطر السوري والخارج على إدانته وشجبه، ومن البديهي أن يقف حزبنا الطليعي بوضوحٍ وثباتٍ في وجه هذا المشروع العنصري باذلاً كل جهده في فضحه وإظهار حقيقته العنصرية المقيتة.
لقد قام حزبنا أصلاً من أجل الدفاع عن حق الأكراد الطبيعي والإنساني في العيش بأمانٍ وإخاءٍ ومساواة مع شقيقه الشعب العربي في سوريا، ولقد نادى حزبنا دوماً بتعزيز الوحدة الوطنية في القطر، ومدّ يدَه بإخلاصٍ في كل مناسبة للتعاون في سبيل وحدة وازدهار وتقدم البلاد… ومن المؤسف أن يلاقي هذه المعاملة من كان موقفه كموقف حزبنا. إننا نعتقد بيقينٍ وثباتٍ أن عملياتِ الاعتقال والاضطهاد الجاريين بحق مناضلي حزبنا لا تخدمُ مطلقاً المصالح الحقيقية للشعب العربي في القطر السوري ولا الأسس التقدمية الطامح إليها نظام الحكم الحالي، بل لنا الثقة أن فتحَ بابِ الإرهاب على مصراعيه من جديد بحق الأكراد ليس حتى موصياً من القيادات العليا للبلاد وعلى رأسها قائد الحركة التصحيحية، لأن ما يجري الآن في الجزيرة بالنسبة للأكراد، مخالفٌ ومعادٍ لكل المبادئ التي أعلنها قائد المسيرة نفسُه وقامت على أساسها الجبهة الوطنية التقدمية. إننا نعتقدُ أن الهجومَ المسلحَ الذي قام به جهاز مخابرات أمن الدولة على قرية موزلان وإشاعة الإرهاب فيها حتى الآن وفي بقية القرى التي يقطنها الأكراد غير معني فيه المواطنون الأكراد فقط، بل أن ذلك موجهة إلى السياسة العليا للبلاد ونهجها التقدمي، إن إطلاق النار على المواطنين الأكراد من قبل هذا الجهاز لا يقصد به الأكراد فقط، إنما هذا الرصاص موجه إلى دستور البلاد ومؤسساتها التقدمية والديمقراطية. إننا نؤمن المأساة التي تحل بالأكراد نتيجة تطبيق مشروع الحزام وكافة أوجه التميز العنصري القائمة هي بمجملها قضية وطنية قبل كل شيء، ومن المفروض أن تلقى اهتماماً عاماً وجدياً من كل الفئات الوطنية والتقدمية. إننا نضع قوى الجبهة الوطنية التقدمية وكافة الفئات والعناصر الشريفة في القطر أمام مسؤولياتها المبدئية ونطالبُها بالعمل على إطلاق سراح المعتقلين من قياديي حزبنا والأكراد الآخرين، ووضع حدٍ لسياسة الإرهاب والتمييز الجاريين بحق الجماهير الكردية في سوريا. وكلنا أملٌ أن بياننا هذا سيلقى آذاناً صاغية من جميع القوى والفئات الوطنية والتقدمية لتعزز حتى الأبد الأخوة العربية الكردية على أساسٍ متينٍ من الوحدة الوطنية. ولتتضافر كافة القوى الوطنية والتقدمية في طريق معاداة الاستعمار والصهيونية.}.
ولما تستجبِ السلطاتُ المسؤولة لكل هذه النداءات والصراخ بشأن العدول عن تنفيذ مشروعها العنصري الذي خططتْ له منذ فترةٍ بعيدة وصرفت الأموالَ الطائلة لتنفيذه، توجهت قيادة الحزب بإرسال رسالة مفتوحة إلى القمة العربية التي صادف انعقادُها مع تنفيذ مشروع الحزام، ونشرت نص الرسالة في العدد (17) من الجريدة المركزية أيلول 1973، جاء فيها:
{رسالة مفتوحة إلى ملوك ورؤساء وأمراء العرب..
أصحاب الجلالة والسيادة والسمو، تحية وبعد:
في الجمهورية العربية السورية، وفي الأجزاء الشمالية منها يعيش الأكراد منذ مئات السنين مع إخوانهم العرب حياة يسودُها الود والإخاء، ويكتنفُها التضامن في قضايا الوطن والمنطقة، بدءاً بالحروب الصليبية وبطولات صلاح الدين الأيوبي منها، ومروراً بمعارك الاستقلال وطرد الاستعمار الفرنسي ومآثر إبراهيم هنانو، وإلى يومنا هذا في ساحة فلسطين الني يخوضها الأكراد جنباً إلى جنب مع إخوانهم العرب بكل صبر وجلدٍ وإنكارٍ للذات. هذا الشعب تعرّض منذ أيام الاستقلال حتى اليوم إلى شتى أنواع الأساليب التي تستهدف تصفيته كعنصر متميز عن العنصر العربي، وذلك باختلاق شتى الحجج والذرائع. وقد برزتْ نتيجة ذلك مشاريعٌعملية لتصفية الأكراد في القطر العربي السوري، فضُرب الحظر على توظيفهم وخاصة في السلك العسكري، وحُجب عنهم الترخيصُ لبناء البيوت أو ترميمها، أو لافتتاح الحوانيت والمتاجر، إلا أن الذي يلفت النظر من هذه المشاريع مشروعان خطيران هما قانون الإحصاء ومشروع الحزام المسمى بـ (الحزام العربي). إن قانون الإحصاء قد نصّ على إجراء إحصاء عام لسكان محافظة الجزيرة، فجرّد بموجبه ما ينوف عن مئة ألف مواطن كردي من الجنسية العربية السورية، وأما مشروع الحزام، وهو الذي نتوجه لمقامكم بهذه الرسالة بخصوصه، فإنه يستهدف إيجاد شريط من الأرض على الحدود السورية-التركية في منطقة الجزيرة بطول 345كم ويتراوح عمقه بين 10-15 كم، ويستبدل سكانه الأكراد بقبائل عربية تُجلَبُ إليه من منطقة أخرى من القطر، وقد نفذت الحكومة السورية المرحلة الأولى منه، فقامت بالاستيلاء على أراضي المنطقة تطبيقاً لمشروع الحزام، وسمتْه فيما بعد بـ “مزارع الدولة” دون أي تعويضٍ أو تأمين الأرض في المناطق الأخرى إلا لنفرٍ قليل رفضوا الانتقال، لأن الدولة لم تقدم لهم أدنى الضمانات للعيش في الأرض الجديدة. والآن، تبدأ الخطوة التالية من المشروع بالتنفيذ، فقد تقرر استقدامُ عشائرَ عربيةٍ من المنطقة التي ستغمرُها المياهُ المحجوبة بسد الفرات إلى منطقة الحزام وإسكانها فيها، وخصصت الدولة عشرة ملايين ليرة سورية لبناء القرى النموذجية لهم في المنطقة المسمى بمزارع الدولة.
لقد أوردت جريدة البعث وبقية صحف القطر بتاريخ 8/7/1973 نبا نقل المواطنين من منطقة الغمر إلى مزارع الدولة في الجزيرة (منطقة الحزام) وكأنه مشروعٌ إنساني يستهدفُ تدارك معيشة من غمرت المياهُ قراهم للصالح العام وكخطواتٍ متممة لمشروع سد الفرات، وذلك للتضحية بأراضي مزارعها وتقديمها للمواطنين الذين ضحوا بأراضيهم في سبيل إنجاز السد.
يا أصحاب الجلالة والسيادة والسمو:
إن نظرةً بسيطة إلى خفايا الموضوع، توضحُ الأمورَ التالية:
إن إنشاء مزارع الدولة بالاستيلاء على الأراضي التي كان يستثمرُها صغار الفلاحين في منطقة الحزام دون أي تعويضٍ، لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال تسمية هذا المشروع بأنه مشروع اشتراكي تقتضي السياسة الاشتراكية في البلاد تطبيقَه. إن نقل العشائر العربية من منطقة الغمر إلى منطقة الحزام لا يعني أبداً أنه خطوة لا بدّ منها لإنقاذ مصير هذه العشائر، فإن الأراضي التي سترويها مياه السد تحتاج إلى عشرات الألوف من الأيدي العاملة، وهذه العشائر أحقُّ من غيرها باستثمارها، ذلك يبدو واضحاً من إفصاح هذه العشائر عن رغبتها في عدم الانتقال إلا إلى أراضي السد ذاتها.
إن الأكراد في المنطقة مصرّون على عدم الهجرة من أراضيهم ولو بقوا دون أرض، فإذا ما تصورنا عشائر عربية تقيم في المنطقة تملك الأراضي الخصبة التي كان الأكراد يملكونها وسقوها بدمائهم وعرقهم منذ مئات السنين، لتمكننا من تصور التناقض الاجتماعي الذي سيخيم على المنطقة، والذي سيتطور حتماً إلى صراع عنصري لا يستفيد منه سوى العدو المشترك للشعبين الشقيقين العربي والكردي.
إن الدافعَ لمثل هذا العمل لا يُفَسَّرُ إلا بعدم الثقة بالأكراد دون أي تفريقٍ بين مالكيهم وفلاحيهم ومثقفيهم، وإن أي عربي خيرٌ منهم مهما كان سلوكه! فبالله أي مطعن يمكن أي يوجه إلى مواطنٍ شريفٍ أفدح وأقذع من طعنه في وطنيته وحرصِه على كل ذرةٍ من تراب وطنه؟ إن الأكرادَ بحكم كونهم مواطنين مسلمين في الجمهورية العربية السورية لم ولن يكونوا في يومٍ من الأيام مطية للأجنبي، وهم مصرّون بالرغم من كل المظالم على التضحية في سبيل كل شبر من أرض الوطن، لا فارقَ لديه في هذا المجال بين الجزيرة والقنيطرة، وحتى الجزيرة وسيناء أو الضفة الغربية.
أيها القادة العظام:
إننا باسم أواصر الدين والتاريخ المشترك التي ربطتْ ولا تزال تربطُ بين العرب والأكراد، باسم الدماء التي بُذلتْ سخيةً من الأكراد في سبيل قضايا المنطقة المصيرية، باسم الأطفال والشيوخ والنساء الجياع في منطقة الحزام العنصري، وباسم الإنسانية نناشدُ وجدانَكم الطاهرَ وضمائرَكم الحية أن تتدخّلوا لدى رئيس جمهوريتنا الفريق حافظ الأسد بأن يُعدلَ عن تنفيذ هذا المشروع. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير.}.
—— / يتبع في العدد القادم