القسم العاممختارات

كـارثة زلزالية، الجندرمة تقتل… وضع إنساني مأساوي دون مبادرات جديدة

الافتتاحية*

قال أحد المفجوعين في إدلب: نُقتل وكأننا عصافير! بالقنص وإطلاق الرصاص المباشر، بالضرب والتعذيب، عندما نعمل بأراضينا جوار الشريط الحدودي، أو لدى عبوره إلى تركيا بقصد الهجرة من وضعٍ مأساوي؛ وذلك إثر تهجُّم الجندرمة التركية بشكلٍ وحشي مساء السبت 11 آذار، على ثمانية شبّان من أهالي إدلب عبروا الحدود بشكلٍ غير شرعي، بالعصي والهراوات والبواري الحديدية، فتهشّمت عظام أطرافهم وسالت الدماء على أجسادهم وتوفي أحدهم؛ وتواردت أنباء عن فقدان شاب آخر لحياته مع تلك المجموعة، وعن مقتل مسنٍ في قرية خربة الجوز- ريف إدلب الغربي برصاص قنّاص تركي أثناء حراثته لأرضه صباح 13 آذار، ليتجاوز أعداد الضحايا القتلى على يد حرس الحدود التركي الـ/10/ منذ بداية العام والـ/550/ منذ بداية الحرب في سوريا وفق مصادر حقوقية، دون إجراء تحقيق واحد في تلك الجرائم من قبل تركيا التي تتباها مراراً بإيواء اللاجئين السوريين.

في الوقت الذي يتم فيه تهريب العشرات يومياً من قبل الجماعات المسلّحة الموالية لتركيا – من جرابلس إلى عفرين وإدلب – بالتنسيق مع ضبّاط أتراك لقاء مبلغ مالي يصل إلى /3/ آلاف دولار أمريكي عن الشخص الواحد، والذي لا يدفع المبلغ الكافي أو يغامر عبر طرق «غير مضمونة» يكون عُرضةً للاعتقال والتعذيب وحياته في خطر.

فأساس منهجية حكومة العدالة والتنمية وزعيمها أردوغان بالتدخل السافر في الشأن السوري منذ بدايات تفجُّر الأزمة، هو الاتجار بحياة السوريين وتجيير مآسيهم لصالح أجنداتها الخاصة، وزرع الفتنة بين مكوناتها، لا سيّما ضد الكُـرد، سعياً لمحو وجودهم التاريخي وطمس حضورهم في سوريا.

إذا كان النظام الاستبدادي القمعي متمسك بخياره الأمني العسكري غير آبهٍ بفواجع الشعب ومحنهم، والدول المتدخلة في الشأن السوري مشغولةً بمصالحها وبأزمات إقليمية ودولية تعنيها، عدا تنازعها على الساحة السورية، فيما الأمم المتحدة عاجزة عن إيجاد اختراق في مساعيها المتعثرة، فإن المعارضة السورية – ما تسمى بـ»الرسمية» وغيرها – مشتتة ومسلوبة الإرادة إلى حدٍ كبير، لا بل وينهش جسدها الفساد والخلاف، ناهيك عن تدحرج تلك الجماعات المسلّحة المتطرفة والمرتزقة نحو الدرك السفلي وسقوطها في هاوية اللاإنسانية واللاوطنية.

اهتمت حكومة تركيا بأوضاع مناطقها المنكوبة من الزلزال وطالبت بالمساعدات الدولية ونسّقت جهود الإنقاذ والإغاثة وغيرها، ولكن لم تُعير أي اهتمام بتداعيات الزلزال على مناطق شمال غربي سوريا الواقعة ضمن نفوذها وسيطرتها الفعلية والتي بقيت محرومة من مساعدات إنقاذية عاجلة، خلافاً للقانون الدولي الذي يلزمها بحماية المدنيين وضمان السّلامة والنظام العام كونها دولة احتلال، فقط هي حريصة على توطين المستقدمين من المحافظات السورية الأخرى في منطقة عفرين وبناء قرى استيطانية لهم بالتعاون مع شبكات الإخوان المسلمين ومؤسساتٍ بأسماء «خيرية وإنسانية» توطيداً للتغيير الديمغرافي الممنهج.

رغم هول كارثة الزلزال، لم تكن حكومات دمشق والإنقاذ والمؤقتة وكياناتها السياسية جديرة بالمسؤولية عن إطلاق مبادرات جديدة، ولو إنسانية في حدّها الأدنى، وإن كان هناك اختلافٌ في الحيثيات وتفاوتٌ في الأوضاع، بل تتمترس خلف أجنداتها وأوهامها دون التخلي عن تسييس معاناة السوريين عموماً.

أمام هذه اللوحة المعقّدة القاتمة، ما هو السبيل والممكن اتخاذه؟! أهي في صفقةٍ رباعية تُحَضِّر لها روسيا وبلهفةٍ من تركيا؟! قد تُخلخل الوضع القائم وتُحرّك الصفائح تحت أقدام السوريين الذين لا يدرون إلى أين يؤول مصيرهم! بينما الغيارى والوطنيين الحقيقيين من أبناء البلد أمام مرحلةٍ مفصلية، بإمكانهم الالتئام والتكاتف والخروج بمشروعٍ وطني ديمقراطي جامع يضمن ويحمي حقوق كافة مكونات سوريا، عبر مؤتمرٍ أو منصة أو أية هيكلية توافقية، حيث بإمكان مجلس سوريا الديمقراطية الذي يضمُ شرائح واسعة من الشعب السوري ويبذل جهوداً مضنية في هذا الاتجاه أن يكون مشاركاً فاعلاً.

* جريدة الوحـدة – العدد /341/- 15 آذار 2023م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى