حوارات:
مجلة الحوار – العدد /80/ – السنة 29 – 2022م
((أعتقد أن الانسان، بالمعنى العام وليس المخصص، هو القيمة الاسم في عالمنا وأن الحدود تراب… العمل السياسي يقوم على العلم وليس الخطابات الفارغة… الكثير من الأحزاب السورية كان، وبعضها لا يزال، شوفينيا في مقاربته للقضية الكردية… أما نحن ندعم بشكل مطلق كافة الحقوق القومية للشعب الكردي، في كل أماكن تواجده، ومنها حقه في تشكيل دولته الموحدة، لو شاء ذلك… أجد في الادارة الذاتية بقعة الأمل الوحيدة المتبقية في بلادنا. هزيمتها تعني هزيمة الحركة الديمقراطية واليسارية السورية وإلى أمد.)).
مقدمة:
الدكتور غياث نعيسة هو ابن سوريا، ولد عند ساحلها ودرس في مدارسها وانتقل للخارج فدرس الطب وتخصص في فرنسا. وهوأحد المنخرطين في الحركة الشيوعية (في الجزء غير الرسمي)، نشط في مجال الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الانسان وساهم في تأسيس تيار اليسار الثوري في سوريا وهو رئيس هذا التيار، الذي اسم جريدته (الخط الامامي) والتي صدر منها العدد رقم (63) في تشرين اول 2022، فعبر هذا الحوار سنعرف قراءنا الأعزاء باختصار على جوانب من حياته وعلى آرائه ومواقفه حول الوضع السوري ورؤيته للمستقبل.
السؤال الأول: من هو الدكتور غياث نعيسة؟ البدايات الشخصية، المسيرة العلمية والنضالية.
ج1ـ بايجاز يمكني القول أنى من مواليد اللاذقية ١٢ ك٢ ١٩٥٤، درست الطب في كلية الطب القصر العيني في جامعة القاهرة والتخصص في جراحة العظام والمفاصل بفرنسا.
في السبعينات ساهمت في ظاهرة ما يعرف بالحلقات الماركسية ومن ثم في الجزء النضالي غير الرسمي من الحركة الشيوعية. انتمى إلى الفكر الاشتراكي الأممي، ساهمت في نهاية الثمانينات في تأسيس لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا، وفي مطلع الالفية الثالثة في تأسيس حركة ناشطو مناهضة العولمة في سوريا.
ومع الثورة السورية ساهمت في تأسيس تيار اليسار الثوري في سوريا في منتصف ت١ ٢٠١١.
لي العديد من الكراسات والدراسات والمقالات باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية.
السؤال الثاني: ما هي أبرز وأهم محطات حياتك الشخصية والسياسية؟
ج٢: يصعب إيجاز مسار حياة، لكن يمكنني القول إن تعدد تنقلي وحياتي في عدة مناطق سورية، وبلدان اخرى، سمح لي بمعرفة ادق وأوسع للحياة والناس، والاندهاش الدائم بالتنوع والتعددية التي تعج بها الحياة والبشر والتي تضفي غناءا وثراء لا حد لهما لأنفسنا. واعتقد ان الانسان، بالمعنى العام وليس المخصص، هو القيمة الأسمى في عالمنا وأن الحدود تراب.
وبكل مسار حياتي، وما زلت وفيا للمبادئ الاشتراكية الأممية. واحمل دوما تلك «الطوبى» الواقعية: تحرر البشر الشامل، اي الاشتراكية، وهي البوصلة لحياتي كلها.
غير ذلك، يمكنني القول، بأن المحطات الأساسية في حياتي، هي محطات ومنعطفات كفاح الشعب نفسها، وكيف نتعامل مع فترات التراجع والانهزام، وايضا بمراحل النضال الجماهيري، وألا نفقد ابدا قناعتنا والتزامنا بافكارنا، وكيف نتعلم من التجارب ومن أخطائنا وخبراتنا، بتحليل ملموس لواقع ملموس دون أن نتخلى عن مبادئنا. السبعينات مرحلة التكوين والحماس والشباب، الثمانينات ولغاية التسعينات الصمود في مواجهة الكابوس الأمني والقمع، بداية الالفية الثالثة، استعادة النشاط العملي السياسي مجددا، وفي عام ٢٠١١ مع الحراك الثوري وتأسيس منظمة اشتراكية ثورية: تيار اليسار الثوري في سوريا.
الحياة تجلب كل يوم جديدها. علينا امتلاك الوعي والحدس الثوري للتقدم خطوات إلى الامام، من أجل تحررنا الشامل.
السؤال الثالث: ما هي الأسباب التي أدت إلى بدء الاحداث في آذار 2011م ولماذا تفاقمت الأوضاع دون حل؟
ج٣: أسباب الثورة التي انطلقت في اذار ٢٠١١ عديدة، اولها أسباب اقتصادية- اجتماعية حيث تفاقم بؤس الأوضاع المعيشية لقطاعات واسعة من السوريين، فقد قام النظام خلال عقد من الزمان بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠١٠ بتطبيق أبشع السياسات النيو ليبرالية في المنطقة، وخلال هذا العقد تحول أكثر ٣٣ بالمئة إلى تحت خط الفقر وحوالي نصف السكان إلى حالة الفقر. في حين تجاوزت البطالة ٢٠ بالمئة وأصابت بشكل أساسي الشباب والمتعلمين، فمن أصل خمس شباب يحصلون على شهادات جامعية كان مصير ثلاثة منهم هو البطالة. في المقابل، برزت طبقة برجوازية جديدة قريبة من السلطة، أو بالأحرى مرتبطة بها، وهي راكمت ثروات كبيرة وقامت بنهم لا حدود له للارباح وبفجور فاقع. دون أن ننسى أن عامي ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ شهدتا حالة جفاف قاسية في المناطق الشرقية أدت إلى موجات هجرة كبيرة..
وهنالك أسباب أخرى لن اطيل في ذكرها. اما على الصعيد السياسي، فبعد عقود من القمع وسحق كل أشكال العمل السياسي والاجتماعي والنقابي المستقل، أثار وراثة بشار الأسد للحكم، أوهام عن رغبة إصلاحية على صعيد الحريات، ولكن سرعان ما زال ذلك بعد أشهر قليلة مما سمي ربيع دمشق، وعاد النظام إلى سياسة القمع الفظ. هكذا، نجد أنفسنا أمام وضع عام ٢٠١٠، نظام لا يمكنه متابعة الحفاظ على بقائه الا بممارسة القمع العاري، والناس، أو الجماهير الشعبية، لم يعد لديها ما تخسره سوى قيودها، فجاءت الثورات في تونس ومصر وغيرها من البلدان لتلهم الجماهير السورية بدورها لتثور، وهذا ما جرى في اذار ٢٠١١، ولكننا نجد أن الاحتجاجات الجماهيرية السورية كانت قد تزايدت قبل ذلك التاريخ بسنوات عدة، وهو ما كتبت عنه كثيرا في تلك السنوات. اما بخصوص مآلات الثورة وكيف وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم. ولكي لا أطيل يمكن التركيز على عدة نقاط أدت إلى ذلك، اولها عنف النظام ووحشيته في قمع المظاهرات، وثانيها، هو غياب قيادة وطنية ثورية للحراك الثوري، وثالثها، تدخل الدول الإقليمية والدولية لما يخدم مصالحها وتشكيلها الهياكل السياسية التابعة لها. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى هزيمة الثورة وإلى الوصول إلى الوضع الكارثي الذي تعيشه بلادنا.
السؤال الرابع: ماهي الرؤى التي يقدمها تيار اليسار الثوري في سوريا حول الحل السياسي في سوريا وما هو النظام المطلوب لسوريا؟
ج٤، يعتبر تيار اليسار الثوري في سوريا بوصلته هي المصالح العامة للعمال والطبقات الشعبية، كونه يؤمن بأن تحرر الكادحين هو من فعل الكادحين أنفسهم، ولأنه يؤمن بنظرية الاشتراكية من الاسفل، وليس عبر انقلاب أو نخبة ضيقة. مع إبقاء هذه البوصلة مرشدة لنا، لكننا في الوقت نفسه نرسم سياساتنا وفق التحليل الملموس للواقع الملموس وبكل عقلانية، لأن العمل السياسي يقوم على العلم وليس الخطابات الفارغة. وعلى أساس هذه المقدمة، فإننا في تيار اليسار الثوري في سوريا، نعتقد بأن الوضع السوري الراهن يطرح علينا، وعلى كل القوى الديمقراطية واليسارية، المهام التالية:
أولاً، العمل من أجل السلام ووقف الحروب في بلادنا وحل القضايا الانسانية مثل قضية اللاجئين والنازحين والمعتقلين والمخطوفين ورفع العقوبات عن الشعب السوري المعذب.
ثانياً، العمل على استعادة وحدة البلاد المقسمة والممزقة، ولا يمكن تصور ذلك إلا على اساس ديمقراطي لا مركزي.
ثالثاً، العمل على انتقال ديمقراطي، يحقق أوسع المكاسب الديمقراطية ويسمح بإقامة نظام ديمقراطي لا مركزي.
رابعاً، العمل لتحقيق استقلال البلاد وسيادة الشعب، اي إخلاء بلادنا من كل احتلال أو وصاية.
خامساً، العمل على إرساء سياسات العدل الاجتماعي، لا يمكن إخراج الشعب السوري من حالة الافقار المدقع التي يعيشها أكثر من ٩٠ بالمئة منه إلا بسياسات توزيع عادل للثروات والعدالة الاجتماعية.
السؤال الخامس: كيف يمكن تحقيق أفضل مشاركة شعبية في تحقيق النظام الجديد في ظل التجاذبات الحالية؟
ج٥، في الوضع الراهن لموازين القوى في بلادنا، وعلى أرضية هزيمة ثورة ٢٠١١. نجد من جهة أن القوى الديمقراطية مشتتة وضعيفة. وأن الجماهير الشعبية تعاني الشيء نفسه. وفي المقابل هنالك مناطق الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا حيث يقوم مشروع ديمقراطي واعد. في هذه الشروط ندعو إلى بناء جبهة متحدة للقوى الديمقراطية واليسارية تستند على مشروع الادارة الذاتية. في حال تحقيق ذلك يتغير موازين القوى لصالح القوى الشعبية والديمقراطية السورية، ويمكن السير لتحقيق الأهداف الخمسة التي ذكرتها أعلاه.
السؤال السادس: يقال بان قضية الشعب الكردي في سوريا غابت عن برامج الأحزاب السورية خلال نصف قرن على الأقل ما رأيك؟
ج٦، لا اعتقد بأن قضية الشعب الكردي في سوريا غابت عن برامج كل الأحزاب السورية، بل الأصح القول، إن أغلب هذه البرامج لم تراعي الحقوق القومية للشعب الكردي. والكثير منها كان، وبعضها لا يزال، شوفينيا في مقاربته للقضية الكردية، وفي بعض الأحيان يفوق النظام في عنصريته. موقفنا كان وما يزال، وهو يلقى صدى له، بخصوص قضية الشعب الكردي كالتالي، نحن ندعم بشكل مطلق كافة الحقوق القومية للشعب الكردي، في كل أماكن تواجده، ومنها حقه في تشكيل دولته الموحدة، لو شاء ذلك. وعلاوة على ذلك وبما يخص سوريا، فإننا نرى أن القضية الكردية هي قضية وطنية تعني كل السوريين، وأنه مرتبطة عضويا بقضية الديمقراطية، اي انه لا أمل لإحلال الديمقراطية في بلادنا دون حل عادل يقر بوضوح بالحقوق القومية للشعب الكردي، وغيره من القوميات. القضيتان مرتبطان، لذا فإن من يعادي الشعب الكردي وحقوقه إنما يعادي الديمقراطية وضرورة استعادة وحدة بلادنا.
الحركة الديمقراطية الكردية ضمان لتحقيق الديمقراطية ووحدة سوريا على أسس جديدة.
السؤال السابع: كيف تقيمون أداء مجلس سوريا الديمقراطية؟ وما مستقبل هذا الإطار السياسي وإدارته الذاتية؟
ج٧، جاء تأسيس مجلس سوريا الديمقراطية قبل أكثر من خمس سنوات في ظروف محددة، لعب خلالها دوره كإطار ديمقراطي واسع للسوريين. ولكن جرت تحولات كثيرة في الوضع السوري والإقليمي والعالمي، وبالتالي فإن مجلس سوريا الديمقراطية يحتاج إلى إعادة رسم استراتيجته وآليات عمله ليتوافق مع الأوضاع الراهنة والمهام المطروحة علينا. وحال تحقق ذلك فإنه يؤكد بأنه قاطرة الحركة الديمقراطية السورية، وهو ما نحتاج إلى أن يكون مسد عليه. والحركة الديمقراطية بحاجة إلى مسد كدينامو متماسك لحركتها ومساعد على تجميعها بعد تشتتها. ولا ارى ان اي شكل تجميعي جديد للديمقراطيين أكثر توسعا ورخاوة، يمكن أن يحل محل مسد. النضال الديمقراطي بحاجة إلى مسد يستعيد رشاقته العملية والتنظيمية باستراتيجية جديدة. ولا يبدو لي في الأفق بديل عنه.
أما ما يتعلق بالإدارة الذاتية، فإنها فعلا مشروع فريد في سوريا والإقليم، وتقدم أنموذجا لم يختبر بعد، ولكونها كذلك، وباعتبارها نقطة ارتكاز للديمقراطيين السوريين، فإنها تتعرض للحرب والحصار والعدائية من كل الأطراف المتدخلة ومن النظام. أجد في الادارة الذاتية بقعة الأمل الوحيدة المتبقية في بلادنا. هزيمتها تعني هزيمة الحركة الديمقراطية واليسارية السورية وإلى أمد.
لذلك اكرر اننا ندعو إلى بناء جبهة متحدة للقوى الديمقراطية واليسارية ترتكز على الادارة الذاتية. كما أننا نعمل على بناء شبكة تضامن أممية مع الادارة الذاتية، فهي ركيزة وراس حربة الحركة الوطنية الديمقراطية السورية. وعلينا توقع زيادة الضغط عليها، ما يتطلب منا زيادة توفير الدعم لها. مصيرها يطابق مصير الحركة الديمقراطية السورية.
السؤال الثامن: إلى اين وصلت حوارات ونقاشات القوى الديمقراطية السورية؟
ج٨: تشهد الساحة السياسية السورية ومنذ سنوات محاولات عديدة لتجميع القوى الديمقراطية السورية، وكلها فشلت حتى الان. يمكنني القول أن هنالك مسارين أو ثلاثة يمتلكون الجدية واحد منها، وربما اهمها، مسار ستوكهولم. وأن عابه في السنتين الماضيتين، بطئه وتخبط مقاربته لاليات التواصل والمسار، شهد هذا المسار تغييرا مؤخرا بعد ورشة جرت في بروكسيل قبل اقل من شهرين، نأمل أن هذا التغيير سيسمح لمسار ستوكهولم تصحيح الآليات والمسار وتحديد واضح للهدف.
في الوقت عينه هنالك مسار الطاولات المستديرة للجان الديمقراطية السورية-امارجي، وهي تجري بعيدا عن الإعلام منذ أكثر من سنتين، وتم عقد الطاولة الثامنة قبل ايام، الجو السائد فيها جدي وأن كان متواضعا وبطيئا، ربما لأن الظروف لم تنضج بعد لتحقيق أكثر مما تحقق. كما علينا أن نشير إلى مسار برلين الذي أقام حتى الان ثلاث ورشات، على ما اعتقد، وهو يتميز بدوره بالجدية. من جهتنا، فإننا ندعو إلى تقاطع أو، بالأحرى، تلاقي المسارات الجدية لتجميع القوى الديمقراطية السورية، التي أرى أن عليها أن تستند على قاطرة مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية.
السؤال التاسع: كلمة أخيرة
ج٩: إذا كان ولا بد من كلمة أخيرة، فإنني ساقتصر على قول ما يلي: مهما كانت الظروف صعبة وقاسية، هنالك ما يمكن وما يجب أن نقوم به. أهدافنا واضحة وسياساتنا كذلك، فلنعمل ونتابع العمل.
30 تشرين الأول 2022م