عام آخر من المـآسي… بانتظار مبادرات جادة وحوار سوري – سوري لا بديل عنه
الافتتاحية*
غادرنا عام 2022م بتقلباته وأحداثه السّاخنة والفاترة لدى السوريين عموماً، دون أن يلوح أمام أعينهم بريق أملٍ في حلٍّ سياسي لأزمة بلدهم المستعصية والتي تقترب من نهاية عامها الثاني عشر تحت نير الاستبداد والقمع والاقتتال والمآسي؛ غادرناه ونحن في أوجّ أزمةٍ معيشية في ظلّ الفقر والبطالة الواسعة واستشراء الفساد وتدني قيمة الليرة السورية إلى مستوى قياسي أمام العملات الأجنبية، والارتفاعٍ الجنوني للأسعار وتدهور الوضع الاقتصادي، وشحّ الوقود والطاقة الكهربائية خاصةً في مناطق سيطرة النظام، مع استمرار العقوبات على النظام/الدولة، إلى جانب تداعيات انقسام الأراضي السورية بين أربع إدارات واحتلال بعضها من قبل تركيا وتهديداتها المستمرّة وقصفها لمناطق آمنة، بالإضافة إلى تواجد جماعاتٍ إرهابية وميليشياتٍ مرتزقة تتلقى الدعم من أنقرة، ناهيك عن أجندات التدخلات الإقليمية والدولية الخاصة.
كان لأحداثٍ إقليمية ودولية تداعيات مباشرة وتأثيرات سلبية على سوريا ولا زال، منها الحرب الروسية – الأوكرانية، واستمرار اعتداءات وتهديدات تركيا وعملياتها العسكرية بالطائرات والمدافع الثقيلة وغيرها إلى جانب اقتراب موعد انتخاباتها الرئاسية والبرلمانية وأزماتها الداخلية العديدة، وتصاعد النزاع بين تل أبيب وطهران والقصف الإسرائيلي المتواصل على المواقع الإيرانية داخل سوريا، واندلاع الاحتجاجات في إيران واستعصاء المفاوضات في ملفها النووي، وتركيز أمريكا وأوروبا لجهودها ضد روسيا وفي مواجهة التنامي المطّرد لأدوار النفوذ الصيني، وأزمات الدول العربية وصراعاتها، بالإضافة إلى أزمات الطاقة والمناخ والأوبئة العالمية وأمن شرقي المتوسط… فتراجع اهتمام المجتمع الدولي بالأزمة السورية، لا سيما وأنّ جلسات مجلس الأمن وهيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة ومعنية بسوريا تحوّلت إلى إلقاء خطابات تبادل الاتهامات والتنصل من المسؤوليات، تكاد أن تدفن القرار /2254/ المجمع عليه، فيما تلك الآلية المعتمدة لتقديم المساعدات الإنسانية عبر معبرين فقط مهددة بالإلغاء أيضاً. وكذلك تباطأ اندفاع الدول العربية نحو التطبيع مع دمشق بعد أن تراجع دورها بشكلٍ ملحوظ في دعم المعارضة أو ممارسة ضغوط على الدول المؤثرة ودعم جهود المبعوث الأممي غير بيدرسون لإيجاد حلٍّ سياسي للأزمة.
لنتساءل، من ذا الذي لا يريد حلاً لمحنة سوريا ولا يعمل من أجله؟!… هو مَن يتمسّك بالسلطة ويجني من ورائها الجاه والمال هنا أو هناك، الضالع في الفساد وتُجّار الحروب وأمرائها، مَن يمارس الانتهاكات ويرتكب الجرائم أينما كان، مَن يتبنى عقلية التخلّف وخطاب الكراهية أو يحمل فكراً إرهابياً متطرفاً، المنافق والمرتزق، مَن لم يبقَ لديه إرادة ومسلوب القرار ومرتهن لأجنداتٍ خارجية، مَن لا يعترف بالآخر وبوجود كافة المكونات السورية وحقوقهم.
أما أدوار الدول المتدخلة بشكلٍ مباشر فحدّث ولا حرج، لِكُلٍّ أولوياتها وأجنداتها؛ فالتحالف الدولي المناهض للإرهاب بقيادة أمريكا يدعم قوات سوريا الديمقراطية – خاصةً ضد داعش – ولكن يتجاهل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والمسألة الكردية في البلاد كعناوين سياسية ولا يتبناهما كقضايا وطنية سورية تحتاج لحلِّ عادل، فلا زال ينظر إليهما ويتعامل معهما عبر قنوات وخيارات أمنية وعسكرية.
روسيا تدعم النظام السوري على طول الخط وتفرض عقود الإذعان على حكومته، وتستغل قضايا سوريا في صراعاتها الدولية. بينما إيران دعمته بالميليشيات ولوجستياً في إطار تعزيز تواجدها وتأثيرها الإقليمي بالتوازي مع تنفيذ مآرب طائفية وفرض عقودٍ استراتيجية طويلة الأجل مع حكومة دمشق باتجاه استثمار موارد البلاد.
أما تركيا، فتدخلت بشكلٍ سافر ومريب، واحتلّت مناطق شاسعة وفرضت نفوذها على أخرى، مع استتباع وتكبيل الجماعات المسلّحة والائتلاف السوري – الإخواني (الجسم السياسي المعارض الرئيسي) وتوجيهها نحو ضرب حضور الكُـرد بشكلٍ أساس.
عقدت الدول الثلاث الأخيرة صفقات عديدة عبر صيغة أستانه، تحقيقاً لمصالحها المتبادلة بالدرجة الأولى، وما كان على الطرفين السوريين الحاضرين إلَّا تنفيذها؛ إذ سيطر النظام على مناطق شاسعة ولكن! دون أهاليها، فأضحى الجيش السوري حارساً لمدن وبلدات وقرى فارغة، ودخلت ميليشيات الائتلاف كمرتزقة لدى دولة الاحتلال التركي إلى مناطق «عفرين، كري سبي/تل أبيض، سري كانيه/رأس العين» ضد الكُـرد والإدارة الذاتية بهدف إحداث تغيير ديموغرافي واسع وارتكاب مختلف الانتهاكات والجرائم.
هذه المرّة، تسعى تركيا لإبرام صفقةٍ جديدة مع حكومة دمشق بشكلٍ مباشر وبوساطة روسية، على خلفية حاجات ومصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيسه أردوغان الملّحة خلال الأشهر القادمة في الداخل والخارج، لا سيما ديدنها إجهاض تجربة الإدارة الذاتية بمؤسساتها المختلفة وطمس قضية الكُـرد ووجودهم ودورهم في سوريا.
ننتظر مبادرات جدّية للحلّ من القوى العظمى في العالم، وحواراً سورياً – سورياً فاعلاً ومثمراً… عسى أن ندخل في سكته، وبطبيعة الحال لا ولن نفقد الأمل!
* جريدة الوحـدة – العدد /340/- 06 كانون الثاني 2022م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).