القسم العاممختارات

الحوار العربي الكردي… البحث عن الحياة المفقودة في سوريا!

هاشم كوجاني

مجلة الحوار – العدد /80/ – السنة 29 – 2022م

– ولد في محافظة كركوك – إقليم كردستان العراق.

– عمل في الصحافة العلنية والسرية، وفي المنفى.

– ساهم في إصدار وتحرير عدد من المجلات والجرائد، منها جريدة الفكر الجديد، بيری نوێ ومجلة رابون الثقافية.

– عمل في إذاعة صوت الشعب العراقي – ده نگى گه لی عێراق- المعارضة للنظام الدكتاتوري في العراق. وهو مسؤول القسم الكردي في الاعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي، خلال فترة الكفاح المسلح في كردستان.

– كان نصيراً في صفوف قوات پيشمركة الشيوعيون في كردستان مع المئات من المثقفين وكتاب وأدباء الكرد والعرب والكلدوالآشوريين، لمدة ١١ عاماً.

– له نتاجات إبداعية وثقافية ومؤلفات مطبوعة باللغة الكردية منها: ظلال سيفَر!، نهاية العراق!، صَرع السلطة!

××××××

إنَّ الحوار هو عملية سياسيَّة، فكرية وحقوقية بامتياز وهو محاولة لتعريف الذَّات والاقتراب من معرفة الآخر المختلف ومن هنا فإنَّ الشروع في أي حوار يُحَتِّم الصَّراحة الفائقة في الأسلوب والشَّفافية في الطرح والاعتراف الصريح بالتَّنوع السوري والابتعاد عن الأنشطة التضليلية والمهاترات البائسة والمجربة منذ ما يقارب قرن كامل من الزمن، وذلك بهدف البحث عن الحياة والاستقرار المفقودَين في سوريا. يعتبر الاختلاف والتَّمايز ظاهرة طبيعية ومتغيرة دائماً، سواءً على مستوى الأفراد أو على نطاق المجتمع واتجاهاته المتصارعة فالمطلوب ليس إزالتهما أو إنكارهما بل من الضروري اِقرارهما وتثبيتهما، فالاختلاف هو عِبارة عن معرفة إضافية للإنسان، ومصدر قوة للمجتمع لإنهاء الاستبداد، وتوفير الأرضية الموضوعية لنمو الانسجام الاجتماعي ونشر ثقافة التَّسامح، لحماية الموزايك القومي والديني والطائفي نحو التعايش السلمي والمستقر، وصولاً لولادة سوريا الجديدة!

لقد مرَّ قرنٌ كاملٌ على انهيار السلطنة العثمانية البغيضة، وإقامة مجموعة من الكيانات القومية غير المتجانسة وفقاً لمصالح الدول الاستعمارية، وسوريا واحدة من هذه الدول. وخلال هذه الحقبة التاريخية لم تتحول سوريا من حالة اللادولة إلى دولة مدنية وطنية معاصرة، فجميع الأنظمة والحكام التي حكمت سوريا تعاملت مع البلد كمزرعة خاصة لطائفة معينة، بل لعائلة بعينها.

إنَّ الأنظمة المستبدة التي تضطهد شعوبها وتُهدِّد الاستقرار والسلم العالمي، تستمد قوتها وديمومتها من نقطتين أساسيتين أولاً: تخلُّف مجتمعاتها وغياب الفكر النَّقدي وعدم ظهور معارضة حقيقية حاملة لمشروع فكري اجتماعي وسياسي مختلف عن مشاريع الأنظمة الحاكمة، وأن يكون لها قراءات وتأويلات واقعية لمجتمعاتها.

ثانياً: ازدواجية المواقف ومعايير القوى الدولية وادعاءاتها حول حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية والعدالة والكيل بمكيالين، سياسات ومواقف امريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي المخجلة من الحرب السورية ومن حروب تركيا المجنونة والمعلنة والتي تشمل بلدان وأقاليم عديدة منتشرة في ثلاثة قارات، وهي دولة تُصدِّر مشاكلها الداخلية وتبحث عن أخرى جديدة في الخارج.

فالصمت الدولي ومباركة القوى الدولية، تركت جغرافيات واسعة وحساسة ومليئة بالمخاطر لذئاب إقليمية عادت من غابات التاريخ المظلمة لخلق بؤر للتوتر، من الصعب السيطرة عليها، ذئاباً مفترسة لا تخفي نزعاتها الدموية المدمرة، في ظل مناخ دولي منهمك أمام فتك كوفيد ١٩، عالم يسير على ركبتية تحت وطأة الجائحة.

فمن بين هؤلاء الذئاب العائدة من هو أخطر من وباء الكورونا، ضد شعوبه ويُرسِل إشارات غير مشفرة لإشعال العالم بحروبه المجنونة إذا لم يركع أمام نزواته، جنون سلطان تركيا، نموذجاً صارخاً.

هل القوى الدولية وهي الأدرى من الآخرين، لا تشعر بحجم الفاتورة التي تكلف البشرية أمام ظهور ادولف هتلر جديد؟

كم هو مرعبٌ حتى لو فكرت على سبيل الافتراض، ظهور هتلر جديد بتهوراته الدينية وتوتراته النفسية وعدوانيته السافرة واللامحدودة تجاه الآخر المختلف في زمن الرقمنة.

* * *

فالحكام والأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط والهويات المتنفذة في مراكز القرار، تتعامل مع الهويات الأخرى من منطلق التابع والمتبوع، المركز والأطراف، الجزء والكل، الأكثرية والأقلِّية، فالعنصريون بكل تلاوينهم يرفضون التشارك والتوافق المتساوي أو التعامل بمبدأ الديموقراطية كآلية دولية ناجحة لإدارة الدولة وتنظيم المجتمع.

إنَّ العقليات والفلسفة التي تدير بها دول منطقتنا، كلها استبدادية وبدرجات متفاوتة وهذه هي المعضلة الأولى لصعوبة أي عملية تغيير في هذه الدول دون الدعم والمساندة الدولية.

إن الأنظمة الحاكمة في منطقتنا تمنح السلطة كحق وامتياز لطغمة ما أو جماعة أو عائلة معينة، وهي تقوم بعسكرة المجتمع واستخدام الهوية الدينية والقومية حسب مقتضيات صراعاتها وحروبها وتخلق لنفسها قاعدة اجتماعية جاهلة، لخوض الحروب الداخلية وأخرى خارجية ومثل هذه الأنظمة ترى في الاندماج والانفتاح خطراً على مصيرها، وترى في إقرار التعددية تهديداَ لصلاحياتها، ولذلك تلجأ الى سياسة انكار الحقائق وتشويه تلاوين المجتمع وفرض الهوية الواحدة وتعميم ثقافة تقديس الدولة وإحياء عبادة الفرد وهي مقدمات ضرورية لتوفير الأرضية الاجتماعية  التي أنتجت الفاشية على مر التاريخ.

* * *

تعتبر القضية الكردية، قضية الهوية لأكبر أمة لم تنل حريتها. صحيح هناك قوميات وأجزاء من بعض الشعوب والأمم، لاتزال تعاني من الاحتلال والاضطهاد الوطني والقومي، إلاَّ أنَّها تتمتع بدولها وسياداتها الوطنية في أجزاء أخرى من العالم. فالشعب الفلسطيني مثلاً له بعد قومي يتكوَّن من أكثر من عشرين دولة عربية ذات سيادة، والشعب الأرمني الذي واجه حرب إبادة جماعية في تركيا العثمانية، لكن جزءاً آخراً من هذا الشعب نال الاستقلال والسيادة في دولة أرمينيا «السوفياتية سابقاً». كما هو الحال مع الشعب الآذري المحروم من ممارسة حق تقرير مصير في إيران إلا أن هناك في الجهة الثانية نرى جمهورية اذربايجان المستقلة «السوفياتية سابقاً».

وفي منطقة البلقان، مٌنِعت الأقاليم المقدونية المجزأة بين اليونان وبلغاريا ويوغوسلافيا من الاستقلال، وهي نماذج قريبة من الواقع الكردستاني، إلا أنَّ إقليم مقدونيا اليوغوسلافية نال حريته الوطنية الكاملة في عام ١٩٩١.

وهناك أمثلة أخرى متقاربة ومشابهة للوضع الكردي، كالقضية البلوجية في بلوجستان المُقسَّمة بين إيران وأفغانستان وباكستان، والشعب الأمازيغي في دول شمال افريقيا والقَبط في مصر والكلدو الآشوريين في الشرق الأوسط.

إنَّ القضية الكردية ليست قضيةً أمنيةً كما يصوِّرُها حكامٌ عنصريون، بل إنَّها قضية هوياتية ثقافية وحرية شعب يقاوم العبودية، شعب لا يقل تعداده السُّكاني وجغرافيته حجماً وثقلاً عن أية دولة من الدول الأربعة منفردةً.

الكاتب في خيمة الأنصار بجبال كوردستان

* * *

 فمن يريد أن لا تنفصل «أن لا تستقل» كردستانه!! عن دولته، فليعترف بحق تقرير المصير للشعب الكردي أولاً والدخول في الحوار مع ممثليه ثانياً وإيجاد حل مشترك دستوري يضمن القيمة والسيادة المتساوية للشعب الكردي مع شعوبهم ثالثاً، مثلما خطت التجربة العراقية الجديدة خطوتها الأولى صوب هذا الحل الدستوري، رغم التحديات والصعوبات الداخلية والإقليمية والتي تواجهها بهذا الصدد.

يشكل الكرد في غرب كردستان وعموم سوريا جزءاً من الأمة الكردية المجزأة، وهم ليسوا مهاجرين قادمين من تركيا أو إيران، كما يَحلو لِمن امتهن العنصرية والتروِيج لمثل هذه البضاعة الفاسدة، بل اٌلحق جزءاً من وطنهم أرضاً وشعباً بالدولة السورية الحديثة التكوين وذلك وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو ولوزان!

تحاول الدولة السورية استنساخ نسخة عربية من السياسة الإنكارية التركية ضد الكرد، بفوارق معروفة، فهي ترفض الاعتراف بوجود الجزء الغربي من كردستان داخل حدودها الرَّسمية، وتتعامل مع المطالب السياسية والاجتماعية الكردية في العدالة والقيمة الثقافية المتساوية للمكونات السورية بمعايير أمنية، وتنظر لأي طرح خارج سياقات قوموية عروبية، مصدراً يُهدّد الأمن العربي.

 * * *

إنَّ الهوية ذات البُعد الواحد التي تطرحها الدولة السورية، ليست إلاَّ كذبة كبرى، وهي لا تعكس المجتمع السوري المتنوع. فمثلاً ليس صحيحاً تعريف سوريا بالهوية العربية فقط، فلسوريا هويات كردية وآشورية و.و.و. أية هوية من هذه الهويات تعكس جزءاً من هوية سوريا ومجتمعها، بمساحات وأدوار متباينة. فسوريا بحاجة إلى بلورة هوية جامعة متفاعلة بين جميع الهويات الثقافية الموزايكية للمجتمع لولادة انتماء طوعي للوطن وإيجاد الهوية السورية الوطنية.

إنَّ الدول الأربعة «باستثناء إيران ولدت من رحم معاهدات سايكس بيكو- لوزان الاستعماريتين، فهي ليست دول متعددة القوميات فقط، بل هي متعددة الأوطان أيضاً. والدولة ليست مساوية للوطن بشكل تلقائي في كل نماذجها وحالاتها. إلقاء نظرة سريعة على التغييرات السياسية التي حدثت في الخارطة الدولية خلال الأربعين سنة الأخيرة، تعكس هذه الحقيقة جلياً. فمثلاً الاتحاد السوفياتي والذي كانت مساحته تشكل سدس الكرة الأرضية كان دولة مشتركة لثلاثمائة مليون نسمة ومن شعوب وأمم متعددة وبعضها ذات أصول سلافية مشتركة مع الروس. لكن ماذا حدث حين انهارت الدولة السوفياتية في بداية التسعينيات من القرن الماضي؟ لقد عادت الطيور الى أعشاشها والأسماك الى أبحارها، حيث أعلنت أربعة عشر من جمهورياتها الاستقلال عن الدولة السوفياتية ومارست حقها في تقرير مصيرها وبنت دولها الوطنية علماً بأنَّ قسماً من هذه الدول كانت تحت حكم الإمبراطورية القيصرية وثم السوفياتية لمئات السنين. هل هذه الحالة التاريخية أنتجت هوية وطنية واحدة لهذه الشعوب في الإمبراطورية القيصرية أو الدولة السوفياتية؟ بصياغة أخرى هل من الممكن نقل الحالة الاحتلالية أو الأيديولوجية إلى بديل للوطن؟ هل كانت الدولة الروسية في الحالتين الملموسيتين «الإمبراطورية والاشتراكية» وطناً لهذه الشعوب التي انفصلت عنها؟ أم كانت وفي أحسن الحالات عبارة عن الدولة المشتركة لهذه الشعوب وليست وطنها المشترك.

أما في المانيا فنرى العكس، فرغم تقسيم المانيا إلى دولتين الشرقية والغربية وفقاً لمتطلبات الحرب والأيديولوجيا، وحين أتى الوقت المناسب، انتصر الوطن على الأيديولوجيا وتوحَّدَت الدولتان في دولة المانية واحدة.

* * *

منطقياً كان الأَولى بسوريا كدولة ومؤسسات رسمية حاكمة ومعارضة وطنية، وفي مقدمتها المثقفون والمفكرون والأكاديميون أن يلتفتوا قليلاً الى تاريخ دولتهم وكيفية التأسيس وإلحاق الجزء الغربي لكردستان بها، وهو تاريخ ليس ببعيد. ومن مصلحة سوريا كدولة ومجتمع الاقتراب من المدرسة السياسية العراقية وموقفها من القضية الكردية والابتعاد عن التقليد وتقمص العقلية الإنكارية التركية، تجاه الكرد وغيرهم.

إن إنهاء الحروب والاحتلالات السورية، وإعادة وحدة سوريا وضمان استقرارها يتطلب من الحكومة الرسمية والمعارضة الوطنية وروسيا الاتحادية كدولة ضامنة، نقل سوريا من حالة الفوضى القصوى، نحو الاقتراب من حالة الدولة المسؤولة عن حماية شعبها من الاحتلال التركي، البؤرة الأخطر لتصدير الإرهاب والاحتلال لسوريا. والاعتراف الصريح بالتغييرات الجوهرية والعميقة الناتجة من الحرب السورية وتشعباتها الكارثية المُرعبة، والتعامل الواقعي مع موازين القوى الاجتما-السياسية الجديدة داخل المجتمع السوري، والابتعاد عن الغطرسة والعقلية التي قادت سوريا صوب هذا المجهول التراجيدي- الكوميدي في آن واحد.

والخطوة الأولى الضرورية لهذا النهج تبدأ من حوار سوري – سوري ومن منصات قامشلو ودمشق وليس مكان آخر والاعتراف بالكرد كقومية رئيسية والدُّخول بحوار جاد مع ممثلي الشعب الكردي وشعوب شمال شرق سوريا، والتعامل مع الإدارة الذاتية ومؤسساتها السياسية والدفاعية «قسد ومسد»، كسلطة وطنية سورية في هذه المنطقة التي حررت نفسها من «داعش» والقوى الظلامية الأخرى، وقاومت بوطنية عالية ومتميزة الاحتلال التركي.

إنَّ تجربة الإدارة الذاتية بكل أبعادها «رغم أخطائها ونواقصها الموضوعية والذاتية» هي التجربة الوحيدة في زمن الحرب وتستحق أن تكون نموذجاً للدراسة والاستفادة واستخلاص دروسها والاقتداء بها لبقية المناطق السورية.

ورغم محاصرة المنطقة والتهديدات الحربية اليومية ضد سكانها، إلاَّ أنَّها المنطقة السورية الوحيدة التي يسودها نوعٌ من الاستقرار النسبي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وفيها تعايش ملموس ومبني على أساس الاعتراف الصريح بالموزايك السوري، وفي ظلها تمارس جميع لغات سوريا الوطنية وطقوس مكوناتها الثقافية الخاصة بهما بحرية تامة. وتدار مؤسسات الدولة في الإدارة الذاتية بشراكة كردية عربية وآشورية، حيث تعتمد على ثقافة هوياتية مشتركة. فبالإضافة لكل ذلك حققت في المنطقة تحولات اجتماعية جندرية حقوقية، وضامنة للدور الاجتماعي والسياسي للمرأة في العملية السياسية. هذه التحولات التي راقبتها وقيمتها عالياً قوى اجتماعية نسويه يساريه وليبرالية من مختلف أرجاء العالم وعبَّرت عن دعمها وتضامنها معها.

* * *

شنَّت الدول المتقاسمة لكردستان خلال مائة عام مضت كل أشكال حروب الإبادة لصهر الأمة الكردية في بوتقة أممها، وأبرمت اتفاقيات ومعاهدات أمنية ثنائية وثلاثية ورباعية ضد الكرد. ورغم هول هذه الجرائم ومخاطرها لم تستطع هذه الدول تحقيق هدفها ورسالتها المشتركة ألا وهي الإبادة الكاملة لشعب كردستان ومسح هويته الجغرافية.

وفي نفس الوقت بالرغم من بسالة ومقاومة الشعب الكردستاني وحركته التَّحررية، إلاَّ أنَّه لم يبلغ هدفه الاستراتيجي المشروع في الحرية والتمتُّع بحق تقرير المصير وإقامة كيانه المستقل.

ولِمَن يعتبر مطالبة الكرد بتقرير مصيره بنفسه انفصالاً وتقسيماً   لدولته «سوريا مثالاً» نقول حسناً فبعد مرور مئة عام من فرض شروطكم القوموية بديلاً لشروط المواطنة في سوريا، اسمحوا واستمعوا للكرد شريككم في الوطن والمصير فهو ببساطة شديدة يقول لكم حان الوقت لإنهاء الاستبداد وسياسة الإنكار، فالكرد سوريون بشروط المواطنة ذات القيمة المتساوية مع الشعب العربي.

بل أكثر من ذلك لنطرح مقترحاً لإقامة اتحاداً كونفيدرالياً وحدوياً بين الدولتين العراقية والسورية وبشروط حقوقية تعترف بالوحدة بين إقليمين عربيين وإقليمين كرديين وإعلان دولة مدنية اتحادية بين الشعبين والمكونات الأخرى السورية والعراقية، ومثل هذه الحلول ستكون موضع الترحيب والدعم من لدى الجميع.

فظهور دولة مدنية معاصرة غير قوموية وغير دينية، كونفيدرالية أو اتحادية بقوة اقتصادية كبيرة وطاقات بشرية جبارة وأراضي زراعية خصبة وثروات وسدود مائية ضخمة وثروة نفطية وغازية استراتيجية، ستشكِّل تغييراً جوهرياً في موازين القوى، وستكون دولة إقليمية ذات بُعد مؤثِّر على الساحة الدولية.

××××

الدولة العراقية وسياساتها تجاه القضية الكردية

إنَّ التجربة العراقية في الميدان الكردي سواءً على المستوى الحقوقي والدستوري أو المستوى الشعبي والنضال المشترك للشعبين العربي والكردي، جديرة بالدراسة والتقييم وهي مفيدة للدول الأخرى المتقاسمة لكردستان، ومنها سوريا خاصة. يعتبر التاريخ والنضال المشترك للشعبين سواءً ضد الاحتلال البريطاني، أو في المعارك الوطنية من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هو الأساس الرَّاسخ للدولة الاتحادية الحالية.

كانت الحروب العنصرية للأنظمة الدكتاتورية العراقية المتعاقبة، يقابلها دائماً تعاطف وتضامن شعبي مع القضية الكردية من جانب عرب عراقيين، وفشلت الانظمة الديكتاتورية في العراق بتحويل حروبها وصراعاتها الدموية ضد الشعب الكردي إلى صراع قومي بين الشعبين.

وكان لليسار العراقي دوراً أساسياً في تعميق ثقافة التعايش الاجتماعي والتضامن السياسي بين الشعبين، حيث شارك آلاف من مواطنين عرب من خيرة الشباب العراقي من جنوب ووسط العراق وفي مقدمتهم الشيوعيون أنصاراً ونصيرات في المقاومة المسلحة من جبال كردستان، دفاعاً عن العراق وعدالة النضال لحرية كردستان.

كان للدولة العراقية سياسة كردية معلنة، بعكس الدول الثلاثة الأخرى، حيث تعاملت مع القضية دون إنكارها، وجرَّبت حروبها العنصرية الفتاكة في بعض الفترات، إلاَّ أنَّها كانت سبَّاقة أيضاً باعترافها بالقومية الكردية وجنوب كردستان ضمن إطار الدولة العراقية، وأقرَّت ضمنياً الامتدادات الهوياتية الثقافية والجغرافية لهذا الشعب مع أشقائه الكرد في أجزاء أخرى من كردستان. إنَّ تكوين المدرسة السياسة العراقية فيما يخص القضية الكردية استغرق قرناً كاملاً ومن ثالوثاً ركائزياً حروب، حوار، وحقوق دستورية.

وفي السياق نفسه فإنَّ الدولة الاتحادية العراقية مؤهلة بأن تبادر لطرح مشروع الحل الشامل للقضية الكردية إقليمياً، وذلك لإنهاء إحدى الأزمات البنيوية المتجذِّرة في تأسيس الدول الأربعة المتقاسمة لكردستان.

إنَّ عملية استكمال إعادة بناء الدولة العراقية الجديدة ومؤسساتها الدستورية الاتحادية، كفيلة بإعادتها إلى موقعها ودورها الإقليمي. ويتطلب هذا الالتزام الصارم والدقيق بالدستور على المستوى الداخلي والخارجي، والتصدي الحازم لأي خرق دستوري ترتكبه مؤسسات الدولة الاتحادية أو مؤسسات حكومة إقليم كردستان.

فهناك قوى ودول إقليمية تعمل المستحيل لإفشال التجربة العراقية في المنطقة وذلك خوفاً مِن انتقال عدواها لدولهم، ولاتخفي عداءها السافر ضد فدرلة العراق والتي تضمن دستورية إقليم كردستان.

وحان الوقت أن تعلن الدولة الاتحادية العراقية في خطابها الرَّسمي الإقليمي والدولي أنَّ العراق الجديد غير معني بإبرام اتفاقيات أمنية مشتركة مع دول الجوار ضد الطموحات التحررية والحقوق الديمقراطية للشعب الكردي، بل إنها تعمل وتدعم الأمن والاستقرار الإقليمي والحل العادل للقضية الكردية في المنطقة. وعلى الحكومة الكردستانية والرأي العام الكردي أن تضع كامل ثقلها لتطوير السياسة الكردية للدولة الاتحادية وترجمتها في الخطاب الدبلوماسي العراقي، وإحياء مشروع الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني بصدد عقد مؤتمر دولي لحل القضية الكردية إقليمياً تحضر فيه جميع الاطراف المعنية دولاً وحركات تحرُّرِية، وأن يكون بإشراف الأمم المتحدة وبضيافة الدولة الاتحادية العراقية. تكون مهمته الأساسية دراسة القضية برمتها وبلورة خارطة طريق لحلها إقليمياً، وإقرار لغة الحوار بدلاً من الاستمرار في الحروب والصراعات المسلَّحة، لضمان الحقوق الوطنية للشعب الكردي دستورياً في هذه الدول وتحقيق السلم والأمن الإقليمي والدولي، في منطقة مليئة ببؤر التوتر والمصالح الاستراتيجية للقوى الدولية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى