القسم العاممختارات

المواطنة المتساوية

حازم نهار*

يكاد يكون هناك إجماع في أوراق ووثائق المعارضة السورية، فضلاً عن النظام السوري، حول مسألة المواطنة المتساوية؛ أي المساواة بين جميع السوريين في الحقوق والواجبات، وأمام القانون، بصرف النظر عن الانتماء أو الأصل الإثني أو الديني أو الطائفي أو المذهبي أو المناطقي أو الطبقي أو الجنسي.

لكن هذا التأكيد يصطدم عملياً مع ما يناقضه أو ينفيه فعلياً، في محطات عديدة، نظرية وسلوكية، ويمكن إيضاح ذلك من خلال النقاط الآتية:

1- مفهوم الدولة والمواطنة المتساوية

تنظر الأغلبية إلى مسألة المواطنة المتساوية بصورة منفصلة عن مسألة الدولة، وهو المفهوم المركزي الذي تُشتق منه، وترتبط به، سائر المفاهيم الأخرى مثل المواطنة والوطنية والشعب والمجتمع المدني والأمة، وغيرها. بمعنى أن هذه المفاهيم جميعها لا تفهم إلا مجتمعة، وفي علاقاتها ببعضها بعضها، وارتباط كلٍّ منها بغيره من المفاهيم الأخرى، خصوصاً أنها نمت وتبلورت معاً في سياق التاريخ.

وكي لا يقتصر الحديث على الجانب النظري، نوضح هذا الأمر من خلال تناول طريقة التعامل نظرياً وعملياً مع مسألتين خلافيتين في الواقع السوري: المسألة القومية/ الإثنية والمسألة الدينية/ الطائفية. فمن جهة تؤكد القوى والتيارات السياسية السائدة في سورية على المساواة في المواطنة، لكنها من جهة أخرى تخلّ بهذه المساواة عندما يشترط القسم الأكبر منها، أو يصرّ، على الهوية العربية للدولة، وهذا أكثر ما يتجلى في الدفاع عن اسم الدولة الحالي، أي الجمهورية العربية السورية.

المعنى العميق لهذا الإصرار على الاسم هو ضرب مفهوم المواطنة المتساوية، فلا مصلحة للسوريين الكرد أو السوريين التركمان أو السوريين الآثوريين في الانتماء إلى دولة تُعلي من شأن العرب على حساب القوميات أو الأعراق أو الثقافات الأخرى، لأن من شأن ذلك حكماً أن يجعل السوريين غير العرب مواطنين من الدرجة الثانية.

وبالمثل، فإن الإصرار على مقولة «إن دين الدولة هو الإسلام» من شأنه أيضاً أن يجعل السوريين الذين يدينون بالمسيحية أو أي دين آخر، مواطنين من الدرجة الثانية، أضف إلى أننا سندخل في مفاضلات وتراتبيات عديدة أخرى، كأن يكون المسلم السني متمتعاً بالحقوق كافةً مقارنةً بالمسلم العلوي أو الدرزي أو الإسماعيلي.

المفاضلة والتراتبية بين المواطنين ضد فكرة المواطنة المتساوية، فما دام لا يوجد تفاضل على المستوى الإنساني، على اعتبار أن البشر جميعهم شركاء في الإنسانية، كذلك الأمر لا يوجد تفاضل في المواطنة، على اعتبار أن مفهوم المواطن ينبني أصلاً على مفهوم الإنسان، وحقوق المواطن هي حقوق الإنسان ذاتها، لكن مضافاً إليها الحقوق النابعة من انتمائه إلى دولة ما.

فضلاً عن أن هذه المقولة خاطئة على المستوى النظري أصلاً، فلا ينفع أن يكون للدولة دينٌ أو مذهبٌ ما، كونها جهازاً اعتبارياً ووظيفياً غايته خدمة المواطنين والدفاع عن مصالحهم، وعن المصالح الوطنية التي يكون حولها إجماع وطني في ظل نظام حكم ديمقراطي. لكن ينفع أن يكون للمواطنين انتماءات دينية، فالدين خاص بالبشر وليس بالكيانات الاعتبارية مثل الدولة، لكن من مهمات أي دولة ضمان وكفالة الحريات الدينية.

الخلاصة في هذه النقطة هي أن «المواطنة المتساوية» ستكون بلا معنى من دون وجود الدولة المحايدة، أي الدولة التي لا تعتمد أي صفة أخرى لها غير الصفة الوطنية/العمومية، وتقف على مسافة واحدة من القوميات والأديان والمذاهب والطبقات والأيديولوجيات كافة، لأنها إن لم تكن كياناً اعتبارياً حيادياً ستكون متخمة بالمفاضلات والتراتبيات بين المواطنين ما يلغي نظرياً وعملياً مفهوم المساواة بين المواطنين.

2- المرأة والمواطنة المتساوية

على الرغم من أن أغلبية الوثائق السورية خلال السنوات الماضية تؤكد على حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، إلا أن بعض هذه الوثائق، على المستوى النظري، تُدرج تحفظاتها على بعض الحقوق استناداً إلى ذرائع متنوعة مثل الدين والعرف الاجتماعي وطبيعة المجتمع.

يُفترض ألا يكون هناك على المستوى النظري أو الدستوري أو القانوني أي ملمح يفيد في وضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل أو في موقع المواطن/ة من الدرجة الثانية، فأي انتقاص من حقوق المرأة أو أي تحفظات على حقوقها يعني عملياً الانتقاص من مفهوم المواطنة المتساوية، ويجعله بلا معنى أو قيمة.

وأي نص نظري من هذا القبيل سيكون مرتكزاً لانتهاكات عديدة على المستوى الواقعي، وسيضع مفهوم المواطنة المتساوية في مهب الريح.

3- تكافؤ الفرص

لا بد للمواطنة المتساوية أن تتجسد، قانونياً، بتكافؤ الفرص أمام جميع المواطنين/المواطنات، وهذا يتجلى من خلال تأكيد بعض المسائل الجوهرية في أي وثيقة وطنية كي يكون لتعبير المواطنة المتساوية معنى حقيقي يتجاوز الشعار المعلن، مثل النص على أنه يحق لأي مواطن سوري أو مواطنة سورية أن يتبوأ/تتبوأ أعلى المناصب في الدولة السورية، بما فيها منصب رئاسة الجمهورية.

أخيراً

لا بد من تأكيد أهمية ومركزية فكرة المواطنة، أي المساواة بين المواطنين، لأنه على أساسها يُبنى الوطن والدولة، ويتحدّد معنى الوطنية والمصلحة الوطنية؛ فالوطن السوري والدولة السورية والوطنية السورية والانتماء السوري تُصنع كلها صناعة، واللبنة الأساس لهذه الصناعة هي المواطنة، وجذر هذه الأخيرة هو الإنسانوية، فمن دون بناء المواطنة على أساس حقوق الإنسان، والإقرار المبدئي والنهائي بأن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، لن يكون هناك دولة ولا وطن ولا وطنية سورية.

* ورقة مقدمة لـ»اللقاء الوطني الأول للسوريين الأمريكيين»، 9 أيلول/ سبتمبر 2022م.

* جريدة الوحـدة – العدد /339/- 01 تشرين الثاني 2022م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى