القسم العاممختارات

الوضع السوري في ظلّ توتر العلاقات الأمريكية الروسية نحو مزيدٍ من التأزّم

الافتتاحية*

بعد أن خيّمت أجواء الحرب الروسية الأوكرانية على العالم وتوسّعت تداعياتها، منذ 24 شباط الماضي، ازداد الوضع السوري تأزماً وتعقيداً، وتعطّلت محاولات إيجاد حلٍّ سياسي لأزمة بلدنا، إذ توتّرت العلاقات أكثر فأكثر بين أمريكا وروسيا اللاّعبين الرئيسيين في الساحة السورية لدرجة حصر وتضييق المساعدات الإنسانية الأممية المقدّمة، وتوقفت «اللجنة الدستورية» عن عقد جلساتها إثر عجز المبعوث الأممي غير بيدرسون عن دفعها إلى الأمام، وانسدّ مسار أستانه وأشرف على نهاية صفقاته في ضوء اختلاف المواقف والمصالح بين جهتين فيه (روسيا وإيران، تركيا) بخصوص الملف السوري.

النظام السوري لازال متشبثاً بنهجه الاستبدادي وبخياره الأمني – العسكري دون أية تنازلات على صعيد الحلّ السياسي، في الوقت الذي تَدهور فيه الوضع المعيشي والاقتصادي بشكلٍ عميق ويستشري الفساد أكثر من السابق بأضعاف وتعاني البلاد من تدني مخزونات الوقود الأحفوري والطاقة الكهربائية وارتفاع أسعارها، إضافةً إلى العجز في كمية القمح الذي تحتاج إليه البلاد هذا العام، نتيجة سوء الموسم، والذي يُقدر بحوالي 75%  من حاجتها السنوية، حيث ستطّر الحكومة لاستيرادها من الخارج، علاوةً على أزمات أخرى تلّف مختلف مجالات الحياة.

أما المعارضة فهي مشتتة وحواملها في الداخل ضعيفة، وتعبيرها الأبرز «الائتلاف السوري- الإخواني» والميليشيات المرتبطة به مرتهنة لتركيا ومسلوبة الإرادة والقرار، بل ويعتري صفوفها الفساد والارتزاق واللصوصية، ومناطق سيطرتها تعاني من الفوضى والفلتان الأمني؛ وهي متماهية ومندمجة مع أجندات حكومة العدالة والتنمية التركية في المنطقة وسياساتها العدائية ضد الكُـرد ودورهم وحقوقهم القومية المشروعة؛ فيما تستحكم «هيئة تحرير الشام- القاعدة» بالجزء الأكبر من محافظة إدلب وتدعو لتأسيس إمارةٍ إسلامية سنية!

بينما الإدارة الذاتية في شمال وشرقي سوريا وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» تقارعان فلول ومخلفات تنظيم داعش، مازالت عناصره وقياداته تجد الملاذ الآمن في مناطق النفوذ والاحتلال التركي؛ وتجابهان الاعتداءات والتهديدات التركية اليومية، لاسيما وأنّ أنقرة تستغل الظروف الدولية المتوترة وشبكة علاقاتها ومصالحها المتبادلة في التصعيد ضدهما، ولأنها فشلت إلى الآن في الحصول على موافقة أي طرف لشن عملية عسكرية جديدة، تلجأ مراراً إلى الهجمات المدفعية واستخدام الطائرات المسيّرة.

الخيارات أمامهما صعبة ومتناقضة، لعلّ الحوار مع دمشق لا يفضي إلى نتائج ملموسة إلاّ في بعض الأمور المحدودة، نتيجة تعنت النظام وامتناعه عن الاعتراف بهما.

ما يشكل عبئاً على الإدارة الذاتية وجود عشرات الألوف من عناصر داعش وأفراد أسرها في السجون والمخيمات، وصعوبات التعامل مع حواضن داعش الاجتماعية، وكذلك قضايا الفساد والعقلية العسكرية والإيدلوجية المتزمتة في الإدارة المحلية والتعليم والقضاء وغيره.

في هذه الظروف والمعطيات أصبحت القضية السورية رهينة الصراعات الإقليمية والدولية التي تستعر في قضايا شائكة كثيرة، فبلدنا مهددٌ بالمزيد من المخاطر وإدامة العنف واستمرار نزيف الدّم والدمار في ظل تباعد مواقف ومصالح الدول المتدخلة في الشأن السوري بشكلٍ أساسي وغياب تبلور وتفاعل مبادرات وطنية للتقارب بين السوريين عموماً.

إنّ مجلس سوريا الديمقراطية «مسد» يبذل جهوداً جدّية ويخطو بشكلٍ حثيث لتفعيل الحوار السوري- السوري، بين مختلف القوى والفعاليات الوطنية في الداخل والخارج، وما على الآخرين في أوساط المعارضة إلاّ الانفتاح عليه وكسر التابوات التي رسمها حزب البعث والإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان حول الكُـرد في سوريا ومؤسساتهم وفعالياتهم السياسية المختلفة.

ما يعزز الأمل لدى السوريين في تجاوز محنتهم، هو الإرادة الخيرة والغيورة على البلد ومستقبله لدى شرائح مجتمعية واسعة متمسكة بخيار السّلم والحرية والمساواة.

* جريدة الوحـدة – العدد /338/- 05 آب 2022م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى