بمناسبة الذكرى السنوية الرابعة لاحتلال منطقة عفرين الكُردية السورية، من قبل الجيش التركي والميليشيات الراديكالية المتطرفة، في الثامن عشر من آذار ٢٠١٨م، وتداعياته الخطيرة على السكّان الكُـرد الأصليين، من تهجير قسري وبث الذعر والخوف والسطو على ممتلكاتهم…الخ، عبر انتهاج سياسة التغيير الديمغرافي، إلى جانب كونه يشكل انتهاكاً لسيادة دولة مجاورة مستقلة ذات سيادة استناداً إلى المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة لعام ١٩٤٥م.
علينا التحدث عن الدور المُباشر للدولة التركية في الحرب السورية ودعمها الكُلي لجهات وشخصيات راديكالية سورية وأجنبية، الذي تُوج باحتلال أكثر من عشرين بالمئة من مساحة سوريا! إذ تعود إلى الأذهان ماهية الأسباب والمقاصد التي دفعتها إلى احتلال أجزاء واسعة من الشمال السوري وإرهاب سكّانها من خلال فرض إرادتها العسكرية الأمنية التي تستند إلى كَم هائل من العداوة والكراهية الدفِنتين لدى حُكام الدولة ذوو العقلية القومجية- الطورانية!
إنّ عملية غزو واحتلال دولة ما لأراضي دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة وانتهاك سيادتها القانونية والسياسية مع الاستمرار في طابعها العدواني، تشكل مُخالفة جسيمة للمواثيق والاتفاقيات الدولية، فوفق ما تنص عليه المادة /٤٢/ من لائحة لاهاي لعام ١٩٠٧م «تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو، ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها».
وتنص المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩ على أن هذه الاتفاقيات تسري على أي أرض يتم احتلالها أثناء عمليات عدائية دولية، كما تسري أيضاً في الحالات التي لا يواجه فيها احتلال أرض دولة ما أي مقاومة مسلحة.
أي احتلال يُنظم بموجب ميثاق الأمم المتحدة وقانون مسوغات الحرب، فعندما ترقى حالة ما في الواقع إلى مستوى الاحتلال، يصبح قانون دولة الاحتلال واجب التطبيق على الأراضي المحتلة بالتوافق مع القانون الدولي الإنساني ذات الصلة بالأراضي المحتلة.
هناك سيطرة فعلية لقوات تركيا العسكرية على أراضٍ سورية، منها عفرين، فهي ملزمة بتطبيق قانون الاحتلال، وهذا ما اقترحته اللجنة الدولية في اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949م، حيث يفرض القانون الدولي الإنساني مبادئ تحكم دولة الاحتلال في اتباعها؛ فواجبات سلطة الاحتلال مُدرجة ضمن لائحة لاهاي لعام ١٩٠٧ واتفاقيات جنيف الأربعة وفي البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف 1977م والقانون الدولي الإنساني العرفي؛ من هنا يفترض على سلطات الاحتلال التركي الالتزام بقواعد قانونية ملزمة للعمل بها:
- لا يكتسب المحتل سيادة على الأرض.
- الاحتلال ليس إلا حالة مؤقتة، تنحصر في حدود فترة ما.
- يجب على سلطة الاحتلال احترام القوانين النافذة في الأرض المحتلة ما لم تشكل تهديدًا لأمنها أو عائقًا لتطبيق القانون الدولي للاحتلال.
- يجب على القوة المحتلة اتخاذ تدابير لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامة بقدر الإمكان.
- يجب على القوة المحتلة باستخدام جميع الوسائل المتاحة لها ضمان كفاية معايير النظافة الصحية والصحة العامة بالإضافة إلى الإمداد بالغذاء والرعاية الطبية للسكان الواقعين تحت الاحتلال.
- لا يجوز إجبار السكان في المنطقة المحتلة على الخدمة بالقوات المسلحة لسلطة الاحتلال.
- تحظر عمليات النقل الجماعية أو الفردية للسكان من الأرض المحتلة أو داخلها.
- يحظر العقاب الجماعي.
- يحظر أخذ الرهائن.
- تحظر مصادرة الممتلكات الخاصة بواسطة المحتل.
- يحظر تدمير الممتلكات الثقافية.
- يجب السماح لموظفي الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بتنفيذ أنشطتها الإنسانية.
أما بخصوص الحقوق الممنوحة لسلطة الاحتلال فيما يتعلق بالممتلكات والموارد الطبيعية في الأرض المحتلة: فلا يجوز للمحتل مصادرة الممتلكات الخاصة مما هو موجود في الأراضي المحتلة.
كما لا يجوز أن تستحوذ سلطة الاحتلال على الممتلكات العامة المنقولة في الأرض المحتلة نظراً لكونها تدير هذه الممتلكات لفترة مؤقتة.
وحيث ينتهي الاحتلال بانسحاب القوة المحتلة من الأرض أو دفعها إلى الخروج منها، إلا أن استمرار وجود قوات أجنبية لا يعني بالضرورة استمرار الاحتلال مع تطبيق قانون دولتها.
يمكننا القول إنّ الاحتلال التركي لمناطق في شمالي سوريا والكردية منها ظاهرة سياسية وعسكرية فاقدة للصفة القانونية، فتركيا لم تقم بواجباتها والتزاماتها القانونية كدولة احتلال، علاوةً على أنها تُغذي سلوك الإرهاب والعُنف العسكري المُنظم بالقوة بهدف الاستيلاء على جزء جغرافي لدولة أُخرى وبسط نفوذها الفعلي غصباً والاستيلاء على خيراته، إذ تسلب ثرواته وتُهين كرامة شعوبه وتسرق وتهدم تُراثها وممتلكاتها الثقافية والحضارية بشكلٍ مخالف للقوانين والمواثيق الدولية، بالإضافة إلى أنّ الغزو التركي يحمل صفة العدوان التي تعتبر جريمة دولية بحد ذاته وفق نظام روما الأساسي.
بالإشارة إلى المادة ٤٢ لاتفاقية لاهاي المذكورة أعلاه، إضافةً إلى تغيير هوية الجزء أو الكُل المُحتل (عفرين، سري كانيه/تل أبيض، كري سبي/تل أبيض) من قبل تركيا لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية، بحجة تهديد أمنها الوطني والقومي من قبل الكُرد وقواتها، مع عدم قدرتها على إثبات ذلك خلال السنوات الخمس (2013-2018م) لإدارة المناطق ذاتياً، فلا يستند الوجود التركي إلى أي أسس قانونية.
أما الإرهاب كظاهرة عُنفية، تُمارسها عناصر الدولة المُحتلة بشكلٍ مُباشر من خلال قواتها العسكرية والاستخباراتية الفعلية وميليشيات مسلّحة متطرفة تفتك في المناطق المُحتلة وتبث الخوف والذعر والإرهاب في نفوس السكان المحليين خدمةً لأجنداتها.
لقد جاء الدخول الفعلي للدولة التركية إلى أراضي الدولة السورية واحتلال بعضها في الشمال والشمال الغربي في أوقات مختلفة وصفقات مُختلفة، عبر تواطؤ إقليمي ودولي لتصفية حسابات تاريخية وجيوسياسية، كجزء من الصراع وتنفيذ استراتيجيات في المنطقة وإعادة هيكلة الخريطة السياسية تبعاً لأجنداتها.
ما يهمنا أكثر هنا تباين دور الدولة التركية في غزو واحتلال المناطق السورية، والأهم سياستها الأمنية الإرهابية الاستيطانية المُتبعة في المناطق الكُردية التي احتلتها بقصد التغيير في التركيبة السُكانية «عفرين/كُورداغ، رأس العين/سري كانية، وتل أبيض/كري سبي» كونها العدو التاريخي اللدود للكُرد وقضيتهم القومية العادلة، وارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي وتغيير ديموغرافي وإلزام تعليم اللغة التركية إلى جانب العربية وفرض رموز وأعلام تركيا وغياب اللغة الكردية، مع عدم قيام مؤسساتها العسكرية والمدنية بواجباتها كدولة احتلال، في مخالفة واضحة للقوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية.
أما الوجه الشنيع الآخر كنتيجة للاحتلال هو مُمارسة الإرهاب عبر الاستخبارات وأدواتها من الميليشيات الراديكالية المُتطرفة والعصابات المُرتزقة التي أطلقت عقولها وأيديها وأسلحتها في إرهاب السكان الكُرد الأصليين، بعد التسبب بالنزوح القسري لأغلبيتهم، ليعيشوا في مُخيمات وأطراف مدن أخرى في ظروف قاسية؛ وما أعمال العنف الغير المشروعة وأفعال القتل والخطف والتعذيب وفرض الإتاوات بحق المدنيين وتجاهل حقوقهم، والإقدام على العبث والتعفيش الفظيع لممتلكاتهم وتخريب وسرقة الممتلكات التراثية والثقافية في المنطقة، منها للطائفة الإيزيدية، وتخريب المواقع الأثرية والمزارات وسرقة كنوزها الدفينة، وإبادة البيئة والغابات وقطع أشجار الزيتون وغيرها، وتدمير بنى تحتية… إلا دليل على النفسية البغيضة والكراهية التاريخية لكل ما يتعلق بالكُرد، ومعاداتهم ودفعهم للهجرة وترك الديار.
فقد عرف القانون الجنائي الدولي الإرهاب بأنه « تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهاً إلى أتباع دينية او سياسية او ايديولوجية وباستهداف مُتعمّد وتجاهل لسلامة المدنيين، ويتم استخدام منظمات إرهابية من قبل الدولة المحتلة لفرض قوانينها وتثبيت مطالبها».
هذا يوصلنا إلى حقيقةً ساطعة لاريب فيها، بأن الدور التركي في المناطق الكُردية مختلف عما غيرها من المناطق السورية الأُخرى، وذلك من خلال تثبيت الوقائع والانتهاكات الجرمية اليومية بحق المدنيين الكُرد المّتبقين على أرض الآباء والأجداد والمُنافية لأبسط حق من حقوق الإنسان، واتباع سلوك منهجي لإرهابهم… فتلك الأفعال الإرهابية تشكل خطراً على السلم والأمن المجتمعي والدولي، كونها نتاج أفكار قومجية ودينية مُتطرفة تتخذ من العنف وسيلةً لإحداث التغيير المُراد.
يمكن القول بأن الوصف القانوني الصحيح لوجود الدولة التركية المُعتدية في مناطق عفرين وأخواتها «دولة احتلال وإرهاب». لما تثبته نصوص مواد ميثاق الأمم المتحدة وميثاق روما واتفاقية لاهاي وغيرها بأن «اعتداء اية دولة على دولة أُخرى أو أجزاء منها هي دولة احتلال، ومن ثم تقع على عاتقها القيام بمسؤولياتها والتزاماتها القانونية تجاه سكان المنطقة المُحتلة».
الإرهاب كظاهرة ليست جديدة، وليس له تعريف متفق عليه دولياً، إنما هناك توافق عالمي على اعتبار أفعال بذاتها أفعال إرهابية كاستخدام العنف لأغراض سياسية، خطف الطائرات واستهداف السفن البحرية، استخدام الأسلحة الكيميائية أو النووية ضد المدنيين، اختطاف وسلب وقتل المدنيين… بينما عرّفه القانون الجنائي الدولي بأنه «الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف والذعر إلى قلوب المدنيين، وقد يكون موجهاً ضد أتباع قومية أو دينية أو سياسية معينة، أو هدف أيديولوجي، ويستهدف متعمداً أو يتجاهل سلامة المدنيين «.
حيث يؤكد الباحثون أن تاريخ الفعل الإرهابي قديم ويعود إلى ثقافة الإنسان الذي يرغب به بالسيطرة وزجر الناس وتخويفهم بُغية الحصول على المبتغى بشكل يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية الثابتة، وأنه العنف المُتعمد الذي تقوم به جماعات أو عملاء بدافع سياسي ضد أهداف غير مقاتلة، ويهدف عادةً للتأثير على الغير.
ويرى البعض بأن الأسباب التي تجعل من شخص ما إرهابياً أو مجموعة ما إرهابية هو عدم قدرتها على إحداث تغيير بوسائل مشروعة «اقتصادية، الاحتجاج، الاعتراض، المطالبة، والمناشدة بإحلال تغيير»، لذلك يتوجهون في إحداث التغيير إلى وسائل غير مشروعة (حجز حرية، خطف، سلب ونهب، عبث في المُمتلكات، حرق وقطع الأشجار والغابات…الخ).
أما حديثاً، فقد حاربت بعض الدول الإرهاب وشنت حملات إعلامية واقتصادية وعسكرية عليه بشتى الوسائل الممكنة، وذلك بهدف القضاء عليه ومعاقبة العناصر الذين يمارسونه والدول التي تدعم الإرهاب، خاصةً بُعيد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١م في أمريكا والتي نفذتها تنظيم القاعدة.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل الدول التي تُحارب الإرهاب قادرة على فرض إرادتها السياسية الدولية على الدولة التركية وإرغامها على سحب قواتها العسكرية خارج الحدود السورية الدولية، فرغم مرور أربعة أعوام من احتلال منطقة عفرين والانتهاكات والجرائم الخطيرة التي وقعت فيها، لم تُقدم التقارير الحقوقية الدولية والحكومات المعنية بالديمقراطية وحقوق الإنسان على بيان أفعال الدولة التركية والمليشيات المرتبطة بها وإدانتها بشكلٍ واضح، على الأقل وفقاً القرار الأممي /٢٢٥٤/، باعتبار قضية عفرين هي قضية وطنية سورية، ووجوب مُناصرة شعبها الذي تمزقت إرادته وماله وقواته وهلك دهره مقابل صفقات مشبوهة، وإعادة تأهيل نظام سياسي سوري لا مركزي يُحقق الديمقراطية التوافقية لأبناء شعبه بكافة مُكوناته القومية والدينية وبشكلٍ أساسي حل القضية الكُردية فيها.
سؤال كبير يحتاج إلى أجوبة مُركزة وعمل مُنسق من الأطراف الفاعلة في الملف السوري.
* جريدة الوحـدة – العدد /337/- 18 أيار 2022م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).