انتصرت «قسد» والإدارة الذاتية على داعش… ولكن تبقى مراجعة الذات من الأولويات
الافتتاحية*
حدثٌ بارز وخطير، شهدته الجزيرة السورية- مناطق الإدارة الذاتية، حيث شكّل تحدياً كبيراً لها ولقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، ألا وهو هجوم داعش على سجن غويران/الحسكة مساء الخميس 20 كانون الثاني 2022م، المخطط له مسبقاً كعملية عسكرية ضاربة تُفيد التنظيم بشكلٍ كبير إن كتب لها النجاح، مستفيداً من حاضنته الاجتماعية السابقة في تنشيط خلايا نائمة وتحقيق اختراقات أمنية ومن وجود عناصره في مناطق الاحتلال التركي وفي البادية السورية والعراقية.
كشفت العملية حجم وأشكال القدرات التي لاتزال متوفرة بيد التنظيم، ومدى مرونته في إعادة هيكلة نفسه، واستمراره وإصراره على انتهاج السلوك الجهادي الإرهابي في ترويع المجتمعات المحلية وقواها الديمقراطية، وأكّدت على أنّ خطره على المنطقة والبشرية عموماً لازال قائماً.
لم يكن أمام القوات الكردية منذ عام 2012م خياراً سوى مواجهة تشكيلات القاعدة والجهادية الإسلامية وجماعات من الجيش الحرّ التي خططت مراراً وبدعمٍ إقليمي للاستحواذ على المناطق الكردية «عفرين، كوباني، الجزيرة» والشيخ مقصود في حلب، والتي خلصت إلى احتلال «عفرين، سري كانيه/رأس العين، كري سبي/تل أبيض» بتوغلٍ مباشر من الجيش التركي؛ وأُجبرت في مراحل حسّاسة من مواجهة الإرهاب على الخروج من مواقعها الدفاعية للهجوم على «جبهة النصرة» في ريف حلب الشمالي بالتعاون مع روسيا وحلفائها، وعلى «الدولة الإسلامية المزعومة- داعش» بمساندة ودعم التحالف الدولي المناهض لها؛ وقد ساهمت كقوة رئيسية في تأسيس «قسد»، لأجل دحرّ داعش وملء الفراغ الإداري والأمني في مناطق واسعة شرق الفرات التي انهزمت منها قوات «الجيش السوري» وبعدها «الجيش الحرّ»؛ فلولا «قسد» لابتلعت «داعش» كامل الجزيرة السورية وعاشت على توافق ووئام مع تركيا بحدودها الطويلة، مثلما تفاهمت معها «النصرة- هيئة تحرير الشام» في إدلب.
جراء ذلك تكبّدت قوات «قسد» خسائر مادية وبشرية كبيرة، وتحمّلت ولا تزال مسؤوليات سياسية وقانونية وأمنية واسعة، في وقتٍ اتهمها فيه الائتلاف السوري- الإخواني وآخرون من المعارضة وتركيا زوراً بتهجير العرب والتركمان واضطهادهم، فيما أبدى بعض الكُـرد امتعاضهم من مشاركة القوات الكردية في معارك دحرّ داعش التي «لا ناقة لهم فيها ولا جمل» على حد تعبيرهم، متناسين الخطورة الدائمة التي يُشكلها التنظيم إن لم تُنهَ مرتكزاته، مثلما هاجم على كوباني وشنكال وغيرهما.
تناغمت مواقف كل من تركيا والائتلاف والنظام السوري حيال الحدث، إذ تباكت على حياة المدنيين، مستغفلين العقول عما ارتكبوه سابقاً من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، ومتناسين انتشار داعش وارتكابها للمجازر بسبب سياساتهم وممارساتهم الاستبدادية والمنافية لقيم الحرية والكرامة وهشاشة قواتهم العسكرية والأمنية؛ دون أن يبدوا موقفاً تضامنياً مع «قسد» والإدارة الذاتية في صدّ داعش، بل سلكت منطق التشفي والحقد ضدها، عسى أن تفشل وتتقوّض أركانها. زد على ذلك كثّفت تركيا من هجمات مسيّراتها ومدافعها على مناطق سيطرة «قسد» بغية إرباكها وإشاعة الفوضى فيها.
ومن جهتها بادرت قوات التحالف الدولي إلى دعم ومساندة الإدارة الذاتية و»قسد» على الفور، وأثنت على دور مقاتليها، وأدانت هجوم داعش، لكنها لم تردع تركيا عن إطلاق مسيّراتها في سماء المنطقة؛ فيما دول التحالف على مدار السنوات السابقة وما تزال تحجم عن تقديم الدعم السياسي والقانوني الكافي لها، لذلك بقي ملف آلاف عناصر داعش في سجون الإدارة وعشرات آلاف أفراد أسرهم في مخيم الهول معلّقاً دون حلّ، والذي يشكِّل عبئاً كبيراً ومصدراً خطيراً للإرهاب.
انتصرت «قسد» وأحبطت الهجوم ولاحقت خلايا داعش، ولكن تبقى مراجعة الذات والكشف عن مواضع الخلل والضعف، ومحاربة الفساد والاختراقات، الأهم ومن الأولويات، إلى جانب مطالبة المجتمع الدولي ودول التحالف بتقديم الدعم والتنسيق لحلّ ملف عناصر داعش وعوائلهم المحتجزين، علاوةً على الدعم السياسي العام المطلوب، وكفّ تركيا عن اعتداءاتها المتكررة.
إنّ ذاك الانتصار أثلج صدور أبناء مكونات المنطقة والقوى الوطنية الديمقراطية والكُـرد في سوريا، واكتسب التفافاً شعبياً، رغم الحزن الشديد على الضحايا الشهداء والمرارة من الاعتداءات، إذ تحوّلت مراسم تشييع /121/ شهيداً إلى كرنفالات جماهيرية في مدن وبلدات الجزيرة المكلومة.
* جريدة الوحـدة – العدد /336/- 25 شباط 2022م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).