حوارات: الدكتورة سميرة مبيض تتحدث للحوار
الدكتورة سميرة مبيض: باحثة في العلوم الإنسانية والبيئية
عضو اللجنة الدستورية السورية
مجلة الحوار- العدد /77/-2021م
الحوار: تعود العلاقات العربية – الكردية بجذورها إلى عهود قديمة، إلى ماذا تحيلين ضعف هذه العلاقات على صعيد النخب السياسية والثقافية في الزمن المعاصر؟
د. سميرة مبيض: يعود تراجع العلاقات العربية الكردية وضعفها اليوم الى هيمنة طويلة الأمد لتيارات سياسية لا تتبنى العمل والبناء المشترك، فقد هيمن تيار حزبي قومي يعمل على ترسيخ مفهوم الهوية الشمولية والتي بدورها تعيق أي حوارات تعتمد على أسس الهوية التعددية السليمة أو تعززها. كما أن إحدى أهم أدوات استمرارية النظم الشمولية هي في ترسيخ التفرقة السياسية وذلك ما كان مُتبعاً في سوريا على الصعيد القومي ولكن أيضاً المذهبي فكانت فرص الحوار وأدواته وإطاره السياسي والاجتماعي شبه معدوم وامتد ذلك ليشمل عقد الثورة المنصرم حيث برزت الترسبات السلبية لهذه الممارسات التفريقية طويلة الأمد في خطاب كلا الطرفين العربي والكردي وساهم بذلك التدويل الذي طال الصراع السوري والتبعية السياسية التي نجمت عنه وتأثيرها على الحوارات السورية بين معظم النخب الثقافية والسياسية.
لكن عمق العلاقة المشتركة بين العرب والكرد ومكونات المنطقة المختلفة من الآشوريين، السريان، الكلدان والتركمان والأرمن والشركس تعود لعوامل صلبة أهمها الثقافة المشتركة المرتبطة بإطار مكاني وتاريخي واحد وكذلك والأهم المستقبل والمصالح المشتركة وهي مرتكزات تكفي لبناء حوار سليم وسوي بعيداً عن انحرافات تيارات الهيمنة والشمولية السابقة.
الحوار: لقد تمت الدعوة الى حوارات كردية – عربية سياسية في المقام الأول، وذلك منذ عدة عقود، لكنها لم تستقم ولم تنتعش بما يتوافق مع ضروراتها السياسية والثقافية، برأيكم هل هذا الفتور يخص العلاقات العربية – الكردية أم أنها حالة عامة تخص كل الشرائح والمكونات السورية، وبالتالي هل نفتقر إلى ثقافة الحوار؟
د. سميرة مبيض: الحوار هو ثقافة تُكتسب وتعزز إيجاباً في حال وجود العوامل التي تبنيها وأهمها الثقة المتبادلة بين الأطراف المتحاورة، هذه الثقة هي عامل مفقود بين معظم الشرائح والمكونات السورية وليس فقط ضمن الحوار السياسي العربي الكردي، حيث لا زال عامل التوجس وفقدان الثقة والرغبة بهيمنة جهة على أُخرى هو السائد بين الاطياف السورية، وذلك نتيجة بديهية لسيادة ثقافة التخوين والاتهامات والتغوّل في الحقبة السابقة ومعالجة هذا القصور في آليات ولغة الحوار بين السوريين يكمن بالانطلاق من أهداف واضحة بأن بناء سوريا المستقبل يستثني جميع التوجهات الاقصائية والإلغائية للآخر.
يمكننا التأكيد أنه من غير الممكن الضلوع بهذا الحوار إلا لمن يستطيع تجاوز هذه الحالة السلبية نحو البناء الإيجابي لثقافة الحوار ولمخرجات عملية تطبيقية وفاعلة لها للنهوض بسوريا وطن لجميع أبنائه وبناته ومكان آمن لأجيال المستقبل يتفادى توريث الصراعات والاضطرابات إلى ما لانهاية.
الحوار: كيف يمكن أن ننشط ونفعل الحوار العربي – الكردي، ولأي حقل أو مسار من مستويات الحوار تعطون الأولوية؟
د. سميرة مبيض: أعتقد أن تنشيط وتفعيل الحوار العربي الكردي يعتمد على احياء النقاط التالية:
1) تثبيت سردية مشتركة تعترف بالظلم الواقع على السوريين في ظل حقبة قمعية طويلة الأمد والأثر
2) الانطلاق بالحوار من المستويات المحلية تدريجياً نحو المستويات الأوسع جغرافياً
3) الانطلاق بالحوار من منطلقات مشتركة تهدف نحو بناء الاستقرار وتحقيق العدالة بشكل حيادي تجاه أي مرجعية قومية
4) تثبيت التوافقات الناجمة عن أي حوارات عبر وثائق ومواثيق مشتركة تسمح بالتقدم باستمرار وصولاً للأهداف.
5) تحييد أي تأثيرات خارجية على المتحاورين والتي قد تهدف لتحقيق مصالح بعيدة عن مصالح السوريين واستقرارهم.
الحوار: التحالفات العربية – الكردية المعاصرة باتت مسألة استراتيجية، ما هي المقترحات والحقول التي ينبغي أن تكون موضوعا لهذا التحالف أو التنسيق كحد أدنى؟
د. سميرة مبيض: المحاور التي تشكل مرتكزاً هاماً لبناء التحالف والتنسيق العربي الكردي تتعلق برأيي بالمواضيع التالية:
1) التوافق على صياغة دستور سوري جديد مؤسس للدولة السورية الحديثة بما يضمن بناء دولة القانون والدستور والمواطنة.
2) التوافق على مفهوم الهوية السورية الجامعة القائمة على أسس التعددية والتنوع السوري.
3) التوافق على شكل نظام الحكم بتبني نظام لا مركزي موسع يقطع مع الحالة الشمولية.
4) التوافق على الخطوط العريضة لعلاقات سوريا المستقبلية مع الدول الإقليمية والقوى العظمى.
الحوار: هل ثمة إمكانية، وفرص لتوسيع الحوار العربي – الكردي في سوريا حتى يشكل مدخلا وأرضية لحوار وطني سوري شامل؟
د. سميرة مبيض: بالتأكيد إن تحقيق الأرضية المُشتركة على الصعيد الكردي العربي ستكون إحدى بوابات للانطلاق من المبادئ المتوافق عليها نحو حوار سوري شامل يحقق العدالة للجميع وذلك يحمل مسؤولية مضاعفة ومشتركة لجميع الأطراف المعنية بالحوار بكونها إحدى الخطوات الهامة التي تؤسس للرؤية السورية المشتركة.
الحوار: ما هو الخطاب أو الكلمة الأخيرة التي تودين توجيها إلى قراء مجلة الحوار…
د. سميرة مبيض: أذكر نفسي وجميع السوريين عبر منبر مجلة الحوار أن بناء سوريا الجديدة سيعتمد على إعادة بناء الإنسان السوري بالدرجة الأولى، أي تجاوز الآثار السلبية في المجتمع والتي أدت إلى ما وصلت إليه سوريا من تقهقر على كافة الصعد وذلك يبدأ بالحوار الجوهري البعيد عن أي تزييف ومحاباة فحق سوريا بالحياة ومصلحة السوريين ومستقبلهم هي الهدف الأسمى الذي يجمعنا.
23/04/2021