دون أدنى شك، إن أُتيحت لتركيا الفرصة، لن تتردد يوماً في غزو مناطق منبج وعين عيسى وكوباني والدرباسية وقامشلي، إلى ديرك ورميلان وكامل أراضي منقار البط شمال شرقي سوريا، باستخدام كافة صنوف الأسلحة وتجنيد عشرات آلاف المرتزقة من الميليشيات السورية الإرهابية، لأجل إسقاط الإدارة الذاتية القائمة وإبادة قواتها وتوجيه ضربة قاصمة أخرى لوجود الكُـرد ودورهم، ولتوسيع دائرة نفوذها وتحقيق أطماعها العثمانية الجديدة، مثلما فعلت في عفرين وسري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض، ومن قبل في جلب آلاف عناصر القاعدة وحشد عشرات آلاف المسلحين في الداخل ودعمهم لوجستياً وعسكرياً وتحت مسميات إسلامية سلفية أو عثمانية ضد قوات الجيش السوري بغية إسقاط النظام، وإن جاء البديل عنه أو عن الإدارة الذاتية إمارةً إسلامية أو الفوضى والفلتان أو إعادة انتشار «داعش».
اتفاق واشنطن وبغداد على انسحاب قوات الأول خلال عام من العراق، والحدث الأفغاني المتسارع، من انسحاب أمريكي وانهيار النظام الحاكم وسيطرة طالبان بشكلٍ غير متوقع، يُعززان احتمال خروجٍ أمريكي مشابه ومفاجئ من شرق الفرات- سوريا، لتواجه الإدارة الذاتية مصيرها المجهول، وقد تُتاح فرصةً جديدة لأنقرة في العدوان والمضي بسياساتها العدائية ضد الكُـرد، على غرار احتلال عفرين وغيرها وإحداث تغيير ديمغرافي شامل فيها، بالإضافة إلى هجماتها المتواصلة هذا العام على مناطق الشهباء- شمال حلب وناحية عين عيسى وريف تل تمر وغيره وعلى جبال كردستان العراق ومنطقة شنگال أيضاً.
كلّ هذا، والحركة الكردية في سوريا منقسمة على نفسها، طرفان منها ينتظران قدوم الممثل الأمريكي منذ أشهر ليرعى حواراً بدأ بينهما منذ نيسان 2020م، ولم ينتهي بَعد ويفضي إلى نتائج عملية ملموسة! تصريحات وممارسات لا مسؤولة وأحياناً مقصودة من الجهتين تنسف الحوار وتُلقي بظلالٍ سلبية على مجمل الأوضاع الكردية.
الطرف المحسوب على الإدارة الذاتية يتصرف وكأنه في وضعٍ مريح، فعلاوةً على التهديدات والاعتداءات التركية واستفزازات النظام السوري وتوترات وفتن هنا وهناك، ينتشر الفساد في مناطقها وتتكرر الانتهاكات بحق الإنسان وتتعقد أزمات الطاقة ومياه الشرب والأمن الغذائي، وتستمر مشاكل النظام التربوي والتعليمي والتجنيد الإلزامي، ولا يزال العسكر يتدخلون في شؤون الإدارة والقضاء.
أما الآخر، يراهن على الائتلاف السوري- الإخواني والعلاقة مع تركيا ومحاباتهما، يُقدّم التنازلات دون أن يتلقى بالمقابل ما هو مفيد له أو للكُـرد، ومستعد أن يقدم المزيد، دون أن يكون بذات السلوك والتوجه مع الطرف الكردي الآخر، إذ يتشدد في المواقف ويضع الاشتراطات، بل يكنّ قسمٌ منه العداء العلني للإدارة الذاتية و»قسد» والأحزاب المؤيدة لهما وينتظر بفارغ الصبر سقوطهما!
الأمر الممجوج! أنهما يستقويان بطرفين كردستانيين، ويستجلبان تداعيات صراعيهما إلى الوضع الكردي السوري المثقل أصلاً بالخلافات وتأثيرات أوضاعٍ كردستانية سلبية، ولا ينفكان عن حملات إعلامية وتخوينية متضادة.
وضع الكُـرد والإدارة الذاتية عموماً لا يتحمل التسويف وإدارة الظهر لمسؤوليات تاريخية تقع على عاتق الجميع.
ظروفٌ صعبة، وقوى إقليمية ودولية لا تعرف سوى مصالحها، وحالنا متردي… هل سيكون مصيرنا في مهب الريح؟! رغم تضحياتٍ جسام قدّمناها.
* جريدة الوحـدة – العدد /332/- 19 آب 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).