القسم العاممختارات

الأربعاء الأسود: يوم احتلّوا بيوتنا

زكي حجي – ناشط حقوقي

مجلة الحوار – العدد /83/ – السنة 31 – 2024م.

 (1)

بين الأربعاء الأسود في 9/10/2019 والأربعاء الأكثر سواداً في 9/10/2024 خمس سنوات من الغربة و60 شهراً من الألم و1827 يوم من الفراق و261 أسبوعاً من الآهات و43,848 ساعة من الهجرة و2,630,880 دقيقة من العذاب و157,852,800 ثانية من الشوق اليها.

(2)

كانت الساعة تشير إلى الرابعة وعشر دقائق عصراً من يوم الأربعاء الأسود عندما قصفت الطائرات التركية في نصف قوس ممتداً من جنوب غرب إلى جنوب شرق المدينة الآمنة وحلّقت طائرات فوقها ورسمت وراءها خيوطاً من الدخان الأبيض وتشكّلت خيمة بيضاء فوق المدينة. تناغمت أصوات الطائرات في السماء، مع قصف المدافع على الأرض، مشكلة أوبرا حزينة ألحانها هروب جماعي للسكان، النساء، الأطفال، تاركين وراءهم بيوتهم مفتوحة …

(3)

لقد تركت بعض الأمهات ملابس أُسَرهن على حبال فوق الأسطح وترك الأطفال مطمورتاهم وحقائبهم المدرسية وكتبهم وأقلامهم ودفاتر الرسم وعلب التلوين وكثيرين منهم لم يكملوا رسوماتهم فقد بقيت حسرة في قلوبهم حتى الآن. وبعد خمس سنوات مازال البعض يروي بألمٍ وغصّة قصة تركه لحيواناته في حوش المنزل ويسأل بحسرة كل يوم كيف ماتت حيواناته من الجوع والعطش أو ذبحاً بسكاكين أولاد ال…

(4)

في يوم 20/9/2019 تم الاتفاق بين الأطراف المعنية وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية انسحابها بشكل رسمي من المدينة. لقد غطى بعض المقاتلين رؤوسهم وتمنى البعض منهم الشهادة في حي الخرابات أو شارع (مالا ملا درويش) أوفي خندق تحت الأرض …

(5)

سيطرت القوات الغازية والفصائل الموالية لها على كامل الأحياء وسوق المدينة ومنطقة الصناعة ووجدوها كنزاً وغنيمة لهم وتحت شعارات التكبير والله أكبر والحمد لله؛ بدؤوا بتقسيم المدينة فيما بينهم ووضعوا الحواجز والسواتر على مدخل المدينة وشوارعها وتقطّعت أوصالها إلى أكثر من مئة قطعة وجزء، وسرعان ما ظهر أمراء الحرب وبدأووا عمليات السرقة والنهب والتخريب وخلال شهري أكتوبر ونوفمبر كان هناك أكثر من (5000) منزل أبوابها مفتوحة على مصراعيها.

(6)

كانت منطقة الصناعة تضم أكثر من 270 محل ومستودع ومخزن ومراكز للصيانة والتصليح تم نهبها بالكامل وبشكل منظم وأرسلت البضاعة المسروقة إلى تركيا ومناطق المعارضة السورية. وتحوّلت سري كانيه إلى مدينة الأشباح ووضعوا الأرقام والأسماء على محلات السوق وتم سرقة البضاعة الموجودة فيها كاملة وتم تخريب وتكسير أبواب المحلات والمستودعات.

(7)

وصلت حملات “الجراد” إلى الأرياف والقرى تم سلب ونهب محصول القطن من الحقول وسرقة آلاف الأطنان من القمح والشعير وغيرها من بيوت الناس ومصادرة حيواناتهم ومونتهم الخاصة وسرقة الآلات الزراعية (جرّارات، موتورات، حصادات، …) ووضعوا أيديهم على عشرات الآلاف من الهكتارات من أخصب الأراضي الزراعية ويستثمرونها حتى الآن.

(8)

لقد تم تهجير سكانها الأصليين: الكرد، الشيشان، الأرمن، السريان، المسيحيين، الأيزديين، وقسم كبير من العرب. وتم استيطان – مجموعة من السوريين الهاربين من مناطقهم – في بيوتنا في سابقة خطيرة أن تتحول من مظلوم ومُهَجَّر إلى ظالم ومُهَجِّر لغيرك ومرتزق بيد دولة أجنبية، وتقاتل من خارج حدود بلدك مقابل مبلغ من المال.

(9)

أهلنا المنتشرون في قرى تل تمر وأحياء مدينة الحسكة وفي مخيماتها وفي بلدة الدرباسية وعامودا وفي أحياء مدينة قامشلو المختلفة وتربه سبيه ورميلان وجل أغا وديريك والذين عبروا الحدود إلى كوردستان و تركيا والذين وصلوا إلى الدول الاوربية، أنا متأكّدٌ من محبتكم لبعضكم وشوقكم لمدينتكم.

(10)

الذين تركناهم في سري كانيه، قبور أباءنا وأحباءنا وشهداءنا سامحونا على كل الأعياد والمناسبات الماضية، نخبركم: أنتم في الذاكرة وعلى اللسان دائماً وكلّما اجتمع اثنان من سري كانيه وأنتم ثالثنا، وإذا عدنا يوماً سنعوّضكم عن كل هذه الفترة وسيأتي يوم نطهّر فيه بيوتنا من دنسهم وحقدهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى