سقط النظام وفرّ الأسد، ولكن، هل سقط الاستبداد وانتهى؟ وهل عمّت الحريات الأساسية بطول البلاد وعرضها؟ انتفض الشعب السوري لأجل الحرية والكرامة، أين هما بعد «انتصار الثورة»؟
نعم، تخلّصنا من كابوس كبير، وطوينا صفحة طويلة ومليئة بالآلام والمآسي، ولكن! دخلنا مرحلةً جديدة، تائهين، قلقين، خائفين من أنفاقٍ مظلمة أخرى، من مستقبلٍ غير معلوم الملامح، رغم نسمات الحرية والأمل التي هبّت في عموم بلادنا.
لابدّ أن نقرأ الواقع كما هو، دون تسطيح أو مبالغة… انتقل النظام من البعث الواحد إلى اللون الواحد، فسيطرت «هيئة تحرير الشام» وأتباعها المنحلين قراراً! على مفاصل الدولة والأمن والجيش الجديد، وحلّت مكاتبها السياسية بدل فروع حزب البعث، لتنظم «الحياة السياسية» بإشراف قسمٍ خاص (أمانة سياسية) محدثة لدى وزارة الخارجية ولها مشرفين على بقية الدوائر الحكومية، ما مبرر وجود مكاتب سياسية سلطوية خاصة بالجامعات؟! وقد تمّ تعيين مجالس وإدارات معظم النقابات والاتحادات وغيرها من المنظمات الشعبية من اللون الواحد.
حظي قرار حلّ حزب البعث و»الجبهة الوطنية التقدمية» بإجماعٍ وطني، أما حلّ أحزاب الجبهة فجاء تعدياً على الحياة السياسية، ولا توجد بيئة آمنة صحية وقانون لعمل الأحزاب، الذي يُشكل عنواناً لمراقبة أداء السلطة ولتحقيق الديمقراطية التي تغيب عن فكر وبرامج حكومة دمشق الحالية.
بُنيت السلطة الانتقالية الجديدة من قبل جهةٍ واحدة، ومُنحت فترة طويلة من الحكم، ومُنح الرئيس صلاحيات مطلقة، بعيداً عن حالة تشاركية وتمثيل حقيقي لمختلف قوى ومكونات الشعب السوري.
ولا تزال الميليشيات والفصائل الجهادية فاعلة، لم تتخلَ عن مطامعها ونزعاتها التكفيرية والطائفية وعن أحقادها حيال باقي الطوائف والإثنيات، تمارس الانتهاكات وترتكب الجرائم، وتفلت من العقاب بأريحية، رغم أنّ متزعميها معروفين بالاسم، وأفعالهم مكشوفة بالصور والفيديوهات والشهادات الحيّة، بل ويُمنح بعضهم رتباً عالية وقادة في الجيش.
تعمل وتتحرك بحرية، وتساندها تجمعات شعبية وتخرج للعلن، حاملةً شعارات طائفية وخطاب كراهية وتحريض على القتل والإقصاء، وهناك تدخلات في الحريات الشخصية، دون مانع من الإدارة الجديدة عبر تعاميم ودعوات رسمية تحت طائلة المسؤولية.
والاحتلال التركي جاثمٌ على مناطق «عفرين، أعزاز، الباب، منبج، جرابلس، كري سبي/تل أبيض، سري كانيه/رأس العين» بشمالي سوريا، الذي يُبقي على الميليشيات الموالية له، كما تعمل تركيا بشكلٍ حثيث لفرض وصايتها على سوريا، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً.
بعد خمسة أشهر من انتقال السلطة، ما مبرر بقاء العديد من مؤسسات الدولة في حدّها الأدنى من الخدمات، السجل العقاري والمالية والسجل المدني والبلديات والنقل وغيره، علاوةً على تسريح أو تعطيل عشرات الآلاف من العاملين في الدولة عن وظائفهم، في وقتٍ يعاني فيه أغلبية الشعب السوري من الفقر.
وغير ذلك الكثير من مثالب الحكومة الحالية وسياستها الداخلية والخارجية، فأين يقف الشعب السوري من قيم الحرية والكرامة، الذي ضحى من أجلهما بالكثير.
عملية سياسية تشاركية شاملة لكافة قوى ومكونات الشعب السوري، تضمن تمثيلهم وحقوقهم، وفق مسار ديمقراطي عادل، كفيلة بوضع حدٍ للاستبداد وللسير بسوريا نحو مستقبل زاهر.
لم نقطع الأمل بَعد، ولكننا بعيدين عن المسار الصحيح!
———–
* جريدة “الوحـدة” – العدد /348/ – 15 أيار 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).