القسم العاممختارات

تدهور اقتصادي ومالي غير مسبوق، دون علاج… تصعيدٌ تركي، وتوترٌ روسي أمريكي

الافتتاحية*

ما فاقم الوضع السوري تأزماً في الأشهر الأخيرة هو الانخفاض المتتالي في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي وغيره من العملات الأجنبية، وبالتالي تتعمق الأزمة الاقتصادية والمعيشية على نحوٍ غير مسبوق، بحيث الفقر يدق أبواب معظم السوريين ويُنذر بالمجاعة، مما حدا بالعديد من الأصوات وبنبرةٍ حادّة- رغم القمع والتشدّد الأمني- في العاصمة دمشق والساحل وغيره من بلدات ومدن سيطرة النظام السوري مناشدة الحكومة بوضع حدٍّ لهذا التدهور ومعالجة الأوضاع الاقتصادية، على رأسها زيادة الرواتب بما يؤمّن الحدّ الأدنى للمعيشة ومحاربة الفساد المستشري وإيقاف الإتاوات والرشاوى الهائلة التي تُفرض من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية في المعابر والموانئ والمطارات وفي الأسواق والمدن الصناعية أو بتلفيق تُهم ضد المستهدفين، وتُطالب بتحسين الخدمات من محروقات وكهرباء وغاز منزلي ومنح جوازات السفر وغيره الكثير.

ولكن! النظام السوري ماضٍ في غروره، غير مستعدٍ للاعتراف بمسؤوليته ولو جزئياً عن الأزمات والمحن التي حلّت بالبلاد منذ اثني عشر عاماً، بل يحصرها بمؤامرةٍ دولية وكنتيجة لأعمال التنظيمات الإرهابية على حدّ وصفه، وخطابه متعالٍ لا يكترث بالحلّ السياسي الذي تعمل الأمم المتحدة من أجله وفق قرار مجلس الأمن المجمع عليه /2254/، كما لا يعول على المبادرة العربية التي تشترط اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حلّ الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة بما ينسجم مع هذا القرار، ويصف علاقات الدول العربية بالشكلية، لأنه لم يحصل على دعمٍ مادي مباشر غير مشروط منها ولم توافق على مشاريع الإعمار خارج نطاق الأمم المتحدة، في الوقت الذي يعمّق فيه علاقاته المتشابكة مع إيران التي تُصارع في الهيمنة على المنطقة.

كما يلقي باللوم على الدول الداعمة للمعارضة في مسألة اللاجئين السوريين وصناعة وتجارة الكبتاغون، وينفي تعرّض العائدين إلى مناطقهم للاعتقال، فيما لا تزال سوريا عموماً منطقة غير آمنة لعودةٍ طوعية كريمة حسب تقييم مؤسسات الأمم المتحدة وغيرها، خاصةً وهناك لدى النظام قوائم بأسماء ملايين السوريين المطلوبين لمراجعة الأجهزة الأمنية أو للالتحاق بالخدمة العسكرية أو صدرت أحكام قضائية غيابية بحقهم لأسباب مختلفة.

رغم الضغوط الاقتصادية الهائلة على الشعب السوري والانزعاج الشديد من حكومة دمشق، فلم تعلن بعد عن أية خطة متوقعة لمعالجة التدهور المالي والاقتصادي، لا سيّما اتخاذ إجراءات داخلية جادة ليس للعقوبات الخارجية علاقة بها، أبرزها تحرير الاقتصاد من المحسوبيات والنهب والسلب ومن سطوة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومن فرض الإتاوات، إلى جانب زيادة الرواتب عاجلاً، وفتح المعابر مع كافة المناطق السورية ورفع الحصار عن تلك التي خارج سيطرة النظام، وتهيئة الظروف الملائمة لعودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم لأجل تأهيل المجتمعات المحلية ورفع سوية الاقتصاد الزراعي.

بعد جولة أستانا العشرين وفوز أردوغان بدورة رئاسية جديدة، لجأت تركيا إلى التصعيد العسكري في شمالي سوريا، ضد الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» على وجه الخصوص، وتراجع اهتمامها بالتطبيع مع النظام السوري نظراً لتمسكه بشرطي الانسحاب التركي من الأراضي السورية وإيقاف دعم الجماعات المسلّحة ولعدم مقدرته على تلبية مطالب أنقرة في محاربة «قسد»؛ فيما تستمر أنقرة في عمليات ترسيخ وتوسيع التغيير الديموغرافي في المناطق الكردية المحتلّة (عفرين، كري سبي/تل أبيض، سري كانيه/رأس العين).

كما برز مؤخراً توترٌ عسكري بين روسيا وأمريكا في سوريا، حيث وقعت تجاوزات لبروتوكول منع التصادم المتفق عليه بين الجانبين، مثل اعتراض طائرات حربية روسية لطائرات مسيّرة أمريكية وإسقاط واحدة منها، وقالت روسيا إنّ طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة انتهكت عشرات المرات الاتفاق المعمول به، رغم وجود قنوات اتصال بين الطرفين في سوريا لتجنب أي خطأ أو تداخل في العمليات العسكرية لكليهما.

ولم ينتهي تنظيم داعش الإرهابي بَعد، فيطلّ برأسه كلّ فترة، يُشكل خطراً حقيقياً على البلد، ينفذ عمليات إرهابية ضد «قسد» وقوات الجيش السوري، إذ قتل في آخر عمليةٍ له مؤخراً أكثر من ثلاثين جندياً سورياً.

الصراع الإقليمي والدولي على وفي سوريا متشعب ومتواصل، ولا يلوح في الأفق توافقٌ بين الدول الرئيسية المتدخلة حول تسويةٍ ما للأزمة السورية، فيما النظام السوري لا يتنازل عن أجنداته، والمعارضة مشتتة وجماعاتها المسلّحة باتت مرتزقة لدى تركيا، وتنظيمات القاعدة وداعش وغيرهما من الإسلام المتطرف متواجدة على الأرض وتهدد جميع الأطراف الأخرى.

طريق الصواب أمامنا كسوريين من مختلف المكونات، غيارى على البلد والشعب، هو العودة إلى انتهاج مبدأ وثقافة اللاعنف، خطاباً، مفردات، مقولات، أدوات وسبل، فالعنف واستخدام السلاح بدعوى حلّ قضايا وطنية خطأ قاتل ويجهض كلّ الجهود المخلصة لتحقيق مطلب محق أو هدفٍ نبيل.

* جريدة الوحـدة – العدد /343/- 14 آب 2023م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى