رثٌّ ووضيع وبلا أيّة موهبة أو ميّزة قيادية، وما كان ليجرؤ على أن يدنّس أرض عفرين، إلا أنّ مشيئة الاحتلال التركي اقتضت بتنصيبه زعيماً متنفّذاً على إحدى نواحي منطقة عفرين بعد الاحتلال. ليس صائباً وسْمه بالتطرّف أو الأَخْوَنَة أو الأَسلمة أو بأية سمة إيديولوجية أخرى، فالمدعو «محمد الجاسم- أبو عمشة» مجرّد قاطع طريق صنعته الاستخبارات التركية مع ميليشياته «فرقة السلطان سليمان شاه» لتكون ذراعاً عسكرياً «سورياً» لها، إلى جانب أذرعها السياسية المختلفة كالائتلاف السوري وهياكل أخرى.
تقول الأنباء في الأيام الفائتة أنّ لجنة من مشايخ يتبعون لهيئات تعمل في كنف الاحتلال التركي قرّرت «عزله من مهامه وعدم تسلميه مناصب في الثورة لاحقاً»! ثم قررت لجنة عسكرية «إدانته بجرم الفساد، ونفيه لخارج منطقة «غصن الزيتون» لعامَين هجريين». دون عرض على أي قضاء أو محاكمة، ودون مكاشفة حقيقية أو محاسبة عن الجرائم التي اقترفها بحق أهالي عفرين، وعدم الكشف عن الأموال التي نهبها من المدنيين العزّل، منذ العام ٢٠١٨م وحتى اليوم، بتخطيط وإشراف المحتل الذي مَكّنه في عفرين وسلَّطه عليهم.
المفارقة أنّ صراعات العصابات الإرهابية المسلّحة التابعة للاحتلال التركي (المسمّاة بـ» الجيش الوطني السوري») هي التي تقف وراء الصحوة المتأخرة هذه، وليس انتهاكاته وجرائمه. والخلفيات المناطقيّة والإثنية تلعب دورها هنا؛ فالمذكور وشلّة من عصابته يحوزون على الدرجة الأولى في سلّم العملاء عند الاحتلال التركي لانحدارهم من أصول تركمانيّة، أو هكذا يقدّمون أنفسهم، ومسمّى تشكيلهم العسكري واضح في دلالته الإثنية- التركمانية. كما أنّ المذكور وإخوته جمعوا أموالاً طائلة من وراء تسلّطهم على رقاب النّاس ونهب أموالهم وممتلكاتهم في ناحية «شيه/شيخ الحديد»، لدرجة تكديسه أموالاً يستثمرها في تركيا، وباتت تلك الناحية تُسمّى بـ»إمارة أبو عمشة» وسط حمايةٍ كاملة من الاحتلال التركي لمدة تقارب أربع سنوات، ما جعله في موقعٍ جلب له الحَسد والغيرة من قبل باقي متزعمي الفصائل المحتلّة لعفرين. ومن المعلوم لكلّ متابع أنه لا تمرّ بضعة أيام دون اقتتال بين تلك الميليشيات على ممتلكات المدنيين المُهجّرين قسراً والمنهوبات والإتاوات التي تفرضها على السكّان، والأموال التي تُحصلّها على الحواجز الأمنية بين البلدات والقرى، والأموال التي تجنيها من وراء عمليات الاختطاف ومن ثم الإفراج مقابل مبالغ مالية ضخمة، لاسيما وأنّ هذه السلوكيات تمارسها كافة الميليشيات في عفرين، وليس المذكور وعصابته وحسب.
اقترافاته في الجانب الأخلاقي خصوصاً، مثل قصص الاعتداءات الجنسيّة – اغتصاب نساء بينهم زوجات لعناصره – وعدم دفعه لرواتب ومكافآت وعد بها عناصره الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا وأذربيجان كمرتزقة، جعلته صاحب سمعةٍ سيئة جداً في أوساط مؤيدي وعملاء الاحتلال التركي، فشكّل مصدراً لبعض التوتر في «المنطقة الأردوغانية الآمنة».
ورغم أن قرار تغييبه عن واجهة المشهد في عفرين بحاجة للمتابعة؛ هل سينفّذ أم لا أو هل سيجري «إعادة تدويره» في وظيفةٍ وموقع آخر؟ يبقى من السهل إزاحته قليلاً عن الأضواء لحاجة الاحتلال لإجراءات شكليّة بحق ربيبها، نظراً لسمعته السيئة وسلوكه الميليشياوي الفاقع، وبعدما أدّى المهام الموكّلة إليه من نهب واستباحة وقتل واختطاف وتهجير السكّان.
الأمر إذاً، يخصّ الاحتلال التركي والصراع بين عصاباته، ولا علاقة لأهالي عفرين ومآسيهم به. الجانب الإيجابي الوحيد في هذه الزوبعة هو كشفها لمأسوية الوضع في المنطقة، لدرجةٍ لا تستطيع أدوات الاحتلال من مجالس وائتلاف- بينهم موظفون أكراد- إخفاءه أو التهوين منه، وهي التي قامت حتى وقتٍ قريب بتكريم قاطع الطريق المذكور والتبرّك به، والاحتفاء به في احتفالات «شرف» عديدة!
* جريدة الوحـدة – العدد /336/- 25 شباط 2022م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).