شغف الابداع وتذوق جمال الطبيعة دفعه للتخلي عن ضجيج حلب التي ولد فيها عام 1978 من أسرةٍ هاجرت قرية بركاش – ناحية بلبل (جبل الأكراد – كُرداغ)، ليستقر في مدينة عفرين الهادئة منذ عام 2009 وأبى أن يُهاجرها، فتفاعل مع الطبيعة الفطرية للناس، وأرسى معهم وشائج علاقات طيبة، ليقول: «تركت عائلتي في حلب، وبنيت العائلة الأكبر في عفرين».
في لقائنا معه، ذكر الفنان التشكيلي أصلان معمو، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين بحلب منذ عام 2008، لـ «الوحـدة»:
«تجربتي منذ ما يقارب التسع سنوات كانت ثقيلة، لاحظت في بداياتي وجود مواهب طيبة لدى أبناء شعبنا، فبدأت بإمكانات متواضعة وأسست مركزاً باسم «أصلان آرت» لتعليم الرسم، جاء إليه أولاً خمس طلاب فقط، بينما تجاوز الآن عدد المنتسبين /2500/ طالب، منهم من ترك وآخرون هاجروا، وما يقارب /15/ أصبحوا فنانين مبدعين، حيث مهمتنا الأساسية هي زرع الثقافة البصرية والذوق الفني بشكل عام». وأضاف: «مركزنا مرخص من الإدارة الذاتية، ويمنح شهادة تخرج بعد دراسة عامين على تعلُّم فن الرسم بكافة تقنيات الرصاص والفحم والباستيل والمائي والزيتي، ويمكن للطالب أن يبقى سنةً أخرى لكسب الخبرات وتطوير مهاراته، حيث نُقيم معرضاً سنوياً باسم <ألوان عفرين> لأعمال الطلاب، بمثابة حافز وتشجيع لهم وإغناءً للحركة التشكيلية، وكذلك نفتح كل عام دورة تعليم مدة شهر للراغبين من الطلاب المتقدمين لامتحانات القبول الجامعي – كليتي العمارة والفنون الجميلة، من بين طلابي من أصبح فناناً أو مدرساً».
يرتاد المركز في فصل الشتاء بحدود /50/ طالب، وفي الصيف بحدود /150/، وأكد معمو أن تعليم الفن التشكيلي بمثابة عملية تربوية أيضاً، حيث تساعد الطالب على تفريغ طاقاته السلبية والتعبير عن ذاته بطريقة أخرى جميلة، فيصبح الطفل جريئاً ويكتشف قدراته ويقوي شخصيته.
معمو لم يتجاوز الإعدادية في دراسته، بل اتبع موهبته منذ الصغر، واعتمد على طاقاته الذاتية في تلقي ثقافة الفن التشكيلي وتطوير مهاراته، حيث قال: «لاقيت صعوبات جمة، عملت في الكلاسيك والواقعية التي انتهت لدي إلى عصارةٍ اعتمد فيها على عنصر المفاجأة وبنوعٍ من الخيال والتأمل وبلغة تعبيرية. أخذت من طبيعة عفرين الكثير، أرى في كل شجرةٍ خيالاً، أحياناً أرسمها بشكل مباشر وأعطيها توليفاً فيما بعد». وأضاف: «حزنت لأوضاع النازحين من حي الشيخ مقصود إلى عفرين ومعاناتهم، فعبرت عنها بلوحات، وكذلك تأثرت بقصة درويش عبدي، إنها قصة عالمية، حيث استلهمني غناء بافي صلاح، فرسمتها لوحةً، ومن أمنياتي أن أقدم لوحات عديدة في معرضٍ باسم دلال وعدولية».
أردف معمو قائلاً: «فنانون تشكيليون قلائل باقون في عفرين، حيث أنني أفضل خيال وجمال عفرين وطبيعتها الخلابة وناسها على بلاد الغربة وإمكاناتها. سأبقى هنا، وإن كان ثمة صعوبات حياتية تواجهنا، وكذلك عدم توفر صالات مناسبة للمعارض وضيق المكان الذي نُدرس فيه وانقطاع المواد أحياناً بسبب الحصار».
شارك الفنان أصلان في /25/ معرض جماعي وأقام /5/ معارض فردية، بمدن عفرين وحلب ودمشق واللاذقية وبيروت واستنبول، وأشرف على إقامة سبعة معارض لطلابه، آخره بصالةٍ في مبنى جامعة عفرين مدة أسبوع ابتداءً من 28/ 11 /2017، حضره جمهورٌ غفير وشارك فيه /25/ طالب بـ /145/ لوحة. بالاشتراك مع الفنان حنيف حمو رسما لوحةً بقياس /1 م – 230 سم/ باسم «بانوراما عفرين»، وهي معلقة في مبنى المركز الثقافي، تتضمن رسماً لموقع أثري وحوله رسومات لمواقع أثرية مشهورة من أجزاء كردستان الأربعة، وكذلك بالاشتراك مع الفنانين (حنيف حمو، أردلان) صمما تمثال كاوا المنصوب في مدخل مدينة عفرين الجنوبي.
شارك وأشرف في ورشة عمل الرسم على حائط الملعب الرياضي عام 2015 بعنوان / منقدر…نلون حياتنا /، وشارك أيضاً بأعماله في بعض المسرحيات ومهرجاناتٍ للشعر الكردي ومهرجان للأيتام.
في ختام لقائنا، وبتفاؤل قال معمو: «أفتخر بالذي عملت عليه، وهو السبب الأساسي الذي حفزني ألا أهاجر وأتمسك ببلدي وناسي، أتمنى أن يكون في كل منزل لوحةً فنية، وأن نطور في كل أسرة موهبةً».
لعل الفن عموماً من تفاصيل الحياة اليومية، لكنه جزءٌ أساسي من محفزات ودوافع حماية الذات وتطويره، إضافةً إلى مواجهة تحدياتٍ مختلفة، فالمولعين به من تشكيليين، طلاباً ومدرسين ومبدعين، يستحقون الثناء والتشجيع والاهتمام، بدءاً من الأسرة والمجتمع، انتهاءً بالإدارة والمؤسسات والفعاليات المجتمعية المختلفة.
* جريدة الوحـدة – العدد /293/ – كانون أول 2017 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)