ملاحظات حول تقرير منظمة العفو الدولية…… “لم يكن لنا مكان آخر نذهب إليه”
“النزوح القسري وعمليات هدم المنازل في شمال سوريا”
تاريخ الاصدار 13 تشرين الأول 2015
إعداد: داريوس الدرويش – مسعود عكو – سردار ملا درويش – قصي شيخو
مقدمة:
ليس الهدف من هذه الملاحظات هو التشكيك في عمل ومهنية منظمة العفو الدولية، بقدر ما هي ملاحظات تم التدقيق والبحث فيها من خلال إدراك ومعرفة واقع المنطقة، ولربما يكون الهدف منه محاولة دفع المؤسسة لإعادة التدقيق في تقريرها، فمن المعلوم أن فريق المنظمة اضطر أحياناً، ولظروف ما، الاعتماد على شهادات أشخاص عبر وسائل اتصال لا عن طريق المقابلات الشخصية، واعتمادها أحياناً أخرى على شهادات متناقضة. ولحساسية الواقع الذي شهدته وتشهده المنطقة، ولعدم خلق نوع من الصراع الدموي بحكم التنوع السكاني في المنطقة، ولعدم اعتبار هذه الشهادات اثباتات مؤكدة؛ وجب دراسة تقرير منظمة العفو الدولية والتدقيق فيه.
كذلك، ليست الغاية من هذه الملاحظات التحيز لطرف أو قبول أي انتهاك بحق أي مواطن مهما كانت خلفيته، كما لا يمكن تحويل أي فعل يحصل ضمن ظروف طارئة على أنه تهجير قسري دون التأكيد وإبراز الحجج والبراهين الكافية، وإلا بقي ضمن إطار التخمينات التي لا تؤشر إلى “تهجير قسري” بقدر ما تشير إلى نزوح يلجأ الأهالي إليه في زمن الحرب وتحت جنح أي قوة عسكرية كانت.
ورغم أن التقرير نفى ضمنياً وجود حالات تطهير عرقي في عدة مواضع، إلا أن هذا لم يمنع بعض وسائل الإعلام السورية من تناول التقرير على أنه دليل دامغ على ممارسة وحدات حماية الشعب لجرائم التطهير العرقي، وفي هذا يقع جانب من اللوم على معدي التقرير الذين، ورغم معرفتهم بوجود جدال حاد قبل أشهر حول اتهامات التطهير العرقي، لم ينفوا هذا الأمر صراحةً في تقريرهم، بل فتحوا الباب واسعاً لتفسيرات جاهلة بالقانون الدولي. حيث تأتي هذه التوضيحات لعدم استغلال التقرير كأثر على حساسية تنوع المنطقة، والوقوف قانونياً على المغالطات الواردة فيه مقابل عدم التهاون مع أي انتهاك يحصل بحق كافة المدنيين ومن كافة المكونات، واتخاذ المسار القانوني والمهني في البحث.
الحسينية
تفيد شهادة أحد “المسؤولين المحليين العرب” في تل حميس أن “وحدات الحماية الشعبية قد اشتبكت بادئ الأمر مع الجيش السوري الحر وغيره من الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة في ريف تل حميس وذلك خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2013، وأضاف أن أكبر تلك المواجهات وقعت بين الجيش السوري الحر ووحدات الحماية الشعبية في فبراير/شباط عام 2014 داخل قرية الحُسينية”، كما تؤكد هذا الأمر شهادة السيدة (فرح) التي “كانت متواجدة وقت وقوع الاشتباكات” مضيفةً أن “بعض منازل القرية قد دمرت أثناء تلك الصدامات في فبراير/شباط 2014″، ويؤيد الشاهدين السابقين في ذلك “سكان آخرون” بحسب تقرير المنظمة.
الكلام أعلاه منافٍ للحقيقة حيثُ أن الاشتباكات بين وحدات حماية الشعب والمجموعات المسلحة المتواجدة في تل حميس وريفها بدأت في 28 كانون الأول 2013 وانتهت يوم 6 كانون الثاني 2014 وذلك عبر بيان رسمي لوحدات حماية الشعب تحت اسم (عملية الردع والتشتيت)، كما يظهر شريط فيديو مرفوع على موقع اليوتيوب بتاريخ 19 كانون الثاني 2014 حركة أحرار الشام التابعة للجبهة الإسلامية وهي تعلن سيطرتها على تل حميس. وأظهر شريط فيديو آخر مرفوع على موقع اليوتيوب بتاريخ 5 كانون الثاني 2014 تمثيل بعض الأهالي والمقاتلين بجثث قتلى وحدات حماية الشعب (وهم نفس من يظهرون في الشريط السابق) عقب معارك جرت في القرية. ما يعني بشكل قاطع أن الاشتباكات لم تقع في شباط 2014 وإنما انتهت قبل ذلك بشهر أو أكثر، إضافة إلى أن المعارك التي دارت في شهر شباط فقد اقتصرت على بلدة (تل براك) فقط ولم تكن في تل حميس وكانت تحت عنوان )حملة الوفاء لشهداء تل براك و تل حميس( ضد مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة ونشرت وحدات حماية الشعب حينها بياناً عن الحملة.
وخلال لقاء المنظمة مع أحد القرويين الذي اتهم الوحدات بتدمير منزله يقول بأن وحدات حماية الشعب تتهم سكان القرية بأنهم كانوا يساندون تنظيم “داعش” في معركة 2014، حيث يقول القروي “لم نكن نساعد داعش، فنحن غادرنا القرية حتى قبل حدوث المعركة، والصدامات كانت بين داعش والوحدات فما علاقتنا بها”. هذه الشهادة تعري الشهادات الأخرى المتعلقة باشتباك الوحدات مع فصائل معارضة تحت مسمى “الجيش الحر”.
الشاهدة فرح تؤكد “غادرنا قبل دخول وحدات الحماية الشعبية ثم عدنا في آذار 2015 لنجد منازلنا قد هدمت… ولا نعلم من الفاعل ولكن لم يكن أحد في المنطقة باستثناء وحدات الحماية الشعبية”. الأمر الذي يضفي الطابع التحليلي وليس المشاهدة الفعلية على هذه الشهادة، وإن كان مبرراً للمنظمة أن تنقل الشهادة كما أدليت حرفياً، إلا أنه ليس مبرراً لها أن تتخذ من هذا التحليل أساساً لبناء اتهامها للوحدات بتدمير القرية.
لا يمكن الاعتماد فقط على شهادتي سيدة وشقيقها في تثبيت واقعة كبيرة كهدم البيوت (211 منزلاً من أصل 225) وإتهام وحدات حماية الشعب بذلك. حيث لا يمكن لإنسان مراقبة هدم 211 منزلاً بمساحة 21100 م2 على الأقل، وكان يجب على منظمة العفو الدولية أخذ المزيد من الشهادات، وكذلك تقديم تفسير علمي/عسكري لنتيجة تحليلهم حول الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية للقرية في الفترة الواقعة ما بين حزيران 2014 وحزيران 2015. وتظهر الأنقاض ناجمة عن عملية هدم المنازل وليس قصفاً مدفعياً لها بحسب تفسير المنظمة، فيما لو دققنا في الصور يظهر مثلاً حجم الدمار الذي يتم مشاهدته في عموم أرجاء سوريا من آثار القصف، فعندما يكون سطح المنزل مستوياً مع الأرض من الصعب على جرافة القيام بذلك بقدر فعل قصف المدفعية أو الطائرات.
نماذج لبعض الصور من أثار قصف مدفعية وطائرات النظام السوري لمدينة رأس العين بتاريخ 12/11/2012 يظهر فيها استواء سطح المنازل على الأرض وتدميرها نتيجة القصف:
الصور تم التقاطها في شهر نيسان عام 2013 (رأس العين- حي الحوارنة)
قرية أصيلم
قال الشاهد سلمان (تم تغيير الاسم) أنهم مكثوا عدة أيام في حقول القرية التي تبعد ثلاثة كيلومترات عنها، وكان قادراً على مشاهدة القرية بوضوح من هناك. ويعود بالقول إنه شاهد إحدى الجرافات وعلم وحدات الحماية الأصفر يرفرف عليها وقد وصلت قرية أصيلم قبل أن تبدأ بهدم منازلها. كيف للعين البشرية رؤية علم يرفرف على عربة من المفترض أن يكون علماً صغيراً لا يتجاوز بضعة سنتمترات. علماً أن الرؤية البشرية للأجسام العادية (الجرافة أو البيت) من على سطح أرض مستوية لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات للعين السليمة. أي لا يمكن للعين الصحية السليمة تفسير أي رمز صغير من مسافة ثلاثة كيلومترات مهما كانت حدة العين قوية، هذا عدا عن كيفية العيش في حقل لمدة ثلاثة أسابيع لبشر ربما بينهم أطفال دون مأوى وكيفية تحمل الطقس وتأمين المأكل والمشرب.
تحدث كاتبو التقرير عبر الهاتف مع الشاهد سلمان، هنا نسأل كيف تم التثبت من هوية سلمان؟ وكيف يمكن الجزم أن يكون سلمان أصلاً من سكان المنطقة؟ علماً أنه في أمر هام كهذا الادعاء لا تقبل شهادة عبر الهاتف، إذ من السهل جداً تبديل الأشخاص، خاصة أن إمكانية الوصول إلى الشاهد متوفرة بحرية بحسب مقدمة التقرير نفسه. هذه نقطة وملاحظة دقيقة لا تقع منظمة دولية فيها، فماذا مثلاً لو أن المتحدث ليس سلمان، من يتحمل المسؤولية؟
تقرير المنظمة يتوصل إلى أن ما جرى في قرية أصيلم هو تهجير قسري وهدم للبيوت من دون دوافع عسكرية أو أمنية، بشكل يتناقض مع شهادات التقرير نفسه، فالشاهد الوحيد (سلمان) عن هذه القرية يقر بأنه بعد إخلائهم من القرية “اندلعت اشتباكات مع تنظيم داعش الذي دخلت قواته القرية” ما يؤكد من دون شك على أن الضرورة العسكرية والأمنية حرصاً على سلامة السكان كان هو الدافع لإخلاء القرية بعكس النتائج التي يستخلصها التقرير. الأمر الآخر الذي يؤكد على أن الحرص على سلامة السكان كان الدافع الوحيد للوحدات في تعاملها مع قرية أصيلم هو الجزء الآخر من الشهادة حيث يقول سلمان أنه وبعد انتهاء الاشتباكات “توجه أحدنا للاستفسار من وحدات الحماية عما إذا كان بإمكاننا العودة فكانت الإجابة بالنفي” ويؤكد في فقرة لاحقة أنه في الصباح الثاني لانتهاء الاشتباكات (يوم هدم منازل القرية) سمع صوت انفجار في القرية، والذي يعتقد سلمان أنه ناجم عن انفجار سيارة مفخخة، فيما قد يكون السبب هو انفجار بيت فخخته داعش عقب دخولها القرية، ومن المعروف أن داعش تمارس هذه الاستراتيجية بكثرة.
قرية المغات
أخبر سكانها باحثي المنظمة بأنهم هجروا قسراً على أيدي مقاتلين يعتقدون أنهم من عناصر وحدات الحماية الشعبية. إذاً لا يوجد تأكيد لهوية المسلحين الذين أجبروا الأهالي على ترك منازلهم خصوصاً أن تلك المنطقة هي ضمن خط الجبهة الأمامي وشاركت في عمليات تحريرها العديد من القوى الأخرى إلى جانب الوحدات. وفي حال كانت وحدات حماية الشعب من المفترض أن يكون هناك تفاصيل للأحداث لثبوتية التهجير وأسبابه؟
والشاهدة نفسها تؤكد أن حجة الإخلاء كانت بسبب “وجود عبوات ناسفة في المنطقة وأنها قد أصبحت منطقة عسكرية”، وتقول في نهاية شهادتها أنه “لم تكن لديهم اتهامات بحقنا، بل مجرد ظلم بحت”، ما يعني أنه لم توجه تهم سياسية لأهالي القرية وإنما اكتفت الوحدات بالدافع العسكري والأمني، وخصوصاً أن منظمة العفو الدولية لا تملك دليلاً على خلو هذه المنطقة، الواقعة ضمن خط الجبهة، من التهديدات الأمنية الخطيرة.
قرية رنين
قال الشاهد صفوان ” كان بعض سكان رنين مع تنظيم الدولة وكانوا يعانون الكثير من المشاكل ولكن لم يكن لنا أي شأن بالتنظيم”. هذا يدل على أن القرية كان يمكن أن تقع تحت رحمة عمليات عسكرية نتيجة وجود عناصر لداعش فيها، ما يضفي المزيد من المنطقية على طلب الوحدات للأهالي بضرورة ترك منازلهم حفاظاً على حياتهم من قصف التحالف الدولي للقرية، والتي يبدو أن معدي التقرير اعتبروها “إساءة استخدام الإدارة الذاتية لما تحصل عليه من مساعدات عسكرية بما في ذلك مسائل التنسيق في العمليات العسكرية وعدم استغلالها في ارتكاب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي بما في ذلك عمليات الهدم والتهجير غير المشروعة”.
قرية حمام التركمان
نقلت المنظمة عن الشاهد (وائل) في قرية حمام التركمان شهادته على النحو التالي: في 15 يونيو/حزيران 2015 ، أدى انفجار سيارة ملغومة إلى مقتل ثلاثة من عناصر وحدات الحماية الشعبية عند إحدى نقاط التفتيش في دامشلي على بعد 4 كم من قرية حمام التركمان. وأعقب ذلك وقوع مناوشات في اليوم التالي في حمام التركمان بين وحدات الحماية الشعبية ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية قبل أن يتم دحر التنظيم. وفي 18 يونيو/حزيران، أدى انفجار سيارة أخرى أمام العيادة الصحية في القرية إلى مقتل أحد عناصر وحدات الحماية وجرح مدني قبل أن يقوم التنظيم بقتل عنصر آخر قنصاً أمام مبنى العيادة أيضاً” إلا أن المنظمة، ورغم هذه الشهادة، لا تعتقد أن هناك ضرورة عسكرية أو أمنية لـ “التهجير” من حمام التركمان، علماً أن شهادة فريد تؤكد أيضاً أن وحدات حماية الشعب أخبرت السكان أنه “يتعين عليهم مغادرة القرية فوراً” وذلك عقب الاشتباكات المذكورة سابقاً، ما يدل على أن الهدف من الإخلاء كان نتيجة للضرورات العسكرية والأمنية الملحة حفاظاً على أرواح السكان.
الشاهد فريد يقول “إثر مفاوضات مطولة تمكن نصف سكان القرية من العودة إلى القرية بتاريخ 17 آب/أغسطس 2015″، حيث تُظهر هذه الشهادة أن إخلاء الوحدات للقرية من السكان كان يقصد به أن يكون مؤقتاً من 18/6/2015 حتى 17/8/2015 بدليل عودة نصف الأهالي للقرية بحسب شهادة فريد. وتتهم المنظمة وحدات حماية الشعب “بتهجير السكان التركمان” يوم السادس من تموز/يوليو2015، استناداً إلى “تقرير صحفي” و”صور” مكتوب من قبل “صحفي” يدعى “غداف راجح” ومنشورة في موقع إلكتروني يسمى “سراج برس” المعروف بانحيازه وتبعيته لجهة سياسية معينة معادية للإدارة الذاتية ووحدات حماية الشعب، ما يجعل شهادتها غير ذات مصداقية.
في هذا التقرير المذيل تحت عنوان بالصور: ميلشيات كردية تواصل تهجير العرب من ريف تل أبيض تم الاعتماد على شهادة أحد الحقوقيين كما يصف نفسه وهو “أنور الكطاف”، ويدرك أهالي تل أبيض أن أنور الكطاف “الحقوقي” كان قائد الكتيبة العسكرية (أنس بن مالك) ومسؤولاً عن تهجير الكثير من سكان تل أبيض من الكرد، حيث كان قائد كتيبة ومتهم أنه قام بتسليم طفلين لتنظيم الدولة الإسلامية وهم فرهاد بن محمد الصوفي ويوسف بن أحمد سينو ووالده أحمد سينو، وفي هذا الرابط بعنوان (Syrian Kurds exposed to ethnic cleansing جانب من معاناة مهجري تل ابيض) شهادة لأهالي تل أبيض من الكرد ممن يتهمون مباشرة أنور الكطاف بتهجيرهم.
وإن كانت المبررات العسكرية لإخلاء السكان من هذه القرية واضحة بشهادة شهود التقرير أنفسهم، وإن كان الإخلاء مؤقتاً أساساً بدليل سماح الوحدات للنازحين بالعودة وعودة نصف السكان فعلياً (حتى وقت إعداد تقرير المنظمة)، فما هو المبرر للمنظمة بإدراج هذه القرية على أنها دليل على حصول “تهجير قسري”؟
قرية الغبين
قال سكان القرية أنه جاء مقاتلون عرب يعملون لصالح وحدات حماية الشعب ويرتدون الزي المموه ولا يتحدثون غير العربية إلى القرية وأخبروا السكان بضرورة مغادرتها. الأمر الذي أكده الشاهد ياسر من أبناء المنطقة بحسب التقرير ولكن يبدو أن هذه القرية لم يحصل فيها تهجير مطلقاً حيث لم يدلي أي من الشهود بما يفيد بحصول التهجير فعلياً، وبدليل وجود 30-40 عائلة فيها حسب الشهادة المقدمة للمنظمة في التقرير نفسه،
وإلى جانب هذه الشهادات التي تفيد بطلب وحدات حماية الشعب من المدنيين مغادرة القرية، تفيد شهادات مناقضة بأن الوحدات منعت المدنيين من مغادرة القرية باتجاه سلوك، حيث تقول الشاهدة (وفاء): “أن مقاتلي وحدات الحماية الشعبية أخبروا سكان القرية أنه يُحظر عليهم اجتياز أطراف القرية باتجاه سلوك، واضافت أن مقاتلي وحدات الحماية المتمركزين في المدرسة قد قاموا بإطلاق النار على السكان الذين اقتربوا من تلك المنطقة”. لذا، فلا يمكن لمنظمة العفو الدولية أن تقوم بإدراج هذه القرية على أنها دليل على ممارسة “التهجير القسري” فيها، حيث أنه لم يحصل أي تهجير مطلقاً (بناءً على مشاهدات المنظمة نفسها)، وأيضاً لأن إقامة الدليل على “طلب” وحدات حماية الشعب من السكان إخلاء القرية يحتاج أكثر من مجرد شهادات تناقض نفسها بشكل لا يقبل الجمع بين طلب إخلاء القرية وبنفس الوقت الطلب بعدم تجاوز حدود القرية!
بلدة سلوك
قالت الشاهدة إينيز إن جنوداً تعتقد أنهم من الآسايش قد أجبروها رفقة سكان آخرين على النزوح عن البلدة. إذن لا يوجد تأكيد لهوية المسلحين الذين أجبروا الأهالي على ترك منازلهم. كما أن ذكر التقرير بأنه قد تم منع عائلات كردية أيضاً من العودة لا يدل على وجود تهجير قسري نتيجة انتماءات السكان السياسية أو العرقية.
إلا أن التقرير تجاهل المخاطر الأمنية الجمة التي كانت حاضرة في بلدة سلوك في تلك الاثناء، حيث انتشرت ظاهرة انفجار الألغام التي تركها التنظيم، بل واتقن في اخفائها حتى ضمن جدران المنازل وأثاثها، وفي حال العودة لعدد ضحايا الألغام من المدنيين والعسكريين، يكون هناك بالفعل خطر على حياة الأهالي.
قرية عبدي كوي
تأخذ المنظمة شهادة أحد الأشخاص ويدعى وسام ويقول بأن أحد قيادي وحدات حماية الشعب قال له بأنهم صادروا دكاكينه وممتلكاته لأنهم عثروا على بعض الأسلحة في منزله، ويكمل وسام بأنه سأل القيادي عن إمكانية العودة إلى القرية فيجيبه القيادي ” ليس الآن لأنها لا زالت منطقة عسكرية”، التناقض الحاصل في هذه المعلومات التي يقولها الشاهد وسام جلية وصارخة، كيف يصادرون ممتلكاته؟ وكيف يسألهم عن العودة؟ وكيف يتركون من يتواجد في منزله السلاح، طالما ان كافة الشهادات ذكرت أن أسباب إخراج الكثير من العائلات كان ضمن إطار الارتباط بمسلحين؟
الشاهد طلال يقول إن الوحدات سمحت للناس بالعودة إلى عبدي كوي، أي أن طلب الوحدات بالمغادرة كان حقاً بشكل مؤقت. وما يؤكد على أن المنطقة غير آمنة للمدنيين هو قول الشاهد طلال نفسه بأن عبدي كوي “تبعد 4 كم عن اقرب جبهات القتال” وهذه المسافة لا يمكن اعتبارها آمنة بالنسبة لمعارك مع تنظيم داعش الذي يملك سيارات دفع رباعي تمكنه من الوصول إلى القرية خلال بضع دقائق عبر الطرق الترابية بين القرى.
لا تستطيع المنظمة الاعتماد على هذه القرية أيضاً على أنه قد جرى فيها “تهجير قسري”، فالواضح من الشهادات أنّه لم يكن تهجيراً وإنما إخلاءً مؤقتاً، إضافة إلى أن هناك مبررات عسكرية واضحة للعيان في طلب الإخلاء هذا.
ملاحظات عامة:
1- لم يتحقق باحثوا المنظمة بشكل محايد من الحجج العسكرية التي ساقتها الوحدات لإخلاء المدنيين في جميع القرى التي يغطيها التقرير، بل استندت في تقييمها لخطورة الوضع الأمني والعسكري إلى ما يعتقده الشهود المدنيون فقط، رغم أن هذا الأمر يجب أن يتم تأكيده أو نفيه بناءً على آراء محللين عسكريين.
2- تجاهلت المنظمة في تقييمها للمخاطر العسكرية المعلومات التي قدمها جوان إبراهيم مدير الأسايش (جهاز الشرطة في روجآفا)، حيث قال أن خط الجبهة يقع جنوب سلوك بـ 7 كم في قرية التروازية، وفي حين أن هذه المعلومة تؤكد وجود القرى التي قام التقرير بتغطيتها ضمن المنطقة الفاصلة بين الجبهات (ما يجعلها مناطق خطرة على المدنيين) إلا أن معدي التقرير تجاهلوها، بل ونفوا وجود الحاجة العسكرية والأمنية لإخلاء المواطنين من تلك القرى.
3- لم يقل أي شاهد من الشهود الذين تم اللقاء معهم على أنه يعتقد بأن استهدافه هو لدافع عرقي، بل اعتقد كثير منهم أن إخلائهم تم بناء على حجج عسكرية ساقتها وحدات حماية الشعب، ويعتقد آخرون أنه تم استهدافهم بسبب الشك في انتمائهم السياسي لداعش، وحتى هؤلاء الذين يدعون أن الوحدات اتهمتهم بذلك لم يحصل أن تم اعتقالهم (بدلالة توفرهم للإدلاء بالشهادة التي يفترض أنها حصلت بعد توجيه الاتهام لهم)، ما يعني أنه إما أن الشاهد ليس صادقاً بتلقيه هذا الاتهام، أو أن الوحدات استخدمت هذا الاتهام للتخويف، وفي كلتا الحالتين تنفيان أن يكون الدافع السياسي هو وراء الإخلاء.
4- ورد في ملخص تقرير المنظمة: “تتضمن هذه الانتهاكات ارتكاب عمليات من قبيل التهجير”، “حيث جرى في بعض الحالات تدمير قرىً بأكملها انتقاماً على الأرجح من سكانها العرب أو التركمان”. ولكن التهجير القسري فعل يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، لذا فإما أن يكون تهجيراً أو عدا ذلك لا يمكن طرح المصطلح بصيغة اتهام مؤكد في النتائج التي يستخلصها التقرير.
ويُستنتج مما سبق أن المنظمة لم تبنِ اتهامها على تحليل الشهادات وتقاطع المعلومات كما تدعي، بل اعتمدت في جزء كبير من تحليلها على تفسيرات الشهود المدنيين لقضايا عسكرية وأمنية ولم تحلل بشكل حقيقي الدوافع الفعلية وراء الإخلاء، وتجاهلت في هذا أيضاً حقيقة أن التقرير، ورغم إعطاءه الحرية الكاملة بالتحرك في روجآفا، لم يستطع أن يشير إلى عمليات تهجير قسري خارج خطوط الجبهة.
ولم تبد المنظمة إحساساً بالمسؤولية تجاه الاتهامات التي تكيلها لوحدات حماية الشعب، فالاتهام بارتكاب جرائم “تهجير قسري” تم تفسيرها من قبل البعض على أنها جرائم تطهير عرقي، وفي مقابلة للسيدة ديانا سمعان (منسقة حملات في منظمة العفو الدولية) مع تلفزيون الأورينت تقول فيها رداً على سؤال المذيعة: “تقرير منظمة العفو الدولية تحدث بشكل واضح أن جرائم الحرب ارتكبت من قبل وحدات الحماية الشعبية بتهجير العرب والتركمان، صحيح؟” فتجيب السيدة ديانا: “صحيح”. رغم أن المذيعة كانت قد فسّرت سابقاً تقرير المنظمة على أنه تأكيد على حصول جرائم تطهير عرقي، فيما كان على السيدة ديانا تصحيح الخطأ هناك بإضافة “أن الكرد أيضاً عانوا من هذه الجرائم” في ردها بما ينفي أي طابع عرقي للاستهداف اتساقاً مع محتوى تقريرها نفسه.
خاتمة
في ملحق البحث تخاطب المنظمة السيد صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، على أنه “الرئيس المشترك لمناطق الإدارة الذاتية” فيما الرئيسان المشتركان للمنطقة هما حميدي دهام الهادي وهدية يوسف، بينما صالح مسلم هو الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي مع آسيا عبد الله. وهذا الأمر خطأ فادح وبالتأكيد فإنه ليس عَرَضياً على منظمة لها وزن دولي، كما وأن الاستعانة بمصادر إعلامية لمؤسسات تتبع لأجندات سياسية معينة ومحاولة المنظمة جاهدة اختلاق ما أسمته “جرائم حرب” ضد مكونات بعينها، يضع المنظمة ومصداقيتها المهنية والإنسانية على المِحَكْ، وفي حال تم تبرير أن هذه هي المعلومات التي تمتلكها المؤسسة فإنه حقيقة يجب أخذ ما يقال من قبل الإدارة الذاتية أيضاً كأقوال مثبتة، وهنا نكون بين طرفين كل منهما يرى الواقع من وجهة نظره وبقدر الاستطاعة سوف يلوم الطرف الآخر، ما يغيب المنطق والموضوعية، هذا عدا عن عدم إظهار المنظمة آراء الأحزاب الكردية والناشطين الكرد والعاملين في الموضوع وبالتفصيل رغم ذكرها في التقرير أنها قابلتهم في سوريا وإقليم كردستان.