مجلة الحوار – العدد /83/ – السنة 31 – 2024م.
في ثنايا وطن قُطعت أوصاله واستغرق في المعاناة، شُق بالحديد والنار مفاهيمه ومفرداته وبتنا نتيه في اتجاهات الجغرافية والزمان، الشمال الكبير والجنوب الصغير. ابتعد الشرق وبقى الجنوب الكبير حاضراً، وجزء تاه في غياهب النسيان، هكذا أصبح الوطن ومازال. ففي تلافيف وتجاعيد الإنسانية العجوز طُمرنا بالصمت على أيدي المقامرين والآثمين ومُزقنا حتى الثمالة التي زادتنا تيهاً على تيه، وطُربنا على أنغامهم ورقصنا حتى الموت وسكاكيننا تنغرس في أجسادنا بعدد هباتنا. كانت كبواتنا ولم تنل من إرادتنا في الحياة، نجوم أضاءت سمائنا منذ مئات السنين فخطت أسطر التاريخ دون كلل أو ملل، صراع دائم للدفاع عن الهوية ضد الأعداء.
يذكرُ شاعرنا يوسف برازي (بي بهار) في حديثه عن جذوره العائلية، حروبَ العشائر البرازية الكردية ضد الدولة العثمانية التي فرضت التجنيد والضرائب على عشائر منطقة سهل سروج ولاقت الرفض من قبلها واستمرت المعارك لمدة خمس سنوات من عام 1820 حتى 1825م، هُزمت على أثرها العشائر البرازية وبينهم عشيرة الكيتكان التي ينتسب لها شاعرنا يوسف برازي (بي بهار) من فخذ آل مامد وحفيد (حج علي عباسوك) أحد رجالات عشيرة الكيتكان. وبحسب ما ذُكر كانت عائلته تقطن قرية روفي جنوبي مدينة كوباني، فكان طعم الهزيمة مرّاً على العشائر البرازية حيث نُفي على إثرها العديد من العوائل إلى خارج المنطقة نحو المناطق الشمالية بحسب العادة العثمانية، فهُجرت عائلة شاعرنا إلى أرياف ديلوك (عينتاب) قرية بوزلجة وبعد عدة سنوات اشترت العائلة قرية تل جرجي المملوكة لأحد الكرد في منطقة الباب شمال شرق مدينة حلب التي تبعد عن مدينة الباب بحوالي 25 كم .
في عام 1931 من القرن الماضي رأى شاعرنا، يوسف علي شيخو (برازي) والدته خديجة، النور في مسقط رأسه قرية تل جرجي وهو أصغر الأخوة الذكور (محمد وبلال وإسماعيل ويوسف) وأخت وحيدة تُدعى أمينة. تَربّى في كنف عائلة كردية تقليدية وفي بيئة تعج بالمشاكل الاجتماعية القروية، وضنك العيش منعه من التعلم في المدرسة على الرغم من حبّه للمعرفة، فكان يلجأ لأحد أبناء عمومته يدعى خليل ليتعلم منه الأحرف. وقبل ذلك أحب شاعرنا الموسيقى ويصنع آلته الموسيقية من كل ما يتوفر لديه من أدوات ومواد، وقد قال العم خليل رحمه الله بأنه عندما كان يلجأ يوسف لي لأعلمه الأحرف كنت اشترط عليه أن يعزف لي، و بعد ذلك أبدأ بتعليمه ما تعلمته في المدرسة وهكذا، بعد ذلك آخذه إلى مدير المدرسة (محمد علي المُغربي) الذي أجرى له امتحاناً غير رسمي، وهكذا تعلم القراءة والكتابة باللغة العربية بالإضافة إلى لغته الأم الكردية ومن ثم أتقن اللغة التركية أيضاً.
بسبب بعض المشاكل التقليدية في المجتمعات الريفية على ملكية الأراضي مع ابن عمه الذي كان يعتبر آغا المنطقة والذي قيّد أراضي العائلة باسمه وأخوته وحرم أبناء عمومته والتي استمرت لفترة طويلة من المناكفات، ارتأى والدا الشاعر (بي بهار) علي شيخو وزوجته خديجة حمام، الخروج من القرية حقناً للدماء، فانتقلت العائلة 1947 إلى مدينة منبج. توفي والده عام 1949 وخلال هذه الفترة عمل في ورشة لصناعة الأحذية ومن ثم ترك هذه المهنة واتجه إلى مهنة الحلاقة. في أواخر عام 1949 ترك أخوه إسماعيل المنزل وانقطعت أخباره عن العائلة حتى عام 1954 حيث أن أحد الأشخاص أخبر يوسف برازي أنه التقى بأخيه إسماعيل في سري كانييه – الحسكة، فتوجه إليها عبر قطار الشرق فالتقى بأخيه إسماعيل الذي أحبه كثيراً عدا عن أخوته بعد حوالي أربع سنوات من انقطاع أخباره. وبعد اقتراح من أخيه إسماعيل جاءت العائلة إلى منطقة سري كانييه لتستقر فيها بشكل دائم حتى وفاته في الخامس عشر من شهر كانون الثاني 2009 .
تزوج الشاعر يوسف برازي في العقد الرابع من العمر، رزق بولدين (خسرو، بهرام) وأربع بنات (جينا، نازدار، آهين، نيكار).
تعتبر مرحلة الاستقرار في سري كانييه مهمة في حياة الشاعر يوسف برازي (بي بهار) وفتحت له آفاقاً جديدة وتعميقاً لما اكتسبه سابقاً ففي هذه الفترة تعرّف على الكثير من الشخصيات الأدبية واللغوية والسياسية ودخلَ معترك السياسة الكردية، كما كان مؤازراً للحزب الشيوعي السوري، واستمرت هذه العلاقة مع الشيوعيين حتى أواخر خمسينات القرن الماضي. و انتسب إلى البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا سنة 1960.
تعرضت قيادات الحركة الكردية سنة 1966 لحملة واسعة من الاعتقالات شملت العشرات من السياسيين الكرد في سوريا من مختلف المناطق، وفي هذه الظروف أُعتقل الشاعر يوسف برازي وأخيه إسماعيل برازي وحمزة نويران وبوبو كني و خالد داشي من مدينة سري كانييه، ونُقلوا إلى سجن غويران (الحسكة)، حيث تعرّضوا لأبشع أنواع الظلم من ضرب وإهانة وتعذيب استمر لعشرات الأيام ففي هذه السياقات تفتحت القريحة الشعرية لشاعرنا الراحل يوسف برازي، حيث كتب قصيدته الأولى (حبس و زندان) في المُنفردة، كتبها بأعواد الكبريت التي أعطاه إياها شرطيٌّ يدعى (أبو حسن) كان جاره في سري كانييه، وذكر الشاعر مازحاً أنه حين طلب منه أعواد الكبريت، قال له أبو حسن: “شو بدّك تحرق حالك، فقلت له لا تخف”.
أصدر الشاعر الراحل يوسف برازي (بي بهار) خمسة دواوين شعرية طبعت في حياته وهي زندان 1988، بانك 1997، رابرين 2002، سرخبون 2005، بيشكتن 2007، وبقت بقية دواوينه مخطوطة أسيرة الأدراج، و في عام 2012 بعد انطلاق الأزمة السورية دخلت المجاميع المسلّحة بقيادة جبهة النصرة إلى مدينة سري كانييه، فقمنا بجلب كل ما يتعلق بيوسف برازي إلى مدينة الرقة ومن ثم إلى كوباني وأورفا، آمد، خوسر، الدرباسية، واستقرت في سري كانييه من جديد عام 2014، وفي عام 2018 تم طباعة الأعمال الكاملة للشاعر يوسف برازي (بي بهار) على نفقة مؤسسة “روداو” الإعلامية في جنوب كردستان.
بلغ مجموع الأشعار المغنّاة من كتابة وألحان يوسف برازي (بي بهار) 54 أغنية، صدحت بها حناجر العديد من الفنانين الكرد في سوريا، مثل: محمد شيخو، محمود عزير، سعيد كاباري.