القسم العاممختارات

شتّان ما بين الغُربة والاغتراب، ما بين دوّل الشتات والوطن!

شوكت شيخو*

شَتّان! بين من يدفع بالبلاد للدمار، وبين من يدفع به للإعمار؛ ما بين رؤساء الأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط، المُطلَقيّ اليديّن للتحكّم بالبلاد والعباد، دون حسيبٍ ولا رقيب، وما بين رؤساء ومُستشاري أنظمة الاشتراكية الدولية بالغرب الأوربي، المُكبّليّ اليديّن بعديد القيود والقواعد، وبالمثول أمام البرلمان للمساءلة أو الاستجواب تجنباً للتفرّد والفساد.

ليست دعوة للّجوء، ولا للإقامة الجبرية في ظلّ الاحتلال، إنما للإضاءة على ما قرأناه بالكُتُب عن (خير أمة أخرِجت للناس)، على الأفعال المنافية للأقوال؛ لاستخلاص الدروس والعِبَر في رسم مَعالم المُستقبل، عقب الحرب الطاحنة، التي دمّرت البشر والحجر والشجر، وألقت بأثقالها على كاهل الوطن والمواطن.

مع الرمي التمهيدي بالحروب بِغرَض الصَدمَة ولِبَثّ الرُّعب في النفوس بالعُرف العسكري، يتخذ المواطنون العُزّل تدابيرهم إن كان بالصمود أو بالنزوح المؤقّت؛ رغم أنّ الأولوية للقرار الجماعي، باتفاق القيادة العسكرية والأطر السياسية؛ أما للمواطن الأعزل ولأسير الحرب حقوقٌ، نصت عليها مواثيق دولية، في المقدمة منها الحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم، بِمَعزلٍ عن الانتماءات.

وما إن تضع الحرب أوزارها لصالح العدو في شرقنا المعذّب، تبدأ تَبِعاتُها بالتراكُم، وضغوطات المُحتَل تدفع بالمواطن لمراجعة حساباته وإعادة تموضعه وفقاً لظروفه، سواءً بالبقاء أو النزوح، أو اللجوء للغرب الأوربي لحتمية الاستقبال وتوّفر العمل والأمان، رغم خطورة وتكاليف الوصول، مع تعقيدات الحصول على الحماية المؤقّتة (الإقامة) والاندماج، والخشية من التفكك الأسري والانحلال.

أما! حال بلداتنا الكردية المُحتَلة، استثناءٌ بكل المعايير والقيّم، فما يرتكبه قادة فصائل ما يسمى بـ»الجيش الوطني السوري» من جرائم وانتهاكات تحت عَباءة الإسلام وبأوامر مُباشرة من المُحتَل التركي إنما تعكس غَزوات سَعد بن أبي وَقّاص، وعمرو بن العاص، وفتوحات سلاطين بني عثمان من السلطان مراد للشاه إسماعيل إلى الغازي محمد الفاتحِ، على سبيل المثال.

اعتقالاتٌ وضغوطاتٌ، سَلبٌ ونَهبٌ لممتلكات المواطنين العُزّل، لإجبارهم على التهجير، ولتطبيق عمليات التغيير الديمغرافي، تنفيذاً للأطماع التاريخية لتركيا بالمنطقة، وعلى مرأى ومَسمعٍ من منظمات المجتمع الدولي؛ لتَدّحضَ كل ما قرأناه بالكتب عن دعوات الدين الحنيف للتسامُح، وعن عَدالة عمر بن عبد العزيز، المُطبّقة (بالغرب الكافر)، وأفضل مما قرأنا عنها في المناهج، دون ملامستها على أرض الواقع، في ظل سلطة كافة الحكومات الوطنية المتعاقبة على دَفّة الحُكم في البلاد، منذ عهد الاستقلال وإلى اليوم.

الكُلٌ في الغرب! من الوزير للمُستخدَم، متساوون أمام القانون، بالحقوق والواجبات، فما من رشاوي ولا محسوبيات، لا قانون طوارئ ولا أحكام عُرفية، فلا استجوابات ولا مُلاحقات أمنية، ولا عَداً لأنفاس المواطن، لا طوابير أمام الأفران، ولا بمحطات الوقود، ولا على الغاز المنزلي الذي يصل لكافة المرافق كالمياه الدافئة بالأنابيب، لا قيود للتنقل ما بين دول الاتحاد الأوربي، خلافاً لشرقنا المُعتّر، رغم وحدة الدّم والدين.

أما! التطور العلمي والتكنولوجيا واستخدام تقنيات الحاسوب، بكل المَرَافق والمَناحي، وصلت ببعض الحالات لدرجة الاعجاز كالمِعراج، ولتخطيه قدرة العقل البشري على الاستيعاب، نَصت فتاوى فقهاء الدين أن عدم الإيمان بالمعراج، ليس كفراً ولا من الكبائر؛ أما! التكنولوجيا أفرغت الحياة الاجتماعية بالغرب من جُلّ المعاني الروحية والقيّم، وأغلب المواد الغذائية من إنتاج الشرق الأوربي أو من الشرق الأوسط.

أما! حال اللاجئ مع اللجوء بالغرب، كحال المَرء مع الطَبل في الشرق، ايقاعه ممتعٌ عن بُعدِ، أما! على مَقرُبة مُزعِجٌ إلى درجة الصُداع، ربما يؤدي لتمزّقِ غِشاءَ طَبلة الأذُن أو للصُمّ؛ لا تُصدّق كل ما تسمع، فمن رأى ليس كمن سَمِعَ كما يُقال.

اشكالية تدعو للاستغراب والتوقف عندها بإمعان، خيرات البلد تكفيه وتفيض عن حاجته، وما نحتاجه! رَجاحَة عَقلٍ ونبّذُ كافة أشكال العنف والتطرف، طاولة حوار مستديرة لكافة الأطياف والمكوّنات، ونظامُ حُكمٍ ديمقراطي تعددي لا مركزي، أنجع الصيّغ لإنهاء الأزمة السورية ولسوريا المستقبل.

أما نداء الجار للجار! مِن على الجِدار، لارتشاف فنجان قهوة على سطح الدار مع لمة الجيران، يُعيد للأذهان نكهة خبز أمي المعجون بالحنان، ألذّ على القلوب من كل الحلويات ومغريات الغرب الأوربي؛ سِمَة الغُربة الوحدة والرتابة، أما الألفة والمُتعة عنوان الاغتراب بالوطن الأغلى والأجمل من كلّ البلدان… فهل من آذانٍ صاغية شركاء الدين والوطن؟

* جريدة الوحـدة – العدد /339/- 01 تشرين الثاني 2022م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى