القسم العاممختارات

تخليص الجامعات من هيمنة الأحزاب

د. آزاد أحمد علي*

يتم مناقشة الواقع التعليمي في سوريا، وخاصةً أسباب تراجع مستواه بحدة بعد سنوات الحرب والصراع السياسي الطويلة، كما يتم مناقشة مستقبل النظام التعليمي الذي وضعته (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)، بما فيه مستقبل خريجي الجامعات التي أسستها الإدارة الذاتية بقرارات سياسية مستعجلة ومرتجلة.

لزيادة المعرفة بطبيعة النظم العلمية للجامعات ومواصفاتها وبالتالي الإجابة على التساؤلات حول مستقبل المتخرج من هذه الجامعات، أو المكانة والقيمة العلمية للشهادات الجامعية السورية في هذه المرحلة. ينبغي أن نتعرف بشكل أولي على مصطلح الجامعة وسماتها العلمية.

  • الجامعات الأولى في التاريخ

أحد توصيفات الجامعة University)) تعرفها حسياً: بأنها مؤسسة تعليمية كبرى، فهي أكبر من أي مراكز للتعليم العالي والدراسات، فهي مؤسسة لها ميِّزات هيكلية وإدارية، وقانونية في المقام الأول، أي لا يقل في الجامعة أهمية الجوانب الادارية والقانونية عن وظيفتها العلمية، لأنهما جانبان متكاملان وأساسان لنجاح العملية التعليمة، وتطبيقاتها في ربطها مع المجتمعات.

الجامعات المعاصرة نتاج لتطور الجامعات في المجتمعات الأوربية، وربما تبلور مصطلح الجامعة ضمن مسار النهضة الأوربية الطويل، والمصطلح متأتٍ من اللغة اللاتينية، التي تم التدريس بها في الجامعات الجنينية الأولى، حيث تعدّ جامعة بولونيا في إيطاليا أوَّل جامعة في العالم بحسب هذا التوصيف، وقد تأسست عام 1088م.

هذا وتعدُّ جامعة هارفارد إحدى أقدم جامعات العالم، وهي الأولى في أمريكا. فجامعة هارفارد تعدّ أيضاً الأغنى عالمياً، كما تصنف علمياً الأولى بحسب أغلب المعايير، لذلك سنتعرف عليها كنموذج يساهم في تسهيل تقييم أي جامعة موضوع النقاش.

  • الجامعة الأولى والأغنى في العالم

جامعة هارفارد (Harvard University)‏ هي أساساً جامعة خاصة للأبحاث تقع في مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية. تأسست سنة 1636م باسم (كلية هارفارد) وسُمِّيت على اسم المتبرع الأول لها وهو رجل الدين البروتستانتي جون هارفارد.

إن أحد أبرز ميزات جامعة هارفارد إضافةً إلى مستواها التعليمي العالي وكادرها العلمي، هو سقف مِنحها العالي جداً، فمِنحها الدراسية كثيرة لدرجة تبدو أنها جامعة خيرية، وهي ليست كذلك. حتى تجاوز مجموع قيم مِنحها للطلاب والمشاريع البحثية رقماً كبيراً يُقدر بـ /42/ اثنان وأربعون مليار دولار. تساعد هذه المِنح في تمكين الكليات الجامعية من قبول الطلاب بغض النظر عن الوضع المادي لهم (ما يسمى بالقبول الأعمى). فالنظام المالي لهارفارد معقّد، لكن الواضح فيه، تقديم مساعدات مالية سخية للأبحاث ومشاريع الدراسات العلمية. كما يرتبط نظام قبول الطالب فيها بوضع عائلته المادي. على الرغم من صعوبة القبول الجامعي فيها، حيث أن معدّل قبولها للطلاب قليل سنوياً، إلاّ أنها تعطي مِنح للطلبة المميزين اعتماداً على الدخل السنوي للأسرة. فالأسرة التي يقلّ دخلها عن 150 ألف دولار سنوياً تدفع أقل من 10٪ من دخلها، أما التي يزيد دخلها عن 150 ألف دولار سنوياً فتدفع أكثر من 10٪ من دخلها رسوماً للجامعة، وبذلك تكسب المال والطلاب معاً. مكتبة هارفارد هي أكبر نظام للمكتبات الأكاديمية في العالم، وتضم /79/ مكتبة فردية تحتوي على أكثر من عشرين مليون كتاب. كما تضم جامعة هارفارد أكبر عدد من الخريجين وأعضاء هيئة التدريس والباحثين الذين فازوا بجوائز نوبل، بلغ عددهم /161/ أكثر من مائة وستون فائزاً. ولها ميزات ومواصفات أخرى عديدة حتى باتت الأولى عالمياً، ومنها مساحة الأرض التي تشغلها، إذ تبلغ مساحة حرمها الرئيس ما يقارب /85/ هكتاراً.

مع ذلك لا يمكن جعل هذه الجامعة معياراً لجامعاتنا المتواضعة وحديثة التأسيس. إذن ما هي أبرز مشكلات جامعاتنا؟

  • أبرز معضلات جامعاتنا

المعضلة الأساسية في الجامعة السورية، وأفترض هو السبب الرئيس لتراجعها العلمي، وانحدارها نحو مستوى عدم الاعتراف العلمي بمخرجاتها والشهادات التي تمنحها، هو سياسي، نعم جاء مع العقل التأميمي الذي سمح للقوى الحزبية والعسكرية من تنفيذ سياساتها الشمولية بالسيطرة على المجتمع عموماً والمجتمع العلمي خصوصاً. ولم تسمح للجامعات بالتطور العلمي الحرّ، ولا سمحت بالمتفوقين من إتمام تعليمهم العالي لصالح الجامعات، وجاءت الضربة التحطيمية الكبرى مع تفضيل القبول الجامعي للمنخرطين في الأحزاب الشمولية وما يتفرع عنها (شبيبة الثورة). إلى أن تحوّلت الجامعة إلى مؤسسة تدار من قبل حزب البعث عبر (فروع الحزب) للجامعات.

بعد الانتفاضة السورية وتحوّل مساراتها والانهيارات الكبرى في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وصولاً إلى تدمير البنى التحتية، وتأثيرها على الجامعات، باتت الجامعات السورية خارج التصانيف ومعايير الحد الأدنى للجامعات، على الرغم من أن مواقعها القانونية والإدارية وحاجة المجتمع تفرضان استمرار العملية التعليمية فيها.

  • جامعات الإدارة الذاتية

قررت سلطة الإدارة الذاتية استحداث ثلاث جامعات ضمن جغرافية سلطتها (عفرين، كوباني، روج آفا) ومازالت باقية باستثناء جامعة عفرين التي تفككت بعد الاحتلال التركي لمنطقة جبل الكورد. وأول خطأ وقعت فيه سلطة الإدارة الذاتية هو أنها افترضت أن الجامعات تؤسس فقط بقرارات سياسية، وهي ثمرة لتضحيات وبطولات؛ ورغم أنها غير كافية لاستيعاب كافة الطلاّب الناجحين في مدارسها، تفرض قيوداً وأحياناً تمنع لجوء طلاّب في مناطقها إلى دراسة مناهج الحكومة السورية عسى أن ينالوا مقاعد في جامعاتها. لكن تجارب الجامعات في العالم والمنطقة تثبت عكس ذلك، فالجامعات التي تؤسس خارج منظومة قانونية، وخارج بنية دولة أو سلطة منتخبة ومعترف بها، مصيرها مجهول، فضلاً عن أن الأحزاب الشمولية غير قادرة على تأسيس علاقة صحية وصحيحة مع المجتمع، فضلاً عن المؤسسات التعليمية، فالعلم والمؤسسات العلمية تعاني من مشكلة عضوية متأتية أولاً من هيمنة وتسلط الأحزاب والجماعات الشمولية عليها.

ويبدو أن التساؤل الأكثر إلحاحاً يتلخص في: ما هو الحلّ أو المخرج؟! فهل ثمة أمل في توفير بيئة لنجاح الجامعات السورية (الحكومية، الخاصة، والتي تأسست خارج سلطة حكومة دمشق). الحلّ يكمن في أخذ معايير التصنيف العلمي للجامعات في العالم على محمل الجد، ومحاولة تطبيقها نسبياً، للتأسيس لمشاريع جامعات لها مستقبل أفضل، كما تكون قادرة على القيام بمهامها في هذه المرحلة الانتقالية.

  • معايير تصنيف وتقييم الجامعات

التصانيف الدولية للجامعات، ووضع سلم متعددة للتقييم العلمي، وأغلبها متفق عليه، ومن أهم هذه المعايير هو معيار أو تصنيف شنغهاي (Shanghai Ranking)، وكذلك تصنيف QS البريطاني: Quacquarelli Symonds وتقوم بها شركة بريطانية متخصصة في التعليم العالي لتصنيف جودة الجامعات. إضافةً إلى تصنيف مجلة التايمز السنوي، وكذلك العديد من المعايير التي وضعتها وزارات التعليم العالي لجامعاتها.

لن نخوض في تفاصيل هذه التصانيف، لكن لابد من التذكير بأنه يجب أن تكون الجامعة مستحدثة بموجب قانون، هذا القانون يكون ضمن منظومة تشريعية معترف بها دولياً.

كما أنه من الناحية العلمية الصرف، وبموجب كل المعايير، يظل وجود الكادر التدريسي من حملة شهادة الدكتوراه المتفرغين للجامعة هو أساس قوة التصنيف العلمي وجودة التدريس لأي جامعة. بمعنى نسبة عدد أعضاء هيئة التدريس المتفرغين للجامعة (عقد أو تعيين) إلى عدد الطلاب هو أول معيار للجودة. سواءً كانوا أعضاء في الهيئة التدريسية أو باحثين لا يلقون المحاضرات. وبناءً عليه فإن أغلب الجامعات السورية الخاصة هي خارج التصنيف العلمي، لأنه قلّما يوجد أساتذة متفرغين في أي جامعة خاصة، وإن وجد فعددهم قليل جداً، وإنما هم معارون من الجامعات الحكومية. وقد فشلت وزارة التعليم خلال العقدين الماضيين من إلزام الجامعات الخاصة السورية بإرسال الطلاّب المتفوقين بمِنح للحصول على درجات الدكتوراه لصالح جامعاتها. بمعنى أن الجامعات الخاصة السورية هي خارج التصنيف العلمي العالمي حالياً. وعلى الرغم من ذلك فبعض شهادتها معترف بها في الخارج.

باختصار لا يمكن أن تتقدم الجامعات السورية العريقة ولا الجامعات التي تأسست خارج سلطة حكومة دمشق إلاّ بتحقيق عدد من الاشتراطات الأولية:

1-      إخراج الجامعة من تحت مظلة أي سلطة سياسية، وتخليصها من الأيديولوجيات بكافة ألوانها، فما الجامعات التي ثبتت تحت مسميات دينية كالكاثوليكية أو الإسلامية إلاّ مدارس تابعة لهذه الأديان بصيغة ما. وإن تأسست بعض الجامعات العالمية من قبل رجال دين سابقاً، إلاّ أنها خرجت تماماً من تحت المظلّة الإيديولوجية كجامعة هارفارد المذكورة أعلاه.

2-      منع هيمنة أي حزب أو مجموعة إيديولوجية على الجامعة، وكذلك منع وضع صور أي زعيم سياسي في الجامعة، ما لم يكن من خريجي الجامعة، وذلك في المكان المخصّص لذلك. لأن صورة (القائد) هي مقدمة لكي يبتلع النظام الشمولي كل الحياة الأكاديمية والعلمية.

3-      على كل جامعة أن توفد متفوقيها من الطلاب إلى الدراسة في أفضل الجامعات لنيل درجة الدكتوراه والعودة للتدريس فيها، وإلاّ لن يتوفر كادر تدريسي دائم.

4-      توفير مصدر مالي يدعم ويموّل نشاط الجامعة العلمي، وخاصة الأبحاث.

5-      التشبيك والتعاون مع المؤسسات والشركات للاستفادة من مخرجات الكليات العلمية، ولتوفير مصدر تمويل مستدام للجامعة.

6-      اتخاذ اللغة الانكليزية لغة أساسية في التعليم الجامعي، وذلك بشكل حاسم ودون تردد.

* جريدة الوحـدة – العدد /334/- 19 تشرين الثاني 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى