إن دعوة مُختلف الأطراف الدولية والإقليمية، إضافةً إلى القوى الوطنية الراغبة إلى التوجه صوب حلٍّ سياسي في سوريا وفق القرار الأممي ٢٢٥٤ / ٢٠١٥ تقودنا إلى سؤالٍ مهمٍ، ما هو نظام الحُكم السياسي المأمول؟ وما مدى صلاحياته القانونية والسياسية؟ خاصةً بعد الانتهاء من الحرب ودوامة عُنفها الخارق!
فبالرغم من ضرورة توافق كافة القوى على استبعاد خيار نظام حُكم الدولة المركزي والاقتناع بعدم العودة لما قبل ٢٠١١ والتوجه نحو نظام حكم سياسي لا مركزي- كخيار واقعي- لما يتضمن النظام القائم من سلبيات كارثية انصبت على الشعب السوري منذ عقود، في سلب إرادة أبنائها وحجب الخصوصيات والثقافات القومية والتاريخية المتعددة، فحُرمت مُعظم المناطق ومُكوناتها من فرص التنمية الحقيقية والاستمتاع بالحياة الحرّة في كافة مجالاتها الفردية والعامة، مع اختلاف في مدى حرمانهم كشعوب وأقليات وطوائف…الخ.
كلّ ذلك، يدفعنا إلى إعطاء الموضوع اهتماماً ذو أبعاد قانونية، سياسية وفكرية، بُغية بلورة رؤيةٍ لنظام جديد يمنح جميع مكونات الدولة حقوقها ويحمي حرياتها ويصونها دستورياً، لذلك يقع على عاتق القوى الفاعلة البحث عن توافقات حوارية تحمي حقوق وحريات جميع أبناء الوطن من خلال إقرار الحلّ السياسي وفق القرار الأممي٢٢٥٤؛ فما هي مصلحة الشعب السوري في ذلك؟
بالطبع، لا يُمكن الاستمرار في إدارة حُكم مركزي مُتسلط بجميع قراراته في مختلف مفاصل الحياة المُتصلة بجميع المناطق ومُكوناتها كالّتي عرفتها سورية منذ خمسة عقود، بل يتوجب الالتفات إلى مطالب الشعب وسكّان المناطق خارج سلطة المركز في إدارة حُكم لا مركزي ذي تفاصيل وجزئيات تهم خصوصيات أبناء القوميات والأقليات في مناطقها التاريخية، يضمنه دستور ديمقراطي، يُعطى فيه المناطق المُفترضة صلاحيات واسعة لإدارة شؤونها بإرادة مُنتخبيها، بعيداً عن تسلّط المركز وبما يُلاءم مطالب أبنائها! إذ يُطلب التوسّع في صلاحياتٍ واضحة للإدارات والمناطق والأقاليم، تنص عليها بنود الدستور وتحترم حقوق الجميع، بحيث تُشكل عصب الوصول إلى أهداف الإدارة اللامركزية السياسية لنظام الحُكم السياسي، وبنفس الوقت تدعم تماسك الدولة المركزية دون المساس بسمو صلاحيات المركز الوطنية، لاسيما نُرجع مدى أهمية التغيير هذا لأسباب كثيرة لا تُحصى!
يقيناً إنّ وطننا سوريا يمتاز بتنوّعه (القومي، الاجتماعي، الثقافي، اللغوي، الديني)، وبنفس الوقت يخضع أبنائه قسراً لنظام حُكمٍ سياسي مركزي أمني مُحكم منذ عقود، لنظام الحزب الواحد! فشّكل امتعاضاً واحتجاجاً شديدين لدى السوريين عامةً، وهو ما زاد في رغبتهم نحو ترسيخ الفهم الجدّي إلى حُكم سياسي لامركزي لإدارة ما تبقى من سوريا مع الأسف! الأمر الذي يُشكل عبئاً ثقيلاً بعد عقدٍ من القهر والقتل والدمار، وأصبح موضع خلافات وتجاذبات بين السوريين الغيورين أنفسهم، لذا أتت الحاجة إلى حلٍ مستدامٍ للجميع.
مع إفشال عمل اللجنة الدستورية والضغوطات التي تُمارسها مختلف الدول المُحتلة لسوريا، والتهديد والابتزاز اللذين تتعرض لهما مناطق الإدارة الذاتية والتي خسرت مناطق كُردية لصالح الاحتلال التركي ومرتزقته الراديكاليين نتيجة توافق روسي أمريكي آنذاك، إلاّ أنّ استمرار الابتزاز الروسي في فرض شروطه على الإدارة الذاتية لصالح النظام السوري، يجب التعامل معه بحذرٍ شديدٍ، وما الضجيج الإعلامي حول ما يجري حالياً بخصوص مُفاوضاتٍ بين النظام من جهة، والإدارة وقوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية من جهةٍ أخرى، إلاّ تسويق لتسويات ومُصالحات تخدم مصالح روسيا والنظام السوري، مع تراجع الدور السياسي الأمريكي والأوروبي.
أما الحلّ الذي يُناسب السوريين فهو التغيير نحو حٌكم سياسي لا مركزي «ذو إدارات أو أقاليم أو مناطق عدة»، يكون لكل منها دستورها وبرلمانها وقوانينها المحلية ولغتها الرسمية، على أن لا تتعارض ما يُثبت ذلك في الدستور العام للدولة، مع إمكانية تحديد الرقابة القانونية على المؤسسات من خلال الأجهزة القضائية المُختصة ومراعاة توافق القوى السورية المؤثرة وصلاحيات سلطة الدولة بغاية تحقيق مستوى مُمكن من ديمقراطية تضمن تحقيق مستوى أفضل من إعادة التنمية المحلية، والاستفادة من تجارب نُظم حكم لا مركزية قائمة في العالم.
إنّ وحدة الشعب السوري ووحدة أراضيه، لا تعني عدم احترام خصوصية وأحقية الهوية القومية والطائفية والثقافية لسكّان وقوميات الإدارات والأقاليم والمناطق، فالصلاحيات الممنوحة لسلطة المركز على حساب الإدارات في السياسة الخارجية والدفاع والأمن لا تعني تجاوز حقوق وحريات باقي مُكونات الدولة، فكل ما يتعلق بالمُحافظة على هوية الدولة الوطنية، يجب أن تُفصل في حلِّها عبر آليات دستورية.
* جريدة الوحـدة – العدد /334/- 19 تشرين الثاني 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).