القسم العاممختارات

الانسحاب الأميركي من أفغانستان… هل نرى انسحاباً مشابهاً من شرق سوريا؟

صلاح كُرداغي*

بعد توجُّه الحلف الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية إلى مُحاربة الإرهاب الإسلاموي الدولي بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١م لعقدين من الزمن، يبدو أن حقبة التدخلات العسكرية المباشرة لتغيير أنظمة هددت وتهدد الأمن والسلام الدوليين تُشارف على الانتهاء، لما لها من خسائر عسكرية واقتصادية كبيرة وكلف باهظة في الأرواح البشرية، لذا توجهت إلى عقد تحالفات عسكرية-أمنية-استخباراتية على أسس جديدة تنهي حالة الحروب الأبدية من جهة، ومن جهة ثانية تفي بغرضها وتحمي مصالحها الاستراتيجية وفق لعب سياسية مُتغيرة.

كان آخرها الانسحاب الأميركي العسكري السريع من أفغانستان، بعد توقيع اتفاق الدوحة بمساعي قطرية- تركية بين الأمريكان وحركة طالبان الراديكالية المُتطرفة، تلاه سيطرة الأخيرة على أكثر من خمسة وثمانون بالمئة من الجغرافيا الأفغانية والعاصمة كابول خلال يومين، وفيما بعد على كامل البلاد تقريباً؛ رافقتها بروباغندا إعلامية حول إخلاء مطار كابول الدولي وإجلاء الرعايا الأجانب والأفغان المُتعاونين مع الجيش الأميركي والبعثات الدبلوماسية، بعد عقدين من التعاون مع الحكومات الأفغانية المتعاقبة، وكان هناك تفاهمٌ مبدئي بين أمريكا وتركيا، بحيث الأخيرة تقوم بتأمين مطار كابول، في رغبةٍ من أنقرة لحجز موطئ قدمٍ لها في أفغانستان، ولكن لتفاقم التطورات الميدانية وتسارع الأحداث، لم تتمكن من تنفيذ هذا التفاهم!

إن هذا الحدث الذي وصف من قبل المتابعين السياسيين بالفوضوي والارتباكي، والذي سيكون له انعكاسات مُباشرة على المنطقة، خاصةً في العراق وسوريا، إلى حدٍ توقَّع الكثيرون بانسحاب أمريكي مشابه للأول من الدولتين، وترك مصيرهما للمجهول في مواجهة الإرهاب والتطرُّف، إلا أنه في الحقيقة هو توجُّه جديد لسياسات الناتو، خاصةً لدى الأمريكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي يُشكل فتحاً للأبواب على مصراعيها أمام الإسلام السياسي المُتصاعد، لتتنفس حركاته الصعداء وتُعيد ترتيب أمورها، ولهذا آثار مدِّمرة على حاضر ومستقبل شعوب المنطقة دون حكّامها.

المعلوم، أن لتركيا دورٌ بارزٌ في تلبية احتياجات حركة طالبان نحو الانفتاح الدولي عليها، لذا تحاول دبلوماسيتها على نسج العلاقات مع الحركة بأي شكلٍ كان، عبر خطوات عدة، وتراهن بالحصول على ضوء أخضر أوروبي- أمريكي لتطويرها، مستغلةً عضويتها في الناتو، ومحاولةً إبراز واستغلال ورقة اللاجئين الأفغان بقصد الابتزاز المالي وتحقيق مكاسب سياسية؛ إذ تعتمد على الدورين القطري والباكستاني في بناء وتطوير العلاقات مع طالبان، فقطر لعبت دوراً مهماً في المفاوضات التي جرت بين الإدارة الأمريكية وطالبان في الدوحة، أما باكستان فكانت ولا تزال الحديقة الخلفية للحركة وداعماً عسكرياً ولوجستياً لها منذ عقدين من الهزيمة، هذا وبغض النظر عن النتائج المحتملة للدور التركي في أفغانستان والعقبات والتحديات التي تعترضه، أنقرة تجد فيها ميداناً جديداً لسياساتها الإقليمية، ومنطلقاً لتعويض خساراتها في مناطق أُخرى.

إلا أنّه ما يهمنا كمتابعين للشأن الوطني السوري العام، وما يتساءله المهتمون، هل يُعقل أن يُعتبر التعاطي الأمريكي مع أفغانستان نموذجاً لسياسات واشنطن في الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا والعراق؟

ما يتوضح تدريجياً منذ الانسحاب الفعلي وتصريحات المسؤولين الغربيين وبالأخص الأمريكيين منهم، بأن أفغانستان ليست العراق وسوريا، ولا وجه للمُقارنة من جهة مصالحها الاستراتيجية، وأن السبب الرئيسي لقرار إدارة بايدن بالانسحاب وإنهاء حالة القتال العسكري العنيف بين القوات الأميركية وطالبان يرجع لعدم قبول الشعب الأمريكي بأي تصعيد عسكري جديد وإرسال الآلاف من أبنائهم إلى معارك أفغانستان، وترجيحها للتركيز على التهديدات الناشئة من الصين وروسيا.

فعلى العكس من أفغانستان، لا تواجه إدارة بايدن أي حاجة مُلحة إلى تصعيد كبير في العراق وسوريا لوجود قواتها العسكرية هناك بمهمة محددة لمساعدة القوات المحلية على محاربة داعش فقط، فلم تكن في مواجهة مباشرة مع مسلَّحيها، كما أنها ليست في حرب مفتوحة مع الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، إنما هناك نفوذ أميركي لمنع إيران وروسيا من السيطرة على شرق سوريا، إضافةً إلى أن الوضع في العراق مستقر نسبياً من الناحية العسكرية ولا ضرورة للتصعيد، لذا تم توقيع اتفاق بين بغداد وواشنطن حول الانسحاب المنسق للقوات الأمريكية والإبقاء على مستشارين وطواقم تدريبية، كما لا توجد مخاطر جدية على الجنود الأميركيين في شرق سوريا، وهناك خط اتصال ساخن بين القوات الأمريكية والروسية على الساحة السورية لتفادي أي اصطدام أو وقوع خطأ عسكري بين الجانبين.

صراحةً لتصريحات المسؤولين الأمريكيين بعدم وجود نية الانسحاب من سوريا أسباب في تغيير استراتيجيتها، أولها لاعتباره مكسب ضد إيران وروسيا في المنطقة، ثانيها انسجاماً مع الموقف الإسرائيلي الرافض للوجود الإيراني في سوريا ولأجل تعزيز حماية أمنها الإقليمي، ثالثها وجود ضغط لمجموعة من الساسة الأكاديميين المتنفذين في واشنطن تدعم الكُـرد وتؤيد مطالبهم.

مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا والعراق مُتعددة الأوجه، البلدان فريدان في تركيبتهما، وهما أكثر الدول تعددية في الشرق الأوسط، لذلك ستستمر مصالح أمريكا ووجودها العسكري، ليس كمهام قتالية، إنما يشمل حماية أمن البلدين ومساعدة القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية في هزيمة داعش بشكلٍ نهائي وصدّ الميليشيات الإيرانية، مع عدم سعيها إلى تغيير النظام السوري، إنما إلى تغيير سلوكه بالتعاون مع المجتمع الدولي، تمهيداً للوصول إلى حلٍّ سياسي للأزمة السورية وفق القرار الأممي /٢٢٥٤/.

* جريدة الوحـدة – العدد /333/- 30 أيلول 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى