الشاعر الكردي بدل رفو المزوري محلقا بالإبداع في الشعر والترحال
حوار اجراه:حواس محمود
بدل رفو:انا والقصيدة شربنا معا من ماء دجلة
بدل رفو: حين أترجم لشاعر ربما يكرهني هو وهذا لا يهمني لأني أترجم أدب شعب وتاريخه
ثمة شخصيات مبدعة تجتمع في روحها عدة مواهب تتآلف على ميزة واحدة هي الإبداع ..عندما يتابع المرء تجربة الشاعر الكردي العراقي بدل رفو المزوري صاحب العديد من المجموعات والدواوين الشعرية والعديد من كتب الترجمة الشعرية تدهشه هذه المسيرة الطويلة الشاقة المحملة بآلام وهموم ومتاعب الغربة وعشق الوطن وهو إذ يقوم بتحويل عشقه لوطنه وآلام غربته إلى شعر وترجمة وترحال فانه يقوم بتحويل الألم إلى الإبداع وهنا سر العذوبة والجمالية في تجربته الشاملة
ولكي نكون على تماس مع التجربة الغنية كان لنا معه الحوار التالي :
ممكن أن تحدثنا عن اتصالك الأول بالشعر كيف اشتعلت لديك جمرة الشعر في أول اتقاد لها
القصيدة بدأت معي من أزقة مدينة تاريخية وهي الموصل في العراق ومن الإحساس الأولي بالوجع الإنساني والبحث عن إحساس جميل بين ثنايا الإنسانية ،القصيدة وأنا شربنا معاً من ماء دجلة وتغربنا معاً لنشرب من ينابيع النمسا الجبلية ترافقها آهات ووجع شعب يبحث عن حرية الذات..حملت القصائد وكلماتي المتبعثرة من سفر الحياة في حقيبة ظهرية ممزقة لتشاهد وجه العالم ويشاهدها العالم والإنسانية وصورته الجميلة..القصيدة بدأت نهاية السبعينيات وبقينا معا ولم نفترق وعبرنا حدود البلدان معاً.
وأنت تعشق الوطن كما يتبدى في نصوصك الشعرية لماذا لا تستقر في الوطن الأم حيث تعانق كل ذكرياتك الجميلة هناك
أنا لم اعشق الوطن في نصوصي فقط بل عشقت الوطن من خلال أغاني المهد التي كانت ترددها والدتي لي أيام الطفولة وهويت الوطن وأنا في رحم أمي وأنصت لأغانيها وهي تتغنى ببطولات شعبي وناسي وبلادي المسافرة معي في دمي،مطربة الحي لا تطرب هكذا قالوها وبلادي لا تختلف عن بلدان الشرق من ناحية التهميش والإقصاء واقصد هنا وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية ولهذا اخترت الغربة من اجل أن احتفظ بتاريخ بهي ونقي وسأقضي العمر المتبقي في هذه البلاد التي منحتني الحرية وتحس بي كانسان واجد فيها العدالة الإنسانية ولكن الوطن الأم سيظل الوطن.
ما الذي يغذي فيك روح السفر والترحال ما هو ” فيتامين دفع السفر “إن جاز التعبير لتحلق في جغرافيا الكون المتعددة بلغاتها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها من المغرب مرورا بالنمسا موطنك الجديد وانتهاء بصداقتك لأطفال الهند
في رحلاتي ابحث عن نفسي وروحي المهاجرة وصورة وطني ،ابحث عن البلدان القديمة وهويات الأوطان وثقافات الشعوب فهناك مثل كوردي (هذا الإنسان رأى الدنيا) وكما يقول الشاعر التشيلي بابلو نيرودا بأنه يعترف أنه قد عاش حياته وأنا أيضا اعترف باني قد عشت حياتي ورأيت العوالم والثقافات ولأول مرة أقول هذا الشئ فقد كانت جدتي أم والدي لها التأثير الكبير علي في حبي للسفر وذلك بعد موت جدي(رفو)كانت جدتي تعشق السفر إلى الأماكن المقدسة فمرة في الأماكن المقدسة في مكة ومرة أخرى في أماكن مقدسة أخرى وحين ترجع من السفر تحكي لي حكايات السفر وفوائد السفر وثقافته واني افتقدها في كل رحلاتي وأقول في نفسي كم أتمنى لو كانت حية وسردت حكايات الشعوب والاوطان،فيتامين السفر هو المعرفة وحب المغامرة والرقود على الجبال بالخيمة والاختلاط بالطبقات البسيطة من المجتمعات وإقامة الحلقات الثقافية حول شعبي وعاداته وثقافاته.
كيف توفق بين كتابة الشعر والترحال والترجمة والعمل الصحفي
التوفيق هو الجمال فانا ابحث عن الجمال في الصور التي أتناولها فان كانت القصيدة والفكرة حاضرة في عالم بهي وجميل وقتها سأكتب الشعر وكذلك حين تضيق الدنيا بي في النمسا ابحث عن سفرة جديدة في العالم وأنا لا يهمني أينما يكون اتجاهي فمن اجل 5 دقائق حرية مع الذات بوسعي السفر إلى آخر العالم والترجمة فانا سعيد باني قدرت أن أحقق حلمي باني ترجمت لحد الآن لأكثر من 100 شاعر كوردي و100 شاعر نمساوي وترجماتي الآن هي من المصادر المهمة للباحثين عن الأدب الكوردي والنمساوي وبالنسبة للعمل الصحفي فاكتب حول النمسا وقد تمكنت بان اربط النمسا بالشرق وأكون ذلك الجسر الثقافي بضمير إنساني.
بمن تأثرت من الشعراء الكرد والعرب
التأثير شئ والقراءة لهم والاستفادة من كلماتهم وصورهم وعوالمهم الشعرية شئ آخر فقد كنت أقرا باستمرار أيام الدراسة للشعراء : عبدالرحمن مزوري،د. بدرخان السندي،جلال زنكابادي،صديق شرو ،لطيف هلمت، والشعراء العرب كنت أقرأ للماغوط ومحمود درويش وقباني وشعراء الثورة ولشعراء العالم كان ملهمي الأول هو رسول حمزاتوف واني احتفظ بكتابه الخالد بلدي،وشعراء آخرون وخاصة شعراء روسيا في القرن التاسع عشر.
هل أنت نادم على بعض ترجماتك لشعراء أكراد الى اللغة العربية
أنا لست نادماً ولست مزاجياً مثل بعض مؤسساتنا الإعلامية فحين أترجم لشاعر ربما يكرهني هو وهذا لا يهمني لأني أترجم أدب شعب وتاريخه وأقدم للآخر جمال الشعر الكوردي ولكني أتألم مع نفسي حين ترجمت لشاعر كنت أظنه كبيراً ولكنه اتخذ من شعره جسراً للوصول إلى مصالحه الشخصية وأتألم حين يتغنى شاعر بفقير وهو يعيش في برج عاجي ولا يعرف إحساس الفقير فالشعر ذلك الإحساس الجميل بالوطن والإنسان والإنسانية وللعلم ترجمت لعدد كبير من دون أن أراهم أو تربطني بهم صداقة أو علاقة والمهم عندي أدب شعبي وبلادي .
بماذا تشعر وأنت تحط الرحال من بلد إلى بلد هل لك أن تتحفنا ببعض الحوادث المثيره وبعض المصادفات الشيقة أثناء ترحالك في العديد من دول العالم.
في كل بلاد تصادفني حوادث مثيرة وربما طرفاً أيضا وعلى سبيل المثال في إحدى قرى كازاخستان الكوردية دعتني عائلة كوردية للعشاء وقاموا بذبح خروف ووقت العشاء قدموا لي الدجاج وهذه من الغرائب،في مدينة اغرا في الهند وعلى رصيف كادت بقرة كبيرة أن تدهسني لولا صياح أصدقائي النمساويين لي في آخر ثانية(فلا شيئ يسد طرق الأبقار في الهند لأنها مقدسة) وعلى جبال المكسيك كادت الصقور أن تهاجمني لأني كنت قريبا من أعشاشهم وأشياء أخرى كثيرة.
ما رأيك في مآسي الشرق الأوسط والحال الذي وصلت إليه شعوبنا إزاء اشتداد الصراعات والنزاعات المذهبية والطائفية بعد الربيع العربي في ظل الصمت السياسي وكذلك الإنساني العالمي الغريب
مشكلة شعوبنا في الشرق الديمقراطية لم تنضج ولم تولد أصلا بعد فالربيع العربي كما يسمونه فهو خريف عربي فالديمقراطية لا تعني برحيل رئيس ومجيئ آخر بالعكس الديمقراطية هي احترام الرأي الآخر وتعلم في المدارس ففي شرقنا المهترئ ، السياسي ينظر بعين الاستصغار إلى العامة والشعب فكلما كان السياسي قريبا من الشعب لكبر في أعين شعبه ولكن في بلداننا أكثر الوظائف تتوقف على العلاقات الشخصية ولهذا نرى الإنسان المبدع الشرقي يجد نفسه في الغرب لأنها تمنحه الأمان والحرية والحقيقة ، والإنسان المبدع في بلداننا مهمش ومقصي من قبل الجهات المسؤولة ولهذا يظهر التمرد في أعماق الطبقة المسحوقة وعدم توفر العدالة الاجتماعية والظلم والفساد ووو…الخ
أجرى الحوار : حواس محمود –