ضَعُفَ الاهتمام بمسار إيجاد حلٍّ سياسي للملف السوري من قبل عرابي السياسة الدولية في السنوات الأخيرة بشكلٍ أساسي، نتيجة عوامل كثيرة، منها التفاهمات بين قطبي السياسة الدولية، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من جهة، ومصالح الدول الإقليمية المرتبطة بكل منهما من جهة أخرى، إضافةً إلى مُضاعفات الاحتلالات المُباشرة على الأرض السورية عسكرياً واقتصادياً وأمنياً، وتحوُّلِها إلى مناطق نفوذ مُحكمة السيطرة عليها، واسترجاع النظام لأكثر من خمسين بالمئة من الأراضي التي سيطرت عليها المعارضة الإسلامية المتطرفة لعدة سنوات من بداية الحرب، بمساعدة روسيا وإيران.
إلاّ أنه تولّدت لدى السوريين آمال بالتغيير وتحريك المياه الآسنة مع استلام الإدارة الأمريكية الجديدة لمهامها، ولكن سرعان ما تلاشت خيوطها شيئاً فشيئاً، على الأقل في المدى المنظور وأصبحت سراباً!
واتضح ذلك جلياً بعد لقاء الرئيسين الأمريكي والتركي على هامش قمة زعماء حلف الناتو في العاصمة البلجيكية بروكسل في الشهر الفائت، حيث تتفق أمريكا وتركيا في العديد من النقاط بخصوص الموضوع السوري، كاعتماد قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ أساساً للحل السياسي، وضرورة استمرار العمل لإيصال المساعدات الإنسانية الى الداخل السوري، إضافةً إلى حماية المدنيين في إدلب دون غيره من المناطق السورية، إلاّ أن الدعم اللوجستي الذي تقدمه الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية تشكل عقبةً أساسيةً في وجه حلّ خلافاتهما السياسية في سوريا، حيث تستخدم تركيا حجتها المزعومة بأن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD هو امتداد لحزب العمال الكردستاني وأنه يشكل خطراً على أمنها القومي، إنما في الحقيقة غايتها مُحاربة الكُـرد شعباً وقضيةً أينما كانوا.
وقد صرّح الرئيس التركي الداعم الأول للإرهاب – في سوريا والمنطقة – قبل اللقاء المذكور، بأنه هناك حقبة جديدة من العلاقات سيشهدها البلدان وهناك إمكانية لتعاون مشترك على نطاق واسع في سوريا والمنطقة في مجالات عدة.
وتجلى غياب اهتمام الإدارة الأمريكية بالحل السياسي في سوريا تماشياً مع تغيير سلم أولوياتها، والتراجع عن خططها، بدلاً من ضرورة تغيير النظام العالمي، بالتوجه إلى الداخل الأمريكي، الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقيات المناخ والبيئة وجائحة كورونا.
هذا وما يُثبت تلاشى خيوط الأمل نحو الحل السياسي المأمول أيضاً، عدم ملاحظة أية تحولات جديدة تُحدث تغييراً ملموساً في السياسة الدولية كما كان يُدعى به أو يتخيله البعض! بعد اجتماع القمة بين جو بايدن وفلاديمير بوتين الذي انعقد في الشهر الفائت؛ حتى اللحظة لا توجد دلالات واضحة حول التغيير وفرض حل سياسي ما للأزمة السورية.
وسواءً كان عدم الاهتمام الأميركي هذا ينمّ عن إخفاء حقيقة خطط إدارتها الجديدة بالتوجه نحو الاتفاق النووي مع إيران والتركيز على دور فعال لحليفتها تركيا الفاشية المُتورطة بجرائم حرب تجاه جيرانها لإبعادها عن محور روسيا، أم عن قناعتها بتراجع أولوية الاهتمام بالملف السوري في سياستها الخارجية في المنطقة، كل ذلك لم يمنع الإدارة الأمريكية من تسجيل نقاط ناعمة لها دلالات خاصة بها في المرحلة القادمة.
فإن ما تتبعه من سلوك مرّن في تطبيق قانون قيصر بخلاف الدعاية الإعلامية التي روجت لها، يشكل أحد أهم النقاط في التنازل عن سياسة التشدّد الترامبي تجاه النظام السوري.
أما الاستمرار في الدعم اللوجستي لقوات سوريا الديمقراطية في إطار محاربة داعش والتلويح بها ضد النظام وداعميه كورقة ضغط في الحل السياسي النهائي، هذه النقطة تدل على تنازلها عن الاهتمام بمصير السوريين للروس ضمن توافق ما.
إلاّ أنّ محاولتها شرعنة أسباب تواجدها العسكري ودعمها للقوات العسكرية المحلية في شرق سوريا، وقوننة استثمار حقول النفط التي تقع ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، كذلك استمرارها في دعم المثلث الحدودي في منطقة التنف بين سوريا والعراق والأردن، هي خدمات على أرض الواقع بمقابل ما.
أما الآمال فهي محدودة تجاه محاولاتها الناعمة المُنسقة مع الروس لفرض نوعاً من الاستقرار الميداني على المستوى السوري من خلال موضوع إدخال المساعدات الإنسانية مؤخراً عن طريق الأمم المتحدة، وهذا يُنبه عن وجود نية لدى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إعادة تفعيل دورها في المدى البعيد بدعم بعض الفصائل المسلحة المناهضة للنظام السوري، تمهيداً على ما يبدو لاسترجاع تأثيرها الميداني والعسكري الذي فقدته خلال حقبة ترامب، وظهر ذلك جلياً بعد لقاء بايدن – بوتين بخصوص المستقبل السوري، ومن شأن هذه الإجراءات فرض استراتيجية بالتنسيق مع الجانب الروسي وتسليمها الملف السوري برمته، بحيث تُضمن من خلالها الوصول إلى الحل السياسي وفقاً لرؤيتها القائمة على أساس قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ وهو ما يؤكده مختلف المسؤولين الأمريكيين.
أما بخصوص حليفتها في الناتو تركيا، فمنذ أن تولت إدارة بايدن السلطة، بعثت برسائل ناعمة تحثها لكبح جماحها في مناطق خفض التصعيد، خاصةً في ريف إدلب، مفادها بأنها لا تحصر تحالفها العسكري واللوجستي مع قوات سوريا الديمقراطية (وبالأخص القوات الكُردية) بل تأخذ بعين الاعتبار مسألة التوازن بين مختلف المكوّنات السورية، رغم وجود تعثر في تصحيح علاقاتهما لما ترتكب أنقرة من جرائم في الشمال السوري، خاصةً في المناطق الكُردية كإبادة جماعية وتغيير في التركيبة السكانية وديمغرافية المنطقة.
وليس غريباً أن تختار الدولة التركية -التي تتصرف كدولة مارقة- هذا التوقيت الحسّاس لتُعيد هيكلة الفصائل المسلحة الراديكالية الإرهابية التابعة لها، بغية إضفاء طابع الجيش النظامي عليها، والسعي إلى توسيع مناطق احتلالها وترسيخ نفوذها وسياساتها التوسعية، والتغطية على ما تُجري من عمليات التغيير الديمغرافي في المناطق الكُردية المحتلة على قدمٍ وساقٍ، بمساعدة روسية وإيرانية وغض نظرٍ أمريكي.
الوضع السائد بكل اتجاهاته يُنذر بمخاطر مُستمرة لعدة سنوات أخرى، على خلفية التعاطي المُترنح مع الملف السوري بشكل عام والملف الكُردي السوري بشكل خاص، بعد كل الدمار الذي لحق بالسوريين لأكثر من عشر سنواتٍ كارثية.
* جريدة الوحـدة – العدد /331/- حزيران 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).