لكتابة التاريخ معايير، أبرزها التجرد من أية نزعة عرقية أو دينية أو سياسية، تَعددُ مصادر البحث، واعتماد اللُقى الأثرية كدليل مادي غير قابلٍ للتأويل؛ أما تسمية سليمان محمد أمين ابن قرية كوكان – عفرين، الذي قام باغتيال الجنرال كليبر بسليمان الحلبي، والادعاء بأن ابن بطوطة الإسباني ومحمد كرد علي وصلاح الدين الكردي، كما ابن سينا وابن الأثير وابن فرناس ذوو الأصول الفارسية، أو كل من خدم العروبة والإسلام، عربٌ أقحاح ليسوا بعجم ولا بأعراب مستعربين، ومن العظماء والمفكّرين، رغم أن الأخير لقيّ حتفه في التحليق؛ التباهي بأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم والحق يقال! بأن القرآن نزل على النبي بلسان عربي واتخاذ الآية الكريمة (كنتم خير أمةٍ أُخرِجت للناس) بعد تعمُد بترها حُجّة وكمقياسٍ عرقي، في محاولةٍ للاستعلاء على الأمم الأخرى… ذروة الغش والتحريف والتزوير، القائمة تطول، وما تقدّم ليس سوى غيضٍ من فيض، فحَدّث وما من حرج.
ازدواجية المعايير أو الكيل بمكياليّن أبرز أشكال التمييز وانتهاك لمبدأ العدالة والمساواة، كأساس للفقه القانوني؛ جوهرها! جواز تأدية أطراف محددة، لسلوكيات معينة وحرمان أخرى منها، أو اتخاذ عقوبات متناقضة بطرفين في قضية واحدة. أبرز تعبيراتها في السياسة الأمريكية حيال قضايا المنطقة ومنها قضية فلسطين، فالسياسات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل هي موضع استنكار الشعوب والأنظمة العربية، وإن تنتهج نفس السياسة مع الأقليات الدينية والعرقية، التي تشاركها العيش في دولة واحدة، كان من المحال أن تقوم لها قائمة لولا اتفاقية! سايكس – بيكو الاستعمارية، خاصة مع الكُـرد الذين عانوا ولا زالوا من سياسة الحرمان والتمييز.
وتأييد النظام بتطبيق اجراءات شوفينية مقيتة بحقهم في سوريا، وتوزيع أراضيهم الزراعية بالجزيرة للمرّحَلين إليها من أرياف الرقة وحلب، بذريعة غمرّ أراضيهم بمياه بحيرة الأسد، وحرمان الفلاحين الكُـرد من حق الانتفاع بها، عقب الاقدام على تجريدهم من جنسياتهم وفي بناء قرى نموذجية فيها للمغمورين، لا يختلف في جانبٍ منها عن الظلم الذي وقع على الفلسطينيين؛ فالظلم غير قابل للتجزئة، إن كان بالحسكة أم في فلسطين.
تبرير ما كان يرتكبه النظام العراقي البائد ضد معارضيه، من عمليات أنفال وإبادة جماعية واستخدام غاز الخردل والسارين المُحرّم دولياً ضد الكُـرد، واعداماته في سجنيّ نُقرة السلمان وأبو غريب السيّئان الصيت بلا محاكمات، مع إدانة السلطات العراقية الحالية في محاكماتها لفلول النظام السابق على جرائم ارتكبوها، لا ينسجم والموقف المطالب بإسقاط النظام السوري بمجرد رفضه الاستجابة لمطاليب المتظاهرين قبل اللجوء إلى السلاح، على وقع تقاطعات مذهبية وسياسية، أو المطالبة باسترجاع لواء إسكندرون السليب، ومساندة تركيا في احتلال «عفرين، كري سبي/تل أبيض، وسري كانية/رأس العين».
والصمت حيال ما ترتكبها الميليشيات الارتزاقية الموالية لتركيا من جرائم فظّة بحق سكّانها الأصليين إلا لكونها! مناطق كردية محضة أو ذات غالبية كردية، رغم وقوعها ضمن حدود الدولة السورية، وبالاستماتة على كردستان مغتصبة ومقسمة، ومحاربة الكُرد بكافة الوسائل المتاحة على فرضية طموحهم بإقامة كيان قومي، لشعب يقارب تعداده خمسين مليون نسمة، ومحرومٌ من أبسط حقوقه القومية، وباعتبار تقرير المصير حقٌ مشروع للجميع أما فللكرد! انفصال مشين؛ إدانة سياسات التهويد والتتريك والتفريس بحق العرب، ووصف أي كيان أو طموح كردي بإسرائيل الثانية، لا ينسجم وشرعنة التعريب بحق الكرد ودعوات تحرير الأراضي العربية المحتلة، وبحلّ القضية الفلسطينية حلاًّ عادلاً، ولا توحيد الأمة العربية في دولةٍ تمتد من المحيط إلى الخليج، وبسمواتٍ وأراضٍ وبحارٍ تتكلم العربية!
تأييد نظاميّ البعث في سوريا والعراق، عما كانا يرتكبانه من جرائم بحق الكُـرد في البلدين، وإدانة انضمام بعض أطراف الحركة الوطنية الكردية للتحالف الدولي، لتحرير العراق من النظام البائد، ومحاربة تنظيم داعش الارهابي في سوريا، من أجل رفع المظالم عن كاهلهم واتهام الكُـرد بالعنصرية والخيانة بمجرد قيام بعض الكُـرد من مواطني تركيا، بنصرة أبناء جلدتهم في سوريا بتصديهم للهجمات الإرهابية التي طالتهم، رغم وحدة الدم والدين، مع أن ما يفصل بين بلدتين كرديتين على طرفيّ الحدود، أسلاك شائكة وخطوات… بينما تعاونت جماعات المعارضة، ولا تزال مع تنظيمات تكفيرية إرهابية ومرتزقة من الإيغور والشيشان وغيرهم، في السعي لإسقاط النظام السوري بالسلاح!
ازدواجية عجيبة وغريبة! المعارضة كما النظام السوري، يسعيان بشكلٍ حثيث لكسب رضا أمريكا وعلى استعداد للتحالف مع شياطين الأرض في سبيل مصالحهما، بينما يستنكران انضمام قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى التحالف الدولي المناهض لداعش، بقيادة أمريكا كحليف في الحرب على هذا التنظيم الإرهابي، الذي شنّ حروباً شعواء على مناطقهم، وشكَّل ولا يزال خطراً كبيراً على البلد ككل… بينما قوات الطرفين الممتعضين من «قسد» انسحبت من مناطق شاسعة في سوريا، ليتسلمها تنظيم داعش، الذي بنى دولته الإسلامية المزعومة، في العراق وفي الشام، وكلَّفت شعبي البلدين والبشرية عموماً أثماناً باهظة وضحايا مدنيين.
إشكاليةٌ أخرى! لجوء الملايين من العرب والمسلمين إلى الغرب «الكافر» هرباً من بطش أنظمة بلدانهم، وبارتضاء العيش على ضرائب مواطني تلك الدول، وقيام بعضهم بأعمال التخريب والتفجير، وهدر أرواح مواطني بلدان المهجر عبر التكبير بذريعة التكفير، وفي تسمية احتلال مناطق من بلدانهم تحريراً، وغزو عفرين بالفتح المبين، مما دفع بالكثيرين التكفير بعقيدة مَن يَكفَرُ بالدين باسم الدين.
دعوات عربية مستمرة لسكّان الجولان المحتل، التمسك بجنسيتهم السورية، بينما تم تبرير تجريد مئات الألوف من الكرد السوريين من جنسياتهم؛ وهناك إجبار للطلاب في الجامعات السورية على وجوب اختيار لغة أجنبية إلى جانب اللغة العربية، مع حظر اللغة الكردية في وقتٍ يتم فيه فرض التعليم باللغة العربية على الكُـرد شركاء الوطن والدين، مع اتهامهم زوراً بالانفصالية وبالتكفير، ويعتبر الكثيرون محاربتهم فرض واجب على كل مسلم عربي… مسائل تستدعي إعادة النظر ببعض أحكام الدين الحنيف وإلاّ فإن الحديث الشريف (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) برسم الصحيحين مسلم والبخاري.
إذا كانت أجندات حركة حماس قد دفعت بخالد مشعل لتَفهُّم مخاوف تركيا على أمنها القومي ومباركة غزوها للشمال السوري وباحتلال ثلاث مناطق كردية، فهل من الانصاف وحق الآخرين؟ وجوب تَفَهُّم مخاوف إسرائيل على أمنها القومي، في قصف قطاع غزة بالصواريخ، أو بالقضاء على حركة حماس المُصنّفة على لوائح الارهاب الدولي، والتي تربطها علاقات وطيدة مع إيران، الداعية ليل نهار، لإزالة أمريكا وإسرائيل من الوجود.
الحرية والعيش بكرامة وتحقيق طموحاتٍ مشروعة حقٌ لك ولغيرك، جوهر العدالة الإلهية والقانونية! أما ما دونه كيلٌ بمكياليّن، غُلّوٌ وتزويرٌ وتكفير وإلا (مَن حَمل علينا السلاح فليس مِنّا، ومن غشّنا فليس مِنّا) حديث شريف للنبي العربي (إن استحَلّ ذلك فقد خرج من دين الإسلام ومن الأمة) إخراج الترمذي الأوزبكستاني، صحيح مسلم الفارسي برسم الإسلام والعروبة، جماعة الجهاد والتكفير وإخوان المسلمين، والفصائل السورية الارتزاقية الموالية لحزب العدالة والتنمية التركي، وبرسم (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والسلطان العثماني الجديد).
* جريدة الوحـدة – العدد /331/- حزيران 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).