القسم العاممختارات

«الانفصال» تهمة ملاصقة للنضال الكردي في سوريا… أعوان محليين لسياسات تركيا المتأزمة

الافتتاحية*

اجترار تهمة الانفصال بحق الكُـرد في سوريا، يعود إلى حكوماتٍ سورية متعاقبة، خاصةً البعثية منها، التي أنكرت وجودهم وحقوقهم المشروعة؛ وعلى أساس هذه التهمة زُج بآلاف المناضلين والمواطنين الكُـرد في السجون، وحُكم على المئات منهم بعقوبات جائرة، بعد تلبيسهم تلك «التهمة- الجريمة» لدى الفروع الأمنية ومحكمة أمن الدولة العليا السيئة الصيت.

تلك البنية الفكرية- السياسية الشوفينية والعنصرية حول وجود الكُـرد في سوريا وحضورهم وحقوقهم، أثَّرت سلباً على المدى البعيد في معظم الأوساط السياسية والرأي العام العربي في سوريا حيال القضية الكردية، لدى اليمين واليسار والوسط والإسلام السياسي أيضاً الذي لا يعترف أساساً بأي انتماء أو هوية مغايرة للعربية تحت يافطة «الأخوة في الدين».

مع بدايات الأزمة السورية، تكالب القومي العنصري مع الإسلامي المتطرّف في سوريا ولدى الحكومة التركية في محاربة توجهات ومطالب الحركة الوطنية الكردية في سوريا التي نجحت في بعض خطوات رصف صفوفها- فشلت فيما بعد لأسباب عديدة- وحافظت على خطها السياسي المتوازن إلى حدٍ ما وثبتت في مشاركتها السلمية بالحركة الاحتجاجية الكبرى دون أن تتورط في حربٍ داخلية، إلى أن اضطرّت الوحـدات الكردية فيما بعد للدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب في مواجهة داعش وفصائل راديكالية أخرى والجيش التركي.

ليس لدى أي طرف كردي مشروع سياسي يهدف إلى انفصال المناطق الكردية عن سوريا، بل إنّ مشاريع ووثائق كافة الأطراف تَطرَح المطالب والحقوق القومية التي تسعى لتحقيقها للكُـرد في سوريا تحت السقف الوطني وحماية وحدة وسيادة البلاد؛ وجميع الحكومات والجهات السياسية التي تُطلق هذا الاتهام تعلم جيداً بخلو البرامج السياسية الكردية من أيّ نصٍ يدل عليه، وتعرف أنه من المحال أن يتشكل إقليم كردي منفصل عن سوريا، نظراً لانقطاع المناطق الكردية عن بعضها جغرافياً وفقدانها للكثير من المقومات الأخرى، إضافةً إلى توازنات إقليمية ودولية لا تسمح بتغيير خرائط دول المنطقة.

رغم ذلك كله، الأوساط العنصرية والشوفينية التركية والسورية، الحاكمة وغير الحاكمة، الممتعضة من مكاسب تحققت ولما لقوات سوريا الديمقراطية من نفوذ على الأرض ودور في دحرّ داعش ومكانة وسمعة لائقة لدى العالم الحرّ، تواصل عداءها السّافر لوجود الكُـرد ودورهم في سوريا، وتبغي من خلاله تصدير أزماتها والتغطية على فشلها مرةً تلو أخرى، وإيهام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بأن «سبب بلاء سوريا هو الكُـرد وإدارتهم الذاتية ووحداتهم العسكرية»، تارةً بإلصاق تهمة الإرهاب وأخرى بأسطوانة الانفصال المشروخة.

رغم تبلور حالة صحية من التفاعل بين الإدارة الذاتية الديمقراطية والمجتمع في العديد من القضايا، تسعى تلك الأوساط لاستغلال الأخطاء والانتهاكات التي ترتكبها الإدارة وقواتها الأمنية والعسكرية، في حملاتها الإعلامية ضدها، فمن اللحظة الأولى للحدث (إصدار قرار أو قانون إجرائي، قضية حقوقية، قضية جنائية…) تُطلق نفيرٌ عام وإعلامٌ صاخب بهدف تسييسه وصب كل الجهود للإساءة إلى حضور الإدارة وقواتها ومؤسساتها الخدمية وتوسُّع شبكة علاقاتها في الداخل والخارج، وكذلك بغية التغطية على قضايا الساعة وحرف الأنظار عمّا تشهده أجواء ساحات المناطق الكردية وجوارها الملبدة بغيوم مع تقلبات في اتجاهات الرياح وسط استمرار تأزم سياسات تركيا إزاء الملف السوري وما هو موكل لأعوانها المحليين على اختلاف ألسنتهم وصبغاتهم الدينية والقومية.

ومن جهةٍ أخرى، لا تتوانى روسيا بين فترةٍ وأخرى عن إطلاق «تحذيراتها بشأن نوايا انفصالية في شمال شرقي سوريا»، وأحياناً تُهدد الإدارة الذاتية بعواقب وخيمة، بالاتكاء إلى صفقات أستانه «خفض التصعيد ودول ضامنة»، على خلفية صراعها المحموم مع أمريكا في المنطقة والعالم، ومطامعها في السيطرة على كامل مناطق الجزيرة السورية عبر بوابة «الحكومة الشرعية»، ورغم أنها على دراية تامّة أن الإدارة ومجلس سوريا الديمقراطية على استعداد للحوار والتفاوض مع حكومة دمشق، وعقدت لقاءات معها دون نتيجة بسبب تعنُّت النظام وغروره.

من المفيد للجميع، أن تكف القوى السورية والإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن السوري والأمم المتحدة عن إقصاء الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية من أي حوارات بين السوريين وأي مسار سياسي لحلّ الأزمة، وتتوقف أكاذيب انفصالٍ كردي عن سوريا!

* جريدة الوحـدة – العدد /331/- حزيران 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى