القسم العاممختارات

خطر إهمال الإدارة الأمريكية للحوارات الكردية – الكردية*

د. آزاد أحمد علي*

لمقاربة التساؤل الأكثر تردداً على الألسن وظهوراً على السطح، سواءً إعلامياً أو سياسياً، هذا السؤال المفتاحي المتلخص في: «ماذا تريد أمريكا؟» وإلى أين تتجه سياساتها في الشرق الأوسط؟ فمن المناسب استحضار مقاربات أخرى تفسر التناول الأمريكي لمعضلات وأزمات سابقة، والتي أكدت على أنها كانت في الغالب معالجات إعلامية – سياسية، لم تمتلك عمقاً معرفياً، ولم تعتمد على دراسات علمية، كالتعامل مع الإسلام السياسي والإرهاب وغيرها.

لذلك يبدو أن ضعف تناول القضايا الساخنة باتت معضلة مستمرة لدى المؤسسات الإعلامية الأمريكية، وبالتالي تنعكس على صانع القرار والمؤسسات الأمريكية الأخرى ذات العلاقة. وهذه العلاقة الإشكالية مازالت تنبثق عن مستوى المعرفة الضحل بالآخر غير الأمريكي، سواءً كان عربياً أم كردياً أم أفغانياً…

لاشك لدى الولايات المتحدة الأمريكية مئات، بل آلاف المؤسسات البحثية والإعلامية الجادة والمقتدرة، حيث يعمل فيها الآلاف من الباحثين والخبراء والصحفيين المميزين، ذوي المؤهلات العلمية العالية، ولكن مع كل ذلك، لم يعد كل هذا الكم والنوع كافيان، لسبب وحيد لأن جبهة الآخر بالنسبة لأمريكا هي جبهة عريضة تشكل العالم برمته، كل جغرافية ومجتمعات العالم باتت جبهة على أمريكا أن تعالجها بهذه الصيغة أو تلك، فمعرفة تامة ودقيقة بمعظم مجتمعات العالم، تاريخهم وواقعهم، سياساتهم وأحزابهم، يتطلب جيش معرفي أكثر عدداً من القوات المسلحة الأمريكية. لأننا نفترض بأن مشكلة أمريكا مع العالم هي مشكلة معرفية قبل أن تكون سياسية أو دبلوماسية، وجوهر المشكلة وصعوبتها تكمن في اتساع جبهة عملها، فأي دولة أو مؤسسة قادرة أن تدرس أمريكا لوحدها، في حين يصعب على المؤسسات الأمريكية أن تدرس وتتفهم العالم المعاصر باتساعه وتعقيداته.

مناسبة هذه المقدمة هو ما نشر على موقع معهد واشنطن يوم 20 نيسان الجاري تحت عنوان «محادثات التوحيد بين الأكراد في شمال شرق سوريا في دائرة الخطر»، وقد كتبه السيد كينيث أر. روزين.

لأن مشكلة هذه القراءة هي جزء من المشكلة العامة التي أشرنا إليها في المقدمة، أي مشكلة ضعف الاحاطة، وكذلك كثرة الأخطاء المنهجية، فالكاتب قام برصد سطحي، وربما عن بعد لعملية الحوارات، فضلاً عن التهويل بمخاطر نتائجها. لذلك نعطي لنفسنا الحق، أن نُعيد تصحيح الصورة التي رسمتها مقال السيد روزين، عن طريق قراءة أخرى مختلفة تنبثق عن واقع العملية السياسية التي تجري في شمال وشرق سوريا.

سنشير أولاً لأبرز الأخطاء التي وردت في المقال:

1)      في مطلع المقال كتب أن: «الاقتتال الداخلي المرير بين الحزبين الكرديين أدى إلى تفاقم علاقتهما المشحونة أصلاً». الحقيقة لم يحدث أي اقتتال بين الأحزاب الكوردية في سوريا لأنها غير مسلحة في الأصل.

2)      كما أورد الكاتب: «تهدف المحادثات، التي استؤنفت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 واستمرت بشكل متقطع حتى نيسان/ أبريل، إلى تشكيل حزب سياسي كردي سوري واحد يدمج بين الحزبين الرئيسيين الموجودين، أي «حزب الاتحاد الديمقراطي» و»المجلس الوطني الكردي». للأسف هذه المعلومة مغلوطة تماماً فالاتحاد الديمقراطي حزب، لكن المجلس الوطني الكردي ائتلاف كردي ضمن ائتلاف سوري معارض أوسع وليس حزباً. كما لم يكن من الأهداف المعلنة ولا غير المعلنة، أن هدف هذه المحادثات هو دمج أو حتى انجاز اتحاد سياسي أو تنظيمي بين الطرفين، والهدف هو التوافق على برنامج سياسي مشترك.

3)      أما بصدد نقاط الخلاف تطرق لقوة بيشمركة روج آفا الكردية السورية المتمركزة في مناطق من إقليم كوردستان العراق على أنها قوة منفية، وهي ليست كذلك: على غرار طلب إعادة قوات «بيشمركة» روج آفا، وهي قوة مقاتلة منفية سميت تيمنًا بالمنطقة السورية ذات الأغلبية الكردية، للمساهمة في الجهود الأمنية بالرغم من رفض «قوات سوريا الديمقراطية» طلب «البيشمركة» بالعودة. فهذه القوة تشكلت من العناصر والضباط المنشقين عن الجيش السوري الرسمي، ومن الشباب المتطوعين من أبناء المخيمات السورية في إقليم كوردستان العراق. أما مسألة عودتها أو صيغة تعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية، فله أبعاد عسكرية وأمنية، قبل أن تكون موضوعاً لحوارات سياسية، علماً أن هذه القوة لا تتبع تماماً للمجلس الوطني الكردي، الذي يفتقر للإمكانات المالية واللوجستية التي تتطلب قيادتها.

قد لا يُلام السيد روزين على أخطائه لدرجة عدم التمييز بين أسماء الأحزاب والائتلافات، وكذلك ضعف تقييمه السريع لمجريات الأحداث عموماً، وللحوارات الكردية – الكردية الجارية بشكل خاص، فالواقع الكردي في سوريا معقّد ومركّب، يحتاج معرفته إلى دراسات معمقة وخبرة طويلة. إذ أن عمر الحركة السياسية الكردية يقارب تقريباً عمر دولة سوريا نفسها، والأحزاب الكردية المعاصرة هي امتداد لحركة (خويبون) التي انبثقت عن حراك سياسي كردي مبكر في مدن عامودا وقامشلي وعين ديوار وكذلك عفرين وكوباني، هذا التنظيم الذي أعلن عنه بمساعدة أطراف مسيحية في لبنان (بحمدون – سنة 1927)، وانتجت لاحقاً في سياقات مختلفة الخارطة الراهنة للأحزاب والتنظيمات الكردية السورية المعاصرة.  لذلك لا تنفصل هذه الحوارات عن حوارات أخرى تاريخية أدت الى تشكيل العديد من الأحزاب الموحدة، فضلاً عن اتحادات وائتلافات عريضة. فالتجربة السياسية الكوردية في سوريا غنية وقد تثمر عن نتائج تنعكس ايجابياً على مجمل العملية السياسية في سوريا، إذا توفر الراعي الجاد والدارس لتعقيدات المشكلة. على أن يتم توصيف المشهد السياسي وخارطة الأحزاب الكردية السورية بدقة. هذا المشهد الذي يتوزع على طيف واسع من القوى السياسية والمدنية، وليس كما اختزله الكاتب روزين في طرفين فقط. فالطرف الذي يمتلك السلطة كما أشار إليها هو ائتلاف (أحزاب الوحدة الوطنية الكردية) والتي تعرف اختصاراً باللغة الكردية (PYNK)، والطرف الذي يحاوره هو (المجلس الوطني الكردي) المعروف اختصاراً (ENKS) وهو ائتلاف أقدم من السابق، وهو جزء من ائتلاف المعارضة السورية، وموجود بثقله في خارج سوريا. أما القسم الثالث من المشهد السياسي الكردي في سوريا، والذي أهمله الكاتب فهو أيضاً طيف واسع من الأحزاب والمنظمات المدنية، أبرزهما حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (PYDKS)، وحليفه الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا (PDPKS)، إضافةً إلى منظمات سياسية ومدنية أخرى. وأما عن أسباب عدم مشاركة هذين الحزبين في الحوارات، فقد اعترض المجلس الوطني على إقامة أي حوار مع حزب الوحدة الديمقراطي، ومنع مشاركته، في حين لم يرغب الحزب الديمقراطي التقدمي في المشاركة في الحوارات. هذا القسم الثالث، إن تم تفعيله ودعوته للحوارات قادر أن يعطي للحوارات مزيداً من الشرعية والزخم السياسي.

فاذا افترضنا أن الكاتب قد أصاب في تقييمه لخطورة مستقبل هذه الحوارات البطيئة، فإننا نفترض أن الخطر الحقيقي متأتي من مستويين، الأول: هو ضعف القراءات للمشهد السياسي الكردي في سوريا وضعف تقييم فعاليته المستقبلية، والثاني يأتي من حقيقة عدم وجود رؤيا أمريكية واضحة لحلّ المسألة السورية ودمقرطة حياتها السياسية. وفي حال رسمت الادارة الأمريكية الحالية بقيادة بايدن خارطة طريق لحل المسألة السورية، وهيأت المناخ لتوسيع الحوارات الكردية وأقلمة الادارة الذاتية القائمة مع المعطيات الجديدة، فمن الممكن لتوسيع الحوارات أن تضم المكونات الأخرى في شمال وشرق سوريا، خاصةً العرب والسريان. بهدف توسيع العملية السياسية واستكمال أحد الأسس الوطنية المشتركة. ومن ثم، يمكن للحوار أن يفضي إلى التحرك نحو ممارسة ديمقراطية حقيقية فقط من خلال التوسع في مساحته وحلقاته كمرحلة أولى ليصبح أكثر شموليةً وتنوعاً.

هذا التغيير في سياسة الإدارة الأمريكية من شأنه أن يساعد في ضمان نجاح العميلة السياسية الجارية في شرق الفرات وأن يكون أيضاً مفتاحاً للحلّ السوري، ومنصة جاذبة لتفعيل مسار الحلّ الديمقراطي في عموم سوريا. وبخلاف ذلك فالتدخلات الإقليمية والدولية ستستمر في إنهاك جسد الفعاليات السياسية الكردية والعربية، وخطر الغرق في الفوضى وإعادة إنتاج التطرف بكل أشكاله سيظل قائماً.

___

  • نشرت في معهد واشنطن باللغتين العربية والانكليزية – 11/5/2021م.

* جريدة الوحـدة – العدد /329-330/- نيسان وأيار 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى