يُحتفل في جميع أنحاء العالم سنوياً في 3 أيار باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يعود تاريخه إلى ندوةٍ عقدها صحفيون أفارقة بمشاركة وإشراف اليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) في مدينة ويندهوك- ناميبيا بين /29 نيسان و 3 أيار 1991م/ للنهوض بصحافة مستقلة وتعددية وحرّة في أفريقيا، لتعتمده الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما بعد بناءً على توصيةٍ منه بقرارٍ رسمي في كانون الأول 1993م.
إعلان ويندهوك
أكد على أن «تأسيس وصيانة وتعزيز صحافة مستقلة وتعددية وحرّة، هي أمور لا غنى عنها لتقديم الديمقراطية والحفاظ عليها في الأمة، وللتنمية الاقتصادية»، ووضّح أن الصحافة المستقلة هي «صحافة لا تفرض عليها السلطات العامة نفوذاً سياسياً أو اقتصادياً أو مراقبة على المواد والمعدات الضرورية لإنتاج ونشر الصحف والمجلات والدوريات»، وأن الصحافة التعددية تعني «إنهاء أي احتكارات من أي نوع ووجود أكبر عدد ممكن من الصحف والمجلات والدوريات التي تعكس أوسع نطاق ممكن من وجهات النظر داخل المجتمع».
جائزة اليونسكو/ غيليرمو كانو
وبهذه المناسبة، اختارت اليونسكو هذا العام الصحفية الاستقصائية والرئيسة التنفيذية لوسيلة إعلامية، ماريا ريسا من الفلبين للحصول على هذه الجائزة العالمية لحرية الصحافة لعام 2021، إذ تم تسليمها، يوم الأحد 2 أيار/ مايو 2021، ضمن حفلٍ أُقيم بمناسبة المؤتمر الدولي الخاص باليوم العالمي لحرية الصحافة في ويندهوك بناميبيا، والذي استضافته اليونسكو وحكومة ناميبيا في الفترة من 29 نيسان/أبريل إلى 3 أيار/مايو تحت عنوان «المعلومات كمنفعة عامة». تبلغ قيمة الجائزة 25 ألف دولار أمريكي، و»يتمثل الهدف منها في تكريم الإسهامات الاستثنائية المبذولة في سبيل الذود عن حرية الصحافة والنهوض بها، ولا سيما في ظل الظروف المحفوفة بالمخاطر».
“الصحفية ماريا ريسا”
رسالة غوتيريش
الاحتفاء بهذا اليوم «يوفر فرصة للصحفيين وممثلي المجتمع المدني والسلطات الوطنية والأكاديميين والجمهور الأوسع لمناقشة التحديات الناشئة التي تواجه حرية الصحافة وسلامة الصحفيين والعمل معًا على تحديد الحلول».
وفي رسالةٍ بهذه المناسبة كتب أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة:
(إن التحديات العالمية التي واجهناها خلال جائحة كوفيد-19 تؤكد على الدور الحاسم للمعلومات الموثوقة والمتحقق منها والمتاحة عالمياً في إنقاذ الأرواح وبناء مجتمعات قوية وصلبة.
فالصحفيون والعاملون في وسائل الإعلام يساعدوننا، أثناء الجائحة وفي الأزمات الأخرى التي تشمل حالة الطوارئ المناخية، على الإبحار في بحر المعلومات السريع التغير، والجارف غالباً، في الوقت الذي يتصدون فيه للمغالطات والأكاذيب الخطيرة.
وهم يتعرضون، في بلدان كثيرة جداً، لمخاطر شخصية كبيرة، تشمل فرض قيود جديدة، والرقابة، وسوء المعاملة، والمضايقة، والاحتجاز، وحتى الموت، لمجرد قيامهم بعملهم. ولا يزال الوضع يزداد سوءًا.
إني أحث جميع الحكومات على بذل كل ما في وسعها لدعم وجود وسائل إعلام حرة ومستقلة ومتنوعة.
فالصحافة الحرة والمستقلة هي حليفنا الأكبر في مكافحة المعلومات الزائفة والمضللة.
فلْنتأملْ رسالة الصحافة، ولْنجددْ جهودنا لحماية حرية وسائل الإعلام – حتى يظل الإعلام بالنسبة للجميع منفعة عامة تسهم في إنقاذ الأرواح.).
العمل الصحفي هو اللقاح الأنجع ضد التضليل
وتحت هذا العنوان أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود في نيسان الماضي تقريرها عن التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2021م، الذي يُقيِّم الوضع الإعلامي في 180 بلداً، وقالت: إن ممارسة العمل الصحفي تواجه عراقيل شديدة في 73 دولة وتئن تحت وطأة القيود في 59 دولة أخرى، أي ما مجموعه 73٪ من البلدان التي قُيمت. وتتوافق هذه الأرقام مع عدد الدول القابعة في المنطقة الحمراء أو السوداء على خريطة حرية الصحافة، حيث يُعتبر الوضع صعباً أو خطيراً للغاية، وأيضاً تلك الموجودة في المنطقة البرتقالية، حيث يبقى وضع العمل الصحفي «إشكالياً».
من أصل البلدان الـ 180 التي يشملها التصنيف، أصبحت 12 دولة فقط قادرة على توفير بيئة مواتية للعمل الصحفي، وهو ما يمثل 7٪ فقط من إجمالي دول العالم، وجاء ترتيب سوريا /173/، حسب المنظمة.
وأكّد كريستوف ديلوار، الأمين العام للمنظمة على أن «الصحافة هي أفضل لقاح ضد التضليل الإعلامي. لسوء الحظ، غالباً ما يُعرقَل العمل الصحفي لعوامل سياسية واقتصادية وتكنولوجية، بل ولدواعٍ ثقافية في بعض الأحيان. فأمام انتشار المعلومات المضللة عبر حدود البلدان وعلى المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، تظل الصحافة هي الضامن الرئيسي للنقاش العام الذي يقوم على الحقائق الثابتة».
الصحفيون يئنون تحت أهوال الحرب في سوريا
وبخصوص سوريا قالت المنظمة في تقريرها: «لا يزال الصحفيون معرضون للخطر بشكل مهول، وهم الذين يجازفون بحياتهم من أجل التموقع في الصفوف الأمامية لتغطية عمليات القصف التي تستهدف معاقل المتمردين. كما أن وتيرة الاختطاف أضحت متكررة بشكل مقلق، حيث تتولى مسؤوليتها الحركات الجهادية التي تتصرف وكأنها سلطات حكومية بينما تسيطر بقبضة من حديد على الأراضي الخاضعة لها. وهي المناطق التي رأت فيها النور منابر إعلامية حرة ومستقلة، على أيدي صحفيين مواطنين غداة الانتفاضات. لكن أغلب تلك المنابر عجزت عن الصمود. فمنذ عدة سنوات، حاول عشرات الصحفيين الفرار من مناطق الغوطة ودرعا وإدلب للنأي بأنفسهم عن حالة انعدام الأمن وتقدم القوات الحكومية، خوفاً من اعتقالهم. كما أن الصحافة الحرّة منعدمة في المناطق التي تسيطر عليها دمشق، حيث تكتفي وسائل الإعلام بنقل الأنباء الصادرة عن وكالة الأنباء الحكومية، مما يعني أن لا صوت يعلو فوق صوت الخطاب الرسمي، حيث تنتقي الحكومة ثلة من الصحفيين للسماح لهم بتغطية المعارك برفقة عناصر الجيش. وقد بات كل ما يشبه النقد أو ينطوي على معلومات حسّاسة تترتب عنه أعمال انتقامية من قبل المخابرات، التي تتصرف على هواها دون حسيب ولا رقيب. فقد احتجزت القوات الحكومية عشرات الصحفيين بينما اختُطف آخرون من قبل مختلف الجماعات المسلحة التي ظهرت على الساحة مع مرور الوقت، وعلى رأسها داعش وجيش الإسلام وهيئة تحرير الشام. هذا وتشير التقديرات إلى وفاة مئات الصحفيين نتيجة التعذيب، علماً أن أقاربهم يجهلون مصيرهم تماماً. وأخيراً، في الشمال الذي يسيطر عليه الأكراد، يُعد الصحفيون المحليون الشباب أبرز ضحايا الاشتباكات الدائرة بين القوات الموالية للسلطة والجماعات المدعومة من تركيا».
قانون الاعلام لدى الإدارة الذاتية
أما محلياً فقد أصدر المجلس العام للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قانون الإعلام رقم /3/ بتاريخ 18/5/2021م، وجاء في مقدمته «يأتي هذا القانون لترسيخ قيم حرية الرأي والتعبير ومنح الصحفيين مزيداً من حرية العمل، والحيلولة دون منعهم من الحصول على المعلومات ونشرها أو بثها»، متضمناً مبادئ عامة، وهيكلية دائرة الاعلام ومهامها، وحقوق وواجبات العمل الإعلامي، وحق الرد والتوضيح، والمخالفات والعقوبات المسلكية، وأحكام عامة.
بحيث لا يخضع العمل الإعلامي لرقابة مسبقة تنتهك حرية التعبير وتعيقها؛ تبقى العبرة في التطبيق ليس في الأقوال، وإن كان القانون هو الأساس.
* جريدة الوحـدة – العدد /329-330/- نيسان وأيار 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).