نظامٌ بعثي قائم على القمع والتَسلّط، على رقاب البلاد والعباد لحدّ عَدّ أنفاسه، ورفضه اجراء اصلاحات جذريه في بُنية النظام السياسي، وإن لتجنب تداعيات ما سُمّي بثورات الربيع العربي، واعتماده الحلول الأمنية مع قضايا الوطن والمواطنين؛ وحراك شعبي دون قيادة موحدة ولا برنامج سياسي، يلبي تطلعات المجتمع السوري بكافة أطيافه… واقعٌ دفع بالحرس الثوري الإيراني بأمرة «آية الله»، وأجهزة الميت التركي بأمرة «السلطان العثماني الجديد»، للتغلغل في تفاصيل الشأن السوري، إن كان بدعوةٍ من النظام أو المعارضة أو بغض الطرف منهما، ولشيطنة ثورة الحرية والكرامة، والسعي لتجييرها لأجنداتهما – فالمال الداشر يُشجِع الحرامي كما يقال.
حروب وصراعات، أجندات دولية وإقليمية، الكل حاضر إن كان عبر قواتهم العسكرية أو الاستخباراتية، بينما المتضررون والمُغيّبون هم السوريون، خاصة أولئك الذين رفضوا حمل السلاح والارتزاق، غالبيةٌ باتت تشكو لقمة العيش والأمان، وأخرى اعتادت التسول على أبواب السوسيال أو الجوب سنتر في دول الشتات، وآخرون على العيش في المخيّمات دون توفر مقومات حياةٍ كريمة؛ وجماعات تسلقت الثورة وموجة المعارضة، بأطقم جوخٍ وربطات أعناق، مستغلة مواقعها وسُبُل قَرع أبواب السفارات، وبتشكيل منابر ومنصات مع سعيٍ حثيث للاستحواذ على المال السياسي و»شرعية» تمثيل الشعب السوري، وأبعد ما ابتكرت عقولها استنساخ نظامٍ عن ذا النظام، أو إعادة انتاجه بما يسمونه «دولة المواطنة بدستور عصري يضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين كافة الأطياف» وفق مزاعمهم، دونما اعتبارٍ لألوف الضحايا والمعتقلين والمغيبين؛ دولة لا تختلف عن (ضيعة ضايعة) أو مملكة غربة بمسرحية الماغوط ودستور غوّار الذي بلعه الحمار، إلا بلون شاشة التلفاز بين الأمس واليومِ.
أطراف استغلت يافطة الانشقاق عن النظام والتحالف مع جماعات إخوان المسلمين، وبعض شذاذ الأفاق الذين باعوا أنفسهم للشيطان ويحنون للسلطنة العثمانية رغم أن جرائمها مازالت محفورة بالأذهان، لكن! تحت عباءة (خليفة المسلمين الجديد) أردوغان، واحتلال مناطق من سوريا وإقامة (إمارات إسلاموية) بإدارة فصائل سورية بأسماء رموزٍ عثمانية، بذكرهم تقشعرّ الأبدان؛ المفارقة يُسمّون أنفسهم بالجيش الوطني، رغم جنوحهم للعودة بالأمة لأيام سفر برلك والجيش الإنكشاري دون حياء؛ وأخرى ارتضت الارتماء بأحضان «آية الله» والمشروع الفارسي، مع أنه لم يجلب للشعوب التي تَغلغلَ بينها، إلا الدسائس واللطم والمؤامرات.
مَردُّ فَشلُ الأنظمة العربية في تحقيق مهامها، كونها نتاج ثقافة مجتمعية قائمة على استحواذ كامل مقدرات الأمة لصالح جهة بعينها، وحرمان الآخر دون مبررات؛ الحروب لا تجلب إلاّ كل ما هو سيء، ومن الصعوبة الاختيار بين السيء والأسوأ، إما العيش في ظل نظامٍ يستمد سطوته من سياط الجندرمة وخوذات العسكر، أو القبول بالعيش تحت حُكمِ مُعمم، بعَمامة سوداء أو بيضاء، قبل وصوله السلطة، يحمل في خاصرته خنجر، يُفتي لمريديه بالقتل العمد من على المنبر، وسَلبُ ممتلكات الآخر بصيحة الله أكبر، رغم أنه لم يدَخلَ مسجداً قبل الأزمة، لا صلى لربه ركعتين يوماً، أو نطق بالشهادتين أصلاً.
لكلٍ حساباته وأجنداته، فإذا كانت روسيا تسعى لضمان موطئ قدم لها شرق المتوسط، فإن للنظامين الإيراني والتركي، أطماعهما التاريخية في عموم المنطقة، ويبقى للمشروع الأمريكي بعيد المدى أهميته، مع قناعتنا بأن روسيا وأمريكا، لن تجلبا لنا أقواماً من الآيغور والأفغان للاستيطان في بلداننا، أو تسعيان لتغيير ديموغرافيتنا، كما تفعل كل من تركيا وإيران… فما هو مشروعنا الوطني؟
ما من خبراء بشؤون المستقبل ولا بعلم الغيّب، إلاّ أننا! على مفترق طرق دون أدنى شك، فقد ثبت بالتجربة أن ما من حلٍ عسكري، واختزال سوريا بجهة معيّنة مُحال، وما من أملٍ بوصول أي من اللاعبيّن الإيراني أو التركي لنهايات الدوري السوري، ودورهما متوقف على صفارة الحكم الروسي أو الأمريكي، ولا عودة لسوريا إلى سابق عهدها كما تشير المعطيات، ولا مكانة للتطرف والحرب الساخنة مع الارهاب، ومن المحال العودة بعصر العولمة حيث الدين لله والوطن للجميع، إلى عصور أبا جهل أو أبا لهب، لسنا بصدد الدين أو النيل منه، مع احترامنا لكل العقائد والأديان، وإيماننا بصلاحية كتاب الله لكل زمان، إنما في استغلال الدين لأغراض سياسية، كما تفعل كل من إيران وتركيا، وأقرب مثال، إرسال الأخيرة «فصائل سُنيّة» كانت تقاتل «فصائل شيعية» في سورية، للقتال إلى جانب «فصائل شيعية» في أذربيجان.
إذا كانت الأزمة قد فرّقتنا، إن بإرادتنا أو بدونها، فالحكمة تقتضي أن تجمعنا، معاناتنا ومصيرنا المشترك على كلمة حق؛ إما الخضوع لمشاريع لا تتوافق مع مصالح بلدنا وكافة مكوناته، من بينها بقاء الدولة مقسمة على الأرض وضعيفة ومتدهورة نحو الأسوأ، أو الذهاب إلى بناء دولة ذاتُ نظامِ حُكمٍ ديمقراطي برلماني تعددي فيدرالي لا مركزي، كأفضل نظام للعيش المشترك ضمن الدولة الواحدة ظهر حتى الأن، وما يشاع من خزعبلات على أنها خطوة على طريق الانفصال، وتطبيقها تتطلب أقاليم منفصلة، لا تنم إلا عن نزعة شوفينية وسلطوية مقيتة؛ الفيدرالية اتحاد، وسوريا مقسّمة منذ سنوات، وإن لم تكن بصورة دائمة فلأجل غير مُسمى، وغالبية الأنظمة المركزية قد فشلت في تحقيق مهامها الوطنية وتأمين حياة حرّة وكريمة لشعوبها، خاصةً في شرقنا المقهور والمعتّر، المحكوم بالقبضة الأمنية الحديدية.
أما بخصوص الوضع الكردي، لا شك أن الكُـرد في سوريا جزءٌ من النسيج الوطني، وإذا ما أرادت حركتهم السياسية أن تكون طرفاً في الحل النهائي وبمثابة بيضة القبان، فلا بديل عن تشكيلها لكتلة كردية موحدة، وإن على أساس برنامج الحدّ الأدنى، مع هيئات تخصصية تعمل على الاستفادة مما أنتجت الانسانية من وسائل حضارية ومؤسساتية، إن كان لكسب تأييدها للقضية الكردية والاستحواذ على دعمها الفعّال في المحافل الدولية ولدى صُنّاع القرار، أو لرفع دعاوى قضائية ضد من أجرم بحق الشعب الكردي ومناطقه المحتلة.
لا شك أن المسألة ليست بتلك السهولة، وبحاجة لجهود مضّنية وإرادة وتنازلات من قبل كافة القوى والأطراف الوطنية والديمقراطية لتجاوز المحنة، والقُبّعة سترفع في النهاية للقادر على ثبات بوصلته بالاتجاه الصحيح وتجاوز الأزمة، واستنباط وسائل نضالية أكثر فعالية، وصولاً للمباراة النهائية، والفوز ببطولة الدوري بالتعادل وإن بالركلات الترجيحية، وتقاسم الكأس مع أحد الفرق الوطنية الديمقراطية – والأرجح الاتحاد الفيدرالي.
* جريدة الوحـدة – العدد /329-330/- نيسان وأيار 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).