القسم العاممختارات

رسالة صديق شعبنا الكاتب التركي الكبير أحمد آلتان

ترجمها عن الإنگليزيّة إلى الكُرديّة: سُهاد عبد الله
وإلى العربيّة: جلال زنگابادي

بعد أن أمضى الكاتب التركي الكبير أحمد آلتان أربع سنوات في السّجن، أطلقت السّلطات التركيّة سَراحه في 14نيسان2021؛ إثْر ضغوطات العديد من الدول الأوربيّة.

وقد أرسل الرسالة الآتية المؤثّرة من سجنه إلى الشعب الكردي:

«إخوتي وأخواتي الكُرد…

أنا أحد الترك.

وقد نشأت وترعرعت على دين وثقافة وتقاليد وأعراف هذه البلاد.

ولدتُ في حضن هذه الأرض وكبرت على أرض الأناضول وميزوبوتاميا.

وقد ترجمت إلى لغتي – ولو بنسبة قليلة- أعمالاً أدبيّة عالميّة: فرنسيّة، ألمانيّة وإنگلیزیّة.

أنا كاتب وأعمالي يقرؤها: مثقفون، شخصيّات، حقوقيّون، سياسيّون وكتّاب وشتّى المجاميع الأخرى.

وإذا بأردوغان يعتقلني ويحكم عليّ بالسجن المؤبّد!

ولمْ أخال حتى اليوم أنْ أخاف.

حتّى لو متت لا ولنْ أخاف من أردوغان.

فيا ترى ماذا يملك هكذا دكتاتور؟

إنّه لا يملك سوى عقل بائس.

وقد اشترى بالفلوس والترهيب كلّ المهرّجين حواليه.

وأنا لا ولنْ يوقفني أردوغان.

وليس في مقدوره أنْ يشتري فكري ومواقفي.

ثمّة في تركيا رجلان وامرأة من المُحال أنْ يشتري أردوغان عقولهم بالفلوس.

أوّلهم صلاح الدين دميرتاش.

والثاني أنا.

والثالث فيگن یوکسکداغ.

ولذا أشفق على أردوغان وأرثي حاله؛

فهو ذو عقل بائس ودكتاتور بطّاش.

يتوهّم أنه يخيفني بحبسي في هذه الزنزانة!

ويتوهّم أنّه يُسكتني!

إنّ تاريخ العالم يستذكر أناساً كويليام شکسپیر احتفاءً بأعمالهم؛

فإذا سُئِل: مَنْ كان الملك المعاصر لشکسپیر؟ لربّما لنْ يتذكّر أحد اسمه!

وهكذا سيأتي يوم لا أحد يعرف أردوغان ومنْ كان.

أمّا الناس سيستذكرونني كأمثال شکسپیر…

قبل 22سنة ذهبت في مدينة (كادي كوي) إلى محل خيّاط.

لكي يخيط لي بنطلونين – ثلاثة.

وبينما كان الخيّاط يأخذ مقاساتي.

دخل ثلاثة فتيان تتراوح أعمارهم 15-16 سنة.

ولِدوا في ثلاث مدن.

أحدهم من أهل (ريزه) والثاني من أهل (آمد) والثالث من أهل (درسيم)

وكانوا يلعبون الرياضة في نادي واحد.

وراح الخيّاط – أثناء أخذ مقاساتي- يدردش معهم.

وبعد انتهائه من أخذ مقاساتي سأل الفتيان: تفضّلوا ماذا تريدون؟

كان الفتيان يريدون أزياء شبيهة بـ (إنتر ميلاني إيطالي) لدورة كرة القدم.

بالألوان: الأصفر والأحمر والأخضر.

فثارت ثائرة الخيّاط وراح يُرعد ويصيح في وجوههم:

– هل أنتم إرهابيّون؟! هيّا اغربوا عن وجهي؛ وإلّا سأستدعي الپولیس.

فسارع الفتيان في المغادرة والخيّاط يسبّ أمّهاتهم!

لقد خجلت أيّما خجل وحرت أيّن أولّي وجهي،

في حين لمْ يخجل الخيّاط من تصرّفه ونظر إليّ وسألني:

– بالله عليك ألمْ يكنْ منْ حقّي؟

فتساءلت:

– أيّ حق؟ وعمّ تتكلّم؟!

فأجابني:

– الألوان: الأخضر والأحمر والأصفر ممنوعة في بلادنا.

فسألت:

– لماذا؟

فأجاب:

– هذه ألوان الكُرد وهي علامة للإنفصاليين!

فلمْ ألجّ معه وإنّما قلت حاسماً:

– لنْ أعود إليك أبداً.

وسارعت بالمغادرة ولمْ أعدْ إليه لاحقاً.

لكنّما لمْ أنسَ سلوك ذلك الخيّاط مع أولئك الفتيان.

أنا تركي، لكنّ أرومتي التركية استحالت عاراً لي في ذلك اليوم!

الكُرد خوفاً من أن يُحسبوا إرهابيين،

وخوفاً من أن يُحسبوا خونة؛

يقول الواحد منهم:

– أنا من أهالي (وان)… من أهالي (سیڤرک)… من أهالي (بینگۆل)… من أهالي (قارس)،

جئت من بعيد، من أهالي (هكاري)… من أهالي (ميردين)… من أهالي (أورفه).

ولا يجرؤ الواحد منهم أن يقول: أنا كُردي!

وإنما يقول: أنا دياربكري.

ولا يتطرّقون إلى كونهم كُرداً، برغم كونهم كُرداً.

لكنّما ثمّة في تركيا عندي إخوة أكراد.

وأنا صديق الروح بالروح مع الكُرد.

فلي إخوة كُرد مسلمون.

ولي في هذه البلاد أصدقاء كُرد ثوريّون ويساريّون.

ونحن لنا إخوة كُرد نصلّي معاً في المسجد نفسه.

وثمّة نتظاهر معاً في المكان نفسه.

ونعمل معاً في مكان واحد.

ونشرب الخمر معاً.

ومعاً نقيم حفلات الزفاف وندبك معاً.

ونرتشف الشاي معاً وندردش…

هل تعلمون أن 80% من الكُرد مؤيّدون لـ (هـ د پ)؟!

أولئك الذين تصفونهم بلا خجل دائماً:

– الكرد الـ (پ ک ک) والإرهابيّون،

في حين أنهم ليسوا إرهابيين وإنّما يحملون السلاح دفاعاً عن أنفسهم.

وأنتم كترك تقفون ضدّهم.

لأنهم كُرد فحسب.

وتمارسون ضدّهم تصرّفات عنصريّة.

وهم كرد (هـ د پ).

وهم إخوتنا.

أجلْ هُم إخوتنا الذين يثرون بثقافتهم هذه البلاد.

ويبهجون قلوبنا بأغانيهم.

ويشبعوننا بمأكولاتهم.

ويغنّون بلغتهم في حفلات زفافنا.

ويدخلون السرور إلى بيوتنا في الليالي الحلوة.

فهم إخوتنا بهذا الشكل.

وأنا كتركي.

أخجل من نفسي؛ لأننا نظلمهم.

فمنذ تأسيس جمهوريّة تركيا ننكر وجودهم.

ونبيدهم كما في (درسیم).

كما حاولنا إفناء لغتهم.

واستهزأنا بتقاليدهم وأعرافهم.

وسخرنا من أشكالهم.

وعذّبناهم في سجن دياربكر.

وقصفنا قراهم.

وقتلنا (موسى عنتر) هم وأمثاله و (ويدات آيدن) هم وأمثاله و (مراد بولدان) هم.

وطردنا (یلماز گوناي) هم و(أحمد کایا) هم من البلاد.

ومنذ 75 عاماً منعتم تسمية أطفالهم بالأسماء الكرديّة.

وحظرتم الاستماع إلى الموسيقى الكرديّة حتى سنة 2000م.

وقتلت سلطات الحكومة العشرات منهم وسجّلت الجرائم على (قتلة مجهولين).

وقتلتم في (ڕوبوسکي) 35 كرديّاً بقصفهم بطائرة  F16.

واعتقلتم نوّاب المواطنين وعيّنتم بدلاً عنهم رؤساء بلديّات من أزلامكم.

وسجنتم قادتهم الساسة دمیرتاش و یوکسکداغ.

أولئك الكُرد هم إخوتنا.

إنّما التاريخ يخجل ممّا مارستموه ضد الكرد.

لكننا لم نخجل من معاملتنا لهم.

فماذا نطلب من هؤلاء الكُرد؟

وهم إخوتنا

………

رسالتي التي كتبتها في السجن

أحمد آلتان

* جريدة الوحـدة – العدد /329-330/- نيسان وأيار 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى