القسم العاممختارات

الوضع السوري المأزوم لا يحتمل التأجيل… طريقنا شاقٌ وطويل

الافتتاحية*

المجتمعات المحلية في سوريا عموماً منهكة ومشتتة وتعاني الأمرّين، وهي شبه مقسمة بين مناطق نفوذ مختلفة، وبات من أهم أولوياتها البحث عن الأمان ومقومات الحياة، بعيداً عن القتل والدمار وتشتت الأحبة أو فقدانهم، خاصةً في تلك المناطق التي ترزح تحت نير الميليشيات الراديكالية والجماعات الإرهابية في مناطق النفوذ والاحتلال التركي، الأكثر فساداً وفوضى وفلتاناً، ومكتظة بنازحي مناطق الداخل السوري، ويعيش الكثير منهم في مخيمات بائسة وعلى المساعدات الإغاثية، والأسوأ في الأمر أن عوائل المسلحين تعتمد على أموال الارتزاق التي تتصدق بها أنقرة وغيرها عليهم لقاء خدمات منافية للقيم الوطنية والإنسانية؛ وبطبيعة الحال، البطالة وانحسار مجالات الإنتاج وهروب الشباب من براثن العسكرة وحمل السلاح إلى الخارج بحثاً عن بيئةٍ أفضل وإن كان عبر طرق غير مشروعة والتعرّض لمختلف المخاطر ودفع أموال طائلة للمهربين، تُعدُّ ظواهر عامة.

في هكذا أوضاع بائسة لا يمكن لتلك المجتمعات أن تفرز قوى سياسية وفعاليات بإمكانها التغلب على المصاعب وعلى إيجاد حلول لأزمات البلاد المركبة، لاسيما وأن قوى المعارضة مشتتة وقرار قسمٍ كبير منها مصادر، لأنه مرتهن لدولٍ ممولة موجهة له، وفي المقابل النظام السوري متمادٍ في غروره واستبداده، وغائص في الفساد، ومشغولٌ في إقامة «أعراسه الوطنية»، وكأن سوريا لم تشهد حرباً وكوراث منذ عشر سنوات.

يبدو أن الحراك السوري – حالياً على الأقل- غير قادر على البدء بما هو مطلوب لبناء الثقة وانطلاق حوارات بنّاءة شاملة فيما بين أطرافه المختلفة، ولو كل طرفٍ من جانبه، خاصةً في المجال الإنساني، من فتح معابر وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المفقودين، والحد من الانتهاكات، وتهيئة الأجواء واتخاذ الإجراءات الكفيلة لعودة آمنة وطوعية للنازحين واللاجئين إلى مناطقهم، بحيث يخبو خطاب الكراهية ويتم تأهيل المجتمعات المحلية ولملمة جراحها وتنمية قدراتها نحو البحث عن حلٍّ سياسي لأزمة بلدنا وفق ما هو منصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي /2254/ المجمع عليه، الذي من الواجب على المجلس وبفاعلية دوله الخمس دائمة العضوية السير بالقرار وتطبيقه بعيداً عن صراعاتها البينية، عبر الضغط على الأطراف السورية وتحييد دور إيران وتركيا المتدخلتان بشكلٍ سلبي وعلى أساس نزاعٍ طائفي مقيت وأطماع بغيضة.

إن الوضع السوري المأزوم لا يحتمل التأجيل، وهناك مخاطر حقيقية من تفجُّر الأوضاع بشكل أسوأ، من انهيار الاقتصاد وتداعي مؤسسات الدولة، وتفشي الفوضى في مناطق تشهد استقراراً نسبياً، أو اندلاع معارك جديدة بين جهاتٍ مختلفة، مما ينذر بموجات نزوح وهجرة قسرية جديدة وبتمدّد الإرهاب والتنظيمات التكفيرية، وبالتالي تهديد الأمن الإقليمي والدولي أيضاً.

إنه لا يحتمل التأجيل، إلى ما بعد حل ملف إيران النووي أو ملف شبه جزيرة القرم أو ملف غزة وغيره؛ جعبة أستانه فارغة من صفقات جديدة، والإدارة الأمريكية الجديدة لم تُقدِّم مبادرة جديدة أو تُحرك المسار السياسي في سوريا بالاتفاق مع روسيا، حيث العلاقات بينهما تشهد نوعاً من الجفاء والجمود علاوةً على الصراع بخصوص سوريا، بينما مفاوضات اللجنة الدستورية بإشراف المبعوث الدولي غير بيدرسون متوقفة، لطالما أنه لا يتلقى دعماً جدياً من أمريكا وروسيا وباقي الدول المتدخلة في الشأن السوري.

لا يغيب عن البال أن مناطق الإدارة الذاتية الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي المناهض للإرهاب بقيادة أمريكا تتلقى اعتداءات وتهديدات مستمرة من قبل تركيا وأعوانها من ميليشيات مرتزقة والائتلاف السوري- الإخواني، وكذلك إثارة الفتن بين مجتمعاتها المحلية من قبل جهاتٍ عدة.

رغم كل ذلك يتوجب علينا كسوريين ألاّ نفقد الأمل، ولكن طريقنا شاقٌ وطويل!

* جريدة الوحـدة – العدد /329- 330/- نيسان وأيار 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى