عشر سنوات من الإجرام والكراهية… للسوريين دورٌ أساس في إيجاد حلٍّ سياسي
الافتتاحية*
خلال عشر سنواتٍ من الأزمة السورية المركبة، انتشر الفساد واللصوصية والإجرام في البلاد بكثافة، علاوةً على تنامي مشاعر الحقد والكراهية بين مختلف الطوائف والمكونات السورية، عدا الدمار والتشرُّد والفقر والعاهات الاجتماعية والمعتقدات المتزمتة وفقدان مئات الألوف من الأحبة؛ كارثةٌ كبرى حلّت على سوريا دولةً وشعباً، بعد أن هُزمت حركتها الاحتجاجية السلمية، بتكالب العنف والعنف المضاد عليها، فوقع بين أنيابهما الشعب الذي انتفض ضد القمع والاستبداد، مطالباً بحريته وكرامته.
الشعب السوري مذهولٌ من هول الكارثة، يئن تحت وطأة الأوجاع والمآسي، قلقٌ ومترقبٌ لمرحلةٍ جديدة، لأن بلدهم المجزأ بحكم الواقع بات على عتبة الانهيار، بسبب التدهور الاقتصادي والاجتماعي الشديد، وتعنُّت النظام خلف أوهامه وتشبثه بخياره الأمني- العسكري وبالاستقواء بكل من إيران وروسيا وميليشيات مرتبطة بهما، وتمدّد ميليشيات إرهابية وشبكات القاعدة وارتهان ائتلاف المعارضة السوري- الإخواني لتركيا وغيرها، إضافةً إلى عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عن السير بحلٍّ سياسي للأزمة السورية، في وقتٍ تستمر فيه الصراعات الدولية والإقليمية على وفي سوريا وتُساق فيه أجندات لا تمت بصلةٍ إلى مصلحة بلدنا.
وقعت أحداث وأُطلقت مواقف وأنشئت منصات ووُضعت أجندات وحُبكت رهانات، جعلت قطبي النظام والمعارضة فاقدين للقرار المستقل والرؤية الصائبة التي يمكن أن تخدم البلد وتضع حداً لأزمته.
هناك من يتوهم الانتصار بالرهان على انهيار النظام – الدولة اقتصادياً وأمنياً، مثلما أعلن النظام انتصاراته باستعادة السيطرة على مناطق شاسعة، بدعمٍ وخطط روسية، بعد خلوها من مجتمعات محلية تُساهم في حل الأزمة وإعادة البناء، إثر حركات نزوح كبيرة؛ الطرفان لا يعترفان بالواقع، وهما مهزومان فعلياً.
الخطر القائم هو أن يغوص البلد في أزماته أكثر من ذي قبل، حيث هناك إصرارٌ من قوى الاستبداد والإرهاب على تسويق خطاب الحقد والكراهية والانتقام وتسخين عرى الصراع الطائفي والإيديولوجي المقيت، وتسعير انتماءات لا وطنية.
بعد كل ما جرى، لم ينتج مجتمعنا السوري بَعد فكراً أو تفكيراً لرسم سبيل الخروج من محنته والانطلاق نحو بناء الدولة الوطنية الحديثة، في ظل غياب حوار سوري- سوري حقيقي، وعدم تبلور قوى سياسية فاعلة على الصعيد الوطني، لها مركز وطني ديمقراطي سوري جامع يتبنى خطاباً شاملاً مرتكزاً إلى مصالح وإرادات مختلف المكونات السورية.
وعلى صعيد مواقف القوى الفاعلة في الشأن السوري، لازالت تركيا وإيران متمسكتان بنفوذهما وبالقوى المحلية الموالية لهما في السعي لفرض أجنداتهما، إذ تستغلان الصراعات الدولية والانقسام السوري الحاد في تمرير سياساتهما، بينما روسيا وصلت إلى نهاية ما يمكن أن تعقد من صفقات في مسار أستانه، وهي تحاول تنفيس أزمة النظام عبر التوافق مع دولٍ عربية، أما أمريكا فلا تزال الإدارة الجديدة قيد الإحجام عن إطلاق مبادرةٍ ما بخصوص سوريا، وهي بعيدة من التوافق مع روسيا، كلاعبيّن رئيسيين، على تسويةٍ ما.
يبقى للسوريين دورهم الأساس، في نبذ خطاب الكراهية وتأسيس خطاب إنساني ديمقراطي وسياسة وطنية حضارية عصرية، وعلى من بيده زمام الأمور ولإثبات رغبته الحقيقية في إيجاد حلٍّ لأزمة بلده المبادرة أولاً إلى وقف الانتهاكات وتحسين الأوضاع الإنسانية وفتح المعابر والإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والكشف عن مصير المفقودين وفك الحصار عن أي منطقةٍ مستهدفة والكف عن فرض الإتاوات.
ومن جهةٍ أخرى هناك ضرورة قصوى لتفعيل الحوار السوري – السوري وإعادة هيكلة المعارضة السورية بعيداً عن نفوذ تركيا وتنظيم الإخوان المسلمين، بمشاركة مجلس سوريا الديمقراطية الذي يشكل منصة وطنية واسعة، بالتوازي مع تفعيل دورٍ عربي بنّاء، وذلك لتسهيل مهمة الأمم المتحدة ومبعوثها غير بيدرسون في إيجاد حلٍّ وفق مجلس الأمن الدولي /2254/ المجمع عليه.
* جريدة الوحـدة – العدد 328- آذار 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).