صحيح من الإنصاف التأكيد بأن مناطق الإدارة الذاتية – شمال وشرقي سوريا التي تأسست كضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية، تتمتع بأمان واستقرارٍ نسبيين وبتوفر هامشٍ واسع من الحراك المجتمعي على مختلف الصعد، وبمستوٍ متدنٍ من الانتهاكات، عدا التضحيات التي قُدِّمت في محاربة الإرهاب ومقاومة الغزاة، في ظل ظروفٍ ذاتية وموضوعية بالغة الصعوبة والتعقيد، ورغم استمرار المخاطر الناجمة عن وجود تنظيم داعش والاحتلال التركي لمناطق كانت ضمن سلطة الإدارة، والتهديدات المتواصلة ضدها من أنقرة والميليشيات السورية الموالية لها.
هناك حاجة ملحة لحماية وتطوير تجربة الإدارة الذاتية، فتلك المجتمعات المحلية التي ذاقت الأمرّين من الاستبداد على مرّ عقود ومن إرهاب ميليشيات باسم الثورة (حرّ و وطني) وأخرى باسم الدين (النصرة وداعش وغيرهما)، تنفست الصعداء في ظل حكم الإدارة وقوات سوريا الديمقراطية.
ولكن إطلاق عبارات الرضا عن النفس والحديث المتواصل عن المنجزات وأفضال الإدارة الذاتية لا يُسمِنُ وَلا يُغنِي مِن جُوعٍ! بل الوقوف حيال النواقص والسلبيات، ومراجعة الذات والإنصات إلى المنتقدين، وفتح أبواب الحوار وإبداء الرأي وحرية التعبير، من الأولويات ذات الأهمية القصوى، بعيداً عن منطق التشكيك أو التخوين أو الترويع.
فمناطق الإدارة ليست بواحاتٍ للديمقراطية والحريات، ويقض مضاجعها بشكلٍ أساس الفساد والارتجالية والمزاجية وتدخل العسكر والفردية والمحسوبيات وفكرة قيادة الحزب الواحد، وعدم وجود آلية إدارية مالية شفافة تحدد موازنة كافة الدوائر وأوجه الصرف والإيرادات، وغياب قانون ضريبي عادل، كذلك ضعف الكفاءات وانخفاض مستوى الأداء لدى المؤسسات وقلة المشاريع التنموية والانتاجية قياساً بالاستهلاكية منها والخدمية، وتلكؤ ديناميكية تأمين احتياجات المواطنين اليومية من غذاء وطاقة وغيرها.
هناك انتهاكاتٌ تتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مثل الاعتقال خارج إطار القانون والإخفاء القسري، احتجاز أشخاصٍ كرهائن، تجنيد قاصرين، زج الجماهير في أنشطة منافية لإجراءات الوقاية من وباء كورونا، عدا عن حشر السياسة الحزبوية في مجال التربية والتعليم والقضاء وإدارة المؤسسات، وكذلك استغلال قانون عمل الأحزاب- الذي وضع في مراحل حرجة- لإكثار أحزاب مؤيدة للإدارة على غرار ما سبق وأن مارسه بعض دعاة المشروع القومي الكردستاني المنضوي مع الائتلاف كغطاء للإسلام السياسي وورقة في جيب المحتل التركي، وفي مناكفة أحزاب مناوئة لها.
إن ما يصون الإدارة هو وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وتعزيز المؤسساتية، وفتح المجال أمام ذوي الكفاءات والنزاهة بغض النظر عن معتقداتهم الدينية المذهبية أو انتماءاتهم القومية والحزبية وميولهم السياسية.
* جريدة الوحـدة – العدد 328- آذار 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).