القسم العامبيانات و تصريحات

اليوم الأسود: ثلاث سنوات من البَربَريّة في عفرين! رسالة مفتوحة إلى الرأي العام

في مثل هذا اليوم، 18 آذار 2018م، دخلت القوات التركية الغازية ومعها عشرات الألوف من أتباعها المُسلّحين السورييّن مركزَ منطقة عفرين- شمال غرب مدينة حلب- ليكون هذا اليوم الأسود ثقيل الوطأة، والذي سارَع فيه المحتلّون في تحطيم تمثال “كاوا الحداد” رمز نـوروز- التحرر من الظلم والطغيان والعبودية-  في مشهد احتفاليّ بمثابة علامة فارقة في تاريخ سكان المنطقة وشمال سوريا عموماً.

لقد مهّدت الحكومة التركية لعدوانها على منطقة عفرين/جبل الكُـرد بنشاط إعلامي ودبلوماسي محموم عبر شيطنة الكُـرد وإدارتهم الذاتية وتصويرهم إرهابيين وانفصاليين ومُعتَدين على السوريين والأتراك ويهددون أمن تركيا القومي وككفار ملاحدة يُعادُون المسلمين والدين الإسلامي. ووفق هذه المزاعم اضطرت تركيا لـ “فتح” المنطقة بمباركة من تلاوة “سورة الفتح” في /90/ ألف مسجد في داخل تركيا وخارجها عشية “عملية غصن الزيتون” لـ “تحرير” المنطقة من “الإرهابيين الانفصالييّن” وبالتالي إنشاء “منطقة آمنة” ينتشر الأمن والسعادة في ربوعها على يدّ “الجيش المحمّدي” و “المجاهدين السوريين”! 

وكان الغزو التركي مُقرّراً منذ أمدٍ ينتظر الترتيبات النهائية مع الدول ذات النفوذ على الساحة السورية، وخصوصاً مع روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، وسبقته العشرات من الهجمات والحصار على المنطقة من قبل ميليشيات ما سمي بـ “الجيش السوري الحرّ” والجيش التركي منذ عام 2012م ولغاية أوائل 2018م. إلى أن قام الجيش التركي بشنّ هجوم جويّ وبريّ مكثّف بتاريخ 20/1/2018م، تحت مسمّى “غصن الزيتون” المُخادع والمناقِض لجوهرها وأهدافها وآثارها، مُستخدماً أحدث الأسلحة المتطورة من الترسانة الحربية التركية غربية المصدر أبرزها ( طائراتF16  والأباتشي الأمريكية ودبابات “ليوبارد” الألمانية وأحدث الدرونات- طائرات دون طيار- إسرائيلية المصدر والبرنامج…)، ضاربةً بعرض الحائط القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن وبالتحديد المادة /51/ من الميثاق، التي لطالما تذرعت بها الحكومة التركية، إذ لم يكن ثمة أيُّ تهديدٍ وشيك- أو غير وشيك- لأمن تركيا من الجانب السوري، حيث حرصت الإدارة الذاتية على تأمين الحدود وعدم إطلاق رصاصة واحدة على الجانب التركي وانحصرت مهمتها الأمنية في الدفاع عن أمن المنطقة وسكّانها في وجه الاعتداءات المتكررة للجماعات المسلّحة الإرهابية المحيطة من الداخل السوري، ونجحت في ذلك. على النقيض من المزاعم التركية هذه حول تهديد أمنها القومي؛ فإنّ السوريين بكافة أطيافهم هم الذين عانوا وما زالوا من شتّى صنوف التهديدات والمخاطر الأمنية من الجارة -تركيا- بُعيدَ وقتٍ قصير من اندلاع الاحتجاجات في سوريا وساهمت بفعالية في تأجيج الأزمة السورية وحرف حركة الاحتجاجات عن مسارها السلمي بالتنسيق مع المال القطري وشبكة الجزيرة الإعلامية، من خلال نفوذ تنظيمات الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة نحو عسكرة وتسليح الحراك السوري، وتنسيق عبور آلاف عناصر القاعدة وداعش والحزب الإسلامي التركستاني وغيرها عبر الأراضي التركية إلى سوريا، وتقديم الدعم اللوجستي لهم واستمرار أنقرة في رعاية الميليشيات الإسلامية المتطرفة، وحتى اللحظة، مدفوعة بأطماعها وسياساتها التوسّعيّة في المنطقة والكراهية المتأصّلة في النظام السياسي التركي ضدّ الكُـرد.  

 ورغم الفارق الهائل في التسليح والعتاد والإمكانات التقنية والمادية، فقد استبسلت وحدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ وقوات سوريا الديمقراطية وقدّمت تضحيات باهظة في الدفاع عن المنطقة وأهلها ضد العدوان الخارجي واستحقت التفافاً شعبياً منقطع النظير من السكان المحليين والقوى السياسية – عدا المتورّطة مع الائتلاف وشبكات الاخوان المسلمين وتركيا، والأحرار الكُـرد والسوريين في كلّ مكان وأنصار الحرية وحقوق الإنسان ومناهضي الفاشية من حول العالم. 

بعدوانها واحتلالها حوّلتّ تركيا منطقة عفرين الآمنة إلى حدّ كبير إلى منطقة غير آمنة بالمطلق، ومرتعاً للجريمة المنظمة المستمرة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلى تغيير ديمغرافي ممنهج وشامل بحق الكُــرد – سكانها الأصليين يرتقي إلى مستوى التطهير العرقي عبر ممارسات متكاملة على شتى الصعد والمستويات: منع عودة حوالي /200/ ألف من سكان عفرين الأصليين المُهجَّرين قسراً إبّان الغزو، وتوطين ما يقارب /500/ ألف نسمة من أفراد عوائل مسلّحي الميليشيات والمُستّقدمين من الغوطة-ريف دمشق- وأرياف حمص وحماه وإدلب وحلب فيها، القتل العمد والهجمات ضد المدنيين، الاستعباد وإفقار المدنيين، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمُهينة بحق من تبقى من سكان عفرين، اضطهاد ثقافي وقومي، واضطهاد ديني بحق الكُـرد الإيزديين، والتتريك ونشر التطرف الديني وأفكار العثمانية الجديدة ونشر الكراهية والتحامل على الكُـرد والاستعلاء القومي والديني والمذهبي، وتدمير واسع النطاق في الممتلكات والاستيلاء عليها، وسرقة زيت الزيتون لثلاثة مواسم وهو  المصدر الأساسي لدخل غالبية سكان عفرين، والإخفاء القسري لما يقارب /1100/ شخص معتقل  مجهولي المصير، والاعتقالات العشوائية والتعسفية، ورفض شكاوى المواطنين، وأضرار شديدة بالبيئة والغطاء النباتي، واستهداف المواقع والمنشآت والمساكن المدنيّة، و تدمير المواقع الأثرية وسرقة الآثار، وإشاعة الفوضى والفلتان، والتمثيل بالجثامين، ونهب وسلب واسع النطاق، واضطهاد المرأة والاغتصاب والإكراه على الزواج، وتعذيبهن في السجون والمعتقلات السريّة التي يديرها ضباط الجيش التركي.

جملة الفظائع والانتهاكات والممارسات المذكورة أعلاه أفضت خلال وقت قصير إلى تخفيض نسبة الكُـرد في منطقة عفرين من أكثر من 95% قبل الغزو إلى نحو 25-30% بعد الاحتلال، وهو الهدف المطلوب والذي عبّر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوضوح في الأيام الأولى للغزو، وليس نتيجة جانبية أو ثانوية للعمليات العسكرية. إلى جانب تغيير خصوصية المنطقة الإثنية واللغوية وتخريب نسيجهاالإجتماعي المتآلف وتدمير معالمها التاريخية وتراثها الإنساني، وفقدان رونقها كمنطقة خضراء بفضل غطاءها النباتي وغاباتها الكثيفة وأحراش الصنوبريات وشجيرات البلوط وحقول الزيتون، بفعل القطع الجائر والحرائق المتعمدة والإهمال وتهجير مالكيها الحقيقيين.

لقد تحوّلت المنطقة إلى ثكنة عسكرية كبيرة وسجنٍ ضيّق لمن تبقى من أبنائها، دون أن يحقق هذا الانتشار الكثيف للمسلّحين وقوّات الاحتلال التركي أيّ أمانٍ مزعوم؛ فبالكاد يمرّ يومٌ واحد دون اقتتال بين تشكيلات الجماعات المسلحة الإرهابية أو تفجيرات بالسيارات والدراجات المفخّخة والعبوات الناسفة، ويذهب ضحيتها مدنيّون على الأغلب، بينما يحظى عناصر الجيش التركي والاستخبارات التركية والكوادر الإدارية والدينيّة المشرفين على جميع مفاصل الأمور في المنطقة بالحماية والتحصين، وعلى الفور يُلقي المسؤولون الأتراك وأتباعهم السوريّون مسؤولية تلك التفجيرات على وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية، غير المتواجدة في المنطقة التي أُفرغت من شبابها وفُرضت قيود جمّة على حركة ما تبقى من السكان الأصلييّن والتواصل فيما بينهم.

ومازالت سلطات الاحتلال التركي تمنع زيارة لجان حقوقية مستقلة ووفود برلمانية- ومن البرلمان التركي نفسه بل من الحزب الحاكم نفسه- أو صحفييّن وإعلامييّن مستقلّين لداخل المنطقة وإجراء تحقيقات محايدة. بيد أنه ونتيجة الإحراج التركي الكبير أمام الرأي العام العالمي وسيل التقارير الحقوقية والإعلامية عن الواقع المأساوي في عفرين، ولا سيما تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا التي فضحت جزءاً كبيراً من الممارسات والانتهاكات، قامت سلطات الاحتلال من جهة بتنظيم جولة قصيرة محدودة تحت إشراف مسؤولين أتراك لبضعة صحفيين أجانب يعملون من داخل تركيا، ومن جهة أخرى كلّفت قيادة الائتلاف وأكراده خصوصاً بنشاط إعلامي ودعائي من داخل عفرين وفي اسطنبول وعنتاب وأربيل/ كردستان العراق وعلى بعض وسائل الإعلام الكردية في محاولات بائسة للترويج لوعود وهميّة بتحسين الوضع في عفرين، ولجان مزعومة لـ “ردّ الحقوق” ونفي وجود سياسة ممنهجة ضد الكُـرد في عفرين واعتبار ما يجري  أخطاء فردية لبعض عناصر بعض الفصائل المسلّحة وثمة قضاء يحاسب هذا البعض القليل على  هذه الأخطاء الفردية القليلة!

أما على الجانب السوري فإن مسؤولية الجماعات المسلّحة الإرهابية التي نظّمتها ودرّبتها وسلّحتها وتشرف عليها الحكومة التركية تحت مسمّى” الجيش الوطني السوري” وممثّلها السياسي المدعو “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” و”الحكومة السورية المؤقتة” لا تقلّ عن مسؤولية الدولة التركية عن الفظائع والانتهاكات الجسيمة المُرتَكبة، وإن كانوا مرتزقة في خدمة السياسات التركية وتتعامل الحكومة التركية معهم على هذا الأساس، إنْ في سوريا أو حيث أرسلتهم إلى ليبيا وناغورني كرباخ.  

من الواضح والجليّ أن ما يجري منذ لحظة الغزو الأولى بحقّ المنطقة وسكانها ليست ممارسات فردية ولا عشوائية أو مجرد أخطاء قد تقع بها أي سلطة أو قلة خبرة إدارية- كما يتفوّه أتباع تركيا في” الائتلاف” دون خجل –  بل هو ترجمة دقيقة وأمينة لأوامر وتعليمات القيادة التركية التي تشرف على أدق التفاصيل الأمنية والعسكرية والإدارية عبر جيشها واستخباراتها وكوادرها الإدارية ورجال الدين الأتراك التابعين لوقف الديانة التركية – المرتبط مباشرة بالرئاسة التركية ومخصص لها ميزانية ضخمة- التي هي ذراع لسلطة حكومة العدالة والتنمية للتغلغل داخل المجتمعات المُستَهدَفة عبر استغلال العامل الديني، وكلّ ذلك تحت راية العلم التركي الذي يرفرف على كافة المباني والمؤسسات الإدارية والعسكرية والساحات العامة وعلى الزّي الخاص بالجماعات المسلّحة العاملة بإمرة الجيش والاستخبارات التركية، فالوجود التركي في عفرين – وسائر مناطق شمال سوريا- هو احتلال مكتمل الأركان. وقد تعززت السيادة التركية على المنطقة عبر إلغاء ما تبقى من المؤسسات الخدمية السورية وتأسيس بنى تحتية مرتبطة بالمؤسسات التركية (كهرباء، مياه، اتصالات، بريد، تربية وتعليم وجامعات، زراعة…) وفرض التعامل بالليرة التركية.

ونتيجة اقتلاع السكان الأصلييّن للمنطقة وتدنّي مقومات الحياة، يعاني المهجَّرون قسراً من ظروف بالغة الصعوبة في مناطق “الشهباء وشيروا”- ريف حلب “الشمالي”، تُفاقِمها بين الحين والآخر المضايقات والضغوط التي تفرضها الجهات الأمنية والعسكرية التابعة للنظام السوري عليهم.

 إنّ الاحتلال التركي وإن كان يستهدف الكُـرد بشكل أساسي إلّا أنّ أهدافه لا تتوقف عند حدّ اقتلاع الكُـرد من ديارهم وتحطيم الإدارة الذاتية بل له أطماعٌ طموحة جداً في سوريا ككل، حاضراً ومستقبلاً.

وتقاعس حكومة دمشق في القيام بواجباتها تجاه العدوان التركي، ومقايضات روسيا مع تركيا، والصفقات بين أنقرة وواشنطن التي تقود التحالف الدولي ضد داعش في شمال شرقي سوريا، وخفوت الأصوات الدولية الرسميّة المُنددة شجّعت حكومة أنقرة للإقدام على قضم واحتلال المزيد من الأراضي السورية في المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض، مكررةً بذلك نفس سيناريو عفرين من سلسلة الانتهاكات والفظائع والتطهير العرقي، وهذه المرة تحت مسمّى” نبع السلام”!

 إننا في حزب الوحــدة الديمقراطي الكردي في سوريا، نحمّل الحكومة التركية وأعوانها السوريين في ما يسمّى “الجيش الوطني السوري” و”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” دون استثناء أي تشكيل سياسي أو أي شخص من مكوّناته، مسؤولية الانتهاكات والجرائم المستمرة بحق المنطقة وسُكّانها، ونناشد القوى والكيانات السياسية وكافة النخب والفعاليات الثقافية والحقوقية السورية، والكتل البرلمانية في العالم باتخاذ موقف الإدانة والاستنكار بحق الاحتلال التركي لمنطقة عفرين وغيرها من مناطق الشمال السوري، والضغط على تركيا لوقف هذه الجرائم والانتهاكات والالتزام بما تُمليه القوانين الدولية عليها كدولة احتلال ودعوة حكومة تركيا إلى سحب قوّاتها من داخل الأراضي السورية إلى حدودها الدولية، ونناشد هيئات الأمم المتحدة، لاسيما لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، بالمزيد من العمل على تقصي الحقائق حول الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق عفرين وأهاليها وتحديد المسؤولين عنها.

أهالي عفرين وكُـرد سوريا عموماً ومعهم الوطنيون السوريون لن يهدأ لهم بال ولن يدخروا جهداً إلى أن تتحقق عودة طوعية آمنة ومشرّفة، مرفوعي الرأس إلى جبلهم الأشمّ وتحريره من نير الاحتلال والفاشية، وزراعة أشجار الزيتون من جديد وإزالة السواد من ربوع ديارهم!

17/03/2021م

حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

يمكنكم تنزيل الملف كاملاً بالنقر هنا:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى