الوضع في سوريا لا يزال بالغ التوتر، على أراضيها خمسة جيوش أجنبية جريدة الوحـدة*
لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا تُقدم تحليلاً للنزاع السوري، يغطي الفترة من آذار/مارس 2011 إلى 24 كانون الأول/ديسمبر 2020م
بناءً على طلب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قدَّمت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا تقريرها هذه المرّة- دورة كل ستة أشهر- عن النتائج التي توصلت إليها وتحليلها للشواغل الرئيسية المتكررة في مجال حقوق الإنسان طوال فترة النزاع وللاتجاهات المستمرة، وهو يغطي الفترة من آذار/مارس 2011 إلى 24 كانون الأول/ديسمبر 2020م.
في سياق تطور النزاع، كتبت اللجنة: «شُرد 62 ملايين شخص داخلياً وسُجل 5,3 ملايين شخص كلاجئين، في البلدان المجاورة أساساً، ولكن بصورة متزايدة في الشتات العالمي… وعلى أعتاب السنة الحادية عشرة من النزاع فإن الوضع في الجمهورية العربية السورية لا يزال بالغ التوتر، حيث تنشط في أراضيها خمسة جيوش أجنبية. وبدون اتخاذ إجراءات فورية متضافرة لتوطيد وقف دائم لإطلاق النار ودعم عملية سلام بقيادة سورية وقائمة على حسن النوايا، قد يهبط النزاع إلى مستويات جديدة من اللاإنسانية».
وخلُصت إلى استنتاجات، فيما يلي نصها:
– على مدى السنوات العشر الماضية، ارتكب أطراف النزاع أبشع انتهاكات القانون الدولي الإنساني وانتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان. وشملت هذه الانتهاكات والتجاوزات أفعالاً من المرجح أن تشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم دولية أخرى، بما في ذلك الإبادة الجماعية.
– ولجأت القوات الموالية للحكومة، وكذلك الأطراف المتحاربة الأخرى، إلى أساليب شن الحرب واستخدام الأسلحة التي تقلل من المخاطر على مقاتليها، لا تلك التي تقلل من إيذاء المدنيين. وركزت على الاستيلاء والسيطرة على الأراضي، على حساب حقوق السكان المدنيين. وعانى السوريون من عمليات قصف جوي واسعة النطاق لمناطق مكتظة بالسكان؛ وتعرضوا لهجمات بالأسلحة الكيميائية وعمليات حصار عصرية قام فيها الجناة بتجويع السكان عمداً باتباع أساليب القرون الوسطى وفرضوا قيوداً مخزية لا تقبل التبرير على المساعدات الإنسانية – عبر الخطوط وعبر الحدود على حد سواء، علماً أن المساعدات عبر الحدود قُررت بموافقة مجلس الأمن. ولم تترك أهوال النزاع أسرة سورية إلا وطالتها.
– وعلى الرغم من أن نطاق الانتهاكات المرتكبة في الجمهورية العربية السورية كان معروفاً منذ مرحلة مبكرة، فإن الدول النافذة راوغت في جهودها الرامية إلى إخماد النزاع في الجمهورية العربية السورية. وفي حين أيد بعضها ضرورة إيجاد حل سياسي، كثف في الوقت نفسه تدخله العسكري، الأمر الذي زاد من تدويل النزاع وإغداق الأموال على الأطراف المتحاربة وإمدادهم بالمقاتلين والأسلحة – رغم ما أدى إليه ذلك من تسهيل ارتكاب الانتهاكات. وخلص المبعوث الخاص المشترك السابق للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، إلى أن: «كل شخص كانت له أجندته، وكانت مصالح الشعب السوري تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة أو لا تُراعى على الإطلاق». وكان الاعتداء على المدنيين السوريين أيضاً اعتداءً على القواعد الأساسية لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني.
– وقد وُضع إطار كاف للمفاوضات منذ صدور بيان جنيف في عام 2012 واتخاذ قرار مجلس الأمن 2254(2015). ويجب تعزيز هذا الإطار وتحديثه، ويجب أن يعكس ما يمكن تحقيقه الآن على الفور لإعادة بناء الثقة في الزخم من أجل تحقيق سلام قائم على التفاوض استناداً إلى جدول زمني واقعي.
– وعلى مدى 10 سنوات، ظلت الجرائم والانتهاكات والتجاوزات الواسعة النطاق دون عقاب، ولم يُحاسب مرتكبوها؛ ومع ذلك، وعلى الرغم من التقاعس في مجلس الأمن، تحققت مكاسب في مجال الملاحقة الجنائية من خلال إنشاء الآلية الدولية المحايدة المستقلة، وعملياً من خلال استخدام الولاية القضائية العالمية وغيرها من أشكال الولاية القضائية لمحاكمة مرتكبي الجرائم المرتكبة في الجمهورية العربية السورية على صعيد عالمي. وقد تأخر كثيراً اتخاذ مبادرات مبتكرة مماثلة لسد الثغرات في مجالات العدالة الأخرى، بسُبل منها تحديد هوية المفقودين والمختفين، والعمل على إطلاق سراح عموم المحتجزين تعسفاً، ودعم أسر الضحايا والناجين، وتقديم التعويضات للضحايا، وتسريح المقاتلين، ولا سيما الأطفال، وتوفير الدعم النفسي الاجتماعي الشامل، ولا سيما للأطفال وضحايا العنف الجنسي، وتجميع وحفظ وتوثيق سجلات الوثائق المدنية وسجلات السكن والأراضي والممتلكات. وينبغي أن تقود جميع هذه العمليات مجموعاتٌ تمثيلية من السوريين، مع تقديم المجتمع الدولي الدعم التقني المطلوب.
– وينبغي تحري سُبل لتحفيز كامل نطاق إصلاحات قطاع الأمن والحوكمة، بما في ذلك التدقيق، واستخدام آلية الحقيقة والمصالحة، وينبغي وضع الأسس اللازمة لاعتمادها.
– وقدمت اللجنة، في تقاريرها الـ 33، مئات التوصيات إلى أطراف النزاع والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية. وفي هذا التقرير، الذي يقدم عرضاً عاماً للاتجاهات والجهود الرئيسية لدعم العدالة والمساءلة، تكرر اللجنة تلك التوصيات كاملةً وتقدم توصية شاملة واحدة: إعلان وقف دائم لإطلاق النار على الفور، يؤيده مجلس الأمن وتطبقه الدول الأعضاء الرئيسية التي تدعم الحكومة والجماعات المسلحة. ويجب أن يكون وقف إطلاق النار هذا حقيقياً، وينبغي وضع ضمانات لضمان عدم استخدامه وسيلةً للإعداد لهجمات جديدة، بل لإفساح المجال لمفاوضات يقودها السوريون ولاستعادة حقوق الإنسان الأساسية التي حُرموا منها فترة طويلة.
* جريدة الوحـدة – العدد 327- شباط 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).