الشاعر المتخفي بين سطور أبياته، محمود برمجة «Mûmê Welat» يرحل بصمت جريدة الوحـدة*
هادئاً وطويل البال، مفعماً بالإحساس والمشاعر، من نشأةٍ مشبعة بمفاهيم الدين السمح والروح الوطنية السورية والقومية الكردية في كنف أسرةٍ معروفة على مستوى منطقة عفرين، تلقت العلم والمعرفة وروح التضحية من أجل قضية شعبٍ عادلة ومبادئ إنسانية نبيلة؛ أبى حب الظهور وإبراز الذات الأنانية، بل ترك نتاجاً شعرياً غنياً يجعل القارئ يبحث عنه بين سطور أبياته، وهو المتخفي بينها بالمعاني والصور.
رحل بصمت دون صخب، يوم الإثنين 25 كانون الثاني 2021م، ووري جثمانه الثرى في مقبرة جنديرس- عفرين، بعد أن وقع بين أنياب جائحة كورونا، دون أن يدري أنها ستضع نهايةً لحياته، رغم أنه كان ينشر عنها النصح والمعلومات في صفحته، وقد فُجع بوفاة شقيقه الأكبر شيخ محمد برمجة بذات المرض في 3 أيلول 2020م.
محمود رشيد برمجة من مواليد ١٣/٥/١٩٥٧، بلدة راجو – منطقة عفرين، أكمل تعليمه الثانوي ودخل كلية الأدب العربي بجامعة حلب، فدرس للسنة الثالثة دون أن يتمكن من نيل الإجازة فيه.
انتسب إلى صفوف حزبنا أواخر عام ١٩٨٠م لغاية أوائل ١٩٩٠م، فترك العمل التنظيمي وانضم إلى أول حلقةٍ من المؤيدين لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا؛ عمل مدرساً في بعض مدارس عفرين، وساهم في نشر وتعليم اللغة الكردية في محيطه الاجتماعي وجمع الكثير من القصص والأمثال من الفولكلور الكردي، وفي ثمانينات القرن الماضي شارك في إصدار مجلة «گلاويژ» الكردية كتابةَ وعملاً، وأعدَّ كتيب «ألف باء اللغة الكردية- تعليمي مصور» إلى جانب قاموس كردي عربي، ولكنه فَقَد مسودتا المشروعين دون أن يتمكن من طباعتهما بسبب الضغوط الأمنية آنذاك، فتألم كثيراً وكأنه فَقَد وليداً جديداً له.
أواسط تموز 2020م، منحته أكاديمية السلام في ألمانيا شهادة تقدير عن قصيدته المعنونة بـ»الرحيل».
استمر الشاعر الراحل الذي كان يوقع قسم من نتاجاته باسم مستعار «موميه ولات Mûmê Welat» بروحٍ قومية ووطنية وانسانية في كتابة قصائد شعرية بالعربية والكردية بمقدار ديوان بالعربية وآخر بالكردية، بعضها منشورة في صفحتيه على الفيس بوك.
عانى المرحوم الأمرّين من ظروف الحرب في سوريا، حيث انهار مبنى منزله في حلب، وحجز المرتزقة بقية منزله المنهوب في راجو، ونزحت عائلته إلى تركيا، هرباً من الجحيم وسعياً لتأمين لقمة العيش، فبقي وحيداً بمدينة حلب عدة سنوات في ظروفٍ صعبة، نظراً لارتباطه بعمله الوظيفي الحكومي وقرب تقاعده عنه، إذ عاد إلى عفرين قبل شهرين على أمل العبور إلى تركيا، ليلتقي بأسرته هناك، ولكن قدر الموت كان له بالمرصاد.
كتب شاعرنا الجميل عن كوباني وقامشلي وعفرين وغيرهم، عن الحب والجمال، عن فاجعة سوريا… إذ دوَّن قصائد معبرة عديدة عن عفرين وفاجعتها التي سماها بـ»مأساة العصر ولطخة العار على جبين الإنسانية»، منها:
عفرين يا قدسنا وكعبتنا والنور
فكفانا السُّدور واللؤم والكسور
فليقبع الغاسق والجور والشرور
لا تأبه لحقدِ كابوسٍ ظلَّله الفجور
فلا شك بيوم تنتصب فيه القبور
وتنتقم الكرمة والزيتونة والحور
والحجرُ ونحن البشر يوما سنثور
فوداعاً أيها المهاجر إلى لقاء فلذات أكباده، ولروحك الرحمة والسلام.
* جريدة الوحـدة – العدد 326- كانون الثاني 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).