في حي الشيخ مقصود بحلب، معرض تشكيلي لإبداعات فنانين من عفرين جريدة الوحـدة*
بين ركام محنةٍ طويلة، وهمومٍ مستمرة، تنبض الحياة، صيرورتها تتوالى، غمٌ في يوم وفرحٌ في آخر، وللفن بين الثنايا حيزٌ شاسع، معبراً عن تفاصيلها وشجونها، بالغناء والرقص والموسيقا، بالريشة والشعر والأدب.
بين ما أصاب مدينة حلب من دمار ودماء، وهي لا تزال تئن تحت آثار الفاجعة وهول الكارثة التي لم تنتهي فصولها بَعد، وبين كمٍ هائلٍ من الذكريات في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، اللذان تميزا بنشاطهما وطابعهما المنفتح على مرّ عقود، وهما الآن يفتقدان للكثير من سكانهما، ورغم الخراب الهائل، هناك حيوية وإرادة لم تَنكسر، بل تتبلور من جديد لمواجهة التحديات.
الشيخ مقصود وجزءٌ من الأشرفية، تقعان تحت نفوذ الإدارة الذاتية وتسيطر عليهما وحدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ والأسايش منذ 2012م، التي صمدت في وجه الإرهابيين ببسالة، ويستمر سكانهما في مقارعة الحياة، بإرادةٍ لا تلين، من بينهم فنانون أَبَوا أن يتركوا أرض الوطن؛ فقد أقام عددٌ منهم «حنيف حمو، محمد جاويش، أصلان معمو، رويار بكر، شكران بلال، شيرين علو» معرضاً فنياً تشكيلياً مشتركاً، في مركز جميل هورو للثقافة والفن، برعاية منتدى حلب الثقافي، خلال ثلاثة أيام 12-15/1/2021م، وإذ رافق المعرض أيضاً أداء معزوفات جميلة من قبل الفنان أكرم نازيٍه على آلة التنبور والفنان إدريس مصطفى على آلة الكمان، حيث أضافا رونقاً جميلاً عليه.
زرنا المعرض، وباركنا باسم هيئة تحرير «الوحـدة» إدارته والفنانين المشاركين فيه على الجهود التي بذلوها، متمنين لهم دوام النجاح والتقدم لما فيه خير شعبنا.
وقد صرَّحت لـ «الوحـدة» الرئيسة المشتركة للمنتدى ليلى خالد قائلةً: «دعم الكتَّاب والفنانين من ضمن فعاليات ونشاطات المنتدى، ومع قرب حلول الذكرى السنوية للعدوان على عفرين في 20 كانون الثاني، أردنا تنظيم هذا المعرض، بمشاركة ستة فنانين من عفرين، وبأربعين لوحة تشكيلية، كل واحدةٍ منها تحكي أحاسيس وشعور الفنان الذي رسمها، للظروف والمعاناة التي مرَّ بها، هي ترجمة لها، خاصةً بعد النزوح من عفرين إلى الشهباء وحلب…
لا تزال ثقافة الاهتمام بالفن التشكيلي ضعيفة نوعاً ما، فالفنانون التشكيليون لا يتلقون الدعم الكافي، لذلك أردنا دعمهم بهذا النشاط، وننشر هكذا ثقافة؛ رغم صغر حي الشيخ مقصود وفقر أهاليها والمعاناة التي يعانونها، فهو لازال غني بعطاءاته وثقافته، لاسيما نحن نوجه رسالة للعدو الذي هجَر أهالي عفرين وسري كانيه وتل أبيض، ويبغي إقصاؤهم وتهميشهم وإسكاتهم، أو إمحاء الكُـرد بالتهجير، ونقول له أينما تواجدنا يوجد فن وإبداع».
أما الفنان أصلان معمو فأوضح: «اللوحات التي قدَّمتها في المعرض، هي نتاج العامين الأخيرين، بعد الهجرة من عفرين؛ مشاهد من الخيال، أشجار من أحضان طبيعة عفرين، الصخور وألوانها، ذكريات الطفولة… أشجار تعاني من الوجع الإنساني، تعبر عن حالات إنسانية.
الهدف من المعرض، ثقافي وجمالي كبير، ليشاهد الناسُ إبداعات الفنانين، التي تعتبر ثقافة بصرية، والتي نستمدها من طبيعة وبيئة منطقتنا، بجبالها وسهولها… ولكي نبقى على اتصال مع جمهورنا ومثقفينا وكافة شرائح المجتمع.
تقديم الموسيقا في المعرض أغناه، لكي يندمج الزائر مع الحالة، من الجانبين الحسي والبصري، اللذان يدعمان ويُغذيان بعضهما بعضاً، مشهد مؤثر مع سماع موسيقا فولكلورية مؤثرة».
كما تحدثت الفنانة الشابة شيرين علو لتقول: «مشاركتي في هذا المعرض هي الأولى مع مجموعة من الفنانين الكُـرد من منطقتنا، رسمت لوحاتي بريشتي عن كل شيءٍ خَلَد وبقي في ذاكرتي، بعد نزوحنا من عفرين، عن التراث والأصالة، البيوت الريفية وأبوابها… تخيلت ورسمت بريشتي إعادة إحياء تلك الأبواب المهجورة، وكأن الروح عادت إليها، أهاليها عادوا إليها.
المشاركة في المعرض كانت جميلة، إقبال جيد من الأهالي وناسنا والمهتمين بالفن والثقافة، وأشكر الذين قاموا بهذه المبادرة».
جميلٌ أن لا يحجز اليأس له مكاناً في نفوس أناسٍ عانوا الويلات، وقد رأينا على وجوه الزائرين، الأطفال منهم خاصةً، الابتسامة والأمل، والإيمان بانتصار الإنسانية على الظلام والبؤس، مع تدفق أنغام التنبور والكَمان إلى مسامعهم، وعيونهم ترى تلك اللوحات المعبرة عمَّا يختلج في دواخلهم.
* جريدة الوحـدة – العدد 326- كانون الثاني 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).