انسدادٌ في الآفاق السياسية… إنهاء الاحتلال التركي ومحاربة الإرهاب أولوية وطنية
الافتتاحية*
أعلن غير بيدرسون مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، في 29 كانون الثاني، اختتام الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، بلا تحديد موعدٍ مقبل ودون تحقيق نتائج مرجوة، وأنها كانت مخيبة للآمال، ولا يمكن الاستمرار على ذاك النحو؛ وقال إن ممثل الحكومة السورية رفض مقترحاً منه حول كيفية المضي قدماً؛ كما حَمَّل وفد المعارضة الطرف الحكومي المسؤولية عن فشل المحادثات. وبهذا اختفى بصيص أملٍ آخر كانت تسير نحوه الأمم المتحدة، في الوقت الذي تستمر فيه معاناة السوريين عامةً، من فقدان أحباب وفقرٍ وتشرد وقمع ودمار ونزيف دماء، ولم تهدأ فيه أيضاً أوجه الصراع على وفي سوريا.
بغض النظر عن أسباب ونتائج أزمة بلدنا المركبة، ما دامت حكومة دمشق هي المسؤولة عن الدولة رسمياً وأمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فتقع على عاتقها بالدرجة الأولى البحث عن الحلول السياسية مع الأطراف المعارضة، لأجل وضع حدٍ لتدهور البلد نحو الأسوأ، حيث تقع المصائب على الجميع، لا أن تبقى على عقليتها الأمنية- العسكرية المعتادة في التعامل مع الشأن الداخلي وقضايا المجتمع.
كما أن عودة وفد مجلس سوريا الديمقراطية «مسد» مؤخراً من دمشق خالي الوفاض، إثر محاولةٍ للجانب الروسي في إطلاق مباحثاتٍ بين الجانبين، بسبب الذهنية القديمة للسلطة وتعنتها، وحملتها الإعلامية العدائية على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك محاولات زرع الفتنة بين العرب والكُـرد في ريف دير الزور والحسكة والقامشلي، ومنع دخول المواد الغذائية والمحروقات والأدوية إلى مناطق الشهباء وحيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب المكتظة بمُهجَري عفرين والتضييق على تنقلاتهم… توحي بوضوح مدى انغلاق الحكومة على نفسها وغرورها وعدم استعدادها للتغيير وتقديم أية تنازلات، تمهيداً لإيجاد حلولٍ سياسية لمحنة سوريا.
كما تعرضت حافلات الجيش السوري وقوافل النفط لهجمات تنظيم «داعش» في البادية السورية، حيث انتعشت خلاياه وبدأت بتنفيذ عملياته ضد «قسد» والإدارة الذاتية أيضاً، إثر إحيائه لنشاطه، بعد أن خفَّ الضغط عليه نسبياً نتيجة احتلال تركيا لمناطق سري كانيه/رأس العين و كري سبي/تل أبيض في تشرين الأول 2019م وانشغال «قسد» به وبمقاومة الهجمات على بلدة عين عيسى خلال الشهرين الفائتين، وكذلك رد محاولات روسيا والنظام على تسليمها للجيش السوري؛ إذ هناك مصلحة مشتركة بين «قسد» والحكومة السورية في مقاومة الاحتلال ومحاربة الإرهاب المتمثل بالتنظيمات التكفيرية المتطرفة التي لا تزال نشطة على الساحة السورية ولها قدرات عسكرية وحاضنة اجتماعية إلى حدٍ ما، والتي تتطلب تعاوناً سياسياً وعسكرياً متبادلاً بين الجانبين، لا أن تستقوي الحكومة على «قسد» وتخلق لها الاستفزازات والتوترات، وتتخذ من تحالفها مع أمريكا ذريعةً لتقويضها. فأمريكا دولة عظمى ولها دورها في سوريا، لا يمكن لأحدٍ أن يلغيه، لما لها من حضور في المنطقة عموماً وثقل في التوازنات الدولية، ولها مساهمة كبيرة في دحرّ «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فلم تأتِ بها «قسد» بل هي التي حضرت ضمن تحالفٍ دولي مناهض للإرهاب.
إذاً إنهاء الاحتلال التركي لمناطق شاسعة في شمال وشمال شرقي سوريا ومحاربة الإرهاب التكفيري، من الأولويات الوطنية والإنسانية، وواجب على كل سوري يرغب في أن يتعافى بلده من كارثته، فقبول النظام للتفاوض السياسي مع «مسد» برعايةٍ روسية واعترافه بالإدارة الذاتية ومؤسساتها في غاية الأهمية، وسيخدم مفاوضات أي تسوية سياسية لأزمتنا.
ومن جانبٍ آخر تعيش المعارضة السورية أزمةً حقيقية، لاسيما وأن الائتلاف السوري- الإخواني يتماهى بشدة مع سياسات وأجندات تركيا ويرتهن إليها، وبالتالي يعادي المعارضة المتمثلة بـ «مسد» التي لها وزنها وتقع تحت سيطرتها جزءاً كبيراً من سوريا بمواردها الرئيسية؛ فحريٌ بمنصات المعارضة أن تتوحد وتُعيد هيكلة نفسها، «مسد» ضمناً، وتختار مركزاً جديداً لها، بعيداً عن ظل أنقرة واستنبول ونفحاتهما، لعل القاهرة تكون أنسب عاصمةٍ عربية له، لما لمصر من ثقل وحرص على سوريا، وإمكانية أن تلعب دوراً حيادياً فاعلاً.
يمكننا القول، بألم، إن السوريين عاجزون حالياً عن لملمة جراحهم وتداويها، هناك انسدادٌ في الآفاق السياسية، والدول المعنية بأزمتهم غير مهيأة أو جادة لتفادي الصراعات فيما بينها وتبدأ بتفعيل مسار حلٍ ما… ولكن لا نفقد الأمل!
* جريدة الوحـدة – العدد 326- كانون الثاني 2021م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).