تزامناً مع منغصات انتقال السلطة في الإدارة الأمريكية، حمي وطيس الأحداث في الداخل السوري إلى حدٍ ما لأجل استغلال الوقت الضائع إن صح التعبير، خاصةً في التصعيد العسكري ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» من قبل قوات الجيش التركي ومرتزقته من الميليشيات السورية الإرهابية التابعة للإئتلاف السوري- الإخواني، بهجمات متلاحقة على بلدة عين عيسى- مقرّ الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرقي سوريا وعلى قرى وبلدات الشهباء وجبل ليلون في ريف حلب الشمالي، وذلك في محاولاتٍ للسيطرة على بلدة عين عيسى وطريق M4 الاستراتيجي، لأجل إضعاف الإدارة وتقطيع أوصال مناطق حكمها، وجرّ مكونات تلك المناطق إلى التناحر والاقتتال وبالتالي إشاعة الفوضى وتقويض هيكلية وقدرات قوات «قسد»، تزامناً مع استمرار الانتهاكات والجرائم المرتكبة في المناطق الكردية المحتلة، ومن حيث النتيجة السعي لإلغاء دور ووجود الكُـرد في سوريا.
كما تنشطت خلايا «داعش» الإرهابية النائمة، إذ نفذت هجمات مباغتة على قوات الجيش السوري في البادية السورية، وحاولت أن تقوم بأعمال ضد «قسد»، إلى جانب ظهور خلايا مشبوهة مرتبطة بالاستخبارات التركية.
ومن جهتها حاولت روسيا والنظام السوري استغلال الوضع وممارسة ضغوطات على الإدارة الذاتية لتسليم بلدة عين عيسى وخروج «قسد» منها، حيث عززت القوات الروسية من تواجدها بوحدات جديدة من الشرطة العسكرية، الأمر الذي يشي باحتمال وجود صفقةً ما بين موسكو وأنقرة حول ترتيبات جديدة في الداخل السوري، تحاولان تنفيذها في هذه المرحلة، ولتُسجلا نقاط جديدة لصالحهما على صفحة الصراع مع واشنطن.
أما أمريكا فكانت الغائب الأكبر سياسياً على الساحة السورية في الآونة الأخيرة، إلا أن زيارة قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال كينيث ماكنزي المفاجئة للجنرال مظلوم عبدي القائد العام لـ «قسد» في الحسكة وتواصل الدعم اللوجستي من التحالف الدولي المناهض للإرهاب وزيارات العديد من الوفود السياسية والبرلمانية للإدارة الذاتية ومؤسساتها، شكلت دعماً قوياً في صمود «قسد» أمام هجمات الجيش التركي ومرتزقته، وإصرارها على الاحتفاظ بمناطقها وتذليل كافة العقبات في مواجهة خلايا «داعش» وأحداث الفتنة بين مكونات المنطقة، وفي الاستمرار بفرض النظام والسلامة العامة وتأمين الاستقرار بالتعاون مع قوات الأمن الداخلي؛ على سبيل الذكر لا الحصر، ضمان سلامة أعياد الميلاد وتنفيذ إجراءات مكافحة وباء كورونا.
ومن جهةٍ أخرى، هناك محاولات لخلق توترات في الوسط الكردي، ونسف جهود الجنرال عبدي في إنجاح حواراتٍ كردية- كردية، كمحاولات حرق مكاتب حزبية، وما رافقه من تسعير إعلامي وإطلاق اتهامات جزاف متبادلة.
إن مواجهة المخاطر المحدقة بالإدارة الذاتية، والكُـرد خصوصاً، يبدأ أولاً بتحصين الوضع الداخلي، من خلال مكافحة الفساد وحماية حقوق الإنسان، وتحرر أطرافٍ كردية من دائرة وهيمنة الائتلاف السوري- الإخواني المفلس وراعيه حكومة أنقرة برئاسة أردوغان، والعمل على تطوير وتوسيع الحوارات الكردية- الكردية على أساس مناهضة الاستبداد والإرهاب والاحتلال التركي، والسعي لتطوير وحماية الإدارة الذاتية القائمة كضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية.
كما يفترض بالحكومة السورية- كواجب سيادي وطني- الوقوف إلى جانب «قسد» والإدارة الذاتية في مواجهة أطماع تركيا وعدوانها على بلدنا، وفي دحرّ الميليشيات الإرهابية الموالية لأنقرة وبقايا فلول وخلايا تنظيم «داعش»، بدلاً من اقتناص الفرص بتغطيةٍ روسية في تقويضها، بل يتطلب الوضع بدء الحكومة بحوارات جادة مع مجلس سوريا الديمقراطية وقوى سياسية أخرى على أساس الاعتراف بالإدارة الذاتية وبالكُـرد كمكون رئيسي من الشعب السوري له حقوقٌ قومية مشروعة إلى جانب حل قضايا سياسية ودستورية جوهرية أخرى، وذلك خدمةُ لجهود إيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية عموماً.
* جريدة الوحـدة – العدد 325- كانون الأول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).