دراما «باب الحارة» الشامي، تعددت أجزاؤه وحلقاتها، جانبٌ قيمي مجتمعي ظاهر فيه وبارز بين أبناء الشام، كنموذج عن سوريا عموماً، روحٌ وطنية عارمة، رفضٌ للاستعمار ومظالمه وللإذلال أمام أبواب سلطاته.
كان القليل القليل من الناس يرضى على نفسه أن يكون «عواينياً» لدى المحتل ومتملقاً له، فلم يكن يجاهر بأفعاله الدنيئة، يبقى متخفياً، ذليلاً ومضطرباً بينه وبين ذاته، مطأطِئَ الرأس بين أهالي بلده، موضع ازدراء، لا يجد من يقف معه أو يسانده؛ ربما شخصٌ مُعتَّر، كان يسرق أو يكذب، ولكن لا يرضى أن يكون عواينياً ضد شعبه، لم لهذا العمل من قبائح.
لقد كان الوقوف مع المحتل وتبرير أفعاله وسياساته العدائية ضد البلد وأبنائه من أشنع الأفعال وأرذلها، حتى وإن كان على مستوى حارةٍ أو قريةٍ صغيرة، رغم ضعف المجتمعات المحلية في بدايات تأسيس الدولة السورية، وتفشي الفقر والجهالة.
ولكننا في العقد الثاني من القرن العشرين، شاهدنا العجائب والغرائب من أشكال وأحجام فروض الطاعة والولاء لمحتلي ومخربي بلدنا الذي وقع تحت سكين المستبدين وأمراء الحروب وإرهابيي العصر إثر انفجار أزمته منذ أواسط 2011م.
فـ»عوايني» العصر أضحى على درجةٍ أعلى من الانتهازية والقبح، في خطى مصالح شخصية مقيتة أو لمعتقدات بغيضة، ولا يخجل من إشهار أفعاله، بل ويتكابر ولا ينفك عن التأنق والتغني بالشعارات البرَّاقة، والتقاط صور تذكارية مع أسياده؛ بل وتجاوز الأمر إلى التذكير بأمجاد مشغليه وبأفضال سياساتهم، وإن كان على حساب مصالح وكرامة البلد وأبنائه.
مشاريع «العواينية» متعددة الأشكال والارتباطات، إما باسم شرعية الحكم والوطنية أو الثورة أو الدين أو القومية أو الدبلوماسية وغيرها، تخدم أجندات الأسياد، دولاً كانت أم تنظيمات وشخصيات، خاصةً أن التدخل الخارجي في الشأن السوري بلغ ذروته وعلى أكثر من محور، وتأتي تلك المشاريع والأجندات بالضد من مصالح الشعب والوطن، وفي تعاكسٍ مع جهود البحث عن حلٍ لأزمتنا المستفحلة.
إن ممارسة السياسة وفق ما هو ممكن، تحت ظروفٍ ذاتية وموضوعية استثنائية وضاغطة، لا يعني التخلي عن الجانب القيمي وعما يطمح إليه شعبنا السوري بكل مكوناته، ولا يعني الوقوف ضد أحدها في سبيل إرضاء جهةٍ ما، بل يستلزم الأمر تقديم التضحيات والتنازل عن المنافع الشخصية والحزبوية والفئوية وتلك التي تخدم أجندات ضيقة، والعمل على تفعيل مبادراتٍ سورية تلتقي على أسس وطنية وإنسانية حقيقية.
«عواينية» العصر وصلوا إلى الدرك الأسفل، وهم مكشوفون ومفضوحون، لا مستقبل لهم، بل ستلفظهم حركة الشعب وصيرورة التاريخ، فلا بد لليل أن ينجلي، ونكون على موعدٍ مع طلوع الفجر، نرفع فيه معاً رايات السلم والحرية والمساواة، ونبني سورية من جديد وطناً لجميع أبنائه.
* جريدة الوحـدة – العدد 325- كانون الأول 2020م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).